مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. في تطور غبر مفاجئ وفي محاولة لخلط الأوراق، طالب حزب “سيودادانوس” (تعني المواطَنة) من المفوضية الأوروبية “أن تأخذ على محمل الجد قضية شراء أصوات انتخابية بمليلية (المحتلة)”، وأن يتم “ربط التحقيق الجاري حولها بالتحقيق الأوروبي في إطار قضية قطرغيت”.
ليس هذا الحزب اليميني الصغير الوحيد الذي ذهب بعيدا، في محاولة توريط المغرب في نظرية المؤامرة الجديدة. فقد سبقته إلى ذلك تشكيلات وشخصيات سياسية إسبانية أخرى. وطبعا من الواضح أن الهدف من وراء هذه المناورات الجديدة مزدوج، يستهدف أولا تصفية الحساب السياسي مع “التحالف من أجل مليلية”، وهو حزب اشتراكي جهوي يقوده السياسي من أصل مغربي مصطفى أبرشان. وثانيا، توريط المغرب في “الفضيحة” المزعومة التي يحقق بشأنها القضاء الإسباني حاليا، والمتعلقة بشراء أصوات انتخابية لفائدة “تحالف” أبرشان، وربطها بالفضيحة الأخرى المزعومة “قطر غيت”.
بداية، وجب التذكير بأن إسبانيا تعيش منذ أسبوعين في خضم نقاش سياسي وإعلامي محتدم، بمناسبة الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات البلدية (انطلقت في 12 مايو/أيار وتنتهي في 26 منه). ليجري الاقتراع الحاسم الذي سيتم من خلاله تجديد المجالس البلدية وإعادة تشكيل مكاتبها، الأحد 28 مايو/أيار القادم. وتكتسي هذه الانتخابات أهمية بالغة بشكل خاص بالنسبة إلى الأحزاب في سبتة ومليلية، لأن حكومتَي الحكم الذاتي اللتان تُسَيران سبتة ومليلية تنبثقان عن الانتخابات البلدية، عكس باقي أقاليم إسبانيا الأخرى، مثل الأندلس وكتالونيا وغاليسيا وبلاد الباسك التي تجرب فيها انتخابات خاصة بالحكم الذاتي.
وضمن هذا السياق، يمكن فهم كون مليلية وسبتة تمثلان رهانا انتخابيا كبيرا وقضية مركزية في برامج الأحزاب الكبرى والتحالفات المحلية في الانتخابات البلدية الحالية. وبالتالي موضوع مزايدات سياسية لكسب تعاطف وأصوات الناخبين، بحيث ليس مفاجئا أن يتم اتهام المغرب في السجال الانتخابي المحتدم، بمحاولة “إفساد” الاقتراع من خلال شراء أصوات انتخابية.
أصوات مقابل المال
والأسبوع الماضي، أعلنت السلطات الإسبانية بأن ما يقرب من 12 ألف ناخب (21,1% من الناخبين) في مليلية طلبوا بطاقات الاقتراع بالبريد، وهو ما يمثل سبع مرات أكثر من المعدل الوطني. وكشفت وزارة الداخلية الإسبانية بأن محققين من الشرطة القضائية بمليلية، يعتقدون أن “أرقام طلبات التصويت بالبريد لا تترك مجالا للشك حول حصول محاولة تزوير انتخابي واسعة النطاق”. فنحو 11,707 طلبات للتصويت عبر البريد وصلت لمراكز الانتخابات بعد ظهر يوم الخميس الماضي (18 مايو/أيار)، بعدما تم إغلاق الموعد النهائي لتقديم طلبات التصويت عبر البريد (تم تمديد الأجل حتى 25 مايو). وهو ما زاد الشكوك في إمكانية حدوث تزوير في انتخابات 28 ماي، فتم توقيف نحو 10 أشخاص أغلبهم من مليلية من أصول مغربية، وبعضهم من أقارب الرئيس السابق لمليلية وزعيم “التحالف من أجل مليلية”، مصطفى أبرشان. وقام الأمن الإسباني بمداهمة حوالي 10 أماكن مشتبه بها.
وشملت المداهمات مقر حزب “التحالف من أجل مليلية”، المنتمي إلى الائتلاف الحاكم الثلاثي في المدينة، حسب ما قال متحدث باسم الحزب للصحفيين، مضيفا أن هذا البحث يشكل “هجوما على الديمقراطية”. ويقود هذا الحزب الذي انشق عن الحزب الاشتراكي الإسباني عام 1995، الناشط السياسي مصطفى أبرشان الذي سبق له أن شغل منصب رئيس بلدية مليلية بين عامي 1999 و2000. كما سبقت سبق إدانته في عام 2008، بتهمة توظيف ناخبين مقابل تصويتهم لفائدته، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين وغرامة 10880 يورو (11977 دولارا)، ومعاقبته بسببها بالحرمان من المشاركة السياسية، وهي العقوبة يُنتظر أن تنتهي هذا الصيف.
ويقول المسؤولون الإسبان المكلفون بالتحقيق، إن المشتبه بهم الموقوفون هم مجرد “مجرمين صغارا”، كانت شبكة ستكلفهم بتحديد وتجنيد أفراد من العائلات الفقيرة في مليلية، لشراء أصواتهم عبر البريد مقابل مبالغ تتراوح بين 50 و 200 يورو، وأن أحياء بأكملها كانت ستوافق على بيع أصواتها. ووفقا للإعلام الإسباني، تعتبر هذه المرة الثانية في الانتخابات الأخيرة التي تتم خلالها محاولة تزوير التصويت عن طريق البريد في مدينة مليلية. فقد سبق في فبراير 2021، أن أيدت المحكمة العليا الإسبانية حكما بالسجن لمدة عامين على مصطفى أبرشان، بتهمة شراء الأصوات عن طريق البريد في انتخابات مجلس الشيوخ للعام 2008. وسارع حزب “فوكس” اليميني المتطرف، حينها، بعد إعلان نتائج التحقيق القضائي، إلى اتهام المغرب بالتورط في القضية، بمبرر أن “المملكة تحاول دائما زعزعة استقرار مدينة مليلية”.
وبحسب الإعلام الإسباني، فإن سبتة المحتلة قد سجلت بدورها في الأيام القليلة الماضية، نسبة هامة تجاوزت 2000 ناخب طلبوا بطاقات التصويت عبر البريد في الانتخابات المرتقبة دون الحضور إلى صناديق الاقتراع. وهو ما دفع بوزارة الداخلية الإسبانية إلى اتخاذ إجراءات جديدة، مثل ضرورة الإدلاء ببطاقة الهوية للناخب رفقة ورقة التصويت. كما قررت الداخلية الإسبانية، في ذات السياق، تشديد المراقبة على الموانئ والمطارات والنقاط العبور الفاصلة بين مليلية وباقي الأراضي المغربية، بحثا عن نحو 32 مشتبها بهم بالضلوع في “المؤامرة” المزعومة.
تلويح بـ “فزّاعة” المغرب
لقد دفعت هذه التطورات بمرشح حزب “فوكس” اليميني المتطرف في مليلية، خوسي ميغيل تسيندي، إلى المسارعة إلى اتهام المغرب بالوقوف وراء ارتفاع أعداد الأشخاص الراغبين في التصويت عبر البريد في مليلية، “من أجل توفير إمكانية تزوير أصوات الناخبين لصالح المرشح الذي تراه الرباط هو الأفضل لقيادة المدينة (أي مصطفى أبرشان)”. هكذا دون انتظار نتائج التحقيق الجاري ودون تقديم أي دليل على مزاعمه.
وطالب حزب “سيودادانوس” (تعني المواطَنة)، من جانبه، من المفوضية الأوروبية “أن تأخذ على محمل الجد قضية شراء أصوات انتخابية بمليلية”، وأن يتم “ربط التحقيق الجاري حولها بالتحقيق الأوروبي في إطار قضية قطرغيت”.
وفي وقت أفادت الشرطة الإسبانية بأنه تم الإفراج عن المعتقلين العشرة، مع إبقائهم رهن تصرف المحكمة، كشفت تقارير إعلامية من مليلية بأن فرض تقديم بطاقة الهوية أو جواز السفر أو رخصة القيادة، ومنع شخص واحد من حمل أكياس الأصوات بالبريد من ناخبين آخرين، كما كان الحال سابقا، قد وضعت حدا للطوابير الضخمة التي حدثت في مكتب البريد منذ بدء عملية التصويت بالبريد.
للتوضيح، فإن “التزوير” المزعوم في مليلية لا يمثل حالة “الغش” الوحيدة التي عرفتها إسبانيا، فقد تم مثلا تفكيك مؤامرة بألمرية لشراء أصوات لفائدة الحزب الاشتراكي الحاكم، تم توقيف سبعة مشتبه بهم وضعوا رهن التحقيق القضائي في إطارها، بينهما مترشحان اشتراكيان.
وبحسب تصريح لوزير الخارجية الإسباني السابق خوسيه مانويل غارسيا مارغايو، لوسائل إعلام إسبانية مطلع الأسبوع، فإن “جميع المؤشرات تشير إلى وجود تزوير انتخابي هائل، ليس فحسب في مليلية. ولكن أيضا في مدن إسبانية أخرى. لكننا لا نعرف ما إذا حصل هناك أيضا في المغرب حيث يصوت إسبان قاطنون بمليلية عن طريق البريد”.
لكن المفارقة أن آخر استطلاع للرأي أظهر يوم الاثنين الماضي، أن حزب أبرشان حصل على 39,4 % من نوايا التصويت في مليلية، متقدما بفارق كبير على الحزب الشعبي المعارض والمرشح الأبرز للفوز بالانتخابات الحالية في إسبانيا. ويتمتع “التحالف من أجل مليلية” منذ يونيو/حزيران 2019، بالأغلبية في حكومة مليلية (تتمتع بالاستقلال الذاتي)..
فكيف ولأجل ماذا سيسعى حزب أغلبي تؤهله التوقعات بالظفر بالانتخابات الحالية إلى تزويرها؟!
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس