أفريقيا برس – المغرب. في عام 2016، اجتمعت ثلاث نساء مررن بتجربة السرطان لإطلاق جمعية حملت اسم “دار زهور” بالدا البيضاء. صاحبة الفكرة، كانت قد استفادت في أوروبا من برامج مرافقة نفسية ساعدتها على تجاوز تلك المرحلة الصعبة، ما جعلها تؤمن بضرورة إحداث فضاء مماثل في المغرب. من هنا بدأت رحلة الجمعية، التي جعلت من المواكبة النفسية والفنية والرياضية وسيلة لدعم المصابين بالسرطان ومساعدتهم على مواجهة المرض بمعنويات أقوى.
دعم نفسي لتعزيز التوازن الداخلي
على مر السنوات، تطورت “دار زهور” لتصبح فضاء إنسانيا متكاملا يقدم للمريض ما يتجاوز العلاج الطبي. فالجمعية ترافق المصابين بالسرطان البالغين خلال فترة العلاج وبعدها، عبر مقاربة شمولية تجمع بين الجسد والنفس والعلاقات الاجتماعية.
وبحسب ماجدة الغربي، وهي مديرة الجمعية، فإن الأنشطة تشمل حصص الدعم النفسي الفردية والجماعية، التي يشرف عليها أخصائيون نفسيون، إضافة إلى جلسات فنية تعتمد على التعبير من خلال المسرح والموسيقى والرقص والرسم، فضلا عن تقنيات التنويم السريري والسوفولوجيا، الهادفة إلى التعامل مع الجوانب النفسية التي تؤثر بشكل مباشر على عملية العلاج.
كما تولي “دار زهور” أهمية خاصة للجانب الجسدي، من خلال حصص رياضية موجهة مثل اليوغا والتشي كونغ، اللتين تركزان على “التنفس وتوازن الجسم، لما لهما من أثر إيجابي في تخفيف التوتر وتحسين المزاج.”
وتقترح الجمعية أيضا حصصا للاسترخاء والاهتمام بالذات، تشمل التزويد بالطاقة والعلاجات الجمالية الاجتماعية (socio-esthétique)، لمساعدة المرضى على استعادة الثقة والإحساس بالراحة. إلى جانب ذلك، تقدم الجمعية نصائح غذائية موجهة تتعلق بفترة العلاج وما بعدها، وحصصا يشرف عليها أطباء الجلد لتعليم المرضى كيفية التعامل مع آثار العلاج الكيميائي.
ويُساهم في هذا العمل، حسب مديرة الجمعية، فريق متكامل من 40 مختصا متطوعا، من بينهم معالجون نفسيون، مدربون رياضيون، ومعالجون بالفن، يعملون بروح تضامنية من أجل هدف واحد: دعم المرضى ومساندتهم في رحلتهم نحو التعافي.
العلاج الطبي أولا.. والمواكبة مكملة له
ولا تقتصر مهام الجمعية على المرافقة الفردية فقط، بل تشمل أيضا جانبا توعويا وتحسيسيا واسع النطاق حول مرض السرطان. إذ تنظم “دار زهور” حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومسيرات تضامنية مثل مسيرة 9 نونبر المقرر تنظيمها في الأيام المقبلة، إلى جانب دورات داخل مجموعة من الشركات للتحسيس بأهمية الكشف المبكر.
“قبل استقبال أي حالة جديدة، تجري الجمعية مقابلة أولية مع المريض لجمع المعلومات الضرورية وتحديد نوع المواكبة المناسبة، مع إعداد برنامج فردي خاص بكل حالة” ماجدة الغربي، مديرة جمعية دار زهور
وعبرت مديرة الجمعية، عن فخر المؤسسة بالأثر الإيجابي الذي لمسته على المرضى، وأوضحت قائلة “الكثير من المستفيدين يدخلون الجمعية منهارين وفاقدين للأمل، ثم نراهم بعد أسابيع أكثر تفاؤلا وثقة، بعدما يستعيدون الرغبة في الحياة “. وأضافت “بعض النساء اللاتي شُفين تماما أصبحن اليوم سفيرات لدار زهور، يشاركن في الحملات التحسيسية ويقدمن رفقتنا فحوصات ذاتية ميدانية في الأحياء الشعبية. وبعضهن قررن متابعة دراستهن في تخصص “مريضة شريكة”، لمرافقة نساء أخريات في مراحل علاجهن”
تنتج الجمعية أيضا كبسولات توعوية بالعربية والفرنسية والأمازيغية، في مسعى للوصول إلى أوسع شريحة من المجتمع. لكن رغم النجاحات، ما زالت تواجه صعوبات مالية تحدّ من انتشارها. فهي تتواجد حاليا فقط في الدار البيضاء بسبب ضعف الموارد، مع طموح للتوسع مستقبلا نحو مراكش والرباط، بدعم من شركاء ومحسنين.
الفن أداة للبوح والتعافي
تُشكل النساء نحو 90 في المائة من المستفيدين، إذ يجد الرجال صعوبة في طلب المساعدة أو الانخراط في المواكبة النفسية، حسب ماجدة الغربي. وتسعى “دار زهور” أيضا إلى كسر الصورة السلبية عن السرطان، والتصدي لفكرة أنه “عيب” أو “المرض القبيح” كما يطلق عليه. وأضافت ماجدة الغربي “أكثر ما يزعج المرضى هو سماع كلمة مسكين أو مسكينة” مؤكدة أن الاحترام والتفهم هما أول أشكال الدعم.
ففي إطار هذا التوجه، أطلقت الجمعية مسرحية من تأليف المخرج زكرياء حسني، قدّمت من خلالها المريضات شهاداتهن وتجاربهن مع المرض، في محاولة لتحفيز الآخرين على الحديث والتعبير. وقد عُرض العمل ثلاث مرات، مع نية تنظيم جولات مستقبلية في مدن أخرى.
واختتمت مديرة الجمعية حديثها بنصيحة مهمة، داعيةً النساء إلى اليقظة والانتباه لأي تغيّر غير طبيعي في أجسادهنّ، مشددةً على ضرورة مراجعة الطبيب فور ملاحظة أي تغيّر في الثديين، خاصة بعد بلوغ سنّ الـ 45، من أجل إجراء الفحوصات اللازمة بالأشعة أو الموجات فوق الصوتية.
وبين طموحها الإنساني وأثرها الملموس، تسعى “دار زهور” إلى أن يكون لها يوما مركز أمام كل مركز لعلاج السرطان في المغرب، وأن تتوفر لها الإمكانيات الكافية لمواصلة هذا العمل الذي يزرع الأمل في القلوب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس