أفريقيا برس – المغرب. مع خضوع أغلب المناطق المغربية للاحتلال الفرنسي، حاولت القوات الاستعمارية فرض حضورها في الجنوب الشرقي للمغرب وخاصة منطقة صاغرو التي تتمركز بها قبائل آيت عطا، غير أن هذه القبائل تحت قيادة المقاوم عسو أوبسلام شكلت سدا منيعا أما القوى الاستعمارية الفرنسية، خصوصا بعد لجوئها إلى الأطلس الصغير باعتباره منطقة آمنة، فقد كبد عسو قوات الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
ونهجت قبائل آيت عطا في مقاومتها للمستعمر الفرنسي نهج حرب العصابات، وذلك عن طريق الهجوم المباغت واقتحام مواقع القوات الفرنسية ومراكز الضباط وقطع طرق التموين على الجنود الفرنسيين .
معركة بوكافر
مع تزايد الهجمات النوعية للمقاومة، اضطر الجنرال “كاتورو” الذي كان حاكما على منطقة صاغرو، إلى الاستعانة بقوات الجنرال “جيرو” التي كانت ترابط على الحدود المغربية الجزائرية، وبحسب ما تروي سلسلة “مذكرات من التراث المغربي” في مجلدها الخامس، فقد حضر القبطان “سبيلمان” هذه الحرب وقال عنها “لقد قاتل هؤلاء الأبطال قتالا شديدا، وبعزم وشجاعة، وكابدنا نحن خسارات جسيمة”.
وحاولت القوات الفرنسية تجريب خيار الترغيب من أجل وضع حد لهذه الحرب، حيث جاء في برقية إلى الحامية الفرنسية في أرفود “و أخيرا عندما قامت طائراتنا سنة 1930 بقنبلة أحد قصور إيلمشان الذين كبدت قواتهم المقاومة خسائر فادحة لأتباعنا، وجهت مراسلة لهؤلاء (أيت عطا)، نشرح لهم أننا لم نكن نريد المبالغة في الصراع، وأننا كنا على استعداد للظهور بمظهر التسامح إذا أوقفوا الهجمات من جانبهم. وقد اكتفى عسو أوبسلام رئيس المشان بأن أرسل إلينا البلاغ الآتي: عليكم بالمجيء إلى هنا للبحث عن الجواب.”
في 13 فبراير من سنة 1933 حشد المستعمرون تحت قيادة الجنرال “كاترو” قواتهم من الجهة الغربية فيما حشد الجنرال “جيرو” قواته من الجهة الشرقية. وكان المقاومون قد لجأوا إلى بوكافر وهي قمة من قمم جبل صاغرو، هذه القمة التي تبعد عن مدينة ورزازات بحوالي 200كلم ، ويبلغ ارتفاعها حوالي 2275 متر، واختار العطاويون هذا المكان نظرا لأهميته الإستراتيجية العسكرية ومناعته وحصانته وصعوبته.
وروى القبطان سبيلمان عن معركة بوكافر بحسب ما جاء في سلسلة “مذكرات من التراث المغربي” قائلا: “ثم أرسل وابل من النار ليل نهار على بوكافر…وكنت أنظر إلى هذا الجبل المشؤوم نظرة الرجل المحزون. أنظر إليه وهو آخر ملجأ اعتصم به أولئك الجنود الكرام الذي فضلوا أن يسحقوا سحقا على أن يستسلموا. وكان معهم نساءهم وأطفالهم ودوابهم. فكيف السبيل إلى وقف هذه المذبحة؟ لقد كنا نفكر في وسائل وقفها. لكنهم كانوا مثل المجانين وقد قتلوا كثيرا من رسلنا، ومن ضمنهم أحد المرابطين. وكانوا يسبوننا ليلا من أعلى الجبل مثلهم في ذلك كمثل أبطال هميروس. وكانوا يقولون : يانصارى ياكلاب، أخرجو من وراء الصخور، وقابلونا إن كنتم رجالا. فلولا مدافعكم وطياراتكم لكنتم نساء”.
واستمر المستعمر في محاولاته المتكررة للتغلب على المقاومين، حيث جاء في سلسلة “مذكرات من تاريخ المغرب” واستمر العدو يقنبل ليل نهار، وبدون انقطاع، وشدد الحصار، وكان يلقى وابلا من النار عند أدنى حركة للمجاهدين. وقد انتشر التفوس في صفوفهم، نقلته إليهم جثث الحيوانات والأطفال، واشتد خوفهم من المرض. لكن النساء أردن المقاومة حتى النهاية”.
وفي شهادة على ضراوة الحرب قال هنري بوردو، عضو الأكاديمية الفرنسية الذي زار المنطقة بعد مرور سنة على هذه الأحداث “لقد أرسلت عليهم القنابل ليل نهار من السماء والأرض لمدة 42 يوما! اثنان وأربعون يوما من الحرمان والأرق والعطش! إثنان وأربعون يوما قضوها مع الحيوانات، وقد جنت وأخذت تصرخ حتى الموت، وقضوها مع الجثث المتعفنة…فلنقس بذلك قدرتهم على تحمل ما قاسوه من المحن تحملا يسمو بهم إلى أعلى الدرجات”.
بعد 42 يوما من المقاومة والحصار، قرر عسو أوبسلام النزول من قمة الجبل، لا مستسلما، لكن ليتفاوض مع المستعمر حقنا لدماء من تبقى حيا من أفراد قبيلته، فتم توقيع اتفاقية أنهت الحرب بين الطرفين.
وبحسب سلسلة “مذكرات من التاريخ المغربي” فقد حقن عسو أوبسلام باستسلامه دماء ثلاثة آلاف ممن نجوا من أصحابه، وقد روي أن الفرنسيين فقدوا 3500 رجل، في حين أنه لم يمت من آيت عطا إلا 1300 رجل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس