أفريقيا برس – المغرب. لا ينظر إلى انقراض الديناصورات عادة إلا كحدث بيولوجي يمثل نهاية عصر طويل لمخلوقات هائلة الحجم. لكن دراسة حديثة تكشف جانبا آخر أكثر عمقا من الأمر.
فبحسب الباحثين بقيادة علماء من جامعة ميشيغان الأميركية، لم ينه الحدث فقط حياة كائنات عاشت قبل ملايين السنين، بل أعاد هندسة ملامح الأرض نفسها، من مجاري الأنهار إلى تكوين التربة، بما يثبت أن الكائنات الحية ليست مجرد ركاب فوق سطح الكوكب، بل عوامل فاعلة في صياغته.
الأرض بعد كارثة النيزك
قبل 66 مليون سنة، اصطدم نيزك ضخم بمنطقة يوكاتان الحالية في المكسيك، فأنهى الحقبة الطباشيرية، وتسبب في انقراض جماعي شمل الديناصورات، هذا ما يتفق عليه علماء هذا النطاق حاليا.
وبحسب دراسة نشرت في دورية “كومينيكيشنز إيرث آند إينفيرونمنت”، فإنه بفحص تكوينات رسوبية في تشكيل فورت يونيون بأميركا الشمالية، لاحظ العلماء أن الطبقات الأرضية التي تعود للفترة مباشرة بعد الانقراض اختلفت جذريا عن تلك التي سبقته.
فقد تغيّرت الأنهار من مجارٍ مستقرة تحدّها الغابات الكثيفة إلى مجارٍ أكثر تذبذبا وعرضة للفيضان، والسبب كان اختفاء الغابات نتيجة الانقراض وانهيار النظام البيئي جعل الضفاف أكثر هشاشة، فانهارت بسهولة، وأصبحت الأنهار تفيض وتتعرج وتنقل كميات هائلة من الرواسب.
هذا التغير لم يكن عابرا، بل ترك بصمته على السجل الجيولوجي لعشرات آلاف السنين، وكأن الطبيعة نفسها أُجبرت على إعادة رسم خريطتها بعد رحيل المخلوقات التي هيمنت على اليابسة.
هذه النتائج تُظهر أن الحياة لا تعيش فوق الأرض وحسب، بل تصنع الأرض. فقبل الانقراض، الغابات التي رعتها الديناصورات ساعدت على تثبيت التربة وضبط تدفق المياه، وبعد الانقراض، ومع انهيار الغطاء النباتي، تبدلت مسارات الأنهار، وتغيّرت موازين الرواسب، بل وتبدلت خصائص التربة.
إنها صورة جديدة ترى الكوكب ليس مجرد مسرح محايد للأحداث، بل شبكة من التفاعلات المتبادلة بين الصخور والمناخ والكائنات.
عصر الإنسان
وإذا كان موت الديناصورات قد أعاد تشكيل الأنهار بفعل غيابها، فإن الإنسان يُعيد تشكيل الأرض بفعل حضوره الطاغي، وتأثيره المباشر على هذا العالم لدرجة أن العلماء اقترحوا لوجوده عصرا جيولوجيا خاصا (الأنثروبوسين).
يشير “الأنثروبوسين” أو “حقبة التأثير البشري” إلى الحقبة الجيولوجية التي يُعتقد أن تأثير الإنسان فيها أصبح بالغا لدرجة أنه غيّر جيولوجيا الأرض ونظمها الحيوية.
في هذه الحقبة، لم يعد الإنسان مجرد كائن يتأثر بالبيئة، بل صار قوة جيولوجية وتقنية تؤثر في المناخ، والتربة، والمحيطات، والتنوع الحيوي، بل وحتى في الغلاف الرسوبي للأرض.
وكما جعل غياب الغطاء النباتي الأنهار أكثر فيضانا بعد انقراض الديناصورات، فإن إزالة الغابات اليوم تسبب تآكل التربة وتغيّر أنماط الفيضانات، أما الانبعاثات البشرية فتغيّر من حرارة الأرض ودوراتها المائية، فتزيد من قوة العواصف وتذيب الجليد وتغيّر مسارات التيارات البحرية.
ما سبق هو أمثلة قليلة على تغير جذري غير مسبوق في تاريخ الكوكب، الفرق بيننا وبين الديناصورات هو أن التغير هذه المرة ليس نتيجة كارثة خارجية، بل نتيجة قرارات واعية وصناعية، تجعلنا نحن “المهندسين الجدد” للأرض، لكن بأدوات قد تكون أكثر تدميرًا من نيزك.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس