الريسوني: على حركة جيل زد تحويل المطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية

2
الريسوني: على حركة جيل زد تحويل المطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية
الريسوني: على حركة جيل زد تحويل المطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية

آمنة جبران

أفريقيا برس – المغرب. اعتبر سليمان الريسوني، الصحفي والحقوقي المغربي، في حواره مع “أفريقيا برس” أن “ما ينقص حركة جيل زد هو تحويل المطالب الاجتماعية إلى المطالب السياسية، باعتبار أن المتسبب في تراجع الأوضاع هو العامل السياسي غير الديمقراطي، الذي يحتكر التدبير دون وجود آلية حقيقية لمراقبة أدائه وطريقة معالجته للأوضاع.”

وبمقارنة الحركة مع الحركات الاحتجاجية السابقة التي شهدتها البلاد، مثل حركة 20 فبراير، يلاحظ أن “حركة 20 فبراير نجحت في التواصل مع الأطراف السياسية في البلاد، وأسست لوجودها على أرض الواقع، كما كانت لها الجرأة في الدعوة إلى إصلاحات سياسية. أما حركة جيل زد فلم تصل بعد إلى هذه الطفرة من الوعي، واكتفت مطالبها بالتركيز على الوضع الاجتماعي.”

ورأى أن “حركة جيل زد مطالبة بالانفتاح على القوى الحية بالبلاد والتشكيلات السياسية الحقيقية التي تتقاطع معها في النضال والمطالب، والاتجاه نحو إصلاحات سياسية حقيقية.”

سليمان الريسوني صحفي وكاتب رأي وحقوقي مغربي بارز، وُلد في الدار البيضاء في سبعينيات القرن الماضي، ويُعد من أبرز الأصوات النقدية في الصحافة المغربية. برز اسمه في جريدة أخبار اليوم التي شغل فيها منصب رئيس التحرير، واشتهر بمقالاته الافتتاحية الجريئة وتحليلاته السياسية التي تدافع عن الحريات وحقوق الإنسان.

عرف الريسوني بانخراطه القوي في الدفاع عن حرية الصحافة والحريات الفردية، وهو ما وضعه في صلب عدد من القضايا الحساسة في المغرب. اعتُقل سنة 2020 في قضية اعتبرتها منظمات دولية اعتقالًا سياسيًا، مما جعله يُصنّف ضمن معتقلي الرأي. قضى قرابة ثلاث سنوات في السجن قبل الإفراج عنه.

يُعد الريسوني اليوم من أبرز الكتاب الحقوقيين بالمغرب، وصوته حاضر في النقاش العام حول الإصلاح السياسي وحرية التعبير.

كيف تفسرون بروز حركة “جيل زد” بهذه القوة المفاجئة في المشهد الاحتجاجي المغربي؟

بروز جيل زد كان تعبيرًا عن حجم التراجع الذي عرفه المغرب على شتى المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكان متوقعًا أن يعبر المغاربة عن رفضهم لهذه الأوضاع والاحتجاج ضدها. لكن ما لم يكن منتظرًا هو أن يأتي هذا الاحتجاج من جيل يُقال عنه إنه جيل هارب وهاجر للسياسة أو مغيّب عنها، فإذا به يأتي الاحتجاج والرفض منه، خصوصًا أن مطالب هذا الجيل هي محل إجماع كل المغاربة بكل فئاتهم.

وبصرف النظر عن الفئة المحتجة، فهي تعبر عن مطالب مشروعة، وهو دليل على أن الاحتقان في المشهد السياسي والحقوقي بالبلاد هو بسبب تراجع الأوضاع الاجتماعية والمعيشية. غير أنه هناك تزييف للحقائق، حيث يقوم النظام المغربي بسياسة “الواجهة” المغربية للمتتبع الأجنبي، في الوقت الذي يشهد فيه العمق فوارق اجتماعية خطيرة على صعيد التعليم والصحة، على غرار ما يشهده مناخ حرية التعبير من اعتقالات للحقوقيين والصحفيين والنشطاء في العالم الافتراضي. لذلك فهذه الاحتجاجات متوقعة وهي نتاج لهذه السياسات اللّا شعبية.

ما الذي يميز احتجاجات جيل زد عن الحركات الاجتماعية السابقة في المغرب؟

من خلال مقارنة احتجاجات جيل زد مع الاحتجاجات السابقة التي عرفتها البلاد، مثل احتجاجات حركة 20 فبراير التي كانت مواكبة لما يسمى حينها بثورات الربيع العربي، نلاحظ أن كلتا الحركتين انطلقتا من العالم الافتراضي، من مناقشات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى احتجاجات في الشارع. لكن هناك فرق واضح بين الحركتين، حيث إن حركة 20 فبراير أسست لوجودها على أرض الواقع، وكانت تعقد اجتماعاتها العامة في مقرات الأحزاب والمنظمات الحقوقية، وكان شبابها محتّكًا بالأطراف السياسية المختلفة من يساريين وإسلاميين ونقابيين وحقوقيين.

عكس حركة جيل زد، فقد انتقلت من الافتراضي إلى الشارع ثم عادت مجددًا إلى الافتراضي، وهذا يُحيد بها نسبيًا عن الاحتكاك بالأطراف والتشكيلات السياسية. وهذا يعني أن حركة 20 فبراير نجحت في الانتقال من المطالب الاجتماعية إلى المطالب السياسية، أما حركة جيل زد فبقيت مطالبها اجتماعية بالأساس.

هل ترى مطالب المحتجين في الصحة والتعليم والبطالة واقعية وقابلة للتنفيذ؟

نعم، المطالب الاجتماعية قابلة للتحقق وقابلة للالتفاف حولها. وعلى العكس، كان مرجوًا ومأمولًا أن تنتقل الحركة من المطالب الاجتماعية إلى المطالب السياسية، لأن المتسبب في تراجع الأوضاع هو العامل السياسي غير الديمقراطي، الذي يحتكر التدبير دون وجود آلية حقيقية لمساءلته عن أدائه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وأيضًا الحقوقي. المتوقع من هذه الحركات أن تعي الترابط بين الاجتماعي والسياسي، وأن تنتقل من المطالب الاجتماعية إلى المطالب السياسية لضمان استقرار الواقع الاجتماعي. هذا ما لم يتحقق بوضوح كبير إلى حد الآن؛ فالحركة لم تصل إلى هذه الطفرة من الوعي، فالحكومة هي المسؤولة عن هذه الأوضاع ويجب مساءلتها ومحاسبتها. وما لم يتم ربط الوضع الاجتماعي بالوضع السياسي فإن الخلل سيبقى قائمًا.

هل ترى أن جيل زد يرفض الوساطات الحزبية التقليدية؟ وما البديل الذي يطرحه؟

المطلوب ليس وساطات حزبية، وكما أشرت فإن المطلوب بالأساس هو تحويل المطالب الاجتماعية إلى مطالب سياسية. كما أن الحركة ليست بحاجة إلى وساطة، ولها مطالب واضحة وقد أجمع الجميع بأنها مطالب مشروعة، وهي مطالب سبق أن رفعتها المعارضة الحقيقية في البلاد. فمطالب جيل زد هي مطالب الشارع المغربي، وعلى هذا الجيل الذي أثبت وعيه السياسي الانفتاح على من يتقاطعون معه في المطالب والشعارات من أحزاب ومنظمات حقوقية، فهذا هو المطلوب.

هل هناك تواصل مباشر بين المنظمات الحقوقية ونشطاء الحراك؟

الحركة الحقوقية، وأساسًا الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تُعتبر من كبريات المنظمات الحقوقية في العالم النامي، كانت دائمًا على اتصال مع معتقلي جيل زد ودافعت عنهم، واعتبرت اعتقالهم تعسفيًا ومفرطًا. واللافت في الحركة الحقوقية المغربية أنها حركة ناضجة رغم ما تتعرض له من تشويش وتضييق، وما يميزها أنها دائمًا منفتحة حتى مع من يخالفها الرأي من تيارات سياسية مختلفة كالسلفيين والإسلاميين، فهي تدافع عن الجميع من باب مسؤوليتها الإنسانية.

ما السيناريوهات المحتملة إذا استمرت الاحتجاجات بنفس الزخم؟ وهل تتوقعون تحولها إلى حركة سياسية منظمة؟

كل الاحتمالات واردة إذا استمرت الاحتجاجات، وعلينا ترقّب اختيارات الحركة في التواصل والأداء وما سيترتب عنها. وإذا اختارت الاحتكاك بالفرقاء السياسيين المناضلين الذين يرفعون نفس شعاراتها، حينها يمكن أن نقول إن الحركة باتت مسيّسة وانتقلت مطالبها من المجال الاجتماعي إلى المجال السياسي، باعتبار أن المدخل للإصلاحات الاجتماعية هو الإصلاح السياسي. وما لم يتم إصلاح العطب السياسي فلا يمكن الحديث عن استقرار للمجال الاجتماعي، الذي يتطلب حكومة قادرة على المحاسبة والمساءلة. هدفنا هو أن تكون لدينا حكومة قوية قادرة على إدارة الأوضاع، كما يمكنها الخضوع للمساءلة والمحاسبة أمام البرلمان.

ما الرسالة التي توجهونها لجيل زد من موقعكم كحقوقي مغربي؟ وهل ترون فيهم شركاء أم خصومًا في معركة التغيير؟

أحذّر مناضلي جيل زد من جرّهم إلى الفعل السياسي الذي لا قيمة له، وهو سبب أزمات البلاد منذ سنوات طويلة ومنذ استقلالها. وحتى نضع حدًا لهذا العبث، أحذرهم من التحالف مع أحزاب شكلية عاجزة عن التغيير؛ علينا الاتجاه نحو إصلاحات سياسية حقيقية. كما أحذرهم من المندسين داخلهم الذين يحرّضونهم ضد القوى الحية والتشكيلات السياسية الحقيقية في البلاد التي تناضل في الشارع، فعلى الحركة الإصغاء إليها والاحتكاك بها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس