الباحثة سميرة الملاس لـ”أفريقيا برس”: المغرب معرض لخطر تسونامي بسبب موقعه الجغرافي

131
د. سميرة الملاس: المغرب معرض لخطر التسونامي بسبب موقعه الجغرافي الزلزالي
د. سميرة الملاس: المغرب معرض لخطر التسونامي بسبب موقعه الجغرافي الزلزالي

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في ديسمبر 2015، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 5 نوفمبر ليكون اليوم العالمي للتوعية بخطر التسونامي، ودعت البلدان والهيئات الدولية والمجتمع المدني للتوعية بأمواج التسونامي، وتبادل الأساليب المبتكرة للحد من مخاطرها.

في الحوار التالي، تكشف الدكتورة سميرة الملاس لقراء “أفريقيا برس” أهم نتائج بحثها وتوصياته، وآخر المستجدات المتعلقة بالتسونامي بالمغرب.

والدكتورة سميرة الملاس أستاذة باحثة بالمعهد العالي للدراسات البحرية بالدار البيضاء. حاصلة على دكتوراه مزدوجة من جامعة شعيب الدكالي بالجديدة في تخصص علوم جيولوجيا البحار، وجامعة بول فاليري مونبلييه 3 (فرنسا) في تخصص الجغرافيا وتهيئة المجال، حول موضوع (تقييم تعرض الساحل الأطلسي المغربي لخطر التسونامي).

ويدخل موضوع بحثها في إطار مشروع فرنسي-مغربي، MAREMOTI، حول “هشاشة ساحل شمال شرق المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط الغربي حيال التسونامي”، وساهمت فيه د. الملاس إلى جانب عدة باحثين من تخصصات متنوعة، مغاربة (مختبر علوم جيولوجيا البحار وعلوم التربة بالجديدة) وفرنسيين (مختبر حكامة، مخاطر، بيئة وتنمية) بمدينة مونبلييه الفرنسية، و برتغاليين (مركز الجيوفيزياء التابع لجامعة لشبونة).

ويهدف هذا المشروع إلى إجراء دراسات معمقة لتوفير المعطيات العلمية، التي سيحتاج إليها المركز الجهوي للتحذير من موجات التسونامي في غرب البحر الأبيض المتوسط وشمال شرق المحيط الأطلسي (التابع لمندوبية الطاقة الذرية الفرنسية). وذلك من أجل إقامة نظام للإنذار من التسونامي تنسقه اليونسكو.

الدكتورة سميرة الملاس، أستاذة باحثة بالمعهد العالي للدراسات البحرية في الدار البيضاء

دكتورة الملاس، دعينا لو سمحتِ نبدأ ببعض التعريفات التمهيدية: ما هو التسونامي؟ و ما هي أسبابه؟

كلمة التسونامي هي في الأصل مصطلح ياباني مكون من كلمتين: “تسو” ومعناها (ميناء)، و”نامي” ومعناها (موجة)؛ بحيث تعني الكلمة حرفيا “موجة الميناء”. ربما لأن التسونامي يتسارع بصمت عبر المحيط دون أن يشعر به أحد، ليظهر فجأة في شكل أمواج مَدّ عالية مدمرة. وقد استخدم اليابانيون القدامى هذه الكلمة للتمييز بين أمواج المَدّ البحري العالي التي تدمر موانئ الصيد والأمواج العادية.

وينتج التسونامي غالبا عن حركة الدفع الفجائية، التي يُحدثها زلزال تتجاوز قوته 6.5 درجة تحت قاع المحيط نتيجة حركة تصدعية عنيفة، من جراء تصادم صفيحتين تكتوكيتين. وفي بعض الحالات قد ينجم عن ثوران بركاني أو عن انزلاق أرضي تحت البحر أو عن سقوط نيزك، وغيرها من العوامل.

وبالنسبة للتسونامي الناجم عن زلزال، وهو الأكثر حدوثا، فانه يمر بثلاث مراحل: التولد والانتشار ثم الإغراق. فتتمثل عملية توليد الموجة بأي إزاحة عمودية مفاجئة في قاع البحر، كنتيجة لحركة تصدعية عنيفة، حيث تقوم هذه الحركة بدفع ما فوقها من مياه نحو الأعلى. وتتميز أمواج التسونامي العملاقة بمدى طويل جداً، فهي قادرة على نقل الطاقة المدمرة من مصدرها في المحيط إلى مسافة قد تبلغ آلاف الكيلومترات؛ حيث تندفع من أعماق المحيطات بسرعة تزيد على 700كلم في الساعة. لكن على الرغم من سرعتها الكبيرة، إلا أنها لا تشكل خطرا في المياه العميقة. فالموجة الواحدة منها لا يزيد ارتفاعها عادة عن متر واحد في وسط المحيط، في حين يصل ارتفاعها إلى أكثر من 10 أمتار عند اصطدامها بالشواطئ.

هل المغرب معرض لخطر التسونامي؟ لماذا؟ وكيف؟

أجل المغرب معرض لخطر التسونامي، فهو بحكم موقعه الجغرافي في منطقة جغرافية زلزالية تمتد من جزر الآصور في المحيط الأطلسي غربا، إلى حدود جبال الهيملايا شرقا عابرة لأعماق البحر الأبيض المتوسط. وهذه البيئة الزلزالية ناتجة عن تقارب القارة الإفريقية باتجاه القارتين الأوربية والأسيوية. لذلك فإن المغرب معرض لمصدرين اثنين محتملين للزلازل: غرب البحر الأبيض المتوسط وخليج قادس بالمحيط الأطلسي.

ثم هناك مصدر ثالث محتمل، كثر الحديث عنه في السنوات الأخيرة من طرف بعض الباحثين، و تداولته بعض وسائل الإعلام وهو ما يزال موضوع جدال. ويتعلق الأمر ببركان جبل “كومبري فييخا” بجزيرة “بالما” وهي إحدى أهم جزر أرخبيل الكناري الواقع قبالة الصحراء بأقصى جنوب المغرب. ويُرَوّج أصحاب هذه النظرية بأن انفجار هذا البركان يمكن أن يؤدي إلى انهيار الجزء الغربي للجبل المذكور، الذي يوجد في وضعية غير مستقرة. وبالتالي إلى حدوث تسونامي ضخم ستصل موجاته إلى السواحل المغربية بعد ساعة ونصف، بحسب بعض الدراسات.

حسنا، في ضوء هذه التهديدات المحتملة، ما هي درجة خطورة التسونامي الذي قد يضرب سواحل المغرب؟

دعني أوضح هنا مسألة تتعلق بكلمة “خطر”. فالتعريف العلمي المتداول لهذه الكلمة هو عبارة عن معادلة تكتب على النحو التالي: الخطر= ظاهرة+ رهانات+ حساسية (هشاشة). وانطلاقا من ذلك، وإذا ما نحن تحدثنا عن التسونامي كظاهرة فقط، فإنه يمكن القول بأن احتمال تعرض السواحل المغربية لتسونامي يبقى ضعيفا. وفترة عودة حدوث تسونامي مماثل لذلك الذي ضرب سواحل المغرب في عام 1755، حُددت في أجل يقدره بعض الباحثين في ما بين 1000 و2000 سنة.

أما إذا تحدثنا عن خطر التسونامي بالنسبة إلى المغرب، فإن قوته مرتبطة بأهمية وحجم ونوعية الرهانات الموجودة على سواحله (سكان المناطق الساحلية، ممتلكاتها، مشاريع، بنيات تحتية…وغيرها) ومستوى هشاشتها. و هذا ما أردنا تبيانه من خلال الدراسة التي قمنا بها. فقد أنتجنا مجموعة من المؤشرات الجغرافية ثم قمنا بحسابها بالنسبة للجماعات الساحلية الأطلسية المغربية، وبالنسبة لوحدات جغرافية تبلغ مساحة كل واحدة منها 25 كلم مربعا. الشيء الذي مكن لأول مرة من تحليل مقارن، وبقراءة جغرافية وكمية لهذا الخطر عبر المغرب من أجل تحسيس السلطات المعنية به.

عندما نسمع بأن موعدنا في المغرب مع تسونامي عملاق، قد يكون بعد 1000 أو 2000 عام يذهب خوفنا…

عندما نقول بأن بعض التقديرات تفترض بأن يتعرض المغرب لتسونامي بعد 1000 عام أو أكثر، فنحن هنا نتحدث عن احتمال أن يكون التسونامي كبير جدا méga tsunami، يشبه ذلك الذي ضرب سواحل المغرب في 1755. وهو تسونامي شكل استثناء بين كل أنواع التسونامي التي عرفتها منطقة شمال شرق المحيط الأطلسي. وبالتالي أنا لم أقصد بكلامي أننا في المغرب غير معرضين لأنواع أقل قوة، لكن أمد وقوعها ربما قريب.

هل يمكن التنبؤ بالتسونامي قبل حدوثه؟

للأسف، لا يمكن التنبؤ بالتسونامي قبل حدوثه، لأنه وعلى الرغم من تطور العلوم و الوسائل التكنولوجية، لا يمكن توقع لا تاريخ وقوع الزلزال المسبب (الرئيسي) للتسونامي، ولا مكانه ولا قوته. و لكن التحذير من وصول موجاته إلى السواحل ممكن، خصوصا إذا كان مصدر الزلزال بعيدا بما فيه الكفاية عن المنطقة المراد تحذيرها. ويتم التحذير بواسطة نظام خاص للإنذار بالتسونامي.

وهل يرتبط المغرب بنظام للتحذير من التسونامي هذا؟

ينبغي التذكير أولا بأنه بعد كارثة تسونامي 2004 في المحيط الهندي، قرر المجتمع الدولي تجهيز سواحل العالم بأنظمة تحذير من التسونامي، تشرف عليها وتنسق بينها اللجنة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات التابعة لليونسكو. وفي هذا الإطار، يرتبط المغرب بالنظام الإقليمي للإنذار NEAMTWS (نظام الإنذار من التسونامي في شمال شرق المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط)، حيث يتولى المعهد الوطني المغربي للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، مهمة التتبع و المراقبة واستقبال رسائل التحذير، في حالة وجود خطر، وإحالتها بأقصى سرعة ممكنة إلى السلطات المعنية لتتمكن هذه الأخيرة من اتخاذ الإجراءات اللازمة.

جرى الحديث مؤخرا عن دراسة لوضع نظام للإنذار المبكر من تسونامي بالمغرب، أين وصل هذا المشروع؟

بالفعل، فقد أطلقت المديرية العامة للأرصاد الجوية، السنة الماضية، دراسة بخصوص وضع نظام للإنذار المبكر من تسونامي بالمغرب، وذلك بشراكة مع المركز الوطني للبحث العلمي والتقني (CNRST)، والمركز الملكي للاستشعار الفضائي (CRTS)، وبالتعاون مع كافة الفاعلين الوطنيين المعنيين (كمديرية تدبير الأخطار الطبيعية، والبحرية الملكية، والوكالة الوطنية للموانئ (ANP)، ومديرية الموانئ و الملك العمومي البحري…، وتحت إشراف وزارة الداخلية، وبتمويل من صندوق مكافحة الكوارث الطبيعية [حكومي].

وأهم ما في هذه الدراسة التي بلغت مراحل متقدمة، والتي أوكلت إلى مكتب دراسات متخصص، هو تقييم التدبير الحالي لخطر تسونامي بالمغرب، ثم تقييم أهمية وجدوى إنشاء نظام للتحذير من موجات تسونامي. بالإضافة إلى تضمين صياغة عملية للتنبيه والإنذار، ووضع دليل لخطة الطوارئ الإقليمية، وتقييم تكلفة مثل هذا النظام.

هل لدى المغرب خبراء وطنيون في التسونامي؟

أجل. لكنهم ينتمون إلى مؤسسات وهيئات مختلفة. فالإضافة، كما ذكرت، إلى المعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، هناك المركز الملكي للاستشعار الفضائي، والمعهد العلمي، وبعض المختبرات ووحدات البحث العلمية التابعة لبعض الجامعات، وغيرها. لكن المشكل الذي يطرح نفسه هنا هو غياب التنسيق والتعاون بين هذه الهيئات وخبرائها. فكل هيئة تشتغل في معزل عن الأخرى، وفي غالب الأحيان بتعاون مع خبراء وباحثين أجانب.

مع العلم أن هذا المشكل بدأ يأخذ طريقه إلى الحل منذ سنة 2014، وذلك بعد إحداث اللجنة الوطنية للتنسيق في مجالات الهيدروغرافية وعلم المحيطات والخرائطية البحرية، التي تترأسها إدارة الدفاع الوطني وتتألف من أبرز الفاعلين المعنيين بهذه المجالات، ومن بينهم بالتأكيد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.

قمتم في إطار مشروع MAREMOTI بتحليل حالة تعرض مدينة الجديدة لتسونامي، وحددتم دراستكم بدقة الأماكن المهددة من خلال خرائط. لماذا هذه المدينة بالضبط؟

في البداية فكرنا في الاشتغال على محور الرباط- الجديدة، نظرا لأهميته الاقتصادية والاجتماعية. لكننا وجدنا أبحاثا أخرى سبق أن أنجزت أو كانت في طور الإنجاز حول موضوع هشاشة مدن الدار البيضاء والرباط- سلا في مواجهة التسونامي. فارتأينا بالتالي أن يكون عملنا مكملا لهذه الأبحاث، ولذلك اكتفينا بدراسة حالة مدينة الجديدة.

وهناك سبب آخر مباشر لهذا الاختيار، ويتمثل في توفر مختبر علوم جيولوجيا البحار وعلوم التربة بكلية العلوم بهذه المدينة، على المعطيات وقواعد البيانات الضرورية لإنجاز مثل هذه الدراسة، بحكم الاشتغال المستمر على المدينة والمنطقة برمتها، وكذا بحكم علاقات وشراكات المختبر، التي مكنتنا من الحصول على المعطيات الناقصة.

قمتم بمحاكاة (simulation) حالة تعرض المغرب لتسونامي.. على أي أساس قامت المحاكاة؟

لا تتوفر أدلة مكتوبة كافية ولا أدلة جيولوجية تمكن من التأريخ لظاهرة التسونامي بالمغرب، وبالتالي تقييمها. لذلك كان اللجوء إلى المحاكاة الرقمية هو الحل الوحيد أمامنا. وقد أجريت عمليات المحاكاة الرقمية من طرف مركز الجيوفيزياء التابع لجامعة لشبونة [البرتغال]، باعتباره أحد شركاء المشروع. وذلك باستعمال برنامج محاكاة متخصص يسمح بنمذجة modélisation نشأة التسونامي الناتج عن زلزال، وتتبع انتشار موجاته في أعالي البحار وتوقع الفيضانات البحرية المترتبة عنه.

ولقد اخترنا تسونامي الفاتح نوفمبر من سنة 1755 كحدث مرجعي بنينا عليه دراستنا، وفق مقاربة حتمية، لكونه التسونامي الأكثر توثيقا من طرف الغرب و أيضا من طرف بعض المؤرخين المغاربة، وكذلك بالنظر إلى قوته وحجم خسائره التي خلفها في كل من البرتغال والمغرب. إن المصدر الزلزالي لهذا التسونامي لا يزال يشكل موضوع نقاش بين العلماء. وقد تم اختيار المصدر المقترح من طرف الباحث غراسيا سنة 2003، ويتعلق الأمر بفالق حدوة الحصان الذي يوجد بخليج قادس…

وما هي أهم الاستنتاجات التي وصلتم إليها؟

مكنتنا النمذجة الرقمية لتسونامي 1755 من هذا المصدر الزلزالي، من وضع تقسيمين اثنين للفيضانات البحرية المتوقعة(وفقا لاحتياجات الدراسة): التقسيم الإقليمي الذي يشمل جميع مناطق الساحل الأطلسي المغربي، التي تشكل محور دراستنا. وهذا التقسيم يعطي أزمنة وصول موجة التسونامي في حال هجومه، متراوحة ما بين 51 دقيقة بالنسبة لمدينة الرباط، و66 دقيقة لمدينة سبتة المحتلة. وبحسب نتائج النمذجة الرقمية دائما، فميناء الدار البيضاء ستصله موجة التسونامي في الدقيقة 58، بعد حدوث الزلزال في أعماق البحر.

أما أكبر مسافات الغمر بمياه البحر فقد سجلت في مصبات الأنهار والبحيرات الرئيسية. وقد بلغت 6 كيلومترات تقريبا في عمق اليابسة بالنسبة إلى بحيرة مولاي بوسلهام بالشمال الغربي. كما كشفت نتائج النمذجة الرقمية نفسها عن احتمال كون مستويات مياه التسونامي مختلفة، من منطقة إلى أخرى داخل نفس المدينة. فهي تصل ─مثلا─ إلى 14,4 مترا قرب شارع الكورنيش بحي أنفا (بوسط الدار البيضاء).

وعموما، فإنه بالنسبة إلى المدن المغربية الأكثر عرضة للخطر، فهي: الدار البيضاء، والجديدة، وأصيلا، والرباط، وسلا. أما بالنسبة للتقسيم المحلي على مستوى مدينة الجديدة، فإن المحاكاة التي قمنا بها قد أنتجت مُعطيين إضافيين أساسيين لتقييم الخطر على أرواح الناس والبنيات التحتية. ويتعلق الأمر بسرعة وعمق الغرق الذي قد تتعرض له أحياء المدينة، في حال تعرضها لهجوم تسونامي. حيث تتراوح سرعة أمواج البحر بما يراوح بين 0 متر و 10 أمتار في الثانية، بينما قد يصل عمق المياه ما بين 0 متر و 9 أمتار. وهذه القِيَم الرقمية قريبة لتلك التي نقلتها لنا بعض الروايات التاريخية، حول تسونامي عام 1755 بمدينة مازاغان القديمة (مدينة الجديدة حاليا) المغربية.

بشكل مختصر، ما هي أبرز الخلاصات الأخرى التي انتهت إليها دراستك لموضوع تهديد التسونامي للمغرب؟

مكنت المحاكاة الرقمية لتسونامي شبيه بالذي حدث سنة 1755، من تقييم خطر التسونامي على الساحل الأطلسي للمغرب، و ذلك من خلال دمج نتائجها مع بعض قواعد البيانات المتعلقة بالرهانات الرئيسية، من أجل إنتاج أول مجموعة من المؤشرات، التي تسمح بقراءة جغرافية وكمية مفيدة لتحسيس السلطات المحلية بمخاطر هذه الظاهرة، على بلد يوجد في أوج ازدهاره العمراني مثل المغرب، وخصوصا بالسواحل.

وبحسب هذه المؤشرات، وعلى مستوى جميع الجماعات الساحلية التي شملتها الدراسة، هناك ما يقرب من 1434700 شخص معرضون لموجة التسونامي، بينهم 200000 شخص معرضون لأمواجٍ علوها ما بين 8 و9 أمتار. وهؤلاء الأشخاص المعرضون يتمركزون بصفة خاصة في مدينة الدار البيضاء، حيث ذُكرت خمس من جماعاتها الساحلية ضمن قائمة المدن العشر الأكثر تعرضا للخطر. وعموما فإن الجماعات الأكثر تعرضا لخطر التسونامي، وإن كانت متفرقة جغرافيا، إلا أن معظمها ينتمي إلى المحور الرابط بين العاصمة الرباط ومدينة الجديدة، إذا ما استثنينا منطقة أصيلة وبوخالف بالشمال الغربي.

كما أن المناطق الحضرية المهددة تتمركز هي الأخرى على نفس المحور الرابط بين الرباط ومدينة الجديدة، حيث إن ما يقرب من 21,46 كلم مربع من المدن معرضة لخطر التسونامي. ونشير بهذا الصدد إلى أن جماعة عين السبع [شمال الدار البيضاء] تتميز بأعلى نسبة تعرض المناطق الحضرية للخطر بنسبة 70,7%. فضلا عن كون 6,13 كلم مربع من مساحة المناطق الصناعية الواقعة على الساحل الأطلسي معرضة لخطر التسونامي، و الأكثر تعرضا منها توجد بالدار البيضاء، ثم أسفي والجديدة وجماعة بوخالف بالشمال الغربي.

وعلاقة بهذه المناطق المذكورة، يطول التهديد جميع البنى المينائية الأطلسية على الرغم من وجود منشئات الحماية من الموج التي تتوفر عليها، لأن ارتفاع حواجز الخرسانة المسلحة فيها تبقى أقل علوا من علو أمواج التسونامي التي كشفت عنها المحاكاة الرقمية. ويتوقع أن تمتد مساحة الغمر بمياه البحر في حال هجوم تسونامي، محليا لأكثر من 2 كلم داخل اليابسة. وتعتبر جماعتا المحمدية وعين السبع هنا الأكثر ورودا في قائمة TOP 10 المتضمنة لأكثر مدن الساحل بين طنجة والصويرة عرضة لخطر التسونامي.

أما محليا، فإن نتائج المحاكاة مكنت من تقييم خطر فقدان الأرواح البشرية بمدينة بالجديدة، في حال تعرضها لتسونامي كبير. وهذا النموذج الجديد الذي طورناه هو الأول من نوعه، حيث تم فيه الأخذ بعين الاعتبار التنقلات المكانية والزمانية للأشخاص، من خلال إنجاز خرائط تحديد الكثافة في كل ساعة، و خلال موسمين (المرتفع و المنخفض). كما مكنت المعالجة المكانية للبيانات (المباني والأماكن العامة) من انجاز مؤشرات الخطر، تم تجميعها في نطاقات مكانية مختلفة. وهذه المقاربة بواسطة سيناريو تمكن من دمج العناصر المتعددة المكونة للخطر وتفضي إلى وضع خرائط مفيدة للتحسيس بالمخاطر، والشروع في نهج برنامج وقائي مع السلطات المحلية.

وهذا النموذج تم إلحاقه بآخر، يكشف عن زمان ومسالك الهروب من الخطر إلى مناطق الإيواء المتعددة في المدينة. مما يفترض معه أن يساهم هذا العمل في التخطيط لإدارة الأزمة في حال وقوع تسونامي لا قدر الله.

ظهرت مؤخرا لوحة إرشادية في شاطئ مدينة الجديدة، تقدم توجيهات للمواطنين في حال حدوث تسونامي.. في أي إطار تم نصب هذه اللوحات، التي أثارت قلق الرأي العام؟

بداية ليس هناك ما يدعو للقلق… وقد تم نصب هذه اللوحات الإرشادية التي توضح خطة الاخلاء في حال حدوث “تسونامي”، في إطار مشروع CoastWAVE، وهو مشروع تنفذه اللجنة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات التابعة لليونسكو، بتمويل من المديرية العامة للمفوضية الأوروبية، في سياق عقد الأمم المتحدة للمحيطات 2021- 2030، من أجل تعزيز قدرة المجتمعات الساحلية في منطقة شمال شرق المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، على الصمود أمام تأثير أمواج تسونامي والمخاطر الساحلية الأخرى المرتبطة بمستوى سطح البحر.

ويسعى هذا المشروع إلى بناء مجتمعات محلية قادرة على الصمود، من خلال استراتيجيات التوعية والتأهب التي من شأنها حماية الأرواح وسبل العيش والممتلكات من أمواج تسونامي في مختلف المناطق. وذلك من خلال وضع مبادئ توجيهية للتخفيف من آثار التسونامي والتأهب والاستجابة لها والعمل مع المجتمعات المحلية لمساعدتها على تلبية المبادئ التوجيهية، حتى تصبح في نهاية المطاف معترفا بها من قبل اللجنة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات – اليونسكو، على أنها جاهزة لمواجهة التسونامي.

ولقد اختيرت مدينة الجديدة، من طرف المعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، بصفته المنسق الوطني لهذا المشروع بالمغرب، حتى تكون أول مدينة مغربية جاهزة لمواجهة التسونامي، نظرا للنتائج القيمة التي تحدثنا عنها والتي حصلنا عليها في إطار مشروع البحث MAREMOTI بمختبر علوم جيولوجيا البحار وعلوم التربة بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، حيث إنها سهلت إلى حد ما إنجاز هذا المشروع الجديد CoastWAVE.

ثم إن تثيبت هذه اللوحات بشواطئ مدينة الجديدة يعد من بين المراحل النهائية لهذا المشروع، حيث إن إنجازه مر عبر مراحل عدة من أهمها تنظيم أوراش للإعداد والتعريف بالمشروع، جمعت بين ممثلين عن اللجنة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات التابعة لليونسكو، والفاعلين المعنيين على الصعيد الوطني والمحلي. وذلك بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، تحت إشراف مختبر علوم جيولوجيا البحار وعلوم التربة، بصفته المنسق المحلي للمشروع.

أيضا تنظيم تدريبات إخلاء وهمية بميناء الجرف الأصفر، حيث شاركت فيه كل مكونات الميناء، وقبلها كان قد تم تزويد الميناء بجهاز قياس المد والجزر، لمراقبة تغيرات مستوى البحر. وهو مهدى من طرف اللجنة الحكومية الدولية لعلوم المحيطات في إطار هذا المشروع. ومؤخرا تسلمت مدينة الجديدة صفارتي إنذار كهدية أخرى من هذه اللجنة، إحداها لفائدة هذا الميناء.

فقط كان هناك تقصير في التواصل مع الساكنة المحلية من أجل تحسيسها أولا بهذا الخطر، ثم من أجل إشراكها في فعاليات هذا المشروع. وهو ما أدى إلى إثارة القلق وكثرة التساؤلات عند نصب تلك اللوحات…

وتجدر الإشارة إلى أن المعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، يسعى لى توسيع نطاق هذه التجربة لتشمل مدنا ساحلية أخرى في المغرب…

أما على الصعيد القاري، فقد تم هذه السنة اعتماد مدينة الإسكندرية من طرف منظمة اليونسكو، كأول مدينة في إفريقيا ومصر تحقق المعايير الدولية للاستعداد للحد من مخاطر موجات التسونامي.

كسؤال أخير، هل صحيح أن مدينة الجديدة تواجه تهديدا جديا بالتسونامي.. في سياق “توقعات” سابقة لعالم الزلازل الهولندي فرانك هوجربيتس بهذا الشأن؟

صحيح أن المغرب ليس بمنأى عن التعرض لخطر التسونامي، وذلك كما اثبتته مجمل الدارسات والمعطيات المتوفرة بخصوص هذا الموضوع. لكن وكما أوضح ذلك المعهد الوطني للجيوفيزياء التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، وأيضا المديرية العامة للأرصاد الجوية، لا وجود لأي مؤشرات حالية أو دلائل مثبتة علميا، تظهر أن هناك تسونامي وشيك الحدوث على مستوى السواحل المغربية؛ بصفة عامة وليس مدينة الجديدة فقط.

أما بخصوص توقعات العالم الهولندي، فقد نفى بنفسه صدور توقعات عنه بشأن حدوث مفترض لتسونامي في المغرب. كما أكد أن هناك انتشارًا للأخبار الزائفة ونقصا في فهم تحليلاته.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس