
مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. أطلقت منظمة “أرى إسرائيل I See Israël” الصهيونية قبل أيام حملة تحريضية منظمة، من خلال شريط فيديو دعائي قصير، على منصات يوتيوب وفيسبوك وأنستغرام. ويروم الفيديو بشكل واضح إشعال الوقيعة بين شعبين جارين تميزا خلال العدوان الحالي على غزة، بتضامنهما المنقطع النظير مع الفلسطينيين، هما الشعبان الإسباني والمغربي.
التقرير التالي يحاول أن يحيط بجميع خلفيات وملابسات وأبعاد هذه الحملة الصهيونية السوداء.
“في عام 2035، سوف يقوم في المغرب نظام إسلامي متشدد في أعقاب حصول انقلاب. وسوف يقوم هذا النظام المتطرف باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية (المحتلتين) اللتين تتمتعان بالحكم الذاتي، بعد فرار المواطنين الإسبان الذين يقيمون فيهما إلى إسبانيا.” هذا السيناريو الذي تخيلته شركة إسرائيلية متخصصة في الدعاية الصهيونية، يقوم على سردية سوداء حيث “سيبدأ الزحف المغربي بهجمات صاروخية على الضفة الشمالية الإسبانية من مضيق جبل طارق المقابلة للمغرب (الذي يقع على بعد حوالي 14 كلم على الضفة الجنوبية من المضيق. تتبعها عمليات إنزال تنفذها فرق كوماندوز مغربية على سواحل مدن إسبانية. وخلال هذا الهجوم المرعب، سوف يفقد آلاف المدنيين الإسبان أرواحهم، وتغتصب نساءهم في منازلهن، ويتم خطف مئات من الإسبانيين والأطفال والنساء…”!
شركة “فيو إسرائيل Veo Israel” التي وضعت هذا السيناريو الكارثي، خصصت له فيديو من دقيقة و29 ثانية يخاطب الإسبان بلغتهم على لسان صحفية من بنات جلدتهم هي الصحفية الإسبانية “مارغيريتا أريدونداس بيدال” المتخصصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتتخلل الفيديو خرائط توضيحية، ولقطات بالرسوم المتحركة، ولقطات فيديو حية لضحايا هجمات حربية يُجهل مكان تصويرها، وذلك حتى يكون لكلام الصحفية وحركاتها تأثير فعلي على المُتلقّي الإسباني.
دعاية رخيصة
الجهة التي تقف خلف الفيديو بحسب بعض وسائل الإعلام الإسبانية، هي منظمة “أرى إسرائيل I See Israël”. وبالنسبة إلى المتتبع للشأن الإسرائيلي، فإن هذه المنظمة هي جزء من آلة الدعاية للمشروع الصهيوني، وتقود ما تسميها “حملة ضد موجات المعاداة للسامية المتزايدة في العالم”. أما الجهة المنفذة للفيديو، فهي شركة “فيو إسرائيل VEO Israël”، التي يظهر اسمها ثابتا على الفيديو. وبالبحث نكتشف بسهولة أنها متخصصة في صنع المحتوى الدعائي لقضايا إسرائيل، يوجد مقرها بتل أبيب. وتعرف نفسها كالتالي: “نحن في طليعة صناع المحتوى الأصلي واستخدام الأدوات التكنولوجية، لنقل الرواية الإسرائيلية إلى خضم الرأي العام العالمي. تترك حملاتنا انطباعا دائما، حيث تسلط الضوء بفخر على المحتوى الإسرائيلي الأصلي، وتستفيد من الوصول الحصري إلى التقنيات الإسرائيلية المتطورة”. وتضيف: “إن مهمة VEO Israël حاسمة لمكافحة المد المتصاعد لمعاداة السامية في جميع أنحاء العالم. باعتبارنا منظمة غير ربحية تستهدف الجمهور الناطق بالإسبانية، فإن ميزتنا المميزة تكمن في مقرنا الرئيسي في إسرائيل، حيث نقدم المواد والمعلومات مباشرة من المصدر: المحتوى الأصلي من إسرائيل، دون وسطاء، بحيث يتيح لنا هذا النهج المميز قيادة السردية وإجراء اتصالات مباشرة مع الأبطال المحليين”. وتزعم الشركة أنها راكمت “أكثر من 20 عاما من الخبرة في مجال الحملات الإعلامية الناجحة، بحيث نعرف كيف نغير سلوك الناس وآراءهم”.
ومن أجل ضمان فرصة لنجاح حملتها الجديدة، لجئت “فيو إسرائيل” إلى استئجار وجه إسباني وديع ومعروف، ويتمثل في الصحفية الإسبانية “مارغريتا أريدونداس بيدال”، المتخصصة في قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبحسب بحثنا في منصات التواصل حول علاقة هذه الصحفية بالدعاية الإسرائيلية، اكتشفنا أن لديها عنوانا بتل أبيب ما يعني أنها مقيمة بالكيان. كما أن صفحتها على الفيسبوك تتضمن صورا يظهر عليها علم الكيان، وهو ما يؤكد أنها مرتبطة به بالفعل على الرغم من أنها تشتغل مع منصة إخبارية إسبانية، كما تقول.
المغاربة مثل حماس!
والأن نتوقف عند عتبة السؤال الأهم: ما هي رسالة (أو رسائل) الفيديو الدعائي التحريضي؟ لا يتطلب الأمر ذكاء كبيرا ليدرك المتلقي العادي أن صناعه يبحثون على جر الرأي العام الإسباني إلى جانب إسرائيل. فبعد أن يطرح السيناريو الأسود لـ “الغزو المغربي” المتوهم، يحاول صناع الفيديو أن يصوروا المغاربة على شاكلة “وحوش” حماس “المغتصبين”، ويجعلوا بالتالي من إسبانيا “ضحية للوحشية” في مثل وضعيتهم. فيطرحون بصوت الصحفية الإسبانية الهادئ الوديع سؤالا كبيرا: كيف ستتصرف إسبانيا في مواجهة هكذا سناريو؟ وما هي الأضرار الجانبية التي سيكون الإسبان مستعدين لتحملها في هجومهم ضد المغرب؟ وكيف سيعاملون جيرانهم المغاربة؟ وأية أولوية سيولونها لإنقاذ الرهائن الذين اختطفهم المغاربة؟
طبعا إن الغاية من هذه الأسئلة التي تطرحها المنظمة الصهيونية “التي ترى إسرائيل”، على الرأي العام الإسباني، بالاستناد إلى سيناريو خيالي وضعته، هي الإحراج. فمن الطبيعي أن أي مواطن في أي دولة في العالم سوف يرد على غزو بلاده بالمقاومة. لكن اختيار صانع المحتوى الصهيوني تشبيه المغاربة بالفلسطينيين (وهو شرف لهم بكل تأكيد)، وتشبيه غزة بمدينتي مليلية وسبتة المحتلتين، يهدف بوضوح إلى تذكير الإسبان بأن صفهم “الطبيعي” —باعتبارهم جزءا من “الغرب”— إنما هو إلى جانب الكيان.
الغريب، أن الكيان حتى وهو يطلق العنان لشهوة قتل الأطفال والنساء والعجائز، لا يخجل من وصف نفسه بالمتحضر الذي يسعى إلى إنقاذ الحضارة من الوحوش الذين يتهددونها. وقد رأينا كيف أن الدعاية الصهيونية ركزت بشكل مبالغ فيه عند تنصيب رئيس أركان جيش الكيان الحالي قبل شهور، على كونه “خريج فلسفة” يقود جيشا!
وعلى نفس النحو، سارت دعاية الفيديو المذكور، عندما ينتهي بمقولة للكاتب الصهيوني عاموس عوز يقول فيها: “إن بعض دعاة السلام الأوروبيين يخطئون عندما يقولون إن الشر المطلق هو الحرب”، ثم يضيف: “المشكلة في العالم اليوم هي الحرب”. و”في حالة العدوان، في الواقع، فإنه في بعض الأحيان لا يمكن إيقافه (العدوان) إلا بالقوة. ولا يوجد أحد آخر في الطريق. وهذا شيء علمنا إياه التاريخ”. والمعنى واضح، فالاقتباس من الكاتب الصهيوني يسعى إلى تبرير المجازر في غزة.
بحثا عن الوقيعة
لسنا في حاجة إلى التذكير بحجم التضامن الشعبي الواسع في المغرب مع غزة، ومع فلسطين بشكل أعم. فمنذ الساعات الأولى للعدوان على غزة، لم تتوقف المظاهرات والمسيرات في قرى المغرب الصغيرة كما في مدنه الكبرى. وهو ما يجعل المغاربةفي طليعة الشعوب العربية والأفريقية المتضامنة. وعلى نفس الخط، تميز الموقف الإسباني خلال النكبة الفلسطينية الحالية، بكونه الأقوى سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي.
فعلى المستوى الشعبي، شهدت عشرات المدن الإسبانية مظاهرات تضامنية مع الفلسطينيين والمنددة بعدوان الكيان الإجرامي على غزة، حتى أن عدد المدن بلغ في بعض نهايات الأسبوع 88 مدينة إسبانية شهدت مظاهرات! وبالمثل، تجندت النقابات العمالية، وقامت بمنع عبور شحنات أسلحة إلى الكيان عبر الموانئ الإسبانية. ولا زالت صور وأشرطة الفيديو التي تظهر النائبة في البرلمان الإسباني عن حزب بوديموس المعارض، وهي تحمل على ساعديها مجسم طفل قتبل ملفوف بالكوفية وهي تلقي كلمة أمام زملائها وزميلاتها النواب، ماثلة في الأذهان. كما قررت بلدية برشلونة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تجميد علاقاتها مع إسرائيل وإلغاء قرار التوأمة مع بلدية تل أبيب التي يجمعهما لمدة 25 عاما.
أما على المستوى الرسمي، ففي وقت تناوب الزعماء الأوروبيون على زيارة الكيان لدعم قادته المجرمين في حربهم العدوانية، سيذكر التاريخ أن رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز (مع زميله البلجيكي)، احتجوا عند بوابة معبر رفح على الحرب الإسرائيلية، وأطلقوا من هناك تصريحات وعبروا عن مواقف مشرفة أغضبت قادة الكيان. وفي العاشر من الشهر الماضي، دعا سانشيز الدول الغربية إلى الاعتراف بدولة فلسطين.
كما لمعت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالنيابة إيوني بيلارا، بمواقفها المتكررة المنددة بجرائم الكيان في غزة والمتضامنة مع غزة، أهمها دعوتها إلى متابعة الكيان أمام القضاء الدولي بجرائم الإبادة.
هكذا تعتبر إسبانيا شعبا ومسؤولين وهيئات أهلية حالة فريدة في القارة الأوروبية والغرب عموما. وبسبب ذلك نفهم لماذا يسعى فيديو المنظمة الصهيونية التي تحظى بدعم رسمي إسرائيلي، إلى الدفع إلى الوقيعة بين أهم شعبين لا تتوقف شوارعهما عن النبض دفاعا عن الحق.
رابط الفيديو على منصة يوتيوب (باللغة الإسبانية):
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس