الغندور: اليسار المغربي يجب أن يكون صوت حراك الشباب

2
الغندور: اليسار المغربي يجب أن يكون صوت حراك الشباب
الغندور: اليسار المغربي يجب أن يكون صوت حراك الشباب

آمنة جبران

أفريقيا برس – المغرب. اعتبر الناشط السياسي والمفكر اليساري المغربي عبد الرحمان الغندور في حواره مع «أفريقيا برس» أن «اليسار المغربي أمام لحظة تاريخية، حيث تختبر الاحتجاجات الشبابية الأخيرة دوره كفاعل في المجتمع، وليس فقط بين أروقة البرلمان».

وبرأيه فإن «اليسار مطالب بأن يكون صوت هذا الحراك في المؤسسات والنقابات والإعلام، وأن يساعد في بلورة مطالبه إلى برنامج سياسي واضح. وإذا فشل اليسار في هذه المهمة، فسيخسر مصداقيته الأخيرة، وستذهب التغييرات الحقيقية بقيادة قوى أخرى قد لا تكون محسوبة على تياره».

واستبعد وجود «يد خارجية» وراء غليان الشارع المغربي؛ فـ«الجوع لا وطن له، والبطالة ليست مؤامرة جزائرية، وتدهور التعليم والصحة ليس من صنع إسرائيل أو أمريكا»، وفق تعبيره.

واعتبر أن «الأحزاب السياسية التقليدية، بما فيها تلك التي تُسمّى معارضة، هي جزء من المشكلة وليس الحل»، مقترحًا جملة من الحلول للخروج من الأزمة الاجتماعية، أبرزها: «بناء ديمقراطية حقيقية، وإعادة توجيه الميزانية من خلال رفع المخصصات للقطاعات الاجتماعية (التعليم، الصحة، التشغيل) بشكل جذري، ووقف هدر الأموال في مشاريع غير منتِجة».

وعبد الرحمان الغندور هو سياسي وأكاديمي مغربي، وهو أستاذ متقاعد لمادة الفلسفة، وناشط سابق في الاتحاد الاشتراكي قبل انحرافه، ومسؤول وطني سابق في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وهو عضو مؤسس للحزب الاشتراكي الموحد، وفاعل جمعوي وحقوقي وفاعل يساري إلى الآن، وهو عضو مؤسس لشبكة القراءة بالمغرب، وعضو مكتبها الوطني إلى اليوم.

مع تجدد الاحتجاجات الشبابية ضد الأولويات الحكومية، ما هو موقفك كناشط ومفكر مغربي من هذا الحراك الاجتماعي؟

بصفتي مناضلًا يساريًّا، أرى في هذه الاحتجاجات تعبيرًا طبيعيًّا وعميقًا عن إفلاس النموذج التنموي القائم وأزمة النظام السياسي بأكمله. هذه ليست احتجاجات عفوية، بل هي تراكم لسنوات من الإحباط نتيجة السياسات النيوليبرالية التي تزيد من هشاشة الوضع الاجتماعي وتعمّق الفوارق الطبقية. موقفي هو موقف دعم نقدي لهذا الحراك. إنه صوت الذين حُرموا من الحق في التعليم والصحة والشغل والكرامة. إنها صرخة في وجه النخب التي تحتكر الثروة والسلطة. ومع ذلك، فأنا أدرك أن هذا الحراك لا يزال بحاجة إلى بلورة برامجيّة وتنظيم يمنعه من التشتت أو الاحتواء.

هل بوسع الحكومة امتصاص غضب الشارع مع إعلانها عن خطة لإصلاح الصحة والتعليم، أم أنها خسرت مصداقيتها أمام الرأي العام؟

الحكومة فقدت مصداقيتها إلى حدّ كبير. الشارع لم يعد يصدّق الخطابات والوعود. ما نراه من «إصلاحات» هو مجرد مسكّنات وترقيع لواقع منهوب. إصلاح التعليم والصحة يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وموارد مالية ضخمة، لكننا نرى الأولويات تتجه دائمًا نحو خدمة رأس المال على حساب الميزانيات الاجتماعية. حتى لو كانت الخطط جيدة على الورق، فإن ثقافة «الريع» والفساد الإداري والهدر ستحول دون تنفيذها بشكل فعلي. الشعب يريد رؤية نتائج ملموسة على الأرض، لا مشاريع قوانين أو خططًا استراتيجية تبقى حبيسة الأدراج.

برأيك هل ستواصل الحكومة اعتماد المقاربة الأمنية لاحتواء الاحتقان رغم سلمية مطالب المحتجين وتحركاتهم؟

للأسف، يشير التاريخ القريب للمغرب إلى أن المقاربة الأمنية هي الخيار الأول للنظام عندما يشعر بأن الاحتجاجات قد تخرج عن السيطرة. هناك تناقض صارخ بين خطابات «دولة الحق والقانون» و«الحريات» وبين الممارسة على الأرض. سلمية الاحتجاجات لا تمنع من وصف المشاركين فيها بـ«المخربين» أو «المنحرفين» في بعض الخطابات الإعلامية الموازية. أتوقع استمرار هذا المنحى، مع محاولة دمجه بأساليب أخرى كالاحتواء الانتخابي أو استقطاب بعض الوجوه، لكن العقلية الأمنية ستظل مهيمنة ما لم يُفتح حوار وطني جاد وحقيقي.

ما هي مقترحاتكم للخروج من الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المغرب؟

الخروج الحقيقي يتطلب جرأة في مراجعة الأسس، وليس الترقيع. مقترحاتنا كيساريين تتمحور حول:

– قطيعة مع السياسات النيوليبرالية: إقرار عدالة ضريبية حقيقية تجعل من يدفع الضرائب هم الأغنياء والكبار، وليس الفقراء والطبقة الوسطى.

– إعادة توجيه الميزانية: رفع الميزانيات المخصصة للقطاعات الاجتماعية (التعليم، الصحة، التشغيل) بشكل جذري، ووقف هدر الأموال في مشاريع غير منتجة.

– دعم القطاعات الإنتاجية: كالفلاحة والصناعة، لخلق فرص شغل لائقة بدلًا من اقتصاد الريع والخدمات منخفضة القيمة.

– تغيير النظام السياسي: بناء ديمقراطية حقيقية تتيح للشعب أن يكون مصدر السلطات، وتقليص الفجوة بين النخب والجماهير، ومحاربة الفساد بشكل جذري وليس شكليًا.

– ضمان الحريات العامة: احترام حق التظاهر والتجمع السلمي، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين والمدافعين عن الحقوق.

وصفتَ الاحتجاجات الأخيرة بالاحتجاجات الشبابية حيث يقودها «جيل زد 212». هل برأيك هذا الجيل الجديد قادر على إيصال صوته والدفاع عن الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة؟

بلا شك. هذا الجيل مختلف جذريًا؛ فهو متعلم، متشرب بثقافة الحقوق، وموصول بالعالم. لم يعد يخاف كما خاف جيلنا، ولم يعد يؤمن بالأيديولوجيات التقليدية والأحزاب البائدة. قوته في عفويته وتنظيمه الأفقي، واستخدامه الماهر لوسائل التواصل كأداة للتعبئة وفضح الانتهاكات. وهو يدافع، ربما دون وعي كامل بذلك، عن الطبقات الفقيرة لأنه هو نفسه نتاج تدهور أوضاعها. لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه هو تحويل هذه الطاقة الاحتجاجية إلى قوة سياسية منظمة قادرة على فرض تغيير دائم، وتجنب مخاطر التشتت أو الاستنزاف.

برأيك من يقف وراء هذه الاحتجاجات، وهل هناك جهات خارجية تقف وراءها، خاصة وأن هناك اتهامات في الفضاء الرقمي موجهة للجزائر، وأخرى ترى في إسرائيل وأمريكا المستفيدَين الأساسيَّين من التغيير في المغرب؟

هذا السؤال يأتي من قلب نظرية المؤامرة التي تروّجها الأجهزة الأيديولوجية للنظام لتفريغ الاحتجاجات من مضمونها الحقيقي. لا توجد «يد خارجية» وراء غليان الشارع المغربي. الجوع لا وطن له، والبطالة ليست مؤامرة جزائرية، وتدهور التعليم والصحة ليس من صنع إسرائيل أو أمريكا. هذه التهمة أسلوبٌ قديم لتبرير القمع ورفض الاعتراف بفشل السياسات الداخلية. من يروّج لهذه الأكاذيب إمّا جاهل بحقيقة الوضع الاجتماعي، وإمّا مشارك في تغطيته. الشعب المغربي قادر على الاحتجاج بمفرده دفاعًا عن كرامته، دون حاجة إلى «وكيل خارجي».

ما هو تقييمك لموقف الأحزاب: هل هو داعم للاحتجاجات أم متوجّسٌ منها، خاصة وأنها تُقاد بلا قيادة واضحة، وقد تتغيّر مطالبها بتطوّر الاحتجاجات على الميدان؟

الأحزاب السياسية التقليدية، بما فيها تلك التي تُسمّى «معارضة»، هي جزء من المشكلة لا الحل. معظمها منفصل عن هموم الشارع، ويعمل كأداة لاحتواء الغضب الشعبي وتوجيهه ضمن قنوات النظام. لذلك نجدها متوجّسةً من هذا الحراك العفوي الذي يهدّد شرعيتها ووجودها أساسًا. إنها تخاف من «الفوضى» لأنها تعيش على استقرار النظام القائم. حتى بعض أحزاب اليسار التقليدي وجدت نفسها في مأزق؛ فهي تتعامل بحذر مع حراك لا تتحكّم به ولا تقوده، وتخشى أن تطغى عفويته على التنظيم الحزبي الكلاسيكي.

كيف تقيم موقف اليسار من هذا الحراك، وهل يمكن أن يلتف حول مطالب الشباب لأجل تأطيرها ودعمها؟

اليسار في المغرب ليس كتلة واحدة. هناك يسار مؤسساتي انخرط في اللعبة السياسية الرسمية منذ التناوب التوافقي بقيادة المرحوم اليوسفي، وبدأ الابتعاد عن جذوره النضالية منذ ذلك التناوب، إلى أن انفصل عنها نهائيًا بمؤتمره الأخير الذي مدّد لِـ«زعيمه» ولايةً رابعة، وبالتالي أعلن موته. وهناك يسارٌ حَلَقيّ متشرذم عبر تنظيمات متشتّتة في فيدرالية اليسار والحزب الاشتراكي الموحد والنهج الديمقراطي، مع حضور باهت لهذه التنظيمات نقابيًا وجمعويًا وميدانيًا، وقدراتٍ محدودة. المواقف متباينة بين الدعم الكامل والحذر المتبادل مع الجيل الجديد. في رأيي، هذه لحظة تاريخية لليسار الحقيقي؛ عليه أن يعيد اكتشاف دوره كفاعل في المجتمع لا في البرلمان. يجب أن يلتف حول مطالب الشباب لا ليقودها أو يحتويها، بل لينخرط فيها كقوة داعمة ومنظِّمة، وأن يقدّم لها أدواته التنظيمية وخبرته النضالية دون السعي لاختطافها. عليه أن يكون صوت هذا الحراك في المؤسسات والنقابات والإعلام، وأن يساعد في بلورة مطالبه إلى برنامج سياسي واضح. إذا فشل اليسار في هذه المهمة، فسيخسر مصداقيته الأخيرة، وستذهب التغييرات الحقيقية بقيادة قوى أخرى قد لا تكون محسوبة على تياره.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس