مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. عندما أعلنت السلطات الأمنية المغربية قبل شهر عن تفكيك خلية تابعة لتنظيم “أسود الخلافة بالمغرب الأقصى”، الذي لم يسبق أن سمع به المغاربة من قبل، بدا واضحا من التفاصيل الأولى للتحقيقات المُعلن عنها، أن الأمر يتعلق بجيل جديد من التنظيمات الإرهابية عابرة للحدود. فالأمر لم يعد يقتصر على “خلايا نائمة” و”ذئاب منفردة”، تعتمد استراتيجية وأدوات محلية “تقليدية”، بل تطورت الجريمة الإرهابية مع تطور التعامل “الاستباقي” الأمني معها.
في وقت كان المغاربة يتهيؤون لاستقبال شهر رمضان، أسفرت العملية الأمنية التي قام بها المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وهو الجهاز الأمني المكلف بمحاربة الإرهاب في المغرب، عن توقيف 12 متهما تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة في تسع مدن مغربية في نفس الوقت. وأفضت مداهمات عناصر فرق التدخل الخاصة إلى العثور على مواد متفجرة في طور التركيب، وأسلحة بيضاء وأموال ومواد كيميائية. وكشف بيان صدر عن المكتب أنهم “بايعوا تنظيم داعش وانخرطوا في التخطيط لتنفيذ عمليات خطيرة”، في إطار مخطط كان يستهدف عدة مدن مغربية بينها الدار البيضاء، فاس، طنجة، أزمور، والعيون.
إن هذه ليست الخلية المسلحة الأولى التي يتم تفكيكها من طرف الأمن المغربي. فبحسب المعلومات المتوفرة، فقد تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، منذ إحداثه سنة 2015 وإلى غاية 19 يوليو 2021، من تفكيك 84 خلية إرهابية، من بينها 78 خلية مرتبطة بتنظيم داعش و6 خلايا أخرى تعتنق أيديولوجية “الغنيمة والفيء”، التي “تشرعن للأنشطة غير المشروعة لتمويل الأعمال الإرهابية، وتقوض النظام العام بشكل خطير”.
كما أفضت تدخلات المكتب إلى إحالة 1357 شخصا على المحاكمة في قضايا الإرهاب والتطرف، خلال الفترة المذكورة كان بينهم 14 امرأة و34 قاصرا، وتم تقديم 137 شخصا عائدا من مناطق القتال إلى العدالة، من بينهم 115 عائدا من الساحتين السورية العراقية، و14 عضوا سابقا في تنظيم داعش بليبيا، و8 آخرين تم تسليمهم إلى المغرب في إطار التنسيق مع الولايات المتحدة.
لكن خلية “أسود الخلافة بالمغرب الأقصى”، التي جرى تفكيكها في19 فبراير 2025، تؤشر على حصول تحولات جديدة في استراتيجية الجريمة الإرهابية بالمغرب.
“ذئاب منفردة” و”خلايا عائلية”!
تعتبر خلية “أسود الخلافة بالمغرب الأقصى” أخطر تنظيم إرهابي تم تفكيكه حتى اليوم بالمغرب، أو بأقل تقدير من بين الأكثر خطورة. فهي تكشف بوضوح أن المغرب لم يعد بعيدا عن ما يجري في منطقة الساحل والصحراء الكبرى، بل أصبح في قلب الاستهداف الإرهابي للجماعات المسلحة وعلى رأسها تنظيم داعش.
والأكثر إثارة للقلق، كما اعترف مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية “البسيج” الشرقاوي حبوب نفسه، هو استخدام نفوذ الأسرة كوسيلة للتطرف. فالأمر لم يعد مقتصرا على “ذئاب منفردة” بل انتقل إلى مرحلة “الخلايا العائلية”، وهو أسلوب يبدو جديدا في عمل الخلايا الإرهابية بالمغرب، حيث في هذه الحالة يمارس الأخ الأكبر سلطته المعنوية على فرد أو عدة أفراد من أسرته ويضمه لخليته. لأن ذلك يسمح على الأرجح بحصر أسرارها ضمن دائرة ضيقة. فأحد الموقوفين في إطار خلية “أسود الخلافة بالمغرب الأقصى” متزوج وأب لخمسة أطفال، وكانت تربطه علاقة وثيقة مع أحد زعماء الجهاديين في منطقة الساحل، الذي أرسل له “محتوى متطرفا” عبر الإنترنت، بما في ذلك حول قطع رؤوس الرهائن بعد محاكمات موجزة. وباستخدام هذه الاستراتيجية الجديدة في التجنيد، حرضهم الزعيم الجهادي عن بعد على ارتكاب هجمات في المغرب، ثم الفرار إلى معسكرات الجماعات المسلحة في منطقة الساحل للاختباء بها رفقة عائلاتهم.
وأوضح المكتب المركزي للأبحاث القضائية بأن الأجهزة الأمنية المغربية سبق أن فككت أكثر من 40 خلية مسلحة، كانت على صلة مباشرة بتنظيمات متطرفة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى. بعض هذه الخلايا تخصصت في إرسال مقاتلين مغاربة إلى تلك المنطقة للتدريب شبه العسكري قبل عودتهم لتنفيذ عمليات إرهابية في بلادهم، وخلايا أخرى كانت تحت إشراف مباشر لأمراء حرب تابعين لهذه التنظيمات بالساحل.
ووفق الشرقاوي حبوب، فإن هذا التطور يشير إلى سيناريوهات مستقبلية خطيرة، بالنظر إلى الجاذبية المتزايدة التي تحظى بها الإيديولوجيات التكفيرية في أوساط المتطرفين المحليين، مضيفا بأنه رغم الجهود المكثفة لمحاربة شبكات تجنيد المقاتلين، كما هو الحال مع الخلية التي فككت بين 29 و30 يناير 2024 في مدن الدار البيضاء وإنزكان وطنجة وبني ملال، فقد تمكن أكثر من 130 مقاتلا مغربيا من الالتحاق بمختلف الفروع التابعة لداعش في الساحل وغرب إفريقيا والقرن الإفريقي، بعضهم يتقلد مسؤوليات مهمة ضمن “لجان العمليات الخارجية”.
ومع خلية “أسود الخلافة بالمغرب الأقصى” دخلت الجريمة المسلحة مرحلة جديدة من التنظيم. فبعد تقديم أفرادها الولاء لتنظيم داعش في رسائل مسجلة، تم تنظيمهم ضمن مجموعات من منسقين ومنفذين ومكلفين بالدعم اللوجستي والمالي. وكانوا على اتصال دائم بأمير تنظيم داعش في منطقة الساحل المسؤول عن العمليات في الخارج، بحسب معلومات المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي كشف بأنهم تلقوا تعليمات بتنفيذ عمليات خطف وقتل، بالإضافة إلى تنفيذ هجمات ضد بنى تحتية وأهداف أجنبية في المغرب. و”قاموا بالتقاط صور لأهداف محتملة ورسم رسومات توضح طرق الوصول إلى أهدافهم والهروب منها”. كما “سجلوا مسبقا رسالة يعلنون فيها مسؤوليتهم عن هجمات كانوا ينوون القيام بها باسم تنظيم الدولة الإسلامية”!
مركز الإرهاب العالمي
في ضوء ذلك، يحذر المسؤولون الأمنيون المغاربة من أن منطقة الساحل والصحراء الكبرى، تشهد نشاطا متزايدا للجماعات الإرهابية، مستفيدة من عدة عوامل مثل النزاعات الإثنية والقبلية، وعدم الاستقرار السياسي، وصعوبة فرض الدول سيادتها على الأراضي الشاسعة، إضافة إلى تقاطع أنشطة الإرهاب مع أنشطة الجريمة المنظمة، وهو ما بات يشكل تهديدا حقيقيا للمغرب وللدول الأوروبية.
وتقول تقارير صدرت عن مراكز غربية للدراسات الاستراتيجية، إن وصول العسكريين إلى الحكم في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، قد فاقم من مستوى العنف في سياق جهودهم لاستعادة الميدان الذي سبق أن اكتسحه المتمردون والجماعات الجهادية. ففي بوركينافاسو، أعطى المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في سبتمبر 2022، منذ البداية، الأولوية لمحاربة الجماعات الجهادية التي تحتل أكثر من نصف مساحة البلاد. ولا سيما منها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم “القاعدة” وتنظيم “الدولة الإسلامية في الساحل”.
بالمقابل، ومنذ عام 2023، أصبحت منطقة الساحل مركزا للإرهاب العالمي، حيث سجلت المنطقة وفاة واحدة من بين كل ثلاث وفيات بسبب الإرهاب في جميع أنحاء العالم، وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي الذي ينشره معهد الاقتصاد والسلام. ويقوم المؤشر بتصنيف 163 دولة سنويا وفقا لتأثير الإرهاب، ويحتسب عدد الهجمات والوفيات والإصابات بجروح والرهائن.
وأصبحت المنطقة تسجل أكثر من نصف الوفيات الناجمة عن العنف الإرهابي في العالم، وفقا للمؤشر الذي طوره معهد الاقتصاد والسلام. فمن بين 7555 حالة وفاة بسبب الإرهاب في جميع أنحاء العالم في عام 2024، تم تسجيل 3885 حالة وفاة في منطقة الساحل. وبحسب المؤشر نفسه، فإن ثلاثة من البلدان العشرة الأكثر تضررا من الارهاب منذ عام 2024 تقع في منطقة الساحل، حيث تظل بوركينافاسو ومالي والنيجر من بين البلدان الأكثر تضررا، بشكل متواصل منذ عام 2017، وفقا للمؤشر. ويسلط ذلك الضوء على التحول الجغرافي لمركز الإرهاب بعيدا عن الشرق الأوسط إلى منطقة الساحل، على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. ويعزو مؤشر الإرهاب العالمي معظم الهجمات في منطقة الساحل إلى مجموعتين جهاديتين مرتبطتين بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل.
شبح داعش
ارتباطا بذلك، لا تكمن خطورة خلية “أسود الخلافة بالمغرب الأقصى” فقط في تعدد الأهداف التي حددت مهاجمتها، بل أيضا في كونها جزءا من استراتيجية تنظيم داعش في الساحل لإنشاء فرع له بالمغرب، حيث أنشأ أفراد الخلية لجنة مصغرة للتنسيق مع لجنة العمليات الخارجية لداعش بخصوص المخططات الإرهابية، وآليات التنفيذ، ونقل الأوامر إلى باقي العناصر.
وتشكل مخططات إدخال السلاح إلى المغرب عاملا مؤرقا للسلطات الأمنية المغربية، حيث كشفت التحقيقات المكثفة أن الخلية التي فككتها السلطات المغربية الشهر الماضي، عن الوصول إلى أدلة متسقة تؤكد وجود ملاذ لوجستي استراتيجي يلعب دورا حاسما في نقل الأسلحة من منطقة الساحل إلى المغرب، عبر ممرات تربط مدينتي “غاو” و”كيدال” في شمال مالي و”أرليت” في النيجر، وصولا إلى مدينة “تمنراست” في جنوب الجزائر ومنها إلى الحدود المغربية مع الجزائر. ويوضح تفعيل هذه الطرق السرية مدى تطور سلاسل الإمداد الجهادية، ما يدعو إلى ضرورة تعزيز مراقبة المناطق الحدودية وطرق تهريب الأسلحة الحيوية.
كما أن الإرهابيين يمكن أن يتسللوا بين آلاف المهاجرين غير النظاميين، الذين يتسللون عبر الحدود الرخوة الشاسعة جدا بين الجزائر والمغرب بسبب صعوبة مراقبتهم. فالنزاع المزمن بين البلدين، والذي يؤدي إلى تفاقم التنافس الإقليمي من خلال دعم الجزائر المستمر لجبهة بوليساريو، يزيد من تعقيد المشهد الجيواستراتيجي في المنطقة، بحيث هناك غياب مطلق للتنسيق الأمني والاستخباراتي بين الجزائر العاصمة والرباط.
ويؤدي هذا المزيج المعقد من العوامل إلى خلق بيئة مواتية لتوسيع التهديدات الأمنية، مما يتطلب الإسراع بالتنسيق الأمني بين الجزائر والمغرب لاستعادة الاستقرار في المنطقة.
المغرب ينخرط في “الحرب”
إن الباعث على قلق جدي فضلا عما سلف، أن انتقال الجماعات الإرهابية من الشرق الأوسط إلى منطقة الساحل والصحراء، منحها مجالا مفتوحا للانتشار وبالتالي صعوبة لمن يريد القضاء عليها. فالتقارير تفيد بأن جماعات الجهادية كـ” الدولة الإسلامية في الساحل والصحراء الكبرى”، أصبحت تتحرك على شكل جيوش صغيرة في منطقة مساحتها 9 ملايين و700 ألف كيلومتر مربع التي تشكل مساحة الصحراء الكبرى.
وفي سياق التهديدات المتلاحقة، يبدو أن التطورات الأخيرة تدفع السلطات المغربية جديا إلى التفكير في المبادرة إلى مهاجمة بؤر الإرهاب التي تستهدفها في المهد، مستفيدة من العلاقات الممتازة التي تربط الرباط بالقيادات العسكرية الجديدة الحاكمة في دول الساحل (مالي، النيجر، بوركينافاسو). كما أن استراتيجية المبادرة الأطلسية الرامية لفك العزلة على دول الساحل، التي يشتغل المغرب على تنزيلها في السنوات الأخيرة، لن تتمكن من بناء تجمع اقتصادي وإقلاع تنموي فعلي في المنطقة بدون استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار في هذا الفضاء الشاسع جدا من الصحراء الكبرى.
وبهذا الصدد، كشفت وسائل إعلام إسبانية بداية شهر مارس الجاري، أن المغرب يدرس بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، تشييد مطار عسكري في أقصى جنوب الصحراء، تتمثل مهمته في شن ضربات جوية باستخدام طائرات بدون طيار وطائرات مقاتلة ضد قواعد الجهاديين في منطقة الساحل.
ويرى خبراء مغاربة في هذا السياق، أن التنسيق العسكري والاستخبارات بين المملكة المغربية ودول التحالف الساحل، ممثلة في كل من مالي، النيجر، بوركينافاسو، والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، في مواجهة الإرهاب هو أمر قائم الآن رغم عدم خروجه إلى العلن. وأن المغرب كدولة مستهدفة من طرف هذه الجماعات سيلعب دورا مهما في قيادة هذه العمليات، من خلال قاعدة عسكرية يُتوقع إقامتها سواء في جنوب مالي أو في النيجر.
وجدير بالتذكير أن تسريبات راجت مؤخرا عبر مواقع استخباراتية معروفة، تفيد بوجود مخططات لبناء كقاعدة عسكرية للطائرات المسيرة الأمريكية الضخمة، والفرنسية، وطائرات مسيرة مغربية على بحيرة تشاد. لكن مهمة هذه القاعدة العسكرية الهجومية على معاقل الإرهاب، التي يجري الحديث عنها، لن تكون سهلة في مواجهة جماعات مسلحة أصبحت “جيوشا متحركة تتوفر على صواريخ مضادة للطائرات وراجمات ودبابات صغيرة ومعدات لوجيستية. كما تقف وراءها دول تدعمها ماليا وعسكريا واستخباراتيا، يقول خبراء مغاربة في تصريحات سابقة من هذا الشهر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس