مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. حذّر تقرير نشره موقع “إسكودو ديخيتال” الإسباني المتخصص في الأمن والتكنولوجيا، يوم 25 يونيو، من التداعيات التي يمكن أن تترتب عن احتمال حصول المغرب على مقاتلات “F-35” الأمريكية من الجيل الخامس. ويقول التقرير إن هذه الخطوة، وإن كانت لا تزال مجرد احتمال، إلا أنها يجب أن تُؤخذ على محمل الجد من طرف مدريد، لما قد تنطوي عليه من تهديد مباشر للتفوق العسكري الإسباني على شمال أفريقيا.
اعتادت الصحافة الإعلام الإسباني على التركيز على كل الصفقات العسكرية للمغرب، مهما كان حجمها ومهما كانت جديتها، نظرا للهاجس الذي يسكن المتخيل الإسباني، من أن مصدر الخطر على أمن بلدهم يأتي من جنوب مضيق جبل طارق. لكن تواتر المقالات والتحليلات والدراسات في إسبانيا، التي تتناول التهديد سباق التسلح المغاربي للأمن القومي الإسباني (خصوصا من جانب المغرب)، يطرح أكثر من علامة استفهام.
فما هي صورة سباق التسلح بين الجزائر والمغرب حاليا؟ ما هو الهدف (أو الدافع) إليه؟ وهل حقا يمثل تهديدا جديا لإسبانيا؟
ويحذر ذات التقرير المذكور أعلاه، من أن احتمال حصول المغرب على مقاتلات “F-35” يكتسب أهمية متزايدة، ردا على توجه الجزائر هي الأخرى نحو اقتناء مقاتلات سوخوي-57 الشبحية الروسية الصنع من الجيل الخامس. وهو ما من شأنه أن يهدد بإشعال سباق التسلح في المنطقة، وبالتالي تغيير موازين القوى الإقليمية بشكل سريع وجذري.
الجزائر أسرع في السباق
تعتبر الجزائر الدولة الأفريقية التي تمتلك أكبر ميزانية دفاعية (مماثلة تقريبا لميزانية إسبانيا)، وفقا لتصنيف موقع “غلوبال فايرباور” الأمريكي المتخصص في الشأن العسكري.
ووفقا لتقارير التلفزيون الرسمي الجزائري وتقارير أخرى متخصصة في الشأن العسكري، فإن الجزائر تسلمت بالفعل خلال النصف الأول من العام الجاري، عددا غير محدد من الطائرات المقاتلة المتطورة الروسية الصنع من طراز سوخوي سو-35 إس. وهي المقاتلة المُعدلة والأكثر تحديثا عن سوخوي-35، بشكل يجعلها الأقرب إلى مقاتلات الجيل الخامس الروسية من صنف “سوخوي-57”. وقد تم رصد مقاتلات من طراز سوخوي سو-35 إس في أجواء شرق الجزائر، خلال شهر مارس الماضي، وتحديدا فوق قاعدة أم البواقي الجوية. وكانت هذه المقاتلات مخصصة في الأصل لمصر، التي سبق أن طلبت 27 مقاتلة منها قبل سنوات لتعزيز قواتها الجوية. لكن في عام 2022، وتحت ضغط من الولايات المتحدة، انتهى الأمر بإلغاء القاهرة لهذه الصفقة، فتم إيداعها مستودع الشركة الروسية المصنعة لها. وفي عام 2023، حصل سلاح الجو الروسي على اثنتين من هذه المقاتلات لحاجته إليهما في حرب أوكرانيا، لينخفض عددها إلى 25، بحسب الإعلام الإسباني.
ويرى خبراء أنه من الناحية الجيوسياسية، فإن اقتناء الجزائر لهذه المقاتلات يشكل تحديا استراتيجيا لأوروبا ولحلف شمال الأطلسي. ففي وقت تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، للتنافس مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن نشر مقاتلات سوخوي سو-35 إس المتطورة في الجزائر قد يؤدي إلى قلب ميزان القوى في غرب البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الساحل الأفريقي. وبحسب تصريحات سابقة لعبد الرحمن مكاوي، الخبير المغربي البارز في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، فإن مقاتلات سوخوي 35 الروسية لعبت أدوارا بارزة في الحرب في أوكرانيا وفي الحرب الأهلية السورية، بفضل خصائصها القتالية والتقنية التي تُشبه إلى حد ما خصائص مقاتلة إف-18 الأمريكية.
على أن طموح الجزائر لا يتوقف عند هذا الحد، فالتقارير تشير إلى أنها اشترت أو تدرس شراء أسلحة روسية متطورة أخرى، بما في ذلك مقاتلة الجيل الخامس الشبح “سوخوي-57”. وفي فبراير الماضي، طلبت البلاد سربين (حوالي 24 طائرة) من هذا النوع الذي ما يزال تحت التطوير في روسيا، لتصبح بذلك أول عميل أجنبي لهذه المقاتلة، بحسب ما أفاد التلفزيون الوطني الجزائري، الذي أضاف بأن “الجزائر كانت دائما من أكبر مستوردي الأسلحة الروسية، وتحتل المرتبة الثانية بعد الهند”.
وبحسب خبراء عسكريين إسبان، فإنه على النقيض من المغرب، الذي تمتلك قواته الجوية مقاتلات قاذفة أمريكية وفرنسية الصنع، فإن الجزائر لا تمتلك سوى طائرات مقاتلة روسية. وبالمجمل يتكون المكون الرئيسي للأسطول الجوي الجزائري من حوالي 70 طائرة حربية من طراز سوخوي سو-30 إم كي إيه، تضاف إليها 36 طائرة حربية سوخوي سو-24، و25 طائرة حربية ميج-29 إس التي بدأت الصناعة العسكرية السوفيتية في تصنيعها منذ أكثر من نصف قرن. وبذلك فإنه على الورق، تتفوق القدرات الجوية الجزائرية حاليا على قدرات جارها المغرب.
سباق التسلح لا يتوقف
نظريا، يضمن تسليح الجيشين المغربي والجزائري بأحدث الطائرات المقاتلة، في سوق الأسلحة العالمي، توازن الردع في المنطقة. لكنه في الواقع جهد يلتهم جهدا ومالا هائلا، حيث يدور في حلقة مفتوحة تبدو بلا نهاية في الأفق ويحرق الأخضر واليابس من موارد الدولتين المتنافستين.
بدأت الجزائر مؤخرا في نشر طائرات مقاتلة روسية من طراز سوخوي سو-35 إس، في خطوة تعزز قوتها الجوية وتعكس عمق شراكتها العسكرية مع روسيا، بحسب مواقع متخصصة في الشؤون العسكرية الأفريقية. وفي عام 2018، أبرم الجيش الجزائري اتفاقية مع موسكو لشراء 24 طائرة مقاتلة من هذا الطراز، ردا على عقد المغرب صفقة مع الشريك الأمريكي للحصول على سرب من مقاتلات “F-16 Viper” (الأفعى)، التي تُعد النسخة المتطورة من مقاتلات F-16 التي يمتلك المغرب عددا مهما منها.
وفي سياق ورود تقارير جزائرية عديدة رسمية وغير رسمية، عن تعاقد الجزائر، التي تخصص ميزانية ضخمة لقطاع الدفاع، منذ ثلاثة أشهر على شراء سرب من مقاتلات سوخوي-57 الشبحية من الجيل الخامس، فتح هذا التسابق المحموم نحو مزيد من التسلح المتطور أمام المغرب، للاقتراب أكثر من اقتناء مقاتلة F-35 الشبحية الأمريكية من نفس الجيل. خاصة في ظل وجود تقارير تؤكد حصول المغرب على دعم إماراتي وموافقة إسرائيلية، لاقتناء هذه المقاتلة التي تُعد الأكثر تطورا في تاريخ المقاتلات الحربية.
وفي انتظار أن تكشف الأيام والأعوام صحة هذه الأخبار، عززت القوات الجوية المغربية قدراتها مؤخرا بدمج طائرات الهليكوبتر الهجومية من طراز أباتشيAH-64E، التي تسلمت الدفعة الأولى منها في نهاية فبراير 2025 من الولايات المتحدة. وقد رافق دمج طائرات الأباتشي الهجومية في الترسانة المغربية برنامج تدريب مكثف. وحتى الآن، تلقى 24 طيارا من سلاح الجو المغربي تدريبات في الولايات المتحدة، بما في ذلك خمسة مدربين، في حين لا يزال آخرون قيد التدريب. والهدف من كل هذا هو تحقيق القدرة التشغيلية الكاملة للسرب خلال الصيف الحالي. وتمثل النسخة AH-64E، التي تم تطويرها في عام 2012، إحدى أكثر الإصدارات تقدماً من طائرة “أباتشي”. وتتميز باتصال رقمي متقدم ومحركات أكثر قوة وقدرات التحكم في الطائرات بدون طيار، كما يبلغ مداها أكثر من 450 كيلومترًا ويمكن أن تصل إلى سرعات 278 كيلومترًا في الساعة. وهذا النوع من السلاح الهجومي المتطور جدا لا تمتلكه لا إسبانيا ولا الجزائر.
كما تعملالقوات المسلحة المغربية أيضا على توسيع نطاق استخدامها لتقنيات الطائرات بدون طيار، التي أثبتت في العديد من مسارح العمليات في جميع أنحاء العالم، قدراتها على ضمان التفوق الجوي بشكل مستقل عن الطائرات المقاتلة التقليدية، على الرغم من التقدم التكنولوجي التي تتميز به هذه الأخيرة. بل وأقام المغرب مصانع فوق ترابه لتصنيع أنواع متطورة من المسيرات بشراكة مع إسرائيل وتركيا.
المغرب يتطلع إلى 2027
وفيما يتعلق بإمكانية اقتناء المغرب لطائرات حديثة، يكشف خبراء مغاربة أن المفاوضات بين المغرب والولايات المتحدة وصلت إلى مراحل متقدمة. والخيارات الأمريكية المعروضة بهذا الصدد على المغرب، هي طائرات إف-35 أو إف-22. وهما خياران ممتازان للجيش المغربي، إذ تتفوقان في قدراتهما التشغيلية على سوخوي-35 بكثير، ولا يستخدمهما سوى عدد محدود جدا من الدول حول العالم.
على أن المغرب إذا كانت تعوزه الموارد المالية لمنافسة الجزائر، فإنه يسعى مع ذلك إلى زيادة قدراته العسكرية الجوية بأكثر من 60% بحلول عام 2027، في خضم سباق التسلح مع الجزائر. فالحديث يروج منذ 2021 عن وجود نوايا (أو وعود) إماراتية بمنح المغرب عشرات المقاتلات الفرنسية الصنع. وفي ديسمبر من ذلك العام، أبرمت أبو ظبي صفقة شراء 80 طائرة رافال-إف 4، وهي الأكثر تطورا من الطائرات الفرنسية، والتي يشمل العقد أن تتسلمها أبو ظبي في عام 2027. وقد حددت الأمارات في سياق ذلك لنفسها هدف التخلص من طائرات ميراج 2000-9 الستين، التي توجد في الخدمة حاليا في الجيش الإماراتي، بحلول ذلك الموعد. وتفيد تقارير استخباراتية إسبانية بأن دولة الإمارات تنوي التنازل عن 30 طائرة مقاتلة ميراج 2000-9 للمغرب، على أن تسلم (أو تبيع) الثلاثين الأخرى لمصر أو اليونان أو الهند.
وهذه المقاتلات الإماراتية تم تحديثها مؤخرا من قبل شركتي “داسو للطيران” وتاليس الفرنسيتين مقابل مبلغ 475 مليون دولار، بحسب مصادر مختلفة. وفي المجمل، ستبيع أبو ظبي الـ 30 طائرة مقاتلة بسعر رمزي في المغرب، وسيتم التسليم في عام 2027، وهو العام نفسه الذي سيتسلم فيه سلاح الجو المغربي 25 طائرة أمريكية من طراز F-16 Block 70/72 Viper، التي كان اشتراها في عام 2019 مقابل 3.8 مليار دولار. وفي ذلك العام، سيدمج المغرب ما مجموعه 55 طائرة جديدة، وسترتفع بدلك قدرات قواته الجوية بنسبة 62%.
ففي العام 2027 (بعد عام ونصف العام من اليوم)، ستنضم الطائرات الجديدة إلى 40 طائرة ميراج إف1، و26 طائرة إف-5، و24 طائرة إف-16، وهي طائرات مقاتلة توجد في الخدمة حاليا. ويتوقع أن تسمح هذه القوة القتالية الجوية للمغرب بالتنافس على نحو أفضل مع خصمه الأكبر الجزائر.
قلق إسباني متزايد
وفيما يتعلق بسباق التسلح، أشار تقرير موقع “إسكودو ديخيتال” المشار إليه أعلاه، إلى أن الجزائر اتخذت بالفعل خطوة مقلقة نحو التسلح من الجيل الخامس عبر اقتناء الـSu-57، لكن F-35 تبقى أكثر تقدما ودمجا وخبرة في المعارك من منافستها الروسية، مما سيُجبر إسبانيا على التحرك وعدم البقاء في موقف المتفرج. وحذر من أن امتلاك المغرب لهذا النوع من التكنولوجيا يعني فقدان إسبانيا للتفوق الجوي الذي كانت تحافظ عليه في منطقة مضيق جبل طارق، خاصة في ظل محدودية قدرات الطائرات الإسبانية من طراز Eurofighter وF-18 مقارنة بـF-35، من حيث التخفي والقدرات الشبكية.
وكشف التقرير الخصائص الفريدة لمقاتلة F-35، التي لا تُعد مجرد مقاتلة حربية، بل أيضا نظاما معلوماتيا واستخباراتيا متكاملا، بقدرات متقدمة في مجال الحرب الإلكترونية، وكذا رصد الأهداف دون أن تُكتشف، ومشاركة البيانات في وقت حقيقي. ولذلك فإن إدخال المغرب لطائرة F-35 إلى ترسانته العسكرية، سيجعل منه أول بلد إفريقي يمتلك المقاتلة الأحدث في العالم. وهو تطور ستكون له تداعيات كبرى على التوازن العسكري والسياسي بين ضفتي مضيق جبل طارق.
وأوضح التقرير بهذا الصدد أن المدى العملياتي لمقاتلة F-35 يتجاوز 1000 كيلومتر، ويمكن لها التزود بالوقود جوا. وهو ما يتيح لها تغطية سبتة ومليلية والجنوب الإسباني وحتى الاقتراب من جزر الكناري، دون الحاجة إلى الدخول حتى في معركة، بل يكفي المغرب التلويح بالقدرة على ذلك فقط. ويذهب تقرير الموقع الإسباني إن هذه المقاتلة في حالة حصول المغرب عليها، قد تتحول إلى أداة ضغط سياسي في يد الرباط، لتستخدمها كورقة ردع في حالات التوتر الدبلوماسي أو الإقليمي. وهو ما قد سيضع إسبانيا تحت تهديد دائم حتى في غياب أي مواجهة عسكرية مباشرة مع المغرب.
ذات التقرير لفت الانتباه إلى أن الوضع الاستراتيجي جنوب إسبانيا ظل مستقرا نسبيا خلال السنوات الماضية، على الرغم من أنه لم يخل من خلافات بين الجزائر والرباط ومدريد. لكن في حال حصول المغرب على مقاتلات الـ F-35، ومع إدخال الجزائر للـ Su-57، فإن الخطوط الحمراء التي كانت تُحترم سابقا ستُعاد صياغتها. وهو ما سيجعل من الصعب على إسبانيا الحفاظ على نفس حالة الاطمئنان تجاه جنوب مضيق جبل طارق.
واستعرض التقرير الخيارات المتاحة أمام مدريد، وعلى رأسها تسريع الانضمام إلى برنامج FCAS الأوروبي لتطوير طائرات الجيل السادس، أو اقتناء مقاتلات F-35B لتعزيز القوة البحرية والحفاظ على جاهزية حاملة الطائرات “خوان كارلوس الأول”. وأكد التقرير أن تكلفة أي من هذين الخيارين ستكون مرتفعة، لكنها تظل أقل كلفة من خيار “عدم فعل شيء”، الذي قد يضع الدفاع الإسباني في موقف ضعف استراتيجي حرج في المستقبل القريب. وشدد التقرير في هذا السياق على أن مدريد مطالَبة باتخاذ قرارات عاجلة، تشمل تعزيز الدفاعات الجوية والاستثمار في الحرب الإلكترونية، وإعادة انتشار القوات في سبتة ومليلية وجزر الكناري، لأن أي تأخير في الرد قد يُكلّف أكثر بكثير في المستقبل، حسب تعبير التقرير.
ونبه التقرير إلى أن التقارب المغربي المتزايد مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، يعزز من فرص الرباط في الحصول على أنظمة تسليح متقدمة، في وقت لا تزال فيه علاقة مدريد بواشنطن أقل قوة ووضوحا من نظيرتها المغربية. معتبرا أن الخطر الأكبر يتمثل في احتمال تحوّل واشنطن نحو اعتبار الرباط شريكا استراتيجيا، أكثر أهمية من مدريد في منطقة المغرب العربي. وهو ما قد يؤدي إلى تراجع النفوذ الإسباني في ملفات تمس أمنها القومي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس