“حرب بيانات” بين القصر والإخوان في المغرب

21
"حرب بيانات" بين القصر والإخوان في المغرب

أفريقيا برس – المغرب. حسن الأشرف – حالة من الشد والجذب تشهدها الأوساط المغربية بين الديوان الملكي وحزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان، وجاءت بمثابة إلقاء حجر في المشهد السياسي الراكد خلال الوقت الراهن.

انطلق التوتر ببيان للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المعارض ذي حول تصريحات وزير الخارجية المغربي بخصوص العلاقات مع إسرائيل.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تطور إلى ما يشبه “حرب بيانات”، حيث أعقبه بيان للديوان الملكي يوبخ الحزب، الذي بدوره أصدر بياناً آخر يرد فيه على مضامين بيان القصر.

وفاجأ القصر الملكي الحزب، الذي سبق له تدبير الشأن العام لمدة 10 سنوات قبل أن يمنى بهزيمة في الانتخابات التشريعية عام 2021، ببيان شديد اللهجة، متهماً إياه بالتدخل في اختصاصات المؤسسة الملكية واستغلال القضية الفلسطينية لأجندات انتخابية، ليرد الحزب نافياً أي تدخل أو استغلال انتخابي للقضية.

القصة الكاملة

بدأت القصة في السابع من مارس (آذار) عندما نشر حزب العدالة والتنمية بياناً في الرابع من مارس لم يكن يعتقد حينها أنه سيثير كل هذا الجدل واللغط، بل أثار حتى غضب المؤسسة الملكية نفسها.

الحزب أبدى استهجانه للمواقف الأخيرة لوزير الخارجية ناصر بوريطة. وقال إنه يبدو فيها “كأنه يدافع عن الكيان الصهيوني” في بعض اللقاءات الأفريقية والأوروبية، في الوقت الذي “يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين”.

وأبرز الحزب حينها أن “الواجب الشرعي والتاريخي والإنساني يستلزم مضاعفة الجهود في هذه المرحلة الدقيقة دفاعاً عن فلسطين وعن القدس في مواجهة تصاعد الاستفزازات والسلوكيات العدوانية وفي الحد الأدنى التنديد بالإرهاب الذي لا يتوقف” من جانب إسرائيل.

مرت ستة أيام على إصدار حزب العدالة والتنمية بيانه الذي كان يهم عديداً من القضايا، ومن بينها القضية الفلسطينية، ليفاجئ الديوان الملكي الجميع ببيان وصفه كثيرون بالقوي والحازم في الـ13 من الشهر نفسه، وجه فيه اتهامات عديدة للحزب الذي يقوده عبدالإله بن كيران رئيس الحكومة الأسبق.

واعتبر الديوان الملكي بيان “العدالة والتنمية” تضمن “تجاوزات غير مسؤولة ومغالطات خطرة في ما يتعلق بالعلاقات بين المملكة المغربية والكيان الصهيوني، وربطها بآخر التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية”.

وشدد بيان الديوان الملكي على أن “موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي من أولويات السياسة الخارجية التي تعد مجالاً حصرياً خاصاً بالملك”، قبل أن ينبه “العدالة والتنمية” إلى أن العلاقات الدولية للبلاد يجب ألا تكون موضوع ابتزاز، وأن “استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطرة ومرفوضة”.

حزب العدالة والتنمية رد، الأربعاء الماضي، على اتهامات الديوان الملكي، نافياً “أي تدخل في الاختصاصات الدستورية للملك وأدواره الاستراتيجية”، وبأن ما أدلى به حيال تصريحات وزير الخارجية والعلاقات مع إسرائيل كان مجرد “حرية رأي وتعبير مكفولة بكل أشكالها بمقتضى الدستور”.

ونفى الحزب الإسلامي المعارض أيضاً أن تكون مواقفه في شأن القضية الفلسطينية مرتبطة بأي “أجندة حزبية داخلية أو انتخابية ولا بأي مغالطات أو مزايدات سياسية أو أي ابتزاز”، معتبراً أن البيان، الذي سبب غضب الديوان الملكي، “لا يخرج عن مواقف الحزب الثابتة والمتواترة في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ورفض التطبيع”.

حرية تعبير

القيادي في حزب العدالة والتنمية عبدالعزيز أفتاتي علق على السجال المثار، قائلاً إن “الحزب يحترم دستور المملكة والمؤسسات القائمة، وإن مقاصده من خلال البيان المذكور لا تتعمد أي مزايدات أو مغالطات في شأن السياسة الخارجية للبلاد، ومنها التعاطي مع مستجدات الملف الفلسطيني”.

وأضاف عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية،” أن موقف حزبه بخصوص القضية الفلسطينية هو “موقف وطني جامع لعموم الطيف السياسي المغربي، وهو ما دأب عليه الحزب وسيستمر فيه إلى حين إحقاق جميع حقوق الشعب الفلسطيني وضمان عودة اللاجئين، ودحر الاحتلال الصهيوني العنصري”.

ولفت أفتاتي إلى أن “العدالة والتنمية” يرى أنه من حقه التعبير عن آرائه بحرية بما في ذلك انتقاد العمل الحكومي والوزراء، وأنه لا أحد منهم فوق النقد دستورياً، ومن بينهم وزير الخارجية، وذلك في إطار توجه الحزب الإصلاحي بتجرد ونزاهة وصراحة وشجاعة كذلك”، على حد تعبيره.

وذهب إلى أن هذه المواقف المعبر عنها تنطلق من الأسس المركزية في الدستور، ومنها الخيار الديمقراطي وتوطيد المؤسسات والمشاركة والتعددية، وتأكيد التزامات المغرب بخصوص الانتماء للأمة العربية والإسلامية، وكذا مرتكزات النظام الدستوري للبلاد من فصل السلط وتوازنها وتعاونها”.

سابقة سياسية

من جهته يرى المحلل السياسي والأستاذ الجامعي محمد نشطاوي أن ما وقع من شد وجذب بين الديوان الملكي وحزب “العدالة والتنمية” يعد سابقة من نوعها، لأنه لأول مرة يصدر بيان شديد اللهجة من الديوان الملكي يحاول فيه إعادة تذكير الحزب في شأن اختصاصات تعد من صلاحيات المؤسسة الملكية.

وفي قراءة لما جرى، اعتبر نشطاوي في تصريح خاص أن هناك مسألتين جوهريتين في هذا الصدد، الأولى أن السياسة الخارجية هي اختصاص حصري للمؤسسة الملكية بموجب الدستور المغربي من خلال الفصول 42 و49 و55 التي جاءت لتحدد اختصاصات الملك من حيث تعيين السفراء وتوقيع المعاهدات الدولية وإعلان حالة الحرب وحالة الحصار.

ولفت المحلل ذاته إلى أنه “حتى إذا ما تم تشكيل حكومة تم تعيين وزير للخارجية فيها منتمياً إلى حزب سياسي، فإن هذا لا يعني أن هذا الحزب ينفذ أجندته السياسية الخاصة، بل يكون هناك تأطير من طرف القصر الملكي من حيث الخطوط العريضة للسياسة الحكومية، بما فيها السياسة الخارجية للبلاد”.

تشويش

وأما النقطة الثانية، فيضيف نشطاوي، هي أن الديوان الملكي اتهم “العدالة والتنمية” بالمزايدات في القضية الفلسطينية التي يعتبرها المغرب قضية لها نفس أهمية ملف الصحراء”، مبرزاً أن التدخل في هذا الموضوع في سياق إقليمي ودولي متسم بالتعقيد والحساسية يعد تدخلاً مجانباً للصواب وسلوكاً انتهازياً أيضاً”.

وأوضح نشطاوي أن حزب العدالة والتنمية سبق له عندما كان يترأس الحكومة في عهد رئيسها السابق سعد الدين العثماني وقع على “اتفاق أبراهام” مع إسرائيل برعاية أميركية في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2020، بالتالي انتقاد السياسة الخارجية للمغرب في هذا الملف من طرف الحزب نفسه يعتبر تشويشاً في سياق قد يشهد احتضان الرباط لاجتماع النقب 2 بمدينة الداخلة جنوب البلاد.

واستدرك المتحدث بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية أكثر تطرفاً من غيرها، وما تقوم به ضد الفلسطينيين جريمة حرب، لكن هذا لا يعني استغلال هذا الظرف للطعن أو التدخل في الاختيارات الاستراتيجية للمغرب، بالتالي فإن بيان الديوان الملكي جاء للرد بحزم على ما قام به “العدالة والتنمية”، وأيضاً تأطير العمل الحزبي، لأن هناك مجالات حصرية للملك، وبإمكان الأحزاب أن تدلي بدلوها لكن من دون التشويش على العمل الدبلوماسي الذي يقوم به الملك”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس