“جيل Z” في المغرب بين الطموح وخيبة الأمل

9
"جيل Z" في المغرب بين الطموح وخيبة الأمل

عمر المرابط

أفريقيا برس – المغرب. يعيش المغرب على وقع احتجاجات شعبية تطالب بتحسين الأوضاع الاجتماعية، في ظلّ معاناة شريحة واسعة من المواطنين أزمات بنيوية عويصة.

وقد لخّص الملك محمد السادس هذا الوضع في خطاب العرش في يوليو/ تموز الماضي، حين أكّد أنّه “لا مكان اليوم ولا غداً لمغرب يسير بسرعتَين”، معبّراً عن أسفه للمعاناة التي يواجهها جزء من الشعب المغربي فقراً وهشاشةً، بسبب نقص البنى التحتية والمرافق الأساسية.

وإذا كان رأس الدولة قد شخّص الوضع صراحة، داعياً الحكومة إلى إحداث نقلة حقيقية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية، فمن الطبيعي أن يبادر المعنيون المباشرون بهذه الأوضاع إلى الاحتجاج السلمي، تنبيهاً للحكومة والرأي العام بمشاكلهم، على أمل أن تستجيب حكومة عزيز أخنوش لمطالبهم المشروعة والواضحة.

تزعمت هذه الاحتجاجات، التي قوبلت بردّة فعل أمنية قوية، فئة واسعة من “جيل Z” المغربي، أي الذين وُلدوا إجمالاً بين سنتَي 1997 و2012، وتشرّبوا الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منذ نعومة أظافرهم.

جيلٌ لا يجمعه حزبٌ ولا نقابة، بل حداثة السنّ فقط، وتشابه الوضع الاجتماعي، وتقارب الموقع الجغرافي، وتشخيص متقاسم للواقع المعيش، بالإضافة إلى إرادة التغيير نحو الأفضل، وسلمية التظاهر المؤطّر بالروح الوطنية، وطموح مفتوح على المستقبل يقابله إحباط متراكم من الحاضر.

نما هذا الجيل وترعرع في كنف ثقافة رقمية متنوّعة بفضل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، جعلته مختلفاً عن الأجيال السابقة في نظرته إلى الحياة، فهو لا يحتاج جواز السفر كي يسافر ويرى ما يجري في العالم، ولا يخاف مقصّ رقابة، لأنه تمكّن من بناء منصّاتٍ مستقلّة، إذ يبحر من داخل بيته ويجوب العالم وهو أمام شاشة هاتفه، ومن ثمّ فلا يمكن لأيّ أحد أن يحول بينه وبين التعبير عن آرائه وأفكاره، فهو ينشر في “تيك توك” أو “إنستغرام” أو “إكس”، ويعقد اجتماعاته في “Discord” أو “تليغرام” أو “واتساب”، ويتقن فنّ التنكّر داخل الفضاء الأزرق، والقفز عن سياج الرقابة والمراقبة كي يتحدّث في ما كانت أجيال سابقة تتخوّف من التطرّق إليه، حتى في الاجتماعات المغلقة، ومن ثمّة سقطت الحواجز وانهارت الجدران، فأصبح يتأثّر ويؤثّر، وأبدى قدرةً عجيبة على الحشد والتعبير الجماعي، وخلق التضامن اللازم لتقاسم همومه ونصرة قضاياه، فاستطاع عبور الحدود ليُعبّر ويعطي العبرة.

أعطى العبرة في تعاطيه حتى مع السلطات الأمنية التي اختارت نهج القمع والاعتقال، ثمّ التخويف والترويع، فاختار هو سبيل الشجاعة والشهامة، لم يطأطئ الرأس، ولم ينحنِ، لكنّه لم يواجه إخوته من رجال الأمن، بل سمعنا من يقول لهؤلاء إنما نزلنا لندافع عنكم فلا تعتقلونا، رأينا كيف هرعت امرأة لنصرة شابٍّ وفكّه من قبضة رجل أمن وهو لا يزال يهتف “الشعب يريد إسقاط الفساد، مطالبنا إصلاح التعليم والصحّة واستقلالية القضاء، التظاهر حقّ مشروع”، وخاطبت الشرطي قائلةً له: “هذا الذي تقمع يدافع عن حقّك أنت، ومن حقّه التظاهر والتعبير عن رأيه، لا تحقّرونا، أطلقوه”.

نعم، أطلقوه، أطلقوا هذا الجيل لأنه يملك من الأدوات الرقمية والتكنولوجيا ما يسمح له بإسماع صوته إلى العالم، ونحن في زمن العولمة، أطلقوه لأنه جيل سيحصل على التعاطف الدولي، فهو يفكّر خارج الصندوق الحكومي، وينطلق من القيم العالمية، بل يتحدّث بلغة العصر والعولمة، حتى رأينا بعضهم يتحدّث الإنكليزية، وكأنه يريد مخاطبة العالم، بينما كانت الأجيال السابقة لا تتقن من اللغات إلا الفرنسية، مع محدودية انتشارها.

أطلقوه لأنه يعبّر بشكل حضاري ويحتجّ سلمياً في إطار القانون، وتحت سقف الدستور الذي يكفل له حقّ الاحتجاج والتعبير.

أطلقوه لأن التعامل بشكل أمني ماضوي مع هذه الأحداث لا يزيد هؤلاء الشباب إلا تمسّكاً بمطالب مشروعة، بل يزيدهم إصراراً وعزيمةً، ويظهر أمام الملأ شباباً مثقّفاً على درجة كبيرة من الوعي.

أطلقوه لأنكم بطريقتكم الزجرية (كي لا نقول القمعية) هذه ضيّقتم على أنفسكم لا عليهم، بل أحرجتكم أنفسكم وأحرجتم البلد كلّه.

لا يصح التعامل مع هؤلاء الشبّان والشابّات إلا بالجلوس معهم، وفتح جلسات للحوار البنّاء، للاستماع إليهم والإنصات إلى مطالبهم، وتفحّص دفتر تحمّلاتهم، الذي هو في الواقع دفتر تحملات المغاربة نفسه، مهما اختلفت أعمارهم.

فهؤلاء الشباب، كما عبّروا عن ذلك مراراً، يحملون هموم المجتمع، فهم صوته ورايته، لا سيّما صوت الطبقة الكادحة التي ترزح تحت وطأة القهر والحرمان، ولم تقتنع بالحصيلة، بل بالحَصلة التي قدّمها أخيراً الملياردير رئيس الحكومة عزيز أخنوش عبر القنوات الرسمية، في محاولة لتسويق حصيلة هزيلة، بينما يتفاقم ثراؤه، ويزداد كثير من المواطنين عوزاً وحرماناً.

ولهذا، من المطلوب (بل ومن الحكمة)، تغيير النهج والأسلوب، وتغليب مقاربة الحوار على مقاربة العصا والهراوة.

على الحكومة أن تدرك أن “جيل Z” ازداد ونشأ في عهد الانفتاح، ومن الطبيعي أن يطالب بمزيد من الحريات والكرامة والعدالة الاجتماعية.

ومن واجبها رأب الصدع وتقليص الفجوة المتزايدة بين المؤسّسات الحكومية والمكوّنات الشعبية، والسعي الجادّ إلى إصلاح السياسات والآليات بما يضمن مشاركة الجميع في بناء مستقبل المغرب على أسس الحرية والكرامة، والعدالة والإنصاف.

لا ريب أن مغرب اليوم وهو يواجه تحدّيات كبرى، ومنها ملفّ وحدته الترابية، يحتاج اعتماد منهاج ورؤية جديدين في علاقته مع المجتمع بأكمله لا مع الشباب فحسب.

رؤية تستوعب متغيّرات الحاضر وتستشرف المستقبل وتراهن على ترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة والشراكة الحقيقية والديمقراطية التشاركية، بدل الصراع والمواجهة.

فـ”جيل Z” (وهو في الواقع لسان حال أغلبية غيره)، لا يطلب سوى أدنى متطلّبات الحياة الكريمة، خاصّة في مجالَي الصحّة والتعليم، ولا يطلب سوى الإصغاء إلى مطالبه والاستجابة لتطلّعاته، وما يطرحه بكل جرأة وحرية وتلقائية.

ولهذا، يتعيّن على الحكومة مراجعة سياساتها والاستجابة لمطالب الشباب المشروعة، والتعامل مع تطلّعاتهم باعتبارها ركيزةً أساسيةً في مستقبل البلاد، وتعزيز قيم الإنصاف والحرية جزءاً من الثوابت الوطنية المغربية.

في المحصلة، يبقى “جيل Z” أحد أكبر الرهانات الوطنية في المغرب المعاصر، إمّا أن تُضمن له حقوقه المشروعة ويُشرك فعلياً في بناء المشروع الوطني على أساس قيم المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهنا سيتحوّل هؤلاء الشباب من مصدر قلق أمني إلى رافعة حقيقية في الإصلاح والتنمية والاستقرار، أو سيجازفون بتحويله أزمةً مجتمعيةً لا ندري مآلاتها وعواقبها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس