مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. ليس في نية القادة الجزائريين ولا المغاربة أن يخوضوا حربا” بين جيشي أقوى دولتين مغاربيتين. هذا على الأقل ما جاء في آخر تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يلخص تطورات الحرب في الصحراء، وألقاه أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 3 أكتوبر الماضي.
في هذا التقرير الذي تم نشره قبل أيام، يقدم غوتيريش وصفا دقيقا للوضع الميداني على الأرض، وأيضا حالة المفاوضات السياسية بشأن الصحراء الغربية، وما آل إليه تطبيق القرار الأممي رقم 2602 الصادر قبل عام، وكذا الصعوبات التي واجهتها عمليات بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، والتدابير المتخذة للتغلب عليها. هكذا، أفاد الأمين العام للأمم المتحدة أن مبعوثه الشخصي إلى الصحراء (ستافان دي ميستورا) قد لفت انتباه محاوريه في المنطقة، إلى القلق العميق الذي لاحظه بين أعضاء المجتمع الدولي، بشأن حالة العلاقات بين الجزائر والمغرب، ودعا إلى وقف التصعيد بين البلدين.
وأشار غوتيريش بارتياح إلى التأكيدات التي قدمها محاوروه في الجزائر العاصمة والرباط، بشأن “عدم وجود نية لدى أي من الطرفين في القيام بتصعيد عسكري “. وبذلك يكشف هذا التقرير الأممي التزم السلطات الجزائرية والمغربية باستبعاد خيار العدوان العسكري، لحل خلافاتهما السياسية حول نزاع الصحراء. لكن هذه التأكيدات لا تعني أن السلام يسود المنطقة، لأن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة هذا يشير إلى استئناف الأعمال العدائية المسلحة منذ 2021 في عدة مناطق من الصحراء المغربية.
“حرب” عسكرية صامتة
ويشير هذا التقرير بالتالي إلى أنه في المنطقة الخاضعة لقوات الأمم المتحدة (المينورسو)، قد “تواصلت الأعمال العدائية منخفضة الحدة بين الجيش الملكي المغربي، ومسلحي جبهة البوليساريو، طوال الفترة قيد دراسة تطور الأحداث في هذا الصراع بين أكتوبر 2021 وأكتوبر 2022. واستمرت المناوشات في التأثير على الأنشطة والجولات الجوية والبرية لبعثة المينورسو.
كما أن “وجود ذخائر غير منفجرة ومتفجرات من مخلفات الحرب، قد شكل تهديدًا محتملاً لموظفي الأمم المتحدة وممتلكاتها ومواردها بمنطقة النزاع”، بحسب ما جاء في التقرير نفسه، الذي جاء فيه كذلك بأن “وجود مهربي المخدرات وعناصر إجرامية أخرى في الإقليم، فضلا عن خطر وقوع هجمات إرهابية محتملة، لا يزال مصدر قلق”.
وبحسب ذات التقرير، فإنه خلال الفترة “بين 1 سبتمبر/أيلول 2021 و31 أغسطس/آب 2022، أبلغ الجيش الملكي المغربي بعثة الأمم المتحدة للتفتيش في الصحراء الغربية، بتعرضه لـ 691 حادث إطلاق النار على وحداته المتمركزة في على طول الجدار الدفاعي الرملي المغربي أو في مكان قريب منها. تعرض قطاع “المحبس”، المدينة المغربية الصحراوية التي تبعد 30 كلم فقط من تندوف الجزائرية، التي تتمركز فيها قوات البوليساريو، لـ 64٪ من تلك الهجمات العسكرية، كما يخبرنا تقرير الأمم المتحدة هذا، الذي يورد أيضا العديد من الهجمات المسلحة، التي قام بها الجيش المغربي ردا على تلك الهجمات العدائية.
للتذكير، على مدى ثلاثين عاما، ساهم النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية إلى حد كبير في تعميق هوة الخلافات المزمنة بين المغرب الذي يبسط سيادته على الإقليم منذ خريف 1975، والجزائر التي تدعم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) بالمال والسلاح والديبلوماسية، للمطالبة بـ “الاستقلال” عن المملكة. وبعد أن ظل الخلاف بين الرباط والجزائر العاصمة محصورا في حرب دبلوماسية وإعلامية، منذ سبتمبر/أيلول 1991، تحول منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أشكالا أكثر حدة وبدا أنه يسلك مسارا موسوما بالتهديد من كلا الجانبين.
فقد كررت الجزائر أكثر من مرة تهديدها بـ “تدمير” المغرب، الذي يطلق عليه رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة نعت “العدو”. كما كرر الجيش الجزائري مناورات عسكرية على الحدود مع المغرب. وبلغت الأزمة بين البلدين مداها الأكثر خطورة بقطع الجزائر علاقاتها مع المغرب في أغسطس/آب 2021، ثم أغلقت بعدها بشهر أجواءها في وجه الطائرات المغربية. وبعدها بشهر، أغلقت الجزائر أيضا أنبوب نقل الغاز “المغرب العربي-أوروبا” الذي كان ينقل صادراتها نحو أوروبا مرورا بالمغرب. وهذه القرارات الخطيرة تعتبر في أعراف وقواعد العلاقات بين الدول مقدمات لإعلان حرب.
مستبعدة لكنها ليست مستحيلة!
لكن التقارير الأممية لا تتحدث عن وقوع ضحايا في الجانب المغربي، كما لا تستطيع جبهة البوليساريو (ومن ورائها الجزائر) تقديم دليل واحد على سقوط “آلاف” القتلى والجرحى الذين لا تتوقف الجبهة عن الادعاء بإصابتهم في بلاغاتها العسكرية التي زادت عن 600 بلاغ! بالمقابل، سبق أن كشفت قوات الأمم المتحدة عن تدخلاتها لدى الجانب المغربي، للسماح للبوليساريو بسحب جثث قتلاها، الذين تقول الجبهة إن الجيش المغربي يطارد كل من تسلل منهم إلى المنطقة العازلة، لقصفهم بطائرات مسيرة متطورة.
وخلف أبواب موصدة، كشفت تسريبات مسجلة على الواتساب تشكي قياديين في البوليساريو، من رفض الجزائر تمكينهم من أسلحة نوعية تسمح لهم بالدخول في حرب حقيقية مع الجيش المغرب. والسبب معروف طبعا، ويتمثل في أن مد البوليساريو (التي تنطلق من قواعد فوق التراب الجزائري لمهاجمة المغرب) بسلاح متطور، يعتبر في القانون الدولي إعلان حرب من الجزائر على المغرب.
لكن ذلك لا يعني إمكانية اندلاع حرب. فمنذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، أواخر العام 2020، الذي تم مقابل اعتراف أمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية (التي لم تتراجع عنه إدارة بايدن إلى اليوم)، تشعر الجزائر بقلق كبير مما تصفه بـ “التدخلات الخارجية التي تستهدفها”، والهادفة وفق قادتها إلى “زعزعة استقرارها”. ولذلك تصاعدت حدة العداء والتهديد بالاعتداء على المغرب، بينما التزم هذا الأخير الهدوء لأنه لا مصلحة له في أي تصعيد ما دامت رياح السياسة الدولية في مصلحة سفينته.
وبعد تهديد الجيش عبر التلفزيون الرسمي الجزائري في خريف 2020 (قبل التطبيع مع إسرائيل)، بـ”سحق” المغرب بواسطة صواريخ “إسكندر” البالستية الروسية الصنع (التي أكدت حربا أرمينيا/أذربيجان وروسيا/أوكرانيا أنها ليست صواريخ “جهنمية” كما كان يُعتقد)، رأى مراقبون دوليون مغاربيون في التهديدات الجزائرية المتوترة والمتكررة، رسائل جدية ومباشرة لاستعداد جيشها للخيار العسكري في أية لحظة.
وبعد ادعاء الجزائر مقتل ثلاثة من مواطنيها كانوا يتنقلون على متن شاحنتين مدنيتين، في منطقة عسكرية تقع على الحدود الجنوبية مع المغرب في فاتح نوفمبر/تشرين الثاني 2021، هدد “مجلس الأمن” الجزائري بأن “هذه الجريمة لن تمر دون عقاب”. وانطلقت طبول الحرب بين البلدين تدق بقوة أكبر… لكن الحرب لم تقع حتى الآن.. لماذا؟
موازين القوى تغيرت
من الأوهام التي يسندها منطق، اعتقاد الخبراء العسكريين الجزائريين الراسخ في أن “أي حرب محتملة إنما ستكون داخل الأراضي المغربية”، مستدلين على ذلك بكون “العمق الاستراتيجي للجزائر أكبر من نظيره المغربي”؛ وبالتالي لا يمكن للقيادة المغربية أن تجازف بالهجوم على الجزائر. بينما الواقع يقول إن أية حرب تقوم —لا قدر الله— بين الجزائر والمغرب، ستأكل اليابس والأخضر وستكون مدمرة بشكل رهيب، على نحو ما كانت الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988).
وفضلا عن هذه الحقيقة التي كانت حاضرة لدى قادة البلدين من سبعينيات القرن الماضي، ثمة مؤشرات أخرى تشرح لماذا تعتبر الحرب مستبعدة بين البلدين. ونوجز أهمها في النقاط التالية:
* القوى الدولية المؤثرة (وفي مقدمتها الولايات المتحدة)، لا تعتبر المنطقة المغاربية ذات أهمية استراتيجية في السياق الحالي. فالأولوية لما يقع على التراب الأوكراني، وبحر الصين الجنوبي وحول تايوان، والمحيط الهادي. وبالتالي غير مسموح بقرار منها (القوى الدولية) بقيام حرب “جانبية” على مشارف أوروبا الجنوبية ومضيق جبل طارق.
* عطفا على ذلك، أعضاء مجلس الأمن الدولي لا يعتبرون النزاع بين المغرب والجزائر ذا أولوية، في الظروف الحالية على الأقل. وهذا ما يفسر استمرارهم في الاكتفاء —في كل مرة—بدعوة الأطراف إلى “ضبط النفس واستبعاد الخيار العسكري”.
* الضغوط الأمريكية على الجزائر. وقد كشف المحلل الجزائري المعروف “عبدو السمار”، بهذا الصدد، بأن اللقاءات المتعددة بين وزير الخارجية الأمريكي وسفيرة واشنطن في الجزائر، مع الرئيس الجزائري تبون وقائد أركان الجيش شنقريحة، خلال الشهور الأخيرة، استهدفت تحذير القادة الجزائريين بأن عليهم وقف التصعيد ضد المغرب. ونسجل فعلا أن الجزائر تراجعت عن لغة الوعيد بالحرب على مستوى كبار المسؤولين، دون أن تتوقف على مستوى الإعلام.
* برأي د. عبد الرحمان مكاوي، الخبير المغربي بـ “المركز الفرنسي للدراسات والاستخبارات”، فإن “الجيش الجزائري الذي يوجد في حالة تأهب للحرب مع المغرب، لابد له من حاضنة شعبية لاتخاذ قرار خوض الحرب. خاصة وأن الشعب الجزائري ليس متحمسا لدخول بلاده حاليا في أية حرب عسكرية، بقدر ما هو مهتم بإيجاد حلول لمشاكله الداخلية”. وكانت تقارير صادرة عن الاستخبارات العسكرية الجزائرية وقع تسريبها قبل عام، كشفت بأنه في ظل ميزان القوى العسكري الحالي مع المغرب، فإنه “ليس مضمونا أن تكسب الجزائر أية حرب تشنها على المغرب”.
* في ظل تصاعد التوتر بين البلدين، قرر المغرب بداية السنة الجارية إنشاء منطقة عسكرية جديدة على طول حدوده الشرقية مع الجزائر، مما يعتبر تحولا غير مسبوق في استراتيجيته الأمنية على تلك الحدود. وجرى تعيين الجنرال محمد مقداد قائدا للمنطقة العسكرية الشرقية. وهو مسؤول عسكري معروف في أوساط الجيش المغربي والمخابرات العسكرية الجزائرية، بكونه قضى معظم حياته العسكرية في الصحراء المغربية، وشارك في كثير من المعارك ضد البوليساريو والجيش الجزائري، أصيب في بعضها بجروح. ولا يحتاج ذلك إلى تعليق.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس