تحذير من كلفة الإجهاد المائي وجدل زراعي مع إسرائيل

1
تحذير من كلفة الإجهاد المائي وجدل زراعي مع إسرائيل
تحذير من كلفة الإجهاد المائي وجدل زراعي مع إسرائيل

أفريقيا برس – المغرب. أعاد تقرير تحليلي إلى واجهة النقاش العام في المغرب مخطط “الجيل الأخضر”، ومعه عادت القراءات المنتقدة لحصيلة السياسات الزراعية المحلية، لا سيما في ظل تفاقم الضغط على الموارد المائية وتزايد رهانات الأمن الغذائي. بينما أعاد مراقبون الجدل حول الشراكة الزراعية مع إسرائيل التي تستنزف المياه المغربية نتيجة زراعة فاكهة “الأفوكادو” المعدة للتصدير.

مخطط “الجيل الأخضر” 2020-2030، الذي مرت خمس سنوات على اعتماده، يعد المخطط الثاني في هذا المجال، وجاء خلفا لمخطط سابق هو “المغرب الأخضر” الذي مرّ على إطلاقه أكثر من خمسة عشر عاما قبل تحيينه أو تعويضه بنظيره الثاني، والذي تصفه المعارضة السياسية بأنه مجرد “إعادة تدوير” للتجربة السابقة.

الجديد في نقاش السياسة الزراعية الحكومية جاء هذه المرة من زاوية أكاديمية بحثية، حيث أصدر “المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة” تقريرا رصد فيه التحولات التي أحدثها مخطط “المغرب الأخضر”، وقيّم آفاق مخطط “الجيل الأخضر” في مواجهة تحديات جديدة، تتقدمها الندرة المائية، والعدالة الاجتماعية، وضرورة إعادة تشكيل نموذج الإنتاج الفلاحي.

ويعد هذا التقرير، إلى حدّ ما، امتدادا لنقاش سياسي تصاعد خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الفلاحة (الزراعة) في مجلس النواب. وقد تواصلت خلال هذه المناسبة انتقادات المعارضة لمخططي “الجيل الأخضر” و”المغرب الأخضر”، رغم اعتمادهما في فترات زمنية متباينة، إلا أن القاسم المشترك بينهما يتمثل في أن عزيز أخنوش كان وزيرا للفلاحة (الزراعة) عند اعتماد المخطط الأول، فيما أُطلق الثاني خلال فترة رئاسته للحكومة الحالية.

وتلتقي انتقادات المعارضة مع خلاصات تقرير المركز في مسألة الماء، انطلاقا من اعتبار أن مخطط “الجيل الأخضر” يقوم على نموذج ري مكثف يضغط بقوة على المخزون المائي، في وقت تعرف فيه البلاد تراجعا حادا في التساقطات المطرية مقارنة بالمعدل التاريخي.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن مخطط “الجيل الأخضر” يهدف إلى تثمين العنصر البشري، ودعم الشباب، وإحداث طبقة فلاحية (زراعية) متوسطة، وتحويل النموذج الإنتاجي نحو زراعة أكثر حداثة وابتكارا واستدامة، ترى المعارضة وعدد من الخبراء عكس ذلك، معتبرين أن الأضرار المحتملة تفوق الإيجابيات المنتظرة.

أما المركز فينطلق في تقريره من اعتبار أن قراءة السياسات الزراعية بالمغرب يجب أن تقوم على ثلاثة مستويات أساسية: الأثر الاقتصادي، والأثر الاجتماعي، ثم الأثر البيئي والمائي. فبينما حقق مخطط المغرب الأخضر مكاسب على مستوى تحديث القطاع، فإنه خلّف، في المقابل، اختلالات هيكلية تستدعي تصحيحا عاجلا لضمان الاستدامة.

ويرى المركز أن الإشكال لا يقتصر على نقص المياه، بل يمتد إلى اختيارات الإنتاج التي فضّلت محاصيل ذات مردودية اقتصادية مرتفعة لكنها كثيفة الاستهلاك للماء، مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر والحوامض. وهو ما وضع المغرب، حسب التقرير، أمام معادلة صعبة تجمع بين ازدهار الصادرات الفلاحية من جهة، وتراجع متواصل للموارد المائية من جهة أخرى.

وفي هذا السياق، تطرق التقرير إلى ما سماه “تصدير الماء الافتراضي”، أي تصدير منتجات تتطلب كميات كبيرة من المياه لإنتاجها، بما يعني انتقالا فعليا للثروة المائية نحو الأسواق الخارجية دون ضمانات كافية للاستدامة.

ويعتبر الأمن الغذائي الحلقة الأضعف في مسار هذا التطور، إذ يوضح التقرير أنه رغم النجاحات المسجلة في سلاسل التصدير، لم يستفد الأمن الغذائي المحلي بالقدر نفسه، حيث ظل المغرب معتمدا بشكل كبير على استيراد الحبوب والمواد الأساسية. ويشير المركز إلى أن التركيز على الزراعات التصديرية جاء على حساب الزراعات المعيشية، مما حدّ من قدرة السوق الداخلي على التكيف مع الأزمات الدولية.

كما يؤكد التقرير أن ارتفاع الأسعار خلال فترات الجفاف أو الاضطرابات اللوجستية العالمية كشف هشاشة النموذج الغذائي، وأن إعادة التوازن بين الإنتاج الموجه للتصدير وذلك الموجه للاستهلاك الداخلي أصبحت ضرورة استراتيجية وليست مجرد خيار تقني.

ويعتبر المركز أن مخطط “الجيل الأخضر” يشكل فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، في ظل رغبة معلنة لإعادة بناء السياسة الزراعية على أسس أكثر اجتماعية وارتباطا بالاستدامة، من خلال وضع المزارع في قلب السياسة العمومية، وتشجيع إدماج الشباب، وتعزيز الاقتصاد التضامني، وتطوير سلاسل القيمة.

ويرى المركز أن الاستثمار في تحلية مياه البحر يمكن أن يشكل حلا تخفيفيا في مناطق الضغط المائي، شريطة ربطه بدراسات جدوى اقتصادية وبيئية دقيقة، حتى لا يتحول إلى خيار مكلف وغير فعّال.

من جهة أخرى، كشفت تقارير حديثة أن شركة “مهادرين” الإسرائيلية المتخصصة في إنتاج وتصدير الفواكه والخضر، أنتجت نحو 12 ألف طن من الأفوكادو في المغرب، عبر مشروع مشترك أُبرم سنة 2021 مع شركة مغربية، يمتلك فيه الطرف الإسرائيلي نسبة 51 في المائة من رأس المال. ووفق موقع عبري، فإن هذه الشراكة تندرج ضمن استراتيجية الشركة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الأفوكادو.

وتتمركز هذه الاستثمارات في منطقة الغرب، مستفيدة من خصوبة الأراضي، وتوفر الموارد المائية، وكلفة اليد العاملة، بهدف إنتاج الأفوكادو على مدار السنة وتسويقه في الأسواق الدولية بأسعار تنافسية. وتُعد مهادرين من الشركات الإسرائيلية الكبرى التي تعتمد في مداخيلها على الأفوكادو والحوامض وتمور “المجهول”.

غير أن هذه الشراكة تثير انتقادات سياسية وأخلاقية في ظل استمرار التعاون المغربي–الإسرائيلي، بالتزامن مع ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حق الفلسطينيين. ويرى منتقدو هذه الاستثمارات أن تصدير منتجات زراعية في هذا السياق يطرح أسئلة حول استغلال الأراضي والموارد، وحول البعد الأخلاقي للتعاون الاقتصادي مع شركات مرتبطة بإسرائيل.

وبينما يُقدَّم المشروع بوصفه نجاحاً فلاحياً واستثمارياً، يتواصل الجدل حول كلفته السياسية والحقوقية، وتأثيره على صورة المنتجات الفلاحية المغربية في الأسواق الدولية.