مقترح المغرب بربط منطقة الساحل بالمحيط الأطلسي

20
مقترح المغرب بربط منطقة الساحل بالمحيط الأطلسي
مقترح المغرب بربط منطقة الساحل بالمحيط الأطلسي

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. بسبب موقعها الجغرافي وسط الصحراء الكبرى أكبر صحاري العالم (9 ملايين كيلومتر مربع)، تجد دول الساحل الأفريقي نفسها ضحية لعزلة طبيعية أبدية بعيدا عن أي منفذ بحري، حيث تعاني من أجل القيام بعمليات الاستيراد أو التصدير الحيوية بالنسبة لأي دولة. ومع ذلك، فإن هناك من يرى أن هذه الدول، التي تعاني من “لعنة” الانقلابات العسكرية ومن نزاعات وحروب لا نهاية لها من جميع الأنواع، مليئة بالفرص التي تطل برأسها بحثا عن من يقتنصها. وفي هذا الاتجاه، اقترح الملك المغربي محمد السادس مساء السادس من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، على أربع دول من المنطقة هي تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، ربطها بالمحيط الأطلسي عن طريق بلاده [بالتحديد أقصى جنوبها الصحراوي المرتبط بمنطقة الساحل عبر موريتانيا].

فما هي عناصر هذه الاستراتيجية الجديدة؟ وعلى ماذا يراهن المغرب من خلال طرحها؟ وماذا يتوقع أن يستفيد منها؟ وماذا ستستفيد دول الساحل المعنية بها؟ ثم هل هذه الاستراتيجية المقترحة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع؟ ولماذا تلقى الاستراتيجية الجديدة معارضة أو تحفظا من دول بالمنطقة وحتى من بعض القوى الدولية؟

للوهلة الأولى، قد تبدو الفكرة التي يقترحها المغرب مستحيلة بل و”مجنونة” حتى.. وقد يرى فيها البعض مجرد شعار للاستهلاك السياسي للتقرب من دول الساحل التي تعرف مشاكل متعددة مع الخصم الجزائري. لكن عندما نستحضر بأن الرباط طلبت قبل ثماني سنين الانضمام إلى التكتل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (سيدياو CEDEAO)، ثم اقترحت بعد ذلك إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز يمتد على آلاف الكيلوميترات ويربط حقول الغاز في نيجيريا، التي تتوفر على أضخم احتياطي في القارة، بأوروبا مرورا بـ 13 دولة في غرب أفريقيا وينتهي بالمغرب، الذي منه سيتم ضخ الغاز الطبيعي نحو أوروبا. وعندما نعلم بأن المغرب هو أول أو ثاني أهم مستثمر أفريقي في أفريقيا، ندرك بأنه يمتلك تصورا مستقبليا واضحا لعلاقاته الاستراتيجية مع عمقه الأفريقي.

شراكة مربحة للجانبين

من حيث المبدأ، ليس الرأسمال المغربي، سواء الخاص أو المملوك للدولة، طارئا على منطقة الساحل كغيرها من عموم دول غرب أفريقيا. فالشركات المغربية هي المقاولات الشمال أفريقية الأقدم والأكثر تواجدا في كل من مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وخصوصا موريتانيا، من خلال كبريات الشركات للمصارف (كالتجاري وفابنك، والبنك الشعبي، وبنك أفريقيا، الخ) والتأمينات والاتصالات (اتصالات المغرب) ومقاولات البناء والطرقات، وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره. كما أن شاحنات النقل المغربية الكبيرة المبردة للنقل الدولي، تزود الأسواق الموريتانية والمالية وغيرها بانتظام بالسلع المغربية الواسعة الاستهلاك (سكر، زيت، دقيق، زيوت طبخ، خضر، فاكهة، الخ). وتنقل الأسماك والمنتجات البحرية إلى أسواق مالي وبوركينا وغيرها من الدولة غير البحرية. ومن آخر الأمثلة على الاستثمارات المغربية الكبرى في دولة مالي، التي تمزقها النزاعات والحروب، تدشين مصنع لإنتاج إسمنت البناء هو الثاني في هذا البلد، ويدخل ضمن استراتيجية مغربية تروم تحويل مالي إلى منصة لإنتاج وتوزيع أسمنت البناء على دول الساحل. وهذين المصنعين تمتلكهما شركة مغربية مملوكة للقطاع الخاص، تتواجد مصاعها للأسمنت في 13 دولة أفريقية. ولذلك يمكن أن نفهم لماذا يتحسر الفرنسيون —ديبلوماسيين ومحللين ورجال أعلام وإعلاميين— على كون المغرب يعد من أكبر المستفيدين اقتصاديا من طرد بلادهم من طرف الأنظمة الوطنية الجديدة في دول الساحل!

لكن عمليا، ماذا يقترح المغرب أكثر من ذلك، على دول الساحل الأربعة المذكورة؟

في جملة واحدة، يمكننا وصف المبادرة المغربية بأنها هجوم جيوسياسي ودبلوماسي وتجاري غير مسبوق من الرباط على منطقة الساحل.

فقد اقترح محمد السادس على مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، فتح اقتصادياتها على بلاده، من خلال إنشاء منطقة تجارة حرة تمتد من تشاد شرقا، مرورا بالنيجر ومالي (وربما) موريتانيا، إلى ميناء الداخلة على المحيط الأطلسي في الصحراء الغربية (المغربية)، غربا.

المعروف أن هذه الدول المعنية بالاقتراح المغربي كانت تقوم بعمليات الاستيراد والتصدير، أساسا عبر ميناء العاصمة الطوغولية لومي. لكن، من جهة، هذا المنفذ البحري يفتقد إلى التجهيزات، وتربطه بدول الجوار بنية تحتية الطرقية ضعيفة. ومن جهة ثانية، باتت دول الساحل (بسبب الانقلابات العسكرية التي شهدتها) مشمولة بعقوبات التكتل الاقتصادي لدول غرب أفريقيا. ومن جهة ثالثة يعتبر ميناء الداخلة بالصحراء المغربية، أقرب إلى الأسواق الدولية من ميناء لومي بالطوغو.

وتقول الرباط إنها مستعدة لربط بنيتها التحتية للطرق والموانئ والسكك الحديدية بدول الساحل الأربع هذه، التي سيتعين عليها بالمقابل إنشاء فرق تدخل سريع مسلحة لتعزيز الأمن على البنى التحتية. وهو الاقتراح الذي سارعت الدول المعنية إلى التفاعل معه بشكل إيجابي منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.

توجه نحو العمق الأفريقي

منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي في 31 يناير 2017، أصبح المغرب عضوا ديناميكيا ونشطا، حيث يشكل التعاون فيما بين بلدان الجنوب أولوية هامة على المستوى الاقتصادي لديه. وبهذا المعنى تساهم البلاد في تنمية العديد من القطاعات بالقارة، بهدف تعزيز تنمية بلدان الجوار مع تعزيز الصداقة المغربية الأفريقية. ويعتمد المغرب دبلوماسية ثابتة موجهة نحو التعاون جنوب جنوب، ويسعى بإرادة استراتيجية ثابتة إلى تعزيز فعالية انخراطه في القضايا والتحديات التي تواجه القارة، حيث ينفذ المغرب اليوم العديد من مبادرات التعاون فيما يتعلق بالبلدان الأفريقية، سواء في المجالات الزراعية والصناعية والصيدلانية والتعليمية وغيرها.

وفي ذلك كله، يهدف المغرب أيضا إلى تحقيق تقدمه الاقتصادي بالتعاون مع جواره الأفريقي، من خلال تعزيز صادراته ووارداته إلى البلدان الأفريقية ومنها. هكذا، وبحسب بلاغ مكتب الصرف المغربي(حكومي) الصادر بتاريخ 19 يوليو/تموز 2022، فقد سجل المغرب ارتفاعا في حجم تجارته مع أفريقيا بلغت نسبته 29,8% مقارنة بسنة 2021، أي ما يعادل 10,6 مليار درهم مغربي (قرابة 1,5 مليار دولار). ويعتبر تصدير المنتوجات الفلاحية ضروريا للأمن الغذائي لعديد الدول الأفريقية، وأيضا بالنسبة للمقاولات المغربية.

وبحسب مكتب الصرف المغربي دائما، فإن التبادل التجاري بين المغرب وأفريقيا شهد منذ سنة 2000 ارتفاعا ملحوظا، خاصة على مستوى الصادرات والواردات، بلغ نسبة 9,5% في المتوسط السنوي، أي 39,5 مليار درهم (حوالي 3,7 مليار دولار) سنة 2019. وهو ما يمثل ارتفاعا ملحوظا على مستوى الصادرات والواردات يمثل 6,9% من التجارة الخارجية للمغرب. وتستمر التبادلات في النمو من سنة إلى أخرى.

ومن خلال اعتماد استراتيجية الديناميكية التجارية منذ 2009، يسعى المغرب إلى تعزيز مكانته الاقتصادية مع أفريقيا، بهدف خلق نمو اقتصادي قائم على مقاربة مربحة للجانبين (يسميها المسؤولون المغاربة “سياسة رابح-رابح”). وقد سمح ذلك للمغرب بتسجيل زيادة بنسبة 6,1% في متوسط النمو السنوي لاقتصاده في عام 2019، وهي السنة التي تعتبر مرجعية قبل الجائحة.

لقد استثمر المغرب، الذي توجد شركاته في 30 دولة أفريقية، في عدة مجالات على مدى السنوات العشر الماضية، في قطاعات مرتبطة بالخدمات المالية والاتصالات والعقارات والتوزيع والصناعات الغذائية والكيماوية (خاصة الفوسفات). وعلى هذا المستوى، تستحوذ منطقة غرب أفريقيا (بما في ذلك منطقة الساحل) اليوم على أكثر من 55% من مجموع الاستثمارات المغربية في القارة الأفريقية، في مقابل نسبة من استثماراته بدول شمال أفريقيا (دول المغرب العربي+مصر) بحوالي 25%، ونسبة 15% من استثماراته بوسط أفريقيا، و5% بجنوب القارة.

سياق متوتر للغاية

ولعله من عجيب المفارقات هنا أن منطقة الساحل، وهي منطقة أفريقية شاسعة شبه قاحلة تفصل الصحراء الأفريقية الكبرى في الشمال عن السافانا الاستوائية في الجنوب، هي أرض للفرص الإستثمارية بقدر ما هي أرض للتحديات المتعددة (خصوصا منها الأمنية). فهي تتمتع بموارد بشرية وطبيعية وفيرة، مما يوفر إمكانيات هائلة للنمو السريع. ومع ذلك، هناك تحديات عميقة الجذور – بيئية وسياسية وأمنية – يمكن أن تقوض أي جهد لتحقيق الرخاء والسلام.

يدرك الجميع أن منطقة الصحراء والساحل تعد حاليا واحدة من أكثر المناطق زعزعة للاستقرار وللحرمان على الكوكب. وفي الواقع، سواء كانت المحاصيل الزراعية جيدة أو سيئة، يتعين على بلدان المنطقة أن تتعامل مع ما يتراوح بين 3 و 5 ملايين (أو حتى ما يصل إلى 10 ملايين في بعض السنوات) من الناس الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي كل عام. ووفقا للمنظمات الإنسانية، تجاوزت معدلات مؤشر “سوء التغذية الحاد الشامل” في منطقة الساحل عتبة الإنذار البالغة 10%، على مدى الخمسة عشر عاما الأخيرة على الأقل. بل في العديد من المناطق، تتجاوز هذه المعدلات بانتظام عتبة الطوارئ البالغة 15%. وبالإجمال، يعاني حوالي 40% من الأطفال دون سن الخامسة من التقزم (قصار القامة). ويعتبر الفقر الذي يحد من الوصول إلى الأسواق، وضعف أنظمة الحماية الاجتماعية، وسوء الوضع الصحي، أسبابا تساعد في تفسير هذه المفارقة. ناهيك عن الدور المتزايد للصراعات وانعدام الاستقرار السياسي وبالتالي الاجتماعي. ومع ذلك، فإن المنطقة ليست فقيرة، كما يحاول البعض أن يجعلوننا نعتقد. فهي غنية بالموارد والإمكانيات الطبيعية والبشرية.

فمن حيث الإمكانيات البشرية، تعد منطقة الساحل واحدة من أكثر المناطق فتوة في العالم، حيث إن 64,5% من سكانها تقل أعمارهم عن 25 عاما. ويعني ذلك أن التعليم والتكوين المهني يمكن أن يولدا مكاسب ديمغرافية كبيرة. لكن لسوء الحظ، يجد الشباب الساحلي المحتاج إلى وظائف في الوقت الحالي أنفسهم مجبرين على سلوك طريق الهجرة السرية، أو حتى الانضمام إلى صفوف الحركات المسلحة.

ومن حيث الموارد الطبيعية، تتمتع منطقة الساحل بإمكانيات هائلة في مجال المعادن، خاصة اليورانيوم، وهو عنصر حيوي لتشغيل محطات الطاقة النووية في الغرب وبخاصة فرنسا وألمانيا، وأيضا بالمحروقات التي تُسيل احتياطياتها الهائلة في موريتانيا وتشاد والنيجر ومالي لعاب العديد من الشركات العالمية الكبرى (بينها شركة “سوناتراك” الجزائرية للمحروقات) والدول. كما أن منطقة الساحل غنية بنفس القدر بالمياه الجوفية العميقة، ناهيك عن الطاقات المتجددة، التي توفر بعضا من أعلى قدرات إنتاج الطاقة الشمسية في العالم (شدة إضاءة أشعة الشمس وطول فترة سطوعها في اليوم).

وبالتالي فإن المشكلة لا تكمن على مستوى الإمكانيات، بل على مستوى عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعاني منه المنطقة منذ عقد من الزمن. وبسبب ذلك، أصبحت منطقة الساحل بمثابة رقعة شطرنج تتضارب عليها مصالح العديد من القوى الدولية والإقليمية، وأيضا الشركات المتعددة الجنسيات القادرة على إثارة الصراعات والحروب، إما لتثبيت مصالحها أو لتأمينها.

تحد كبير ومعقد

بحسب لغة الدبلوماسية المغربية، يهدف العرض إلى تحويل كامل لاقتصايدات منطقة الساحل، وتحسين حياة سكانها وتعزيز الأمن في المنطقة. ونجاح هذا الخيار، إذا ما رأى النور، يعتمد أيضا على التزام إقليمي ودولي جدي من جانب شركاء المغرب ودول الساحل، لتحقيق عدة أهداف رئيسية في وقت واحد. أولا، على المستوى الاقتصادي، يمكن لتكامل بهذا الحجم على مستوى البنية التحتية أن يشكل أساسًا متينًا للتكامل الاقتصادي متعدد الأبعاد: التجارة الحرة، والسوق المشتركة، والتنسيق القانوني والتجاري، وربما عملة واحدة تحل محل الفرنك الأفريقي.وهو ما التزمت به دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو بالفعل على لسان قادتها قبل أيام.

وفي اجتماعهم في مراكش يوم 23 ديسمبر/كانون الأول، رحب وزراء الخارجية وغيرهم من كبار المسؤولين من النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو بالإجماع بالمبادرة وانضموا إليها بحماس. ومع ذلك، يمكننا أن نتصور أن المناقشات العميقة بين كبار المسؤولين من الدول الأربع + المغرب، تناولت بالتأكيد (خلف الأبواب المغلقة) التعقيدات والصعوبات التي قد تعيق تنفيذ المشروع العملاق.

أولا، يجب بالضرورة أن يتم ربط البنى التحتية الجديدة التي يُفترض أن يتم إنشاؤها بدول الساحل المعنية، بتلك الموجودة في المغرب عبر الجزائر، وهذا الخيار الأخير غير ممكن في الوقت الحالي.. أو عبر موريتانيا، وهذا ممكن. لكن يظل من الصعب تصور المشروع دون حصول نواكشوط على موافقة الجزائر. سوف نعود إلى هذا. وأمام هذا الوضع، ينتصب السؤال: هل تصبح موريتانيا إحدى الإشكالات الكبرى للدبلوماسية الإقليمية للمغرب والأطراف المعنية بالمشروع الضخم؟ كل شيء يقودنا إلى تصديق ذلك، بدءا من الموقف الرمادي غير الواضح بدرجة كافية للنظام القائم في نواكشوط بشأن هذه الاستراتيجية.

ثانيا، على المستوى الأمني وهو شرط أساسي، يتطلب المشروع إنشاء بنية تحتية وتواصلا اقتصاديا يمتد من مالي إلى جنوب المغرب استثمارا أمنيا كبيرا لتأمين مناطق العبور. وهو ما من شأنه أن يضع حدا في الواقع للفوضى المنتشرة، حيث تكثر الجماعات المسلحة المختلفة التي ستعارض هذه الاستراتيجية، بالنظر إلى أن الديناميكية الاقتصادية المقترحة ستفيد أيضا السكان الفقراء في دول الساحل، الذين يشكل البؤس والفقر خزانا تجنيد للحركات المسلحة.

ثالثاً، على المستوى الدبلوماسي، فإن مشروعا جيوسياسيا بهذا الحجم سوف يضع الجزائر أمام خيار معقد. فعدم الانضمام إلى المشروع سيقودها إلى محاربته، وهو ما من شأنه أن يجعلها إما معزولة تماما دبلوماسيا وجيوسياسيا، أو يُكرهها على الانضمام إلى هذه المبادرة مع المخاطرة بالاضطرار إلى التخلي عن استراتيجيتها الرامية إلى إضعاف المغرب، من خلال مواصلة الاستثمار بكثافة – منذ 50 عاما خلت – في المشروع الانفصالي للبوليساريو في الصحراء الغربية.

وأخيرا، يظل السؤال الحاسم المتعلق بتمويل البنية الأساسية لدول الساحل، وهي أساس الاستراتيجية برمتها، بلا إجابة. إن تعبئة المانحين الدوليين ستكون أكثر من ضرورية بهذا الصدد، ونحن هنا نصر على الجانب المغربي، حيث نكرر أن هذه المبادرة “الدولية” لا يمكن أن تنجح إلا بشرط “تأهيل” البنى التحتية في منطقة الساحل، قبل ربطها بالمغرب، والأمر نفسه ينطبق على شبكات الاتصالات. والحال أنه بالنظر إلى مستوى التنمية في بلدان الساحل، وجميعها ذات دخل منخفض، يبدو المشروع ربما مبالغا فيه. إذ يعيش ثلث سكان منطقة الساحل تحت خط الفقر الذي حددته الأمم المتحدة، وتعد البنية التحتية في المنطقة من بين الأضعف في العالم، وفقا لملاحظات البنك الدولي. كما أن 40% من الشركات في منطقة الساحل تعتبر طرق النقل الحالية عاملا رئيسيا يقيد أنشطتها.

استراتيجية تثير الكثير من القلق!

من الواضح أن المغرب، من خلال التعبير عن استعداده إتاحة بنيته التحتية من طرق وموانئ وسكك حديدية لأربعة بلدان من منطقة الساحل، فإنه يسعى – من بين أهداف أخرى – إلى اكتساب نفوذ جيوساسي، مع تراجع لعلاقات الجزائر مع أربعة من جيرانها الستة. وتواجه الجزائر علاقات متوترة للغاية مع مالي والنيجر اللتان ترتبط معهما بحدود شاسعة في الجنوب، ناهيك عن عداوتها للمشير خليفة حفتر رجل شرق ليبيا القوي، وعدائها التاريخي للمغرب في الغرب. وخلافا لسياسة المواجهة التي تنتهجها الحكومة الجزائرية، فإن المبادرة المغربية تندرج في إطار منظور التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الذي يمثل نقطة تحول استراتيجية للمنطقة التي أطلقها محمد السادس لصالح بلدان الساحل.

وبصرف النظر عن الجزائر، فإن فرنسا —هذا المستعمر السابق للمنطقة الذي يرفض تركها— هي في المقام الأول الخصم الأساس الذي يراقب بصمت وغضب منذ سنوات، قيام المغرب بتوسيع مجال نفوذه حيثما تتراجع المصالح الفرنسية في أفريقيا.

في بودكاست نشره قبل أيام على قناته على اليوتيوب، يحتج الخبير الفرنسي في القضايا السياسية آلان جوليت Alain Juillet وهو يرى المغرب يطور علاقاته الاستراتيجية مع دول الساحل “على ظهر فرنسا”. وكأن المغرب ليس دولة أفريقية من المنطقة! “نحن (الفرنسيون) تركنا المجال مفتوحا. في نفس الوقت الذي كنا نُدفع فيه نحو الباب وصل المغاربة. لقد كسبوا للتو الرهان (كذا). وهذا يعني أنه سوف يكون من الصعب (على فرنسا) العودة (إلى منطقة الساحل)”.

إن جولييه يعرف ما يتحدث عنه، إذ سبق بين عامي 2002 و2005أن تولى – من بين مسؤوليات عليا أخرى – منصبَي مدير المخابرات في المديرية العامة للأمن الخارجي، ثم منصب مسؤول كبير مكلف بالاستخبارات الاقتصادية في الأمانة العامة لوزارة الداخلية الفرنسية. ويتابع: “نحن نخسر الأرض(بمنطقة الساحل). ولكن الأسوأ من ذلك أن من يأخذ مكاننا هي دولة (يقصد المغرب) كانت متحالفة مع فرنسا، وهي الآن على خلاف معها.. كيف يمكن لدبلوماسيتنا الفرنسية أن ترتكب مثل هذه الأخطاء؟ يبدو الأمر غير قابل للتصديق”..

منظورا إلى ما يجري من وجهة نظر مغربية، فإن الاقتصاد المغربي يختنق بحثا عن أسواق خارجية أرحب لتسويق صادراته الزراعية والصناعية والخدماتية. في حين أن أهم سبب لخسارة فرنسا ثقلها ونفوذها في دول المنطقة مع طرد القوات الفرنسية، هو غضب القادة الجدد في باماكو ونجامينا ونيامي، من الهيمنة الفرنسية على الموارد الرئيسية مثل اليورانيوم، والمحروقات والذهب، التي يتهمون باريس بـ “نهبها” بلا رحمة لعقود من الزمن. ناهيك عن اتهام الفرنسيين بـ “تشجيع الحركات الإرهابية وتمويلها”، بدل محاربتها كما يدعون ذلك.

وتقول تقارير إن الولايات المتحدة وروسيا دولا أوروبية أخرى، تراقب بحذر توسيع الرباط لنفوذها في منطقة الساحل. خصوصا الروس الذين يتواجدون عسكريا بدول الساحل (من خلال شركة فاغنر الروسية)، في الدول الأربعة نفسها التي تشملها الاستراتيجية المغربية الجديدة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس