مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. المعروف أنه ثمة ثلاثة مسارات معروفة للهجرة الأفريقية “غير الشرعية” نحو أوروبا، تمر عبر كل من ليبيا وتونس والمغرب. لكن، بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في ليبيا، وحملات طرد المهاجرين من تونس، تعطل هذان المساران أو تراجع الإقبال عليهما كثيرا. وبالمقابل، تضاعف تدفقهم إلى أوروبا عن طريق بوابة إسبانيا عبر أقصى شمال المغرب وأقصى جنوبه.
في ظل هذا الواقع، تجد إسبانيا ومعها المغرب في مواجهة تحدي مرتبط بالتدبير الأمني والإنساني لملايين المهاجرين، الذين يعلقون بين البلدين لعجزهم إلى النفاد نحو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. والمفارقة أنه في وقت تشتكي إسبانيا من مشاكلها التي لا تنتهي مع الهجرة، تحتاج إلى الآلاف من الأيدي العاملة الشابة لتحريك اقتصادها. ولذلك تسعى الحكومة الإسبانية إلى تنظيم الهجرة للاستفادة من اليد العاملة الإفريقية، بدل التدفق “العشوائي” للمهاجرين، لكن بشكل موقت من خلال تفعيل آلية “الهجرة الدائرية”.
بيد أن السلطات الأمنية الإسبانية، ومعها منظمات إنسانية، تعترض بشدة هذا الحل.. فماذا ستستفيد موريتانيا من هذه الآلية الجديدة؟ وهل تنجح خطة “التحالف الإفريقي للتقدم” الإسبانية في وقف موجات الهجرة إلى جزر الكناري؟
إسبانيا البوابة الجنوبية لأوروبا
في تقريرها السنوي لتحليل المخاطر (2024-2025)، الصادر في أبريل الماضي (2024)، تحذر وكالة أمن الحدود الأوروبية (فرونتكس) من أن التحركات المتزايدة للمهاجرين الأفارقة نحو أوروبا، بخاصة من منطقة الساحل الإفريقي، التي تتراكم فيها ضغوط هجرة هائلة، مع وجود حوالي 3,3 مليون نازح (وفقا للأمم المتحدة) مستعدون للهجرة نحو أوروبا. وتخشى السلطات الأوروبية من أن بلدان الساحل هذه اكتسبت فيها الجماعات الجهادية أرضية واسعة في السنوات الأخيرة. وبحسب بيانات المنظمة، الصادرة في أبريل 2024، فإن مصدر هؤلاء الـ 3,3 مليون نازح هو بوركينا فاسو ومالي والنيجر، في منطقة الساحل الأوسط، ينضاف إليهم مهاجرون من موريتانيا والسنغال وغامبيا، وهي جميعها مصادر للهجرة غير الشرعية تغذي باستمرار الطريق الغربي للقوارب إلى جزر الكناري، وهو الطريق الذي زاد عليه إقبال الراغبين في الهجرة غير النظامية أكثر من غيره هذا العام بنسبة 154%، وفقا لفرونتكس.
ومع وصول أكثر من 22 ألف مهاجر(ة) إفريقي(ة) إلى غاية منتصف الشهر الماضي (أغسطس 2024)، تتوقع وزارة الداخلية الإسبانية أن تتجه الجزر نحو تسجيل رقم قياسي غير مسبوق من المهاجرين خلال هذا العام. وهذا ما تحذر منه وكالة أمن الحدود الأوروبية في تقريرها السنوي حول “تحليل المخاطر 2024-2520″، التي تتوقع أنه “من المحتمل جدا أن يظل هذا الطريق أحد البوابات الرئيسية للاتحاد الأوروبي”، مشيرة إلى أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى ذلك انخفاض الأسعار التي تطبقها مافيا الإتجار بالبشر، التي تكاثرت في هذه المنطقة من الساحل الإفريقي، لقاء تهريب الراغبين في الهجرة غير القانونية. وتكرس المزيد والمزيد من الجماعات الإجرامية نفسها لهذا النوع من الأنشطة على طريق غرب إفريقيا، الذي أكثر خطورة من عبور البحر الأبيض المتوسط. وقد أدت المنافسة بين شبكات مهربي المهاجرين إلى تخفيض الأسعار الآن إلى 1000 يورو ( 1100 دولار) فقط لكل مهاجر(ة). وتحذر فرونتكس تبعا لذلك، من أن “الأسعار المنخفضة نسبيا التي يفرضها المهربون على هذا الطريق يمكن أن تزيد من أعداد القوارب المطاطية في سواحل غرب أفريقيا”.
في مواجهة التحذيرات الواردة في تقرير وكالة فرونتكس وكثير من التقارير الأخرى الرسمية وغير الرسمية، وتحت ضغط الحكومة الجهوية لجزر الكناري، تحركت الحكومة الإسبانية بسرعة لإيجاد حلول عملية توقف تدفق المهاجرين الأفارقة على الأرخبيل.
نحو “تحالف إفريقي للتقدم”
تؤثر البطالة في إسبانيا على 2,5 مليون شخص، بحسب الأرقام الرسمية، وربما ثلاثة ملايين إذا ما أخذنا في الاعتبار العاطلين عن العمل الذين لا تحسبهم الحكومة، بحسب تقديرات محللين اقتصاديين إسبان. لكن بالمقابل ─ ويا للمفارقة─ فإنه وفقا لحسابات الحكومة الإسبانية، سوف تحتاج البلاد إلى ما بين 250 ألف و300 ألف عامل مهاجر سنويا حتى العام 2050، “للحفاظ على دولة الرفاهية” الحالية. وفي سبيل ذلك، يقترح رئيس الحكومة الاشتراكي بيدرو سانشيز، في خضم أزمة الهجرة التي سبقت الإشارة إليها أعلاه، حلا يسمح في نفس الوقت بامتصاص المهاجرين في نطاق قانوني وتلبية الحاجيات إلى أيدي عاملة رخيصة.
ولذلك تسعى الحكومة الإسبانية إلى تعميم نموذج اتفاقيات “الهجرة الدائرية”، التي سبق أن أبرمتها بلاده بالفعل، منذ سنوات، مع دول مثل المغرب، وكولومبيا، والإكوادور، وهندوراس، والأرجنتين، والسنغال، وأوروغواي، وتوسيع نطاقها لتشمل موريتانيا وغامبيا كذلك. وبموجب هذه الخطة تقترح إسبانيا تدريب المهاجرين في بلدانهم الأصلية، لكي يتمكنوا بعد ذلك من شغل وظائف محددة مطلوبة في إسبانيا، لفترة محدودة. مع التركيز بشكل أساس على العمل في قطاعات الزراعة أو النسيج أو بعض الصناعات، والالتزام بالعودة إلى بلدانهم، عند نهاية هذا النشاط الموسمي.
هكذا تدافع السلطة التنفيذية علنا عن التوظيف المؤقت للعمال الموريتانيين والغامبيين – وقد بدأت بالفعل في ذلك مع السنغاليين – في بعض القطاعات، حيث أعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز من العاصمة الموريتانية نواكشوط، في مفتتح زيارته التي قادته كذلك إلى غامبيا والسنغال أواخر الشهر الماضي، التزام بلاده الكبير باعتماد سياسة “الهجرة الدائرية” سبيلا لوقف وصول القوارب القادمة عبر “طريق الهجرة البحرية الأكثر خطورة في العالم”، باعتبار أن “عالم اليوم هو عالم الهجرات الدائرية”.
وأعلن سانشيز في مختتم جولته الغرب إفريقية إياها من العاصمة السنغالية دكار، عن إنشاء تحالف التقدم في أفريقيا، وهو إطار دستوري جديد يعزز التعاون بين السلطات المحلية والإدارات الإسبانية والمؤسسات المالية الدولية مع شركات. وستساعد المبادرة الجديدة ─التي أطلق عليها اسم “التحالف الإفريقي للتقدم Alianza África Avanza”─ على تشجيع الاستثمار الملموس في بلدان غرب أفريقيا، لتعزيز التنمية الاقتصادية والإنتاجية في المنطقة، وتوليد فرص العمل والاستفادة القصوى من رأس المال البشري الموجود في القارة. ووفقًا لرئيس الحكومة الإسبانية، فإن الهدف (المعلن) من هذه المبادرة الجديدة هو “أن يرى آلاف الشباب الإفريقي حلمهم في التدريب والحصول على وظائف عالية الجودة يتحقق”.
ما هي “الهجرة الدائرية”؟
يجري الحديث عن “الهجرة الدائرية”، أو “الهجرة المؤقتة” أو “العمالة المؤقتة”، للإشارة إلى الاتفاقيات التي تبرمها الدول فيما بينها بخصوص هجرة اليد العاملة، حيث تساعد الهجرة الدائرية الدول التي تعاني نقصا في العمالة على العثور عليها بشكل قانوني في بلدان أخرى، من خلال عقود عمل مؤقتة. وتتيح هذه الهجرة المنظمة للأفراد الانتقال من بلدهم الأصلي إلى بلد آخر للعمل بشكل مؤقت، ثم العودة إلى وطنهم بعد انتهاء فترة العمل. وتهدف هذه الآلية إلى تقليص أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى القارة العجوز، مع القيام في الوقت ذاته بتوفير حاجتها إلى عمالة رخيصة دون أن تتكبد أي نفقات من أجل إدماج هؤلاء العمال في نسيج دولها الاجتماعي. وهو الأمر الذي تعاني منه العديد من الدول الأوروبية في الوقت الراهن.
وقد كان مفهوم الهجرة الدائرية في بداية الأمر مفهوما أوروبيا، وتتمثل الفكرة الكامنة وراءه، في تمكين اليد العاملة المهاجرة من العودة الى البلد الأصلي، مع الاحتفاظ بإمكانية العودة من جديد الى البلد المستقبل. وبذلك، يتم خلق نوع من الحركة الدائرية في تنقل هذه اليد العاملة المهاجرة من البلد الأصلي إلى بلد الاستقبال والعكس، من خلال توفير شروط تشغيل مدروسة تسمح بحماية حقوق العمال طوال فترة الهجرة.
وفي الوقت الذي يمضي فيه الاتحاد الأوروبي بخطوات متلاحقة نحو توسيع نطاق الهجرة الشرعية إلى دوله الأعضاء لأول مرة في تاريخه، وذلك بسبب الاحتياجات المتزايدة للعمال الزراعيين وعمال المصانع، فإن إسبانيا تقدم لنا لمحة عما سيحدث مستقبلا في هذا المضمار، من خلال اتفاقيات مع أكثر من 10 دول تنتمي إلى أمريكا اللاتينية وإفريقيا. والواقع أن إسبانيا لديها دراية ببرامج التأشيرات المؤقتة، حيث سبق أن نظمت برامج شبيهة مع بعض الدول الأفريقية، وخصوصاً مع المغرب. فقد بدأت برامج الهجرة الدائرية منذ عام 2000، وتوسعت الدول المشاركة في هذه البرامج على مر السنين. وفي عام 2022، وقعت مدريد اتفاقيات مع كل من المغرب وكولومبيا وهندوراس والإكوادور، جلبت بموجبها حوالي 19 ألف عامل وعاملة مؤقتين إلى إسبانيا. وفي عام 2023، انضمت دول أخرى مثل السنغال والأرجنتين وأوروغواي، حيث استفاد من هذه البرامج حوالي 17 ألف شخص آخرين. أما في عام 2024، فقد ارتفع عدد الدول المشاركة ليشمل 11 دولة، من بينها موريتانيا، بإجمالي حوالي 20 ألف عامل حتى الآن، وفق وسائل إعلام إسبانية.
وعلى الرغم من أن الأفارقة يشكلون نسبة تتراوح ما بين 5 إلى 10 فقط في المئة من إجمالي عدد المهاجرين غير الشرعيين في إسبانيا، إلا أن محنتهم هي الأكثر ظهورا. ويعود ذلك إلى كون حوالى 6000 مهاجر منهم يقضون نحبهم سنويا، أثناء محاولاتهم دخول إسبانيا عن طريق البحر، بواسطة قوارب متهالكة تحمل عددا كبيرا منهم يفوق طاقتها الحقيقية بمراحل.
وعند الحديث عن الهجرة الدائرية، يجري الحديث في إسبانيا عن “النموذج المغربي”، الذي تعتبره مدريد “ناجحا”. ففي المغرب، تعود أنماط الهجرة الدائرية إلى الموجات الأولى نحو شمال غرب أوروبا وجنوبها في منتصف الثمانينيات. وبعد سنوات عديدة، بدأت أنماط الهجرة الدائرية الجديدة تتشكل منذ بدايات سنة 2000، خاصة تلك المتعلقة بالنساء المغربيات اللاتي يتم استقدامهن للعمل بشكل موسمي في جني فاكهة الفراولة في جنوب إسبانيا.
كشفت دراسة نشرتها المنظمة الدولية للهجرة حول العاملات الموسميات بعد انتهاء مدة إقامتهن في إسبانيا والعودة إلى المغرب، أن أكثر من 83% من النساء يدعمن أسرة ماليا. وقد تم إجراء العديد من الدراسات حول هذا الموضوع، لتحليل الظروف المعيشية للمهاجرات الموسميات، سياق هجرتهن الدورية، أوضاعهن الاجتماعية، وكذا التغييرات التي طرأت على هؤلاء النساء بعد عودتهن.
وفقًا للدراسة التي أجرتها المنظمة الدولية للهجرة، يمكن أن تساهم الهجرة الدائرية في زيادة التمكين الاقتصادي للمستفيدات، حيث إنه ما يقرب من نصف العاملات الموسميات يتقاضين ما معدله بين 1000 و1500 يورو شهريا. وبحسب خلاصات نفس الدراسة، فإن هؤلاء العاملات الموسميات يعدن إلى المغرب في نهاية موسم العمل بإسبانيا، بمبلغ 25000 درهم [حوالي 2350 يورو] أو أكثر. وعبرت 97% منهن بأنهن راضيات عن أجورهن [للتذكير، فإن الأجر الأدنى في المغرب في حدود ما يعادل 300 يورو شهريا]، علما أن غالبية هؤلاء العاملات الموسميات هن ربات بيوت ليس لديهن عمل خارج بيوتهن.
ماذا تستفيد موريتانيا؟
وفقا لبيانات صدرت عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أبريل/نيسان 2024، يوجد حاليا أكثر من 200,000 لاجئ مالي في موريتانيا، و130,000 في النيجر وحوالي 40,000 في بوركينا فاسو، بالإضافة إلى 50,000 لاجئ فروا إلى الجزائر، ولكن لا يمكنهم الوصول إلى إجراءات اللجوء. وفي الوقت نفسه، تستضيف مالي حوالي 94,000 لاجئ، معظمهم من بوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا. وعلى الرغم من انعدام الأمن والضغط المتزايد على المجتمعات المحلية، فإن حدود البلدان المجاورة لمنطقة الساحل تظل مفتوحة أمام اللاجئين، ما يسمح بتنقلهم بحرية.
إن الوضع الأمني غير المستقر في وسط منطقة الساحل، يجبر السكان الفقراء على الفرار من منازلهم بحثا عن الأمان والحماية، ما يعرضهم للكثير من المخاطر، خصوصا منهم النساء والأطفال المعرضين بشكل خاص للاستغلال وسوء المعاملة والاتجار بالبشر.
وفي سياق هذا المشهد المتأزم يظهر الدور المحوري الذي تلعبه موريتانيا، ليس فحسب باعتبارها أرض لحوء لمئات آلاف الأفارقة، بل وأيضا لكون موقعها الأقرب نسبيا ─مقارنة مع دول غرب إفريقيا الأخرى─ من الكناري. فالطريق البحري بين أقصى غرب موريتانيا وأقرب جزيرة في أرخبيل الكناري تصل إلى 760 كيلومترا [السنغال 1400 كلم وغامبيا 1600 كلم]، ولذلك تركز إسبانيا بشكل أساس على موريتانيا في استراتيجيتها الجديدة-القديمة لاحتواء الهجرة غير النظامية. وفي سبيل ذلك، تسعى مدريد إلى تعميم نموذج الاتفاقيات التي سبق أن أبرمتها بلاده بالفعل، منذ سنوات، مع دول مثل المغرب، وكولومبيا، والإكوادور، وهندوراس، والأرجنتين، والسنغال، وأوروغواي، وتوسيع نطاقها لتشمل موريتانيا وغامبيا. وبموجب هذه الخطة تقترح إسبانيا تدريب المهاجرين في بلدانهم الأصلية، لكي يتمكنوا بعد ذلك من شغل وظائف محددة في إسبانيا، لفترة محدودة، مع التركيز بشكل أساسي على العمل في قطاعات الزراعة أو النسيج أو بعض الصناعات. مع في نهاية هذا النشاط الموسمي، الالتزام بالعودة إلى بلدانهم.
وفي هذا الإطار، سبق أن أعلن سانشيز من العاصمة السنغالية 29/08/2024 عن إنشاء تحالف التقدم الأفريقي، وهو إطار دستوري جديد يعزز التعاون بين السلطات المحلية والإدارات الإسبانية والمؤسسات المالية الدولية والشركات. وسوف يساهم في تشجيع الاستثمارات الملموسة في غرب أفريقيا وتعزيز التنمية الاقتصادية والإنتاجية في المنطقة، من خلال توليد فرص العمل والاستفادة من رأس المال البشري الموجود في القارة.
والهدف من المبادرة الجديدة، بحسب رئيس الحكومة، هو أن “يرى آلاف الشباب الأفارقة أن أحلامهم في التدريب والحصول على وظائف جيدة تتحقق”. وسوف يستفيد تحالف التقدم الأفريقي من التعاون بين بنك الاستثمار الأوروبي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، فضلاً عن دعم شركات متعددة.
ولذلك تعد الحكومة الإسبانية بتوفير فرص عمل [مؤقتة] يمكن أن تشمل حوالي 250 ألف موريتاني [ربما تدرج ضمن هذا العدد اللاجئين من دول الساحل]، حيث تم التوقيع بين السلطات الإسبانية ونظيرتها الموريتانية، على مذكرة تفاهم حول الهجرة الدائرية بين البلدين، تهدف إلى تعزيز التعاون في هذا المجال عبر تنفيذ مشروع تجريبي لاختيار العمال الموريتانيين للعمل في إسبانيا. وتشير مذكرة التفاهم إلى أن وزارة الإدماج والضمان الاجتماعي والهجرة الإسبانية ستتولى إبلاغ السفارة الموريتانية بمدريد، بعروض العمل المتاحة في إسبانيا وكذا المؤهلات المطلوبة وظروف العمل. وبالمقابل، ستتولى السلطات الموريتانية اختيار المرشحين وفق نظام يعتمد على مبدأ تكافؤ الفرص. وبعد اختيار المرشحين المقبولين، سيخضعون لمقابلات واختبارات في موريتانيا، بحضور ممثلين من الجانبين، ليتم بعدها توثيق النتائج وإرسالها إلى إسبانيا لإصدار تصاريح الإقامة والعمل.
ومن البنود الأساسية الأخرى في المذكرة، نجد التأكيد على ضرورة عودة العمال إلى موريتانيا بعد انتهاء فترات عقودهم. وتسري هذه المذكرة لمدة عام واحد، قابلة للتجديد بتوافق الطرفين، وفق ما جاء في نص المذكرة.
هل ينجح “التحالف الإفريقي للتقدم”؟
من أجل تسويق مشروعها الجديد، عن الهجرة الدائرية، تسوق الحكومة الإسبانية مثال “النموذج المغربي”، الذي تعتبره “ناجحا”. ففي المغرب، تعود أنماط الهجرة الدائرية إلى الموجات الأولى نحو شمال غرب أوروبا وجنوبها في منتصف الثمانينيات. وبعد سنوات عديدة، بدأت أنماط الهجرة الدائرية الجديدة تتشكل منذ بدايات سنة 2000، خاصة تلك المتعلقة بالنساء المغربيات اللاتي يتم استقدامهن للعمل بشكل موسمي في جني فاكهة الفراولة في جنوب إسبانيا.
كشفت دراسة نشرتها المنظمة الدولية للهجرة حول العاملات الموسميات بعد انتهاء مدة إقامتهن في إسبانيا والعودة إلى المغرب، أن أكثر من 83% من النساء يدعمن أسرة ماليا. وقد تم إجراء العديد من الدراسات حول هذا الموضوع، لتحليل الظروف المعيشية للمهاجرات الموسميات، سياق هجرتهن الدورية، أوضاعهن الاجتماعية، وكذا التغييرات التي طرأت على هؤلاء النساء بعد عودتهن.
ووفقا للدراسة التي أجرتها المنظمة الدولية للهجرة، يمكن أن تساهم الهجرة الدائرية في زيادة التمكين الاقتصادي للمستفيدات، حيث إنه ما يقرب من نصف العاملات الموسميات يتقاضين ما معدله بين 1000 و1500 يورو شهريا. وبحسب خلاصات نفس الدراسة، فإن هؤلاء العاملات الموسميات يعدن إلى المغرب في نهاية موسم العمل بإسبانيا، بمبلغ 25000 درهم [حوالي 2350 يورو] أو أكثر. وعبرت 97% منهن بأنهن راضيات عن أجورهن [للتذكير، فإن الأجر الأدنى في المغرب في حدود ما يعادل 300 يورو شهريا]، علما أن غالبية هؤلاء العاملات الموسميات هن ربات بيوت ليس لديهن عمل خارج بيوتهن.
لكن الاقتراح الجديد الذي حاول رئيس الحكومة الإسبانية الاشتراكي بيدرو سانشيز، خلال زيارته أواخر الشهر الماضي إلى موريتانيا والسنغال وغامبيا، يثير جدلا وقلقا عميقا لدى قوات الشرطة المتخصصة في العمل في مجال الهجرة. وترجع مخاوف الشرطة الوطنية الإسبانية من هذا المشروع الحكومي، أساسا إلى قناعتها بعدم وجود وسائل مادية أو بشرية كافية تسمح بضبط بشكل فعال تحركات هؤلاء العمال فوق التراب الإسباني. فهي تفترض أنه سيكون من المستحيل ضمان عودة كل هؤلاء المهاجرين من أفريقيا إلى بلدانهم. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يشتبهون في أنه سيتم إطلاق النار على البلطجي. ففي تصريح لوسائل إعلام إسبانية، كشف ضابط شرطة يرأس أحد أكثر ألوية الشرطة المتخصصة في الهجرة الإقليمية نشاطا في إسبانيا قائلا: “لدينا أكثر من 160 ألف لاجئ في إسبانيا، والشرطة ليس لديها القدرة على مراقبتهم جميعا. من المستحيل رصد السيناريو المقترح من طرف الحكومة، الذي يقترح استقدام ما يصل إلى 250 ألف شخص إضافيا. بل ليست لدينا القدرة على مراقبة ولو حتى ربع هذا الرقم. فلا يمكن لنا ضمان أن الذين سيأتون [في إطار الهجرة الدائرية] سوف يعودون إلى بلدانهم”..
وفي صميم ما يجري، يطل السؤال برأسه كبيرا: هل ينجح “التحالف الإفريقي للتقدم” في احتواء موجات “المهاجرين غير الشرعيين”، التي لا تتوقف على مدار فصول السنة؟
أصوات كثيرة، في مقدمتها المعارضة السياسية والإعلامية الإسبانية، تشكك في ذلك وتهاجم سياسة حكومة سانشيز حولها. وتقدم مبررات تبعث على التفكير، من بينها أن دولا سبق أن وقعت معها إسبانيا اتفاقيات لـ “الهجرة الدائرية” (نظير المغرب والسنغال على سبيل المثال)، لم تتوقف عن “تصدير” مهاجريها إلى إسبانيا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس