تجميد برامج الوكالة الأمريكية يضع المنظمات المغربية في مأزق

1
تجميد برامج الوكالة الأمريكية يضع المنظمات المغربية في مأزق
تجميد برامج الوكالة الأمريكية يضع المنظمات المغربية في مأزق

أفريقيا برس – المغرب. قادت ياسمينة صروني مسيرة مهنية طويلة في مجال المساعدات الخارجية والسياسة، تنقلت خلالها بين الأمم المتحدة حيث عملت على تعزيز المساواة بين الجنسين والحكامة المحلية، وبين الإشراف على مشاريع ممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في كل من المغرب والنيجر وبوركينا فاسو. وقد كرّست سنوات عمرها لهذا المجال.

لكن عقودًا من العمل أصبحت مهددة بعدما جمدت الولايات المتحدة تمويل المساعدات الخارجية في يناير 2025. تقول صروني: «لا توجد كلمات لوصف الصدمة وحالة عدم التصديق المطلق، لأن هذا لم يكن شيئًا نتوقعه كمجتمع USAID».

فبعد التوقف المفاجئ لبرامج الوكالة وغيرها من المساعدات الخارجية تحت الإدارة الأمريكية الحالية، وجد مديرو المشاريع والموظفون والمنظمات غير الحكومية المغربية أنفسهم فجأة بلا أجوبة أو توجيهات.

السقوط المفاجئ لـ USAID

في 20 يناير، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسومًا يقضي بإعادة تقييم جميع برامج المساعدات الخارجية، وذلك بعد ساعات فقط من دخوله البيت الأبيض رسميًا. وقد أدى المرسوم إلى تعليق البرامج لمدة 90 يومًا للمراجعة، قبل أن يصدر في 24 يناير أمرًا بوقف العمل. لكن لم يكن من الضروري انتظار انتهاء هذه الفترة، إذ سارعت الإدارة إلى إنهاء 83٪ من برامج USAID.

ستيفاني ولمان بوردات، الشريكة المؤسسة لمنظمة Mobilizing for Rights Associates (MRA) التي تتخذ من الرباط مقرًا لها وتركز على تعزيز حقوق النساء عبر العمل القانوني والخدمة المجتمعية، تقول إن القرار جاء دون أي تحذير أو متابعة لاحقة.

وأضافت في تصريح لـ Yabiladi: «كانت العملية مروعة». «لم نتلق أي إشعار رسمي. عرفت بالأمر فقط لأنني كنت أتابع الأخبار». ووفقًا لتحقيق أجرته MRA في مطلع فبراير، فإن 7 جمعيات فقط من أصل 37 جمعية مغربية تم إبلاغها بأمر وقف العمل بعد إصداره في 24 يناير، بينما اكتشفت الجمعيات الأخرى الخبر عبر وسائل الإعلام أو بشكل غير رسمي.

وبرغم أن صروني كانت تتوقع عراقيل للمشاريع المرتبطة بالمناخ والاستدامة أو المساواة بين الجنسين والرعاية الصحية، إلا أنها لم تتخيّل أن الحكومة الأمريكية ستقطع التمويل عن معظم البرامج.

وتقول: «USAID ركيزة من ركائز السياسة الخارجية الأمريكية». «نحن نتحدث عن الأعمدة الثلاثة للدبلوماسية الأمريكية: الدفاع، الدبلوماسية والتنمية. لم نعتقد يومًا أن الإدارة ستقوّض نفسها بهذه الطريقة، بالنظر إلى تأثيرها العالمي».

تتبّع المال في السنوات الماضية، شكّلت المنظمات المغربية نموذجًا حيًا لما يمكن أن تحققه USAID للمشاريع المحلية، لكنها تجد نفسها اليوم تبحث بشكل محموم عن مصادر تمويل بديلة، أو تتزاحم على ما تبقّى منها.

توضح بوردات أن معظم مشاريع التنمية الدولية الممولة من USAID كانت تعتمد نظام السداد؛ أي إن المنظمات تنفق من مواردها أولًا ثم تتقدم بطلبات لاسترجاع الأموال. وبعد التجميد المفاجئ للتمويل، أصبحت هذه المنظمات في وضع معلّق، تنتظر مبالغ كان يفترض أن تُصرف منذ أشهر.

وتشير إلى أن MRA لم تتلقّ مستحقاتها إلا في ماي، مقابل نفقات امتدت من أكتوبر 2024 إلى يناير 2025. وتضيف: «كنا محظوظين لأن لدينا مصادر تمويل متنوعة». «لا يمكن القول إن الوضع كان جيدًا، لأنني بدل تنفيذ مشاريعنا منذ ديسمبر، وجدت نفسي أقضي معظم العام في البحث عن التمويل».

وتزامن خروج USAID مع تخفيضات كبيرة في تمويل المانحين الأوروبيين الذين كانوا يأملون في سد فجوة الـ 60 مليار دولار. وبحسب بيانات Donor Tracker، من المتوقع أن ينخفض إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية (APD)—وهي مساعدات حكومية موجهة لدعم التنمية والرفاه في الدول النامية—بنسبة 12٪، أي ما يعادل 18.41 مليار دولار في عام 2026.

لكن هذه التخفيضات ليست وليدة اللحظة؛ بل تأتي ضمن اتجاه تنازلي بدأ حتى قبل الإجراءات الأمريكية. هذا العام، كان متوقعًا أن تتراجع المساعدات الإنمائية من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة—وهي دول تمثل مجتمعة ثلثي التمويل العالمي—بنسب تتراوح بين 9 و17٪، وفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). وفي عام 2024، كانت المساعدات قد سجلت بالفعل تراجعًا بنسبة 9٪.

تنظيف الأضرار

بالنسبة للمشاريع المغربية التي كانت تعتمد بشكل كلي على تمويل USAID، لم تكن خسارة الدعم المالي وحدها هي المشكلة؛ بل أيضًا فقدان الأمان الوظيفي. أحمد جزولي، الذي شغل رئاسة برنامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة في جهة مراكش–آسفي منذ 2022، كان يقود أحد أكبر مشاريع الوكالة بالمنطقة بميزانية بلغت 18 مليون دولار، موجهة لدعم البحث العلمي ومنظمات المجتمع المدني ومبادرات أخرى.

يقول جزولي إن المشروع تلقى أول إشعار بوقف العمل في يناير، ليتم إغلاقه بالكامل بحلول مايو. ويضيف: «بدأنا إجراءات الإغلاق، وبالطبع وجد جميع أفراد الفريق أنفسهم خارج العمل».

كان الفريق يتألف من 25 موظفًا دائمًا. لحسن الحظ، تمكن جزولي من العودة إلى أدوار أخرى في مسيرته المهنية، لكن كثيرين ممن لا يملكون نفس الخبرة أو البدائل المهنية وجدوا أنفسهم في مواجهة بطالة قاسية.

وعلى الصعيد العالمي، تسبب وقف التمويل وما تلاه من إجراءات في فقدان أكثر من 238 ألف وظيفة بحلول سبتمبر. صروني، التي تحمل الجنسية المغربية، قررت البقاء في البلاد لمواصلة عملها، لكن كثيرين غيرها لم يتمكنوا من ذلك.

تقول: «اضطر العديد منهم لبيع منازلهم. بعضهم كان يعيش في الخارج، واضطر للعودة إلى الولايات المتحدة فجأة، بلا خطط، بلا سكن، والأهم بلا تأمين صحي». وتوضح أن تدفق الآلاف إلى سوق العمل دفعه إلى حالة «إغراق»، خاصة مع ارتفاع عدد الباحثين عن وظائف مقارنة بفرص العمل المتاحة، وغالبًا بمهارات عالية لا تجد منافذ مناسبة. وتضيف: «يؤلمني أن أرى زملاءً سابقين يكافحون في وظائف لا تعكس حجم خبراتهم أو ما يمكنهم تقديمه».

مستقبل المساعدات الخارجية

تركت الفوضى التي أعقبت هذا الاضطراب بصمتها على الثقة التي تربط المنظمات المحلية بالمانحين الدوليين. وتقول بوردات إن هذه التجربة شكّلت ضربة قوية لمعنويات فريقها.

وتوضح: «تجد نفسك تتساءل: لماذا نثق بأي طرف مرة أخرى، حتى مع وجود عقد موقّع؟». ورغم قسوة التجربة، تعتقد صروني أن الولايات المتحدة ستواجه تبعات خطوتها على المدى الطويل. وتقول: «في النهاية، إذا قرر الأمريكيون الانسحاب من الساحة الدولية، فهذا خيارهم». «لكن العالم سيمضي قدمًا، وسيمضي قدمًا بدون الولايات المتحدة».