أفريقيا برس – المغرب. لاحديث اليوم داخل الأوساط السياسية بالعديد من المدن المغربية، إلا عن سيناريوهات المرحلة المقبلة، وما ستفرزه صناديق الانتخابات من نتائج لرسم معالم سياسة جديدة بنفس جديد…
مدينة سطات عروس الشاوية” نموذجا”، التي لطالما تغنت بجمالها ورونق أشجارها الباسقة وشوارعها الفسيحة وحدائقها الخضراء، هاهي اليوم تتجرع مرارة السياسات الترقيعية ومشاريع الوقت الميت، حتى أبرز معالمها التاريخية طالها التقزيم والبثر…عن شارع محمد الخامس أتحدث… حتى أقدم مارشي للخضر والفواكه بوسط المدينة الذي كان يعد إرثا تاريخيا، تمت إبادته في وقت سابق مع تعاقب المجالس المنتخبة، وتم تعويضه بمرافق صحية بمحاداة محطة للطاكسيات الصغيرة وبأكبر تجمع للمواطنين….يا للغرابة.
هي التي لا تختلف اختلافا عن نظيراتها من بعض المدن الأخرى… تعرف بدورها سباقا محموما بطعم الانتخابات، حتى بعض الوجوه السياسية التي طال غيابها، ظهرت من جديد لتؤثث المشهد على موائد المقاهي بمختلف الزوايا داخل المدينة وحتى خارجها….تجدها تتجاذب أطراف الحديث أكلا ونهشا في لحم خصومها السياسيين نميمة وغيبة، وكأنها وجدت في ذلك فرصة سانحة لنشر غسيلهم مُذكرة بعيوبهم وفشلهم التدبيري، ومتعهدة بالإصلاح إن هي فازت.
حديث المقاهي هذا الذي يغلب عليه طابع ” الحمية والروح القتالية” في النقاش واستعراض العضلات، يجد فيه بعض المنتخبين المفترضين فرصة لتمرير خطاباتهم الحماسية والتعهد بالاصلاح، والعمل على اخراج المدينة والاقليم من مظاهر البداوة والتقهر المسجل على مختلف الأصعدة سواء على مستوى البنية التحتية، أو على مستوى الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والصحية ووو.
في كل حي من أحياء المدينة، إلا وتجد تجمعات لأشخاص ” تعلقوا بالسياسة تعلق الرضيع بحليب الأم”، ومنهم من بات أسيرا لديها… همه هو الفوز ولا شيء سوى المقعد… حركات تسخينية هنا وهناك…حتى بعض المتنفسات والمنتزهات والمقاهي الخارجة عن المدار الحضري، أضحت بدورها ملجأ وموطنا لهم بعيدا عن ضجيج ” صداع الراس”، وعيون المراقبين.
هناك، تنسج خيوط السياسة وتحاك بتقنيات عالية، وهناك تدور رحى ” الكولسة” لتخرج من بطونها أسماء محظوظة لخوض الغمار، فيما يرمى بالأخرى بلا رجعة، أو يتم إعادة ترتيبها على مستوى اللوائح متقهقرة إلى الوراء.
هناك يطفو على السطح، منطق القرابة والصداقة والأخوة، وحتى منطق “موالين الشكارة” لهم حضورهم الوازن، هؤلاء يملكون مفاتيح الحل والعقد، وبأياديهم طوابع التفويض والتزكية.
لكن المعطى الجديد الذي يحز في النفس ويجب التحذير منه ونحن نعيش مغرب الألفية الثالثة، هو مابات يعرف بلعبة سباق الأرانب، وللأسف أصبح بعض الشباب من أبطالها ومن المروجين لها بخطاباتهم الحماسية الشبابية التي اعتادوا عليها واعتادت عليهم لتحقيق المآرب بمنطق السرعة القصوى…يا للأسف…فما أن يقترب موعد الحسم حتى تنسحب هذه الأرانب تاركة الساحة لأولي نعمتها من الساسة المحترفين من أطياف حزبية أخرى، بعد أن أفلحوا في خلق نوع من الشرخ الذي ساهم بدوره في إعادة ترتيب الأوراق من جديد والافراز عن نتائج غير التي كانت متوقعة، ومعها تختفي هذه الأرانب عن الأنظار وبسرعة البرق، وهي التي ظلت طيلة مرحلة الاستعدادات والمخاض العسير تقدم الكلام المعسول والشعارات الرنانة ظنا منها أنها تعمل على إزاحة ممن عمّروا طويلا…. يا للأسف..
إلى متى، ستستمر مثل هاته الممارسات التي تضر بالتجربة الديمقراطية التي تبناها المغرب وأخذها كسبيل لا رجعة فيه؟
فمدينة سطات، وحتى الإقليم بذاته، يعانيان معاناة حقيقية على كافة المستويات، فلا مناصب شغل للشباب تقيهم شر العطالة والبطالة، ولا رؤية واضحة ببعد تبصري تدبيري تخرج المنطقة من المشاكل التي باتت تتخبط فيها سواء على مستوى الطرقات أو المراكز الصحية أو مرافق الترفيه، وهل يملك هؤلاء القادمون على ظهور ” صناديق الانتخابات” برامج طموحة ورغبة في التغيير تنسجم مع طموحات المواطنين؟ وهل هم فعلا راضون عن تجاربهم السابقة، وهل هم فعلا اعترفوا بأخطائهم التدبيرية والتسييرية؟
مدينة عريقة، في حاجة ماسة لقوى سياسية حية، تؤمن بروح الفريق والعمل التطوعي وتغليب المصلحة الفضلى للوطن على المصالح الشخصية، في حاجة ماسة لشبابها وطاقاتها للوقوف وقفة رجل واحد لمحاسبة المقصرين من مرددي الشعارات الفضفاضة دون برامج تنموية طموحة، وهم الذين إبان حملاتهم السابقة تعهدوا والتزموا…
في حاجة لوقفة تأمل، للخروج برؤية موحدة بتكاثف كافة فعالياتها الإعلامية والحقوقية والجمعوية، لانجاح التجربة الديمقراطية والتشجيع على الاقبال المكثف على صناديق الاقتراع، لأن ذلك في نظر الجميع هو أحسن عقاب لمن أخلف الموعد.