التصنيع العسكري في المغرب..طموح قديم دخل طور التفعيل

29
التصنيع العسكري في المغرب.. طموح قديم دخل طور التفعيل
التصنيع العسكري في المغرب.. طموح قديم دخل طور التفعيل

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. غطت أحداث دولية جسام (الحرب الروسية الأوكرانية) خلال الأسابيع الماضية، على تطورات في منتهى الأهمية تتعلق بالعلاقات المتدهورة بين الجزائر والمغرب. فقد تم التوقيع على اتفاق مغربي-أمريكي-بلجيكي لإنشاء وحدة صناعية عسكرية لتحديث وصيانة المقاتلات المغربية، الأمريكية والأوروبية الصنع. لا يمكن أن يمر هذا الخبر مرور الكرام لأسباب عدة، لعل أهمها أنه يعني في المقام الأول شروع المغرب في تحقيق طموحه القديم ببناء صناعة عسكرية متطورة. وهذا الطموح تأخر كثيرا لعدة أسباب سنخوض في تفاصيلها باستفاضة، في ثنايا هذا التحليل.

وفي المقام الثاني، يعني الخبر المذكور بأن قوى عالمية غربية قررت تأهيل المغرب، ليتحول إلى منصة للتصنيع العسكري موجهة للقارة الإفريقية. فبالنسبة لصناعة المقاتلات الأمريكية، في حدود علمنا، تعتبر الشركات الإسرائيلية الوحيدة في العالم المخول لها (والمؤهلة) حتى الآن، لصيانتها وتحديثها في العالم. ثم في المقام الثالث، يعني ذلك بأن ميزان القوى في منطقة شمال أفريقيا وغرب المتوسط آخذ في التخلخل بشكل غير مسبوق وكبير.

ولا يفوتنا هنا أن نُذَكّر هنا بأن هذا التطور اللافت، سبقه توقيع وزيري الدفاع المغربي والإسرائيلي في أواخر نوفمبر الماضي، على اتفاقيات عسكرية، تشمل إنشاء مصنعين عسكريين (بشمال وجنوب المغرب)، لصناعة الطائرات بدون طيار (درون) الانتحارية والخاصة بالاستطلاع والتجسس الإسرائيلية. وسبقته اتفاقيات لإقامة تعاون لتصنيع آليات نقل عسكري ثقيلة مع إسبانيا، وتدريب فنيين ومهندسين عسكريين مغاربة، في المصانع التركية التي تنتج مُسَيّرات بيرقدار الشهيرة.

فما هي الأسباب التي دفعت المغرب إلى تبني خيار التصنيع العسكري؟ وما هي العقيدة التي تتبناها الرباط في بناء صناعاتها العسكرية؟ وهل يمتلك الإمكانيات الذاتية الفنية والمالية لركوب هذا التوجه الشاق والطويل النفس؟ ولماذا تأخر انخراط المغرب في هذا التوجه؟

المعروف عن المؤسسة العسكرية المغربية أنها “بكماء”، إذ يصعب جدا كشف أسرارها التي تعتبر أسرار دولة بالضرورة لحساسيتها المفرطة. ولذلك عوقب في السابق بعض أبناء المؤسسة لربطهم جسور تواصل مع الصحافة، ولذلك أيضا لا يرشح حول نشاطاتها وممتلكاتها من الأخبار إلا ما تأتينا به المصادر الأجنبية “المطلعة”.

ولذلك يعزى شح المعلومات في هذا المجال، إلى إحجام المؤسسة العسكرية عن الكشف عن تفاصيل الاتفاقيات والصفقات التي تقوم بها. لكن بحسب بعض مراكز الدراسات العسكرية الغربية التي تعنى بمنطقة المغرب العربي، يظهر أن المغرب منخرط في الإنتاج الصناعي العسكري منذ سنوات، من خلال قيامه بصناعة محركات بعض البوارج البحرية الحربية، ومحركات بعض الطائرات النفاثة كالطائرات الفرنسية، فضلا عن صيانة بعض طائراته المقاتلة وآليات أخرى.

ولذلك فإنه بحساب التطورات الأخيرة في هذا المجال، يبدو أن الرباط دخلت مرحلة جديدة على درب التصنيع العسكري المتطور.

خطوة كبرى إلى الأمام

وقعت شركات “لوكهيد مارتن” الأمريكية الرائدة عالميا وشركتا “صابينا أيروسبيس” و”سابكا ماروك” التابعتان لمجموعة “بلوبيري” البلجيكية، قبل أسبوعين، على اتفاق تعاون استراتيجي مع المغرب يتضمن فتح أول مصنع لصيانة وتحديث الطائرات العسكرية المغربية. وبرأي مراقبين متخصصين دوليين، يخطو المغرب بهذه الاتفاقية خطواته الأولى ليصبح وجهة لشركات الطيران العسكري، بعض أن نجح في جذب مئات شركات صناعة السيارات وأجزائها، ونحو 100 شركة لصناعات أجزاء الطائرات والصواريخ الفضائية.

وتعمل مجموعة “بلوبيري” البلجيكية في المغرب منذ عام 2012، من خلال فرعها شركة “سابكا ماروك”، الذي أعلن مؤخرا عن استثماره أكثر من 180 مليون درهم، في بناء خط تجميع لهياكل طائرات بيلاتوس و آيربيس وداسو (وهي طائرات مدنية أوروبية) في النواصر (جنوب الدار البيضاء). كما سبق للمجموعة نفسها أن شاركت في تحديث طائرات “ميراج داسو” و”ألفاجيت” فرنسيتا الصنع بالمغرب.

وكشفت دانيا ترينت، نائبة رئيس برنامج لوكهيد مارتن- لمقاتلات F16 ، بأن “هذا التعاون الهام هو نتيجة سنوات عديدة من التقييم والمناقشات، التي ستضمن حصول المغرب على أفضل المنشآت الصناعية والمعدات والتدريب والشهادات الممكنة، لدعم متطلبات الاكتفاء للقوات الجوية المغربية”. وسيسمح هذا المشروع بإجراء عمليات الصيانة والتطوير وإعادة بناء مقاتلة F-16 (الأمريكية) وطائرة ” س-130 هيركولس”(الخاصة بالنقل العسكري)، وغيرها من الطائرات والمقاتلات التابعة للقوات المغربية الجوية ودول أخرى.

وبحسب وسائل إعلام إسبانية مقربة من مخابرات مدريد، التي تتابع عن قرب وحذر ما يجري بالمغرب، فإنه إلى جانب أعمال صيانة الطائرات وتحديثها، التي سيقوم بها المصنع الذي تشمله الاتفاقية الموقعة من شركاء أمريكيين وبلجيكيين، من المنتظر أن يزود المصنع عمالقة صناعة الطيران الدفاعية العالميين، مثل إيرباص وبوينغ، بقطع المحركات الأساسية وبعض قطع الغيار الأخرى. كما سيكون هذا المصنع بمثابة مركز صيانة للطائرات من الدول التي لديها علاقات دبلوماسية جيدة مع المملكة، ولا سيما فيما يتعلق بصيانة الطائرات التي تصنعها لوكهيد مارتن، على غرار تونس ودول أفريقية أخرى. وبالمثل ، سيكون المصنع الجديد مسؤولاً عن تحديث كل من طائرات الهليكوبتر والمقاتلات العسكرية التي تستخدمها القوات الجوية المغربية.

ويمثل هذا المصنع الذي سيقام على مساحة كبيرة، تبلغ 15 ألف متر مربع، وسيبدأ عمله هذه السنة، باكورة الاستثمارات الخاصة في صناعة الدفاع المغربية. وهكذا ، سيُشرع في بناء المصنع الجديد قرب القاعدة العسكرية الجوية بابن سليمان (40 كلم شرق الدار البيضاء)، ليوفر 300 فرصة عمل جديدة. وبحسب المصادر الإسبانية دائما، يأمل المغرب من وراء هذا المشروع أن يكون قادرا على تعزيز قدراته الدفاعية، لا سيما فيما يتعلق بالتكنولوجيات الدفاعية المتطورة، وكذلك تكوين الموارد البشرية من مستوى عال. بالإضافة إلى ذلك، يهدف هذا الاستثمار الجديد إلى التحكم محليا في صيانة الدفاع الجوي المغربي، لتقليل اعتماده على الصيانة خارج البلاد.

وكان المغرب مهد الخطوات ما قبل الأخيرة الصيف الماضي، للالتحاق بنادي الدول المصنعة للأسلحة والعتاد العسكري المتطور، بعد دخول القانون رقم 10.20 المتعلق بـ “العتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والذخيرة”، حيز التطبيق رسميا، بعد نشره في الجريدة الرسمية عدد 7011 الصادر في شهر غشت 2021.

تلاها توقيع الرباط أواخر نوفمبر الماضي وقبل ثلاثة أسابيع، لعدة اتفاقيات تعاون عسكري مع إسرائيل، شملت حصول المغرب على أسلحة نوعية متطورة، وإقامة مشاريع للصناعة العسكرية، لم يرشح منها سوى مشروع إقامة مصنعين (بشمال وجنوب المغرب) لصناعة طائرات مسيرة متطورة لأغراض الاستطلاع والتجسس العسكري، وأخرى مسيرات “انتحارية”.



طموح قديم تأخر كثيرا

لقد كان بناء صناعة عسكرية متطورة حلما مغربيا منذ عقود. لكن نظرا لعدة إكراهات، أهمها التكلفة المالية العالية جدا التي يتطلبها الاستثمار في الصناعات العسكرية، فإن المغرب لم يركز عليها في السنوات الماضية، حيث اختار البداية بالاهتمام ببناء البنية التحتية الصناعية المدنية في إطار مخطط “الإقلاع الصناعي”، وهو ما مكنه اليوم من مصانع السيارات ومصانع الطيران والفضاء المدنية. ورغم ذلك، فقد عرفت البلاد مجهودات متفرقة إعدادية لا يستهان بها، بانتظار تغيير القوانين وتوفر مناخ الاستثمار المناسب. فقد تناسلت خلال العقد الماضي أخبار عن حصول اتفاق، ينشأ بمقتضاه المغرب وحدات لصناعات عسكرية، بدعم تكنولوجي من دول غربية حليفة وبتمويل خليجي (سعودي وإماراتي). لكن لم ينكشف شيء من ذلك للعلن.

تخلص دراسات عديدة إلى أن الطموح المغربي بتطوير صناعة حربية قابل للتحقيق، بل وحتمي لمواجهة تصاعد نفقات التسلح الثقيلة خلال العقد الحالي. وذلك على الرغم من وجود صعوبات كبرى سوف تواجهه. فقد جاء في دراسة أصدرتها منذ بضع سنوات مجموعة «فروست آند سوليفان» الأمريكية، أن المغرب بصدد التحول إلى بلد مُصَنع للأسلحة في أفق العام 2025. أو على الأقل، سوف يكون محتضنا لمصانع أجنبية على أرضه، ابتداء من تلك السنة. واعتبرت الدراسة الارتفاع المتواصل للمخصصات المالية للدفاع الوطني والتسلح إلى مستويات قياسية، أهم العوامل التي تفرض على المغرب سلوك هذا التوجه العقلاني.

وأكد «فروست آند سوليفان»، وهو مكتب دولي متخصص في أبحاث ودراسات الأسواق ويملك فروعا بـ40 دولة، في دراسته، أن رغبة المغرب في التحول إلى بلد مصنع للأسلحة هو “خيار استراتيجي”، لكنه ما يزال مجرد “طموح سياسي” ينتظر أن يبادر صناع القرار في البلاد إلى تحويله إلى مشروع قابل للتنفيذ. واعتبر أليكس لوبولونجي، المحلل العسكري المعتمد لدى المكتب ومنجز الدراسة، بأن المغرب بات يسعى بجدية إلى تنمية قواعد صناعية عسكرية محلية من أجل خفض ارتفاع كلفة استيراد السلاح من الخارج. وفي تقدير لوبولونجي، ليس المغرب البلد الصاعد الوحيد الذي يبذل جهودا لتصنيع حاجاته من الأسلحة بشكل ذاتي، إذ وضعته الدراسة ضمن خمسة بلدان في العالم، هي كولومبيا والكويت وماليزيا وسنغافورة، بات الارتفاع الكبير في حجم إنفاقها العسكري لاقتناء السلاح، يحتم عليها التفكير في إنشاء مصانع حربية في بلدانها.

لكن تحقيق ذلك التطلع لن يكون بالأمر اليسير عليها. فرغبة المغرب تلك بقيت لسنوات طوال مجرد نوايا سياسية، وطموحا كبيرا يتجاوز إمكاناته المالية، في ظل غياب بنيات تحتية وقوانين خاصة تنظم الاستثمار في الصناعات العسكرية. ومن بين المعيقات الأخرى التي كشفت عنها تلك الدراسة الهامة، شدة التنافس التي تعرفها أسواق صنع السلاح في العالم، إلى درجة أن الدول القوية التي تحتكرها تغلق المنافذ أمام إمكانية التحاق الدول الصاعدة بها.

وثمة عامل معيق آخر، ويتمثل في قصور الرؤية والآفاق المتعلقة بزبائن أية صناعة حربية قد يطورها المغرب، إذ لا يتجاوز حاليا طموحه –مرحليا–تغطية الحاجيات المحلية إلى السلاح والمعدات الحربية. لكن عدا عن ذلك، أوصت دراسة مجموعة «فروست آند سوليفان»، التي يعود تشخيصها إلى العام 2015، المغرب (ومعه الدول الأخرى الأربعة المذكورة)، إن هو أراد تحقيق طموحه بأن يستثمر في أحدث أنواع التكنولوجيا الأجنبية، حتى يسهل عليه التحول فيما بعد إلى بلد مُصدر للسلاح. وذلك من خلال إنجاز برامح للتحديث الاقتصادي والتكنولوجي، وتقوية القاعدة الصناعية الوطنية بشكل عام.

التصنيع العسكري إكراه لا خيار

وبحسب تشخيص (فروست أند سوليفان) الأمريكي دائما، يتوقع أن يتواصل حجم الإنفاق العسكري المغربي على ذات الوتيرة المرتفعة خلال الفترة ما بين 2015 إلى 2025، وهو ما لن يسمح للمغرب بالشروع في إقامة قواعد لصناعة عسكرية قبل 2025. لكن الطموح تجاوز التوقعات المتشائمة والإكراهات الذاتية، رغم استمرار ثقل الإنفاق العسكري الشديد على ميزانية البلاد التي تعتبر مواردها شحيحة للغاية.

فالأرقام تكشف بأن المغرب خصص أزيد من 22 مليار دولار لميزانية الدفاع، خلال الفترة المتراوحة بين 2015 و2019 وحدها. أي بمعدل زيادة سنوية تقدر ب%8,82. وهذه الزيادة من المتوقع أن تواصل ارتفاعها لحاجة المغرب إلى مجاراة جارته الجزائر في مستوى تسلحها، بعد أن لم تكن الزيادة في الإنفاق العسكري المغربي تزيد عن معدل %4,59 سنويا، خلال الفترة بين 2010 إلى 2014. ففضلا عن صيانة وإصلاح وتجهيز معداته وأسلحته الحربية البرية والجوية والبحرية، ينفق المغرب تلك الأموال الطائلة على اقتناء مدمرات بحرية، ورادارات للمراقبة، ودبابات، ومدرعات، ومقاتلات، وأنظمة دفاع جوي متطورة، وغيرها.

لكن ارتفاع نفقات التسلح ليست وحدها السبب الذي يفرض على الرباط تطوير صناعات عسكرية. فثمة أسباب أخرى، أهمها التحسب لفرض حظر على اقتنائها للسلاح.

فبالنظر إلى حالة القطيعة المستفحلة وتجذر العداء بين قطاعات عريضة من حكام وشعبي البلدين منذ عقود، فإن الوضع قد يسوء ويتطور إلى مواجهة عسكرية في أي وقت، تحت تأثير أو بتحريض من الأطراف المتصارعة على الحكم في الجزائر، أو أطراف خارجية. ورغم أن هذا الاحتمال مستبعد إلا أنه محتمل الوقوع، خصوصا بالنظر إلى استدامة حالة الصراع على السلطة بين أجنحة النظام الجزائري العسكرية والمدنية. ومتى ما ظهرت مؤشرات على قرب حدوث ذلك، قد تبادر دولة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي (روسيا أو الصين) إلى طلب حظر أممي على تصدير السلاح المتطور إلى المغرب والجزائر معا. وقد يستمر الحظر سنوات طوالا.

قد يبدو هذا الاحتمال هو الآخر مستبعدا جدا، بالنظر إلى السياق الدولي الراهن المتسم بضرورة تسلح البلدان المغاربية وفق حاجتها لدعم محاربة الإرهاب، إلا أنه ليس مستحيل الوقوع. بل لعل شيئا قريبا منه كاد يحدث قبل سنوات قلائل. حيث نقلت مصادر إعلامية غربية، أن تقريرا صينيا رسميا حذر من انفجار محتمل للوضع، وقيام حرب بسبب قضية الصحراء الغربية للمغرب. وأوصى بفرض حظر على حصول أطراف النزاع (الجزائر والمغرب) على السلاح المتطور.

ويبدو أن هذا التقرير العسكري الصيني، الذي أصدره الجنرال (فان شانغلونغ) نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية، في 13 صفحة، خلص بحسب المصادر الغربية التي أطلعت على مضمونه، إلى توصيته الغريبة تلك في أعقاب دراسة قام بها حول سبل حماية الاستثمارات الصينية في إفريقيا، وحماية مصادر المواد الأولية التي تستغلها بكين في بلدان القارة السمراء. وذلك بعدما لاحظ تناميا لمخاطر اندلاع حرب بين كل من المغرب والجزائر المدعومة من مقاتلي البوليساريو. وأشار التقرير ضمن حيثياته إلى أنه “بالنظر إلى كون التفاعلات الحاصلة بين دوائر النظام الجزائري (صراعات أجنحة الجيش وامتداداتها المدنية)، لا تبعث على الأمل في إحلال السلام في الصحراء المغربية، فإنه ينبغي بالتالي توقع تصاعد مظاهر العداء بالمنطقة”.

وكمثال آخر، بعد انتخاب الرئيس الأمريكي الحالي الديمقراطي جو بايدن، عرفت بعض صفقات السلاح المتطور التي سبق أن صادق سلفه دونالد ترامب على بيعها للمغرب، تعثرا في دهاليز الكونغرس والإدارة الجديدة. ونذكر من بين أهمها الطائرات بدون طيار MQ-9B SeaGuardian التي تعتبر الأكثر تطورا والأعلى سعرا في العالم. ولا زالت واشنطن تتلكؤ في بيعها للرباط. وهكذا تقدم هذه المواقف المتقلبة لكبار بائعي السلاح المتطور في العالم، نموذجا لما قد ينقلب إليه الوضع بسرعة.

طريق شاق وطويل النّفَس

د. عبد الرحمن مكاوي، الخبير المغربي في الشؤون العسكرية والإستراتيجية

هي إذن خطوات أولى يخطوها المغرب على رحلة الألف ميل، المحفوفة بالصعوبات والتعقيدات والمخاطر. وبحسب الخبير المغربي في الشؤون العسكرية والاستراتيجية الدكتور عبد الرحمن مكاوي في التصريح لـ”أفريقيا برس”، فقد “انخرط المغرب في سياسة التصنيع العسكري بالفعل منذ سنوات، حيث بعث بوفود إلى عدة دول أوربية، من بينها إيطاليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا وكوريا الجنوبية والصين، بقصد شراء براءات اختراع، لتصنيع بعض الأسلحة. وخاصة منها الأسلحة الخفيفة مثل البنادق الأوتوماتيكية، والمدافع، والصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى. مما مكن المغرب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الذخيرة، وكذا من بعض الأسلحة الخفيفة، ويقتصد الكثير من الأموال، موفرا كذلك العديد من فرص العمل”.

ويضيف مكاوي بأن “كثيرا من الشركات العالمية استقرت بالمغرب، لأنه يتوفر على كفاءات علمية وفنية، يمكن أن تجعله من الدول المصنعة، خاصة وأن التمويل الخليجي بات متوفرا، واستثماره في ميدان تصنيع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، سيزيد من القيمة المضافة لاستثماراته”، لأن الاستثمار في الصناعات العسكرية مربح جدا.

وعن سؤال حول سبب تأخر المغرب في إطلاق صناعات دفاعية متطورة، يرى الخبير العسكري بأنه “بالنسبة للمغرب فقد حالت، في الماضي، بعض الضغوطات الدولية والمشاكل التمويلية دون بناء صناعة وطنية عسكرية. ولكن الآن، مع انفتاح الرأسمال الأجنبي على هذا القطاع الإنتاجي، قد تختلف الأمور”..

عبد الرحمن مكاوي يورد في هذا الباب النماذج الباكستانية والبرازيلية والأرجنتينية، إلى جانب ماليزيا وجنوب أفريقيا، التي يعد فيها تصنيع الأسلحة أحد القطاعات الاقتصادية الهامة. ويفسر ذلك سعي المغرب إلى الحصول على براءات اختراع بعض الأسلحة، لكون سوق الأسلحة يعد من أكثر الأسواق المدرة للربح، والمنتجة لفرص العمل. حيث نعلم –مثلا– بأن هذا السوق يشغل أكثر من 40 بالمائة من اليد العاملة في الدول الأوروبية المنتجة للسلاح، وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

وعن سؤال حول ما إذا كان المغرب يمتلك البنية الأساسية والمؤهلات التقنية، اللازمة لإنشاء وتطوير صناعة عسكرية، يُذَكّر الخبير المغربي بأن المغرب كان، إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، دولة تصنع أسلحتها بنفسها. فأسلحة المغرب ساهمت في تحرير أمريكا اللاتينية في عهد سيمون بوليفار..وكان التصنيع الحربي بالمغرب قديما بكل من مدن فاس ومكناس ومراكش. كما كان مكتفيا ذاتيا في صناعة القوارب الحربية لحماية تخومه البحرية. أما اليوم يمكن القول بأن المغرب يتوفر على البنية الصناعية الأساسية للإنتاج، إلى جانب الكفاءات العلمية والفنية اللازمة، التي حظيت بثقة الكثير من الشركات المصنعة للأسلحة. كانت تنقصه فقط -في الماضي- التمويلات اللازمة لإقامة هكذا مشاريع. إلى جانب تخوفات داخلية، وبعض الضغوطات الخارجية، التي تجاوزها المغرب اليوم. وأشير كذلك إلى وجود عقول وطنية تعمل جاهدة لإقامة صناعة وطنية عسكرية في الاتجاه الصحيح، بتشجيع من لدن العديد من الشركات العسكرية العالمية.

ويرى خبراء مغاربة آخرون، بأنه من أجل تحقيق طموحه الاستراتيجي، ينحو المغرب منحى التدرج، حيث يبدو اهتمامه الحالي منصبا على السعي إلى تصنيع بعض الأسلحة الخفيفة التي لا تتطلب استثمارات كبيرة ولا تكنولوجيا من الطراز الأخير. فهو تنقصه الإمكانات المالية الكبيرة التي يتطلبها هذا الاستثمار في هذا النوع من التصنيع الثقيل. كما يفتقد إلى مؤسسات تعليم عالي مخصصة لتطوير برامج تصنيع عسكرية. على أن ذلك لا يعني كون المغرب لا يجتهد حاليا في تطوير أبحاث عسكرية مهما تكن جنينية، حيث تشير بعض المصادر إلى كون المؤسسات العسكرية بكل من النواصر ومكناس، تقوم بجهود كبرى، منذ سنوات، لصيانة وإصلاح وتحديث الدبابات والمدرعات وقطع المدفعية. كما تقوم القوات الجوية المغربية بالقاعدة العسكرية الجوية بمكناس بعمليات تحديث لمقاتلات الميراج الفرنسية الصنع، وكذا لطائرات التدريب المتطورة من صنف “الفاجيت”.

من يجر المنطقة إلى سباق تسلح؟

يبدو أن الجزائر والمغرب ماضيتان في التنافس، على شراء الأسلحة المتطورة منذ سنوات بعيدة. فالبلدان باتا يمتلكان، على التوالي، الجيش الثاني والخامس في القارة الأفريقية التي تضم 54 دولة. ولذلك يستثمران المليارات بكثافة كل عام في شراء أحدث الأسلحة والمعدات. وبحسب التقرير الأخير، حول اتجاهات الإنفاق العسكري العالمي خلال العام 2021، الصادر عن معهد ستوكهولم للسلام مطلع الأسبوع الذي نودعه، فقد انخفض الإنفاق العسكري الجزائري (نسبيا)، مقارنة مع الأعوام الماضية، بحيث أنفقت الجزائر ما مجموعه 9,1 مليار دولار من ميزانيتها على المجال العسكري، ما يُمثل 6,1 % من ناتجها المحلي الإجمالي. ورغم ذلك، يقارب الإنفاق العسكري الجزائري ضعف ما ينفقه المغرب، الذي بلغ 4,3 % من الناتج المحلي بما يصل إلى 5,4 مليارات دولار خلال سنة2021.

وصنف التقرير المغرب والجزائر ضمن دول العالم، التي خصصت ميزانية ضخمة للإنفاق العسكري خلال هام 2021، بسبب التوترات المتزايدة بين البلدين. فقد بلغ التصعيد بين البلدين في السنوات الثلاث الأخيرة منحى خطِراً وغير مسبوق، على مستوى التصعيد السياسي والعسكري والتسلح. كما ارتفع الإنفاق العسكري في إفريقيا بالموازاة مع ذلك، بحسب ما جاء في تقرير معهد ستوكهولم، بنسبة 1,2% ليبلغ 39,7 مليار دولار في عام 2021.أنفقت منها دول شمال إفريقيا (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب) لوحدها نسبة 51 %.

لقد أنفقت الجزائر والمغرب مجتمعتين على التسلح، خلال الإحدى عشرة سنة الأخيرة، ما يُقدَّر بحوالي 140 مليار دولار أمريكي. أنفقت فيها الجزائر لوحدها حوالي 100 مليار دولار أمريكي، أي أكثر من ضعف ما أنفقه المغرب خلال نفس المدة، بما يقارب حوالي 40 مليار دولار أمريكي. وبينما يجد المغرب مبررا في وجود حرب بالوكالة تشنها عليه الجزائر، عن طريق جبهة البوليساريو في الصحراء، تتذرع الجزائر تارة بإكراهات حماية حدودها الشاسعة والحرب على الإرهاب. وتارة أخرى تدغدغ عواطف شعبها، من خلال رفع شعارات من قبيل “الصهيونية على الحدود الغربية مع المغرب”، لتبرير إنفاقها الكبير على جيشها.

وهكذا دخل الجزائر والمغرب دوامة لا تتوقف، من التنافس على شراء الأسلحة المتطورة. الأولى تحت ذرائع شتى، في حين يحاول المغرب محاولة مسايرة إيقاع التسلح الذي تفرضه عليه جارته الشرقية، من طريق التركيز على القيمة النوعية في مقابل تركيز الجزائر على معيار الكم في تكديس السلاح. سعيا إلى تحقيق نوع من التوازن النسبي في ميزان القوى بالمنطقة، يحول دون وصول أي طرف منهما إلى مستوى الهيمنة المطلقة.

ويفسر طموح الجزائر الكبير في أن تكون القوة العسكرية المهيمنة بالمنطقة، جزئيا هذا السلوك التدميري. حيث إنها بفضل عائداتها الكبيرة للنفط والغاز، تتمتع بهامش مناورة أكبر من المغرب. ما يسمح لها بإنهاكه من خلال توريطه في سباق تسلح بلا نهاية، وإجباره على المجازفة بإنفاق مبالغ مماثلة أو أكثر من المال على التسلح، ليس في استطاعته تحملها، بغرض استنزافه ماليا على حساب قضاياه الاقتصادية والاجتماعية الداخلية.

 

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس