مستقبل غامض يواجه “اتفاقيات أبراهام” بسبب غليان الشارع المغربي

3
مستقبل غامض يواجه
مستقبل غامض يواجه "اتفاقيات أبراهام" بسبب غليان الشارع المغربي

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. للجمعة السابعة على التوالي، عمت مظاهرات حاشدة عشرات المدن والقرى بعد صلاة الجمعة، على امتداد الجهات الأربع للبلاد. لم يفتر النَّفَس الاحتجاجي للشارع المغربي، بقدر ما تنامى التعاطف مع الشعب الفلسطيني الذي يمر بواحدة من أقسى المنعطفات المفصلية في تاريخه. والواقع أن المغرب يشهد منذ السابع من أكتوبر الماضي، تدافعا تضامنيا غير مسبوق مع القضية الفلسطينية، حيث لا تتوقف مظاهرات الغضب بالليل كما بالنهار، وحتى على مستوى الأحياء في المدن الكبرى أو الصغيرة. يُبدع المحتجون خلالها شعارات غاضبة، تندد بالعدوان الهمجي الصهيوني وبانحياز الغرب المتآمر مع الكيان، كما تطالب الحناجر السلطات المغربية بوقف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط.
وفي وقت يشتد ضغط الشارع على أصحاب القرار بالمملكة، سرت أخبار مفادها أن دوائر الحكم في المغرب قد تكون أبلغت الولايات المتحدة —باعتبارها راعية لـ “اتفاقية أبراهام”— بأنها في حال استمرار المجازر الإسرائيلية، ستجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرار تعليق التطبيع مع تل أبيب.

منذ حرب الخليج الأولى (1990-1991)، لم يشهد المغرب نظيرا لهذا الانقسام العمودي الحاد القائم بين السلطات العليا وغالبية الشعب بسبب الحرب البربرية على غزة المحاصر. ففي أعقاب اكتساح الجيش العراقي للكويت في صيف العام 1990 للكويت، كانت قلوب المغاربة تخفق للعراق فخرجوا في مسيرات مليونية تاريخية يرفعون أعلامه وصور رئيسه الأسبق صدام حسين وأحرقوا الأعلام الأمريكية والإسرائيلية، ورفعو لافتات تمجد صدام وشعارات مناوئة لدول الخليج وفي مقدمتها الكويت.

بالمقابل، كان نظام الحسن الثاني يسير ضد التيار وداعما للشرعية الدولية، التي كانت تدافع عن جلاء الجيش العراقي عن الكويت وإلا “سوف يتم إجلاؤه عنها بالقوة”. وعبثا كرر الملك في خطبه إلى الشعب المغربي بأنه لا يعادي النظام العراقي وضد العدوان عليه، وبأن الجنود المغاربة الذين أُرسلهم إلى السعودية، لن يشاركوا في الحرب على العراق بل مكلفون بالدفاع عن الحرمين الشريفين، في حال هاجمتهما صواريخ صدام. لكن الشارع المغربي ظل يغلي…

واليوم وقد مرت ثلاثون عاما ونيف على تلك المحطة التاريخية، كأن التاريخ يعيد نفسه مع كثير من الفروق والاختلافات. فالانقسام العمودي الحاد في المواقف بين السلطات العليا والمجتمع في المغرب نراه يتكرر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الماضي. لكن السبب هذه المرة هو الحرب الهمجية التي يخوضها الكيان على أطفال غزة، والسياق هذه المرة أكثر تعقيدا.

التطبيع.. مكتسبات استراتيجية

وعند التوقيع على الاتفاقية، رفض مسؤولون الحديث عن “تطبيع” للعلاقات بين تل أبيب والرباط، لأن العلاقة لم تنقطع في الواقع بين البلدين. فالمغرب يعتبر نفسه دولة فريدة في محيطه العرب،. لوجود أقلية يهودية مغربية تعيش في ظل تعايش مع الغالبية المسلمة من السكان، ويقدر عدد أفرادها بنحو 3000 نسمة، في حين أن حوالي مليون إسرائيلي هم من أصل مغربي، ويحافظون على ارتباط قوي ببلدهم الأصلي الذي ما زالوا يحافظون على جنسيته.

وكان المغرب الدولة العربية الرابعة التي توقع اتفاقا مع إسرائيل في 2020، بعد البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان، حيث وقع المغاربة والأمريكيون والإسرائيليون إعلانا مشتركا في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، يؤكد اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. ويؤكد بالمقابل على عزم المغرب وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية، وإطلاق رحلات جوية مباشرة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والعسكري. ثم سارت العلاقات إلى توقيع العديد من الاتفاقيات الفرعية التي غطت كل المجالات؛ من الدفاع، والأمن، والتجارة، والاستثمارات، ونقل التكنولوجيا، والطيران المدني، والزراعة، والسياحة، والطاقة، والرياضة، والثقافة، ومعالجة المياه، وغيرها. بيد أنّ المغرب لم يتعهّد بفتح سفارة في إسرائيل (بل سيفتح فقط مكاتب اتصال، مثل ما فعل قبل بعد توقيع الفلسطينين والإسرائيليين على اتفاقية أوسلو في التتسعينيات)، ولن يقيم علاقات دبلوماسية كاملة. وبعد يوم من إعلان ترامب، أرسلت إدارته كتاباً إلى الكونغرس حول صفقة محتملة لبيع أسلحة متطورة بقيمة مليار دولار إلى المغرب، كان الكونغرس يعرقلصفقاتها.

في أثر ذلك وبسرعة، شهدت بالأساس قطاعات التسليح والتدريب، والحرب الإلكترونية، والسياحة، والزراعة، تطورا كبيرا؛ حتى أن المغرب أصبح أول بلد عربي يرتبط مع إسرائيل بمعاهدات تتيح له اقتناء معدات عسكرية وأمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا بسهولة، إضافة إلى التعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير. وجرى الحديث في البلدين عن إقامة مشروعات لنقل التكنولوجيا المتطورة إلى المغرب في مجال الإنتاج العسكري.

كما أن البلدين شرعا في تطوير وبلورة مشروعات لإنتاج الماء العذب لأغراض الزراعة، وهو المجال الذي تعتبر فيه إسرائيل رائدة على مستوى العالم. فالمعروف أن الأمن المائي هو قطاع بالغ الأهمية، بالنظر إلى أن المغربيعد من بين أكثر 20 بلدا في العالم معاناة من الإجهاد المائي، بينما يشتغل ما يقرب من 40 % من سكانه يعملون في قطاعات الزراعة.

والملاحظ أنه —عكس الدول العربية الأخرى “المُطبعة”— يقود جهود التطبيع مع المغرب في الغالب مسؤولون عسكريون وسياسيون وحكوميون ورجال أعمال إسرائيليون من أصول مغربية. وربما لهذا السبب تحديدا تطور التطبيع بين الرباط وتل أبيب بقوة وبسرعة أكثر من أية عاصمة عربية أخرى. وقد بلغ هذا المسلسل ذروته باعتراف إسرائيل [متأخرة] بسيادة المغرب على صحرائه الغربية في يوليو/تموز الماضي. وهي الخطوة التي كان من المفترض أن تُتوج بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرباط لأول مرة، قبل نهاية العام الجاري.

ثلث المغاربة فقط مع التطبيع

في ورقة نشرها “معهد واشنطن” قبل أسبوعين، وهو مؤسسة أمريكية غير حكومية للتفكير (think tank)، كشفت سابينا هينبرج الأستاذة الأمريكية في جامعة جونز هوبكنز والباحثة في المعهد، بأنه “حتى قبل الحرب الحالية على غزة، أشارت استطلاعات للرأي إلى أن ثلث المغاربة فقط يؤيدون تطبيع بلادهم العلاقات مع إسرائيل”. وقبل أسابيع قليلة، صرحت شامة درشول، المستشارة السابقة لرئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط دايفيد غوفرين، بأن هذا الأخير سبق أن اعترف لها بأنهم —الإسرائيليون— “يعرفون بأن المغاربة هم أكثر الشعوب العربية كرها لإسرائيل”.

عندما وقع المغرب على اتفاقية التطبيع، كان عدد المحتجين عليها من المغاربة قليلا على مدى ثلاث سنوات، إلى درجة أن الانطباع ساد حول كون غالبية الشعب المغربي تساند تطبيع سلطات بلادها (أو على الأقل “تتفهم دوافعه”). لكن بشاعة الحرب الجارية على غزة وغطرسة الكيان وجنونه الدموي، غَيّر هذا الاعتقاد/الوهم وكشف عن حقيقة كون حب فلسطين والفلسطينيين هو أبدي في قلوب المغاربة جيلا بعد جيل. فمنذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى (7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي)”، وحتى قبل أن يشرع جيش الكيان في شن هجومه الوحشي، خرج المغاربة في مظاهرات تحتفي بهذه العملية التاريخية، ولم يتوقفوا حتى الساعة بعد مرور سبعة أسابيع.

وقد بلغ عدد المظاهرات الاحتجاجية في أحد الأيام حوالي 80 مدينة وقرية مغربية. وفي هذا السياق، كشف مركز التحليلات الأمريكي “ACLED”، في رسم توضيحي نشره سابقا بأن عدد الاحتجاجات والمظاهرات المنظمة في الوطن العربي والإسلامي، خلال الفترة بين 7 أكتوبر إلى غاية 27 منه فقط، التي نظمت تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، تصدرت اليمن الترتيب بـ 490 مظاهرة، تلتها تركيا بـ 375، ثم إيران بـ 276، فالمغرب بـ 276، من بين ما يناهز 4200 مسيرة احتجاجية مبلغ عنها في 100 دولة عبر العالم.

والنتيجة أنه بعد ثلاث سنوات من توقيع رئيس الحكومة الأسبق المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي د. سعد الدين العثماني على اتفاقية التطبيع، حتى أولئك الذين كانوا جزءاً من هذه العملية أصبحوا يعترفون الآن بأنها كانت “خطأ فادحا”.

وعلى الرغم من أنه لم تسجل اعتداءات تذكر على يهود أو إسرائيليين في المغرب، إلا أن اختفى السياح والمستثمرين الإسرائيليين اختفوا من الفضاء العام، خصوصا بعد تعليق الرحلات الجوية بين إسرائيل والمغرب. وبالمقابل، انخرطت فئات مهنية ونخب كانت في السابق تنأى بنفسها عن التعبير عن مواقفها حول مختلف القضايا. وهكذا أصدرت هيئات الأطباء المغاربة بيانات تضامن ودعوات إلى التبرع لبيت مال القدس، وعبر الأطباء عن استعدادهم للتطوع للذهاب إلى غزة لعلاج الفلسطينيين.

كما أطلق عشرات من الوزراء السابقين وأساتذة جامعيون والفنانين والصحافيين، من مختلف الحساسيات السياسية (يساريون وإسلاميون ويمينيون محافظون) عريضة، طالبوا فيها بإلغاء “كل اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني المحتل، لامعانه في ارتكاب جرائم حرب بالجملة ضد الإنسانية”.

ويرى خبراء مغاربة بأنه في حال مواصلة الكيان عدوانه على غزة بعد انتهاء الهدنة، فإن المجتمع المدني المغربي سوف يستأنف بدوره التعبير عن غضبه. وسيكون بالتالي على سلطة القرار في المغرب أن تأخذ في الاعتبار المطلب الشعبي بإنهاء التطبيع.

التطبيع يواجه مستقبلا غامضا

لم تسلم دول شمال أفريقيا من تداعيات الحرب الحالية بين المقاومة الفلسطينية والكيان. وقد يكون المغرب هو البلد الأكثر تأثرا بينها، بالنظر إلى علاقاته المتينة نسبيا مع إسرائيل والولايات المتحدة.

المناهضون للتطبيع في المغرب يستحضرون، من جانبهم، سابقة مرت عليها أكثر من عشرين عاما. ففي عام 2000، وبعد مرور أكثر من ست سنوات على تطبيع المغرب لعلاقاته معالكيان بعيد اتفاقية أوسلو، قطعت الرباط علاقاتها مع تل أبيب بسبب الانتفاضة الثانية. ويأمل المناهضون للتطبيع بالتالي أن تكرر الرباط إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط مرة أخرى، كرد فعل على مذابح الكيان غزة. لكن هذا السيناريو يبدو مستبعدا اليوم، بحسب المحللين والمراقبين.

فسلطة القرار في المغرب توجد اليوم في وضع لا تُحسَد عليه. فهي من جهة تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل، ومن جهة أخرى، احتواء الضغط المتواصل للشارع. ولذلك على الأرجح سوف تحافظ على العلاقة مع إسرائيل، لكن مع تخفيض وتيرة اللقاءات والزيارات الرسمية. وفي هذا السياق، يمكن القول إن قمة “منتدى النقب” التي كان مقررا أن تجمع بالمغرب دول التطبيع مع الكيان في المغرب، قد أصبحت في خبر كان. فبعد تكرار تأجيلها من طرف السلطات المغربية، بسبب الاعتداءات على الأقصى، واعتداءات قطعان المستوطنين المتعصبين على فلسطينيي الضفة، لم يكن في وارد المغرب أن يستضيفها. فقد بات من الصعب في هذا السياق تصور أن تستضيف المملكة مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، ناهيك عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، الذي كانت زيارته متوقعة بحلول نهاية العام الجاري.

وعلى الأرجح أيضا أنه ستؤدي الحرب الدائرة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية إلى زيادة صعوبة الحفاظ على التقدم الدبلوماسي الذي أحرزته الولايات المتحدة وإسرائيل مع بعض الحكومات العربية وفي مقدمتها المغرب خلال السنوات الأخيرة. فأحرى أن يتم التفكير في توسيع هذا التقدم، خاصة مع اشتداد المعارضة الشعبية لإسرائيل في المغرب، بسبب جرائمها في فلسطين، بحسب سابينا هينبرج، الأستاذة الأمريكية في جامعة جونز هوبكنز والباحثة في معهد واشنطن، التي تعتبر من جانب آخر بأن «التعاون الاستراتيجي الملحوظ بين إسرائيل والمغرب القائم منذ عام 2020 قد يقع ضحية النتائج السلبية المترتبة عن أحداث غزة. فقد واظب البلدان على تعزيز شراكتهما الأمنية، بما في ذلك من خلال بيع الطائرات بدون طيار، والدبابات، وبرامج التجسس التي هي أكثر إثارة للجدل. ومن المرجح أن تتباطأ عمليات نقل هذه الأسلحة بما أن قدرة الإمداد العسكرية الإسرائيلية تتعرض للضغط بسبب الحرب».

غير أنه أن هذا التباطؤ لن يغير على الأرجح الهدف الرئيسي للمغرب لتعزيز ترسانته، وبدلا من ذلك، قد تلجأ المملكة إلى مورّدين آخرين (ربما أوروبيين أو الصين)، خاصةً إذا كانت تتوقع حدوث تأخيرات طويلة المدى في عمليات الإنتاج أو التسليم الإسرائيلية. لا سيما حاليا بعد أن أصبح بإمكان الرباط الاعتماد بصورة أكثر فأكثر على علاقاتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية مع الصين.

اتفاقيات أبراهام.. مجرد «تحالف ديني متعصّب»!

أياما قليلة بعيد عملية طوفان الأقصى، نشر هشام العلوي وهو ابن عم الملك المغربي محمد السادس المعروف بمواقفه المستقلة وبحمله لقب “الأمير الأحمر”، ورقة بحثية حول موضوع “اتفاقيات أبراهام” التي تشكل الإطار الذي تندرج فيه عمليات التطبيع الأخيرة مع كل من الإمارات، والبحرين والسودان، والمغرب. وقد كتبها قبل الأحداث الأخيرة في غزة.

ويرى الأمير هشام الأستاذ الباحث في جامعة هارفارد الأمريكية، بأن اتفاقيات التطبيع التي تم التوصل إليها في عام 2020 بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب «علاوة على بعدها الجيوسياسي، فقد تم تجاهل أحد جوانب هذا التحالف. فعلى الرغم من اختلافات أعضائه الدينية، إلا أن الأصوليين في الديانات التوحيدية الكبرى الثلاث استغلوه، لتشكيل جبهة مشتركة ضد الليبرالية الأخلاقية والقيم العلمانية؛ حتى لو كان القمع الإسرائيلي في القدس الشرقية وانتهاكات الأماكن المقدسة يهددان أيضا هذا الجانب من الاتفاقية».

ويضيف “الأمير الأحمر” قائلا: «عندما تم توقيع اتفاقيات أبراهام للتطبيع في سبتمبر/أيلول 2020، اعتبر معارضو هذه الخطوة أنها مثال حيّ وصلِف للانتهازية الجيوساسية، حيث تعلّق الأمر برغبة الولايات المتحدة، تحت إدارة دونالد ترامب، في إعادة إحياء هيمنتها التي باتت في تراجع. وذلك من خلال التفاوض على اتفاقيات سلام إسرائيلية عربية جديدة، تفضي إلى تعزيز الجبهة المعادية لإيران وتحسين علاقات واشنطن مع حلفائها العرب. فقام هؤلاء الحلفاء (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب) بالتلويح بإمكانية التطبيع مع إسرائيل من أجل الحصول على اتفاقات تجارية جديدة، ومساعدات عسكرية، ومكاسب أخرى»..

«لكن بعيدا عن الاعتبارات الجيوسياسية، يشكل التطرف الديني عاملا للمساهمة في فهم اتفاقيات أبراهام. إذ جمعت هذه الأخيرة تحالفا غير متوقع من الدول التي تدّعي التحدث باسم عقيدتها الدينية من خلال صياغة محددة لمُثُل أصولية.. حتى وإن مثّل – في البداية – استخدام اسم النبي إبراهيم في إشارة إلى هذه الاتفاقيات، تأكيدا على التسامح الجامع بين الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية، إلا أنه يشير اليوم إلى تحالف متطرف ضد الديمقراطية الليبرالية».

و«هكذا أصبحت الأطراف المتشددة قوة مهيمنة في السياقين السياسيين لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، بحسب الأمير هشام.كما يبقى تأثيرها قويا فيما يتعلق بالدول العربية. ففي إسرائيل، تتحكم الجماعات اليمينية اليهودية المتشددة بشكل كبير في الحكومة، بحيث تملي عليها القرارات في شأن القضية الفلسطينية. أما في الولايات المتحدة، فيمارس الجناح الإنجيلي للحزب الجمهوري تأثيرا منقطع النظير على الحركة المحافظة، ويتداخل أيضا مع التيار الشعبوي لحركة لِنُعد لأمريكا مجدها” التي قادها ترامب»..

وفي ضوء ذلك، «تمثل بالنسبة للمجموعات الثلاث، اتفاقيات أبراهام اتحادا مريحا يقوم على المصلحة. فمن الجانب الإسرائيلي، يمكن الشروع في ضم فلسطين، في وقت يمكن للمسيحيين الإنجيليين الأمريكيين تعزيز دفاعهم المزعوم عن الحضارة الغربية. بينما يمكن أخيرا للأنظمة العربية تنمية قدراتها العسكرية وتكنولوجيا مراقبة شعوبها. وفي النهاية، نجد أنّ تحالف المتشدّدين الدينيين هو الذي يقف أساسا وراء اتفاقات التطبيع. لكن على الرغم من كل ذلك، تواجه اتفاقيات أبراهام تهديدا غير متوقع. فلطالما كان من قبيل السذاجة الاعتقاد بأن هذه القوى الدينية والسياسية ستحافظ على توازنها المتناغم، وهو تناغم أصبح بصدد الانهيار في إسرائيل – وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك مؤسسات ليبرالية، ولكن حصرا لليهود».

ويخلص الأمير الباحث والجامعي إلى أن «هجمات الصهاينة المتشددين المتكررة على المسجد الأقصى تُمثل رمزا ليس فحسب لسلب فلسطين، ولكن أيضا لاعتداء روحي على إيمان المسلمين في العالم كله. وبالتالي على أية فكرة للتحالف بين الأديان. من هذا المنظور، فإن كامل الإطار الإقليمي الذي تم إنشاؤه من خلال اتفاقيات أبراهام مهدد بالانهيار تحت وطأة تناقضاته الداخلية».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس