من جنى على اتحاد المغرب العربي؟

8
من جنى على اتحاد المغرب العربي؟
من جنى على اتحاد المغرب العربي؟

أفريقيا برس – المغرب. لا يتحمس القادة المغاربيون كثيرا لاتحادهم. ومع أن لكل واحد منهم أسبابه ودوافعه وراء ذلك إلا أنهم يتفقون جميعا على أمر واحد وهو أنهم ليسوا مستعدين على أن يصفقوا الباب وراءهم وينسحبوا من اتحاد المغرب العربي. إنهم يعلمون جيدا أنهم قد لا يكسبون ظرفيا من بقائهم فيه لكنهم يرون، وعلى الأرجح، أن ما يمكن أن يخسروه جراء خروجهم منه قد لا يكون بالشيء الهين والقليل.

لكن إنْ كان ذلك الهيكل الإقليمي لايزال قائما اليوم فما العلامة التي قد يستدل بها على أن هناك، بالفعل، كيانا راسخا وموجودا يدعى اتحاد المغرب العربي؟ قد يقول البعض إنها الأوراق الرسمية أو إنه ذلك المبنى المغمور في إحدى ضواحي الرباط والذي ترتفع فوقه راية خفاقة عليها نجوم مع ألوان حمراء وبيضاء وخضراء وصفراء تشير إلى أعلام دول الشمال الأفريقي الخمس. لكن المفارقات تستعصي على الحصر.

وآخرها قد يكون أنبوب الغاز الذي يربط الجزائر باسبانيا ويمر عبر المغرب ويحتفظ حتى الآن بتسمية «أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي» رغم أن الجميع يعلم أن الجزائر كانت قد أعلنت نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن عدم تجديد العقد المتعلق بتصدير غازها الى مدريد عبره، ولن يكون مستبعدا أنها تنظر بانزعاج وعدم رضا الى قرار السلطات الايبيرية مطلع الشهر الجاري الرد بالإيجاب على طلب الرباط «الحصول على الغاز الطبيعي المسال من الأسواق الدولية وإيصاله الى مصنع لإعادة التحويل في شبه الجزيرة الاسبانية واستخدام خط أنابيب الغاز المغاربي لنقله الى أراضيها «مثلما أعلنت عن ذلك وزارة التحول البيئي الاسبانية.

وبالمثل فإنه لا تكاد تخلو عاصمة من العواصم المغاربية من ساحة أو ميدان أو شارع يحمل اسم أو صفة المغاربي مع أنه يبدو من غير الوارد أبدا أن يوجه أحد سؤالا أو استفسارا بسيطا للمسؤولين الحكوميين عما باتت تعنيه مثل تلك العبارات والأوصاف بالنسبة لهم.

إن ما يحدث هو أن الأشياء أخذت باستمرار معنى عكسيا. فبدلا من أن يكون أنبوب الغاز العابر للمغرب تجسيما حيا وثابتا لقيم التضامن المغاربي قبل التضامن المغاربي الأوروبي والتي لا مكان فيها للتقلبات السياسية تحول الى أداة للزجر والانتقام تستخدمه دولة مغاربية ضد أخرى.

وبدلا من أن تذكر الشوارع والساحات والميادين المارين بها والعابرين منها بقوة الروابط التي تجمع المغاربيين باتت لا تحرك فيهم أي شيء، بل تثير تجاهلهم، وفي أفضل الأحوال ازدراءهم وغضبهم. وهكذا فإن قليلين جدا سينتبهون اليوم الى أن اتحاد المغرب العربي سيقفل غدا الخميس عامه الثالث والثلاثين.

وليس من قبيل المفاجأة أبدا أن يكون آخر ما قد يشغل بال الليبيين والتونسيين والجزائريين والمغاربة والموريتانيين في هذا الظرف هو بقاء ذلك الاتحاد، الذي تأسس رسميا في السابع عشر من شباط/فبراير 1989 في مدينة مراكش المغربية، أو غيابه واختفاؤه.

لقد باتت أزمات ومشاكل إقليمية وعالمية كثيرة، وربما حتى بعيدة جغرافيا كالحرب المتوقعة في اوكرانيا مثلا، فضلا عن القضايا الداخلية والمحلية التي تخص كل قطر من الأقطار المغاربية الخمسة أقرب لهم من اتحاد لم يعد له منذ سنوات سوى وجود كرتوني باهت.

لكن ما الذي يفسر في تلك الحالة إذن تمسك القادة المغاربيين، رغم كل خلافاتهم وكل التناقضات الموجودة في سياساتهم وحتى كم العداوات التي تحكمهم، بهذا الهيكل حتى الآن؟ وما مصلحتهم في بقائه بالحال الذي هو عليه اليوم؟ من الواضح أنهم يجدون صعوبة في التخلص مما يلوح الآن لكثيرين مجرد خيال مآتة.

إن كل واحد منهم ينتظر من الآخر أن يطلق رصاصة الرحمة على الاتحاد ويعلن انسحابه منه بشكل رسمي لكنه لا يجرؤ بالمقابل على أن يقوم هو بتلك الخطوة. وربما يستعصي ذلك التناقض على الفهم.

لكن لنتصور مثلا أن واحدة من الدولتين الكبيرتين والمحوريتين في ذلك التجمع الإقليمي، أي المغرب والجزائر، أقدمت على أخذ قرار سيادي بالخروج منه ألن يقدم ذلك في نظر الأخرى كمبرر إضافي على زيادة حدة التصعيد والتوتر بينهما ويستغل كأداة لكيل كل أشكال الاتهامات لها بتنكرها لحلم أجيال من المغاربيين طمحت للتقارب والوحدة؟

إن الكلمات التي قالها الملك المغربي قبل خمس سنوات من الآن في خطابه أمام القادة الافارقة خلال قمتهم في أديس أبابا هي أقوى تعبير رسمي صدر حتى الآن عن واحد من القادة الخمسة عما يخالجه من شعور عميق بالخذلان والإحباط من أداء ذلك الاتحاد. لقد قال محمد السادس في ذلك الوقت وبكثير من الالم: «من الواضح أن شعلة الاتحاد المغاربي قد انطفأت في ظل غياب الايمان بمصير مشترك.

فالحلم المغاربي الذي ناضل من أجله جيل الرواد في الخمسينيات من القرن الماضي يتعرض اليوم للخيانة ومما يبعث على الأسى أن الاتحاد المغاربي يشكل اليوم المنطقة الأقل اندماجا في القارة الافريقية إن لم يكن في العالم أجمع» مختتما الفقرة الطويلة التي تحدث فيها المغرب الكبير بإطلاق صيحة تحذير قوية بأنه «إذا لم نتحرك ونأخذ العبرة من التجمعات الافريقية المجاورة فإن الاتحاد المغاربي سينحل بسبب عجزه المزمن عن الاستجابة للطموحات التي حددتها معاهدة مراكش التأسيسية».

والمؤسف حقا أن الرجة التي أحدثها ذلك التحذير سرعان ما ضعفت بالتدريج امام قوة وحدة المناكفات والنزاعات بين الدول الأعضاء. لقد كان المنطق الذي حرك القادة الأربعة الباقين، وبشكل ما، هو ليس هناك داع أو حاجة للتغيير، والأفضل هو بقاء الوضع القائم على ما هو عليه.

والسؤال الذي قد يطرحه البعض هنا هو ما الذي حمل المغرب إذن على أن لا يفض الشراكة مع جيران فقد الثقة أو الأمل في أنهم لازالوا يتمسكون بوحدة المصير المغاربي في وقت وجه أنظاره فيه نحو افريقيا التي وصفها الملك المغربي في ذلك الخطاب ببيته؟ لا شك إن فك الارتباط نهائيا بين المغرب وبين الاتحاد المغاربي ليس بالعمل السهل، ففي طنجة بدأت في خمسينيات القرن الماضي النواة الأولى للتجمع المغاربي، وفي مراكش وضع ميثاق الاتحاد المغاربي، كما أن مقره يوجد في الرباط.

وسيبعث تجاهل المغرب لكل ذلك الإرث، ومن دون شك، بإشارة قوية لمن يعملون الآن على تكريس سياسة المحاور بين الدول المغاربية للمضي بها الى الحد الأقصى. لكن هل يعني ذلك أن الرباط لا ترغب بعد بقطع شعرة معاوية مع الاتحاد؟ إن بعض الإشارات الأخيرة مثل المكالمة الهاتفية التي جرت بين وزير الخارجية المغربي ومسؤول الخارجية التونسي أو لقاء الوزير الأول المغربي على هامش قمة بريست الفرنسية مع نجلاء بودن قد تعطي انطباعا بذلك.

غير أن تلك التحركات تبقى محدودة الأثر ما لم يتوصل المغاربة والجزائريون لاتفاق على الحوار فيما بينهم لأنه في غياب ذلك سيتأكد للجميع أن بقاء الاتحاد المغاربي أكثر من ثلاثة وثلاثين عاما لم يكن سوى مظهر آخر للعبثية التي تسيطر الآن على الشمال الافريقي.
نزار بولحية، كاتب وصحافي من تونس

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس