عبد اللطيف هسوف لـ”أفريقيا بريس”: ترامب سيكون أكثر التزاما من هاريس في ملف الصحراء

328
عبد اللطيف هسوف لـ
عبد اللطيف هسوف لـ"أفريقيا بريس": ترامب سيكون أكثر التزاما من هاريس في ملف الصحراء

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في الحوار التالي مع الدكتور عبد اللطيف هسوف، المستشار الجيوسياسي المتخصص في لغات وحضارات وسياسات شمال أفريقيا والدول الفرنكوفونية لدى مؤسسات ومعاهد أمريكية، يقدم لقراء “أفريقيا برس” رؤيته وتحليله لمختلف القضايا والإشكاليات التي يواجهها المغرب راهنا. فيلاحظ بأنه على الرغم من تضمين حقوق هامة للمغتربين المغاربة في دستور 2011، من شأنها أن تمكنهم من المشاركة السياسية والانضمام إلى الهيئات التمثيلية.. فإن الواقع يكشف محدودية حضورهم في مواقع صنع القرار لأن هذا الحق يبقى حبرا على ورق متى تعلق الأمر بالتنفيذ.

وبخصوص تهافت كثير من دول العالم على طلب الانضمام إلى مجموعة “البريكس”، يرى هسوف بأنه من مصلحة المغرب الانضمام إلى المجموعة لعدة أسباب.

وبخصوص مزاعم حكومة أخنوش الحالية بالمغرب، بأنها تسعى إلى إقامة “دولة الرعاية الاجتماعية”، فيرى بأنها إنما تقوم بتلميع صورتها، من خلال اتخاذ بعض المبادرات الاجتماعية المحدودة لمحاصرة الحركات الاجتماعية الساخطة أو للقيام بحملة انتخابية سابقة لأوانها. بينما يكشف الفحص الدقيق للسياسات الحكومية بأنه يمكن أن نصفق لكثير من المشاريع في مغرب اليوم، وآخرها جلب الاستثمارات الفرنسية بعد الاعتراف بمغربية الصحراء، لكن يبقى الاهتمام الجدي بالجانب الاجتماعي مؤجلا إلى حين.

أما في شق الانتخابات الأمريكية التي تحبس أنفاس العالم والمغرب، يرى المحلل بأن ترامب سيكون أكثر التزاما وفعالية من هاريس بالنسبة لملف الصحراء المغربية.

كشفت الكوارث الطبيعية (زلزال الحوز العام الماضي، وفيضانات الجنوب الشرقي قبل أسابيع، الخ) بأن المغرب يسير بسرعات مختلفة… فبينما تتم تنمية الحواضر الكبرى (الاستعداد لكأس العالم بملاعب عملاقة وقطارات فائقة السرعة ومشاريع لتوفير المياه، الخ).. تعيش بعض الجهات التي توازي مساحتها بعض دول العالم، على هامش العصر وفي ظل تنمية مؤجلة أو معاقة.. كيف تنظر كمراقب ومحلل إلى هذا الوضع؟

المغرب من بين البلدان الأكثر تعرضا للمخاطر الجيولوجية والمتعلقة بالمناخ، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويدق زلزال الحوز، كثالث كارثة من هذا النوع وبهذا المستوى تتعرض لها البلاد، بعد زلزال الحسيمة سنة 2004، والأسوأ طبعا كان بمدينة أكادير والنواحي سنة 1960، ناقوس الخطر ليفيق المسؤولون من غفوتهم. وبعيدا عن توصيف الخطاب الاستعماري الذي قسم المغرب إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع، يجب أن ننتبه إلى أن هناك أزمة اعتراف ومبادرة لدى الحكومات المتتالية منذ الاستقلال حتى اليوم، تتجسد في عدم التعاطي بالشكل الكافي والناجع مع معالجة أنماط الفقر والهشاشة والضعف والتهميش، التي تعيشها فئات واسعة من أفراد المجتمع.

وفي الواقع، لسنا في حاجة لزلزال الحوز وفيضانات الجنوب الشرقي، لنعترف بالفرق التنموي الشاسع بين جهات المملكة وبين طبقات المجتمع. فالحكومات في المغرب تنتظر وقوع الكوارث لتتحرك في الاتجاه الصحيح وبالسرعة المطلوبة، ويتم ذلك دائما بعد أن تصدر أوامر جلالة الملك. ومع ذلك، لا يجب أن نبخس ما قامت به الدولة المغربية من جهة تطوير استراتيجية وطنية لإدارة مخاطر، مثل هذه الكوارث التي تكلف ميزانيات ضخمة. لكن تنمية هذه الجهات المهمشة بالشكل الكافي قبليا سيقلل لا محالة من تداعيات الكوارث متى حلت لا قدر الله، فهناك مناطق بجبال الأطلس والريف لا توجد بها طريق معبدة، ولا يمكن الوصول إليها لإسعاف المتضررين، حتى وإن توفرت النيات الحسنة لدى المسؤولين.

أما بخصوص تنمية الحواضر الكبرى (الاستعداد لكأس العالم بملاعب عملاقة، وقطارات فائقة السرعة، ومشاريع لتوفير المياه، الخ)، فلا يسعنا إلا أن نشجع هذه المشاريع الضخمة، والتي ستجعل من المغرب دولة صاعدة في المجال الاقتصادي.

في اتصال بالسؤال السابق، تُكثر الحكومة الحالية من الحديث عن اهتمام مفترض لديها بإقامة دولة الرعاية الاجتماعية، أو ما تسميه في خطابها بـ”الدولة الاجتماعية”.. هل ترى من ملامح لسياسة حكومية لتنزيل هذا المطلب الوطني، أم إنه مجرد شعار للاستهلاك السياسي؟

“الدولة الاجتماعية” مفهوم أساسي في علم الاجتماع الحديث، يشير إلى نظام حكومي يوفر الرعاية الاجتماعية والخدمات العامة لمواطنيه. ويشمل ذلك الرعاية الصحية، والتعليم، وتقديم إعانات البطالة، وتوفير معاشات التقاعد. وفي هذا الإطار يجب تدخل الحكومة لحماية الأفراد والأسر من قوى السوق، من خلال ضمان الحد الأدنى من الدخل، والتأمين ضد عدم القدرة على العمل، وتوفير الحقوق الاجتماعية التي تصون كرامة المواطن. لكن يجب أن نفهم أن “الدولة الاجتماعية” هي جهاز للحد من الأضرار وحل المشاكل وليست صندوق “هبات” لإرضاء الجميع.

وفي الواقع، نجد أن الحكومة الحالية بالمغرب تسعى إلى تلميع صورتها، من خلال اتخاذ بعض المبادرات الاجتماعية المحدودة – تنسبها لأحزابها في الأغلبية – لمحاصرة الحركات الاجتماعية الساخطة أو للقيام بحملة انتخابية قبل الأوان أو لتلميع صورتها دوليا. لكن، الفحص الدقيق لسياسات الحكومة الحالية، والتي سبقتها، تظهر أننا بعيدين كل البعد عن “دولة الرعاية الاجتماعية”، فالمواطن متروك بين أنياب قوى السوق والتي أكاد أجزم أنها ليبيرالية متوحشة، إذا استحضرنا مصطلحات بعض منظري الاقتصاد.

حقا، الدولة المغربية تستثمر في مشاريع كبرى وتنجز بنيات تحتية مهمة تربط بين الحواضر، لكن كل هذا يتم دون اهتمام كافي بالمواطن العادي أو “سواد الشعب” إن صح التعبير. الدليل على ذلك هو تقلص الطبقة المتوسطة، الدينامو الأساسي لكل تطور، وزيادة الفقر، واتساع الهوة بين “اللي عندهم” و “اللي ما عندهم والو” (الذين لايملكون شيئا). يمكن أن نصفق لكثير من المشاريع في مغرب اليوم، آخرها جلب الاستثمارات الفرنسية بعد الاعتراف بمغربية الصحراء، لكن يبقى الاهتمام الجدي بالجانب الاجتماعي مؤجلا إلى حين.

شهدت مدينة سبتة المحتلة منتصف شهر سبتمبر الماضي، موجة هجرة غير نظامية جماعية، تلبية لدعوات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.. إذا ما استحضرنا أن نصف الشباب المغربي يحلم بالهجرة، وأنه وفقا لدراسة قام بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يوجد حوالي مليون ونصف شاب مغربي دون سن 24، بلا دراسة وبلا تكوين وبلا عمل.. مسؤولية من؟

تشهد جيبا سبتة ومليلية بشكل متقطع موجات من محاولات عبور المهاجرين، لكن ما حصل يوم الأحد من شهر سبتمبر الماضي يعد سابقة، إذ جاء بعد دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة هجرة جماعية، واقتحام سياج حدودي بالقوة للوصول إلى أوروبا. إن 70 % من الشباب المغاربة يرغبون في الهجرة إلى الخارج، بحسب تقرير صادر سنة 2021 عن المرصد الوطني للتنمية البشرية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. لذا فإن تحديد المسؤول عن الأعداد الكبيرة من المهاجرين على الحدود أمر معقد. الحكومة المغربية وتمثلات المجتمع للعالم الغربي من جهة، وسياسات الهجرة العنيفة التي تنتهجها أوروبا من جهة أخرى، كلها تتحمل المسؤولية، وكلها فشلت في مقاربة هذه الظاهرة سياسيا وقانونيا واقتصاديا وإنسانيا.

والنتيجة: هي دوامة لا يتم فيها حل أي شيء، وتزداد الأمور سوءًا يوما بعد يوم. لكن، عند تحليل العوامل التي تدفع إلى الهجرة بالتفصيل، نجد أن الأسباب الاقتصادية دائمًا من بين أقوى الأسباب. لذا يتعين على الحكومة المغربية تغيير سياساتها لجعلها أكثر جاذبية للشباب، والتركيز على مفاهيم الزعامة والمبادرة والتمكين، والزيادة في التداريب والحماية الاجتماعية.

يمتلك المغرب رصيدا كبيرا يتمثل في شبابه الطموح، عكس المجتمعات التي شاخت، للمضي قدما نحو تنمية حقيقية تجعله يتبوأ صدارة الدول الصاعدة في القارة الأفريقية.

بخصوص التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، من الواضح أن جزءا هاما من الرأي العام يناهض التطبيع، بينما المغرب الرسمي مستمر في صم آذانه وتطوير العلاقات (التي أصبحت أكثر استراتيجية بعد 4 سنوات) مع “تل أبيب”؛ رغم وجود أكثر الحكومات اليمينية تطرفا في تاريخ الكيان… برأيك، ما هي الاعتبارات “البراغماتية” الخفية، التي تُملي على الدوائر العليا في الرباط التشبث باتفاقية التطبيع؟

شهدت شوارع المغرب احتجاجات منتظمة، حيث خرج الآلاف للاحتجاج على استمرار تصرفات إسرائيل في غزة ولبنان. ورغم الغضب الشعبي ضد الكيان الإسرائيلي، ومطالبة الجماعات الإسلامية واليسارية باتخاذ إجراءات أقوى، فمن غير المرجح أن تنفصل الرباط عن تل أبيب في ما يخص السياسة الخارجية.

لقد جاء تطبيع المغرب مع الكيان الإسرائيلي في نهاية عام 2020، على إثر اتفاقيات أبراهام التي شهدت أيضا تطبيع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان للعلاقات مقابل تنازلات مختلفة. ما أراده المغرب هو أن تعترف الولايات المتحدة بصحرائه، وقد تم له ذلك، وأن تزيد واشنطن وتل أبيب من العلاقات التجارية والاستثمارية مع المملكة. لكن أيضا، وفي مواجهة الكيان الانفصالي الوهمي وداعمته الجزائر، يبحث المغرب عن تطوير العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في مجال الأمن والدفاع العسكري. وقد أدت صفقة الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، في نهاية عام 2022، إلى تغيير ميزان القوى في المنطقة لصالح المغرب.

في بعض الأحيان يصبح معقدا اتخاذ قرارات سياسية مؤلمة، تذهب في اتجاه معاكس للرأي العام. لكن الدولة لها حساباتها الخاصة والتزاماتها المُلزِمة. المغرب يساند حل الدولتين سياسيا، والملك يقدم الدعم الكبير كرئيس للجنة القدس، في حين تغلي الجماهير المغربية لما تشاهده من إبادة جماعية في غزة. لكن هناك أجندات لدول ليست صديقة في الشرق الأوسط، لذا لا يمكن لبلد متزن كالمغرب أن ينجر وراءها. البراغماتية السياسية كانت ولازالت المحرك الأساسي لقرارات المغرب في مجال سياساته الخارجية.

رغم أن المغرب سبق له أن أعلن عدم تقديمه طلبا لعضوية مجموعة “بريكس”، إلا أن الإعلام الجزائري منخرط في حملة معادية تزعم بأن دولا، منها البرازيل والسعودية والإمارات، هي التي وقفت في وجه انضمام الجزائر للمجموعة. وبالمقابل، تدفع تلك الدول باتجاه أن تقبل “بريكس” انضمام المغرب…هل حقا من مصلحة المغرب أن ينضم إلى هذه المجموعة؟

تكونت مجموعة الاقتصادات الناشئة الرئيسية في بادئ الأمر من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. واليوم تعرب أكثر من 40 دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى بريكس، التي تسعى لتعزيز النمو الاقتصادي، بينما تبقى المصالح الجيوسياسية المتنافسة حاضرة بقوة. ومما لا شك فيه أن جنوب إفريقيا العضو في المجموعة تسعى إلى الحفاظ على نفوذها الإقليمي ومنع دخول المغرب، وكذلك الجزائر (غير العضو) التي نعرف جميعا أنها تعاكس مصالح المملكة. إن مجموعة بريكس هي امتداد لفكرة علاقات جنوب-جنوب، أو لنقل “النسخة الاقتصادية لدول عدم الانحياز للعالم الغربي ولمجموعة الدول السبع”، مع وجود الفارق طبعا.

وأنشئت بريكس أساسا لمواجهة الهيمنة الغربية على البنوك المقرضة، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي عام 2014، أنشأت دول بريكس بنك التنمية الجديد لإقراض الأموال للدول والحكومات من أجل التنمية. وإذا علمنا أن عدد سكان المجموعة بعد توسعتها سيبلغ حوالي 45 بالمئة من سكان العالم، وأن قيمة اقتصاداتها مجتمعة ستبلغ حوالي 28 بالمئة من الاقتصاد العالمي، سنقر بأنه من مصلحة المغرب الانضمام إلى المجموعة. لماذا؟ أولا لمواصلة تنويع الشركاء الاقتصاديين، وثانيا للاستفادة من قروض بنك بريكس.

إن إقراض الدول هو في الأساس هدف العديد من الدول للانضمام إلى مجموعة بريكس. ومع ذلك يجب أن نؤكد على أن الجانب الاقتصادي هو الجانب المضيء في مسألة الانضمام إلى بريكس. لكن تبقى التجاذبات السياسية التي ستخلقها دول مثل روسيا وإيران وربما الصين، في اتجاه معاداة أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية حجرة عثرة مستقبلية لنجاح هذه التجربة الضخمة.

من جانب آخر، لكن في ذات الاتجاه، تمخضت اللحظة الراهنة المتميزة بسيادة نوع من “السباق الاستراتيجي” بين الجزائر والمغرب، عن قرار غريب بفرض الجزائر التأشيرة على حاملي جواز السفر المغربي.. كيف تقرأ هذا التطور؟

اكتسبت سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية زخمًا كبيرًا، مع تأييد القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا لخطة الحكم الذاتي للبلاد. في المقابل نجد الجزائر تتعامل بردود أفعال غير مفهومة، في مجال العلاقات الديبلوماسية، في كل مرة يحقق المغرب مكاسب دبلوماسية، وخصوصا في ما يتعلق بملف صحرائه.

هذه السياسة المتهالكة ليست بالجديدة، إذا ما استحضرنا طرد السّلطات الجزائرية بأمر شخصي من الرّئيس السّابق هواري بومدين، لنحو 45 ألف مغربي في يوم 18 دجنبر عام 1975. وفي المقابل أصدرت وزارة الداخلية المغربية حينها وبأمر من الملك الحسن الثاني، قرارا سنة 1976 يحث على عدم المساس بأي شخص من الجالية الجزائرية.

وطبعا تؤلف الجزائر اليوم حكايات، تربط قرار فرض التأشيرة بخطر “التجسس الصهيوني” القادم من المغرب، أو بوجود “شبكات إجرامية منظمة تتاجر بالمخدرات والبشر”، وأخرى تعمل في “التهريب والهجرة غير الشرعية” داخل حدودها. هناك انزعاج كبير لدى النخب الجزائرية وخاصة السياسية بخصوص ما يحققه المغرب في ملف الصحراء، وهم يعلمون ضمنيا أن المغرب لا يطالب إلا بحقه التاريخي والمجالي، في أرض لم تكن يوما ولن تكون غدا خارج خريطة المملكة الشريفة.

إن استدعاء سفراء الدول التي تعترف بحق المغرب الشرعي في صحرائه، أو فرض التأشيرة على شعب يدعون أنه شقيق، أو القيام بأعمال بهلوانية في المؤتمرات الدولية، أو الدفع بشرذمة من الانفصاليين لإعلان حالة حرب وهمية… آخرها محاولة الجزائر الفاشلة، التي تشغل حاليًا مقعدا غير دائم في مجلس الأمن، خلال جلسة مجلس الأمن ليوم الخميس 31 أكتوبر 2024، لإجراء تصويت يائس على تعديلين تقدمت بهما، بخصوص القرار الجديد رقم 2756 بشأن الصحراء. وتم التصويت على قرار مجلس الأمن بتأييد 12 صوتا، وامتناع دولتين عن التصويت، ودولة واحدة، وهي الجزائر، لم تشارك في التصويت. كل هذا لن يثني من عزيمة المغرب القوية للمضي قدما نحو تطوير وتنمية أقاليمه الجنوبية.

تُقَدِّر أرقام رسمية إجمالي مغاربة العالم بين 6 و 6,5 مليون شخص (ما يمثل حوالي خُمُس الشعب المغربي)، موزعين على أكثر من 100 بلد، وبينهم كفاءات علمية ومهنية ذات مستوى عالي. ويلعبون أدوارا بارزة في تنمية البلد، في المقام الأول بفضل تحويلاتهم المالية، واستثماراتهم، والدعم الاقتصادي الذي يقدمونه لعائلاتهم، وكذا بمساهمتهم في انتعاش القطاع السياحي المغربي.

لكن رغم إدراج حقوق هامة للمغتربين المغاربة في دستور 2011 [خاصة من خلال الفصول 16 و17 و18 و163]، التي من شأنها أن تمكنهم من المشاركة السياسية والانضمام إلى الهيئات التمثيلية.. يكشف الواقع محدودية حضورهم في مواقع صنع القرار.. برأيك، لماذا تأخر تنزيل مقتضيات الدستور بهذا الشأن؟

نعم، يعيش حوالي 20٪ من إجمالي المغاربة في الخارج، ويتركزون بشكل رئيسي في أوروبا (60٪). وتشكل تحويلاتهم المالية 5% من الناتج المحلي الإجمالي المغربي. وفي حين يحق للمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج قانونيًا التصويت والتأهل للانتخابات، فإن هذا الحق يبقى حبرا على ورق متى تعلق الأمر بالتنفيذ، على عكس العديد من المهاجرين من بلدان أخرى الذين يعيشون خارج بلدهم الأصلي. وتتحجج وزارة الداخلية المغربية بالعقبات اللوجستية والدبلوماسية لإنشاء دوائر انتخابية في الخارج، لكن السبب الرئيسي ربما يرتبط بكون الدولة المغربية ترتب لكل شيء، ولا تحب المفاجآت من قبيل أن يهيمن على الانتخابات في الخارج أطياف سياسية غير مرغوب فيها (الإسلاميون مثلا).

وفي إطار تملص الدولة المغربية من تنفيذ هذا الحق الدستوري، تم إنشاء مؤسسة استشارية (مجلس الجالية المغربية بالخارج) مرتبطة بالهجرة،. وهذا ما أعاق بشكل متناقض إمكانية تحقيق مشاركة سياسية فعلية لمغاربة العالم.

وتوضح الباحثة “إيمانويلا دالماسو” في دراسة حول الحالة المغربية، في مقال تحت عنوان (مشاركة من غير تمثيل…)، بأن النظام المغربي تمكن من “تحويل صوت أفقي مرتفع من الخارج إلى صوت عمودي غير مرتفع للغاية، من خلال عملية المشاركة… عبر إشراك مواطنيه في الخارج في عملية إصلاحية محكومة ومحدودة. وفي الوقت نفسه نجح في مواجهة مطالب المغاربة في الخارج، المتعلقة بالتمثيلية السياسية”، عبر إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج.

بحكم أنك تشتغل وتعيش في الولايات المتحدة، وفي أفق الانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة.. أي المرشحين بنظرك يصب انتخابه في مصلحة المغرب، دونالد ترامب أم كامالا هاريس؟

أصبحت كامالا هاريس أول نائبة للرئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية في 2020. السؤال الكبير الآن: هل يمكن لها أن تصبح أول رئيسة امرأة؟ يبدو أن هاريس تتمتع بتقدم طفيف في استطلاعات الرأي الوطنية، كما يُظهر متوسط 14 استطلاع رأي وطنيًا حديثًا تقدمت هاريس بنسبة 0.9٪ على ترامب (48.1٪ إلى 47.2٪). لكن كل هذا قد يتغير بين عشية وضحاها ونحن على بعد ساعات من يوم الاقتراع.

ولأنني عشت بالولايات المتحدة الأمريكية منذ ما يقارب ربع قرن، أفهم أن جزءا كبيرا من الأمريكيين لا يتناقشون في السياسة، ولا يبدون عن رأيهم صراحة. لسبب واضح هو أن قرارهم بخصوص تصويتهم قد حسم مبكرا. فالمدافعون عن ترامب يدافعون بالقلب وهم مقتنعون بأن ولاية ثانية له ستنجح في تعزيز اقتصاد أمريكا. بينما المدافعون عن هاريس يدافعون بالعقل وهم مقتنعون بأن نجاحها سيعزز الحقوق (الحق في الإجهاض، تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، الزيادة في الضريبة على الأثرياء، وما إلى ذلك).

أما بالنسبة للشرق الأوسط فأميل إلى الرأي، الذي يقول بأنه ليس هناك فرق في السياسات بين الاثنين. اللهم اختلافات في “طريقة توجيه الخطاب ونبرة الخطاب”، كما علق أحد المحللين في مجلة (فورن بولسي). وفي رأيي أن ترامب سيكون أكثر التزاما وفعالية من هاريس بالنسبة لملف الصحراء المغربية. أما هاريس فستواصل سياسة إدارة سلفها بايدن إن فازت بالانتخابات.

الدكتور عبداللطيف هسوف في سطور:

• حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة والدن (Walden University) – مايو 2014– منيابوليس / مينيسوتا – الولايات المتحدة الأمريكية. تخصص: السياسات العمومية والإدارة (المنظمات الغير حكومية الدولية / الريادة والتسيير).

• حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السربون (The Sorbonne University) – المدرسة العليا للمترجمين والمترجمين الفوريين (ESIT) – يناير 2004– باريس / فرنسا. تخصص: اللسانيات التطبيقية والترجمة.

• اشتغل بالتعليم بالمغرب سابقا (1989 – 1998).

• اشتغل بالصحافة المغربية سابقا (1999 – 2003).

• درس لغات وتاريخ الحضارات وسياسات دول شمال أفريقيا بجامعة كانتيكات الوسطى – ولاية كانتيكات – الولايات المتحدة الأمريكية (2008 – 2012).

• اشتغل كمحلل سياسي ومستشار لغوي في الحكومة الفدرالية الأمريكية (2012 – 2014).

• درس السياسة والحضارة واللغة الفرنسية بجامعة جورج تاون (2015 – 2016) وجامعة جورج واشنطن (2017) – واشنطن العاصمة – الولايات المتحدة الأمريكية.

• يشتغل حاليا كمستشار جيوسياسي متخصص في لغات وحضارات وسياسات شمال أفريقيا والدول الفرنكوفونية لصالح مؤسسات ومعاهد أمريكية.

• باحث وكاتب سياسي أصدر مجموعة من المقالات في عدد من الصحف المغربية والأجنبية.

• أصدر كتاب “ثنائية الدين والسلطة: مقاربة تاريخية تحليلية” – سنة 2022

• أصدر روايتين: 1- منصور: مهاجر مغربي” – سنة 2022. 2- “منصور: مر السياسة، وجع الكتابة” -سنة 2022

• أصدر كتاب “الأمازيغ: قصة شعب”، دارالساقي – بيروت – لبنان – غشت 2016.

• أصدر كتاب “جاك بريل: حياته وفلسفته” عن مطبعة اتفاق – الدارالبيضاء – المغرب – سنة 2003.

• أصدر كتاب “لاكوريدا أو حياة فرنسية بالمغرب” في اللغة الفرنسية عن مطبعة اتفاق – الدارالبيضاء – المغرب – سنة 2003.

• ترجم عدد من الكتب:

– “التعاون بين بلدان المغرب العربي والاتحاد الأوروبي” (الأطروحة التي تقدم بها الملك محمد السادس لنيل شهادة الدكتوراه) – 1999.

– “جاسوسات العالم”. إيف ريمون – 2000.

– “ديكتاتورية غريبة”. فيفيان فوريستر – 2000.

– “المغرب في مرحلة انتقالية”. فيرميرن بيير – 2001.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس