أفريقيا برس – المغرب. طالبت عائلة المحامي ووزير حقوق الإنسان المغربي السابق محمد زيان، المعتقل حاليًا، بإيفاد لجنة تضمّ نقيب هيئة المحامين في الرباط والمرصد الوطني للسجون للاطلاع على وضعه الصحي، لا سيما مع تقدّمه في العمر.
وقالت عائلة زيان إن حالته الصحية تشهد تدهورًا، خصوصًا بعد دخوله في إضراب عن الطعام داخل سجن العرجات في سلا قرب الرباط، مشيرة إلى أن صوته في الاتصال الهاتفي الأسبوعي بدا عليه الإرهاق والتعب، وفق ما نقلته صحيفة “الحياة اليومية”. وفي المقابل، نفت إدارة السجن نفيًا قاطعًا هذه المزاعم، معتبرة أن لا أساس لها، بحسب بيان صادر الأربعاء.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن الإضراب عن الطعام بدأ بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، احتجاجا على ما يصرّ زيان على تسميته بـ”الاعتقال التحكّمي”، وذلك بعد اعتباره أن العقوبة الأولى التي حكم بها قد انتهت بتاريخ 21 من الشهر ذاته، وأن استمرار احتجازه “تعسفي”.
خلافا لذلك، قالت إدارة السجن المحلي العرجات1، إن السجين محمد زيان غير مضرب عن الطعام وإن حالته الصحية عادية. وجاءت هذه التوضيحات في بيان لإدارة السجن، أوردته ردًا على “المزاعم” الواردة في بيان منسوب إلى عائلة السجين المذكور، المعتقل في السجن المحلي العرجات 1 والمنشور في العديد من المواقع الصحافية الإلكترونية، بخصوص “تدهور حالته الصحية جراء دخوله في إضراب عن الطعام”.
وأضاف المصدر ذاته أن هذا السجين لم يتقدّم بأي إشعار بالدخول في إضراب عن الطعام، ويتسلّم وجباته الغذائية ويقتني مواد غذائية من متجر المؤسسة بشكل منتظم.
وأوضحت إدارة السجن أن المعني بالأمر أقرّ بنفسه أنه “لم يقم ولن يقوم إطلاقا بتقديم أي إشعار بالدخول في إضراب عن الطعام، وأنه يتناول ما استطاع وما أراد مما يسلّم له من وجبات طعام أو ما يقتنيه من مواد غذائية من متجر المؤسسة، معتبرا أن الدخول في إضراب عن الطعام هو بمثابة إلقاء النفس إلى التهلكة، الشيء الذي يتنافى وقناعاته الدينية”.
وأشارت إلى أن “إصرار عائلة السجين ومن ورائها بعض الجهات التي تستغل هذه القضية خدمة لأجنداتها الخاصة على الاستمرار في ترويج ادعاءات كاذبة ومغرضة حول الوضع الحالي للسجين المعني، ما هو إلا محاولة تهويل من أجل تضليل الرأي العام والتأثير على المسار القضائي للقضايا المتابع بشأنها هذا السجين، دون اكتراث بالعواقب الوخيمة لهذا التحريض على صحته”.
وأفاد البيان أن السجين المعني يحظى بالرعاية الطبية الضرورية، وأنه يتمتع إضافة إلى ذلك بجميع الحقوق المكفولة له قانونا، بما في ذلك الزيارة العائلية والمخابرة مع دفاعه والتواصل بذويه. ووجّهت إدارة السجن “تحذيرا” إلى عائلة السجين والجهات التي قالت إنها “تسعى إلى الاتجار في ملفه من التمادي في مثل هذه الممارسات غير المسؤولة وغير الأخلاقية”.
وسبق للنيابة العامة أن أصدرت بيانا توضيحيا، ذكرت فيه أن استمرار اعتقال محمد زيان قانوني تماما، وأنه محكوم في قضيتين منفصلتين، ويخضع في الوقت ذاته للاعتقال الاحتياطي في القضية الثانية التي لم يصدر فيها حكم نهائي بعد. كما أوضحت النيابة أن الحكم النهائي في القضية الأولى قضى بالسجن ثلاث سنوات نافذة، وبدأ تنفيذها في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
وتابعت النيابة العامة أن زيان أودع السجن احتياطيا أيضا على خلفية قضية ثانية تتعلق باختلاس أموال عامة وتبديدها، وهي القضية التي صدر فيها حكمان ابتدائي واستئنافي بالإدانة، لكن الحكم ما يزال محل طعن أمام محكمة النقض، وهو ما يجعل مسطرة الاعتقال، وفق الرواية الرسمية، مطابقة للقانون ولا يشوبها أي طابع تعسفي. كما أشارت النيابة إلى أن طلب دمج العقوبتين، الذي تقدّم به دفاع زيان، ما يزال مؤجلًا لدى المحكمة ولم يبت فيه بعد، مشددة على أن اعتقاله يتم في إطار التطبيق السليم للقانون.
وتساءل الصحافي حسن المولوع بحرقة عن سبب الاستمرار في اعتقال محمد زيان، وكتب في حسابه على “الفيسبوك”: “ثلاث سنوات كاملة خلف القضبان، بينما كان يمكن أن يستفيد على الأقل من العفو المقيد قبل سنة أو دمج العقوبتين الآن… كان ينبغي أن يكون في بيته، بين أهله، لا في السجن”.
ويستمر الجدل حول وضع زيان داخل السجن خصوصا مع تقدّمه في السن (83 عاما)، وتداول صور له بدا فيها بحالة صحية متدهورة أثناء نقله إلى المحكمة، وهو ما دفع عددا من النشطاء إلى المطالبة باعتبارات إنسانية في التعامل مع قضيته، بل واعتباره “شيخ المعتقلين السياسيين” في المغرب في نظر بعض الحقوقيين.
ويرى مؤيدو زيان أن محاكمته جاءت على خلفية مواقفه السياسية وانتقاداته الحادة للسلطات، وربطهم بين مساره الحقوقي وارتباطه بأحداث سياسية بارزة مثل حراك 20 فبراير/ شباط 2011. ويؤكدون أن المحاكمات التي خضع لها تحمل طابعا سياسيا أكثر منه جنائيا، وأن تهمه جاءت للحدّ من نشاطه العلني.
وتعود بدايات المتاعب القضائية للمحامي ووزير حقوق الإنسان الأسبق إلى سنة 2020، بعد شكايات تقدّمت بها وزارة الداخلية بسبب انتقادات علنية وجهها إلى أجهزة الأمن المغربية. وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وجهت إليه إحدى عشرة تهمة من بينها إهانة موظفين عموميين والتشهير والتحرش الجنسي وغيرها من الجنح والجرائم، أمام المحكمة الابتدائية بالرباط.
وفي 23 فبراير/ شباط 2022، صدر حكم يقضي بثلاث سنوات سجنا نافذة وغرامة مالية، قبل أن يتم تأييده استئنافيًا بتاريخ 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها، لتبدأ مرحلة تنفيذه للعقوبة الأولى.
وفي سياق قضائي مواز، أدين زيان في قضية ثانية تتعلق بتبديد أموال عامة مرتبطة بتسيير “الحزب المغربي الحرّ” الذي كان يرأسه، حيث صدر في يوليو/ تموز 2024 حكم ابتدائي يقضي بخمس سنوات سجنا نافذة وغرامة مالية. وبعد الاستئناف، جرى تخفيض هذا الحكم إلى ثلاث سنوات سجنا نافذة بتاريخ 8 مايو/ أيار 2025.
وبين روايتين متعارضتين، إحداهما تعتبر ما يجري تطبيقا صارما للقانون، وثانية ترى فيه استهدافا سياسيا واضحا، تستمر قضية محمد زيان في إشعال النقاش الحقوقي والقانوني في المغرب، بينما ينتظر الرجل داخل زنزانته ما ستقرره العدالة بخصوص طلب دمج عقوبتيه، وما سيسفر عنه طعنه بالنقض في القضية الثانية.





