“التطبيع الزراعي” في ميزان الربح والخسارة

108
"التطبيع الزراعي" في ميزان الربح والخسارة

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. يُرتقب أن يقوم وفد هام من رجال الأعمال المغاربة، يرأسه رئيس الباطرونا شكيب لعلج، خلال الأيام القليلة القادمة بزيارة عمل إلى الكيان الإسرائيلي. وتأتي هذه الزيارة ضمن ديناميكية انخرط فيها البلدان، بعد التوقيع على اتفاقية استئناف العلاقات في 10 ديسمبر 2020.

وضمن هذه الديناميكية أيضا، زار المغرب كل من وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد والصناعة الإسرائيليون، حيث وقعوا على اتفاقيات تعاون متنوعة للرقي بعلاقات التعاون بين البلدين.

لكن أصواتا تتعالى في المغرب، محذرة من أن أية علاقات بين الرباط وتل أبيب لن تكون إلا في مصلحة هذه الأخيرة، على اعتبار أن الاقتصاد المغربي غير متكافئ مع نظيره الإسرائيلي.

وبينما ينظر أنصار “التطبيع” إلى إسرائيل على أنها دولة متقدمة في مجالات البحث العلمي الزراعي، خاصة زراعة المناطق الجافة أو ذات التربة المالحة، إلى جانب تقدمها في مجالات تحلية مياه البحر والسقي بالتنقيط…

يشير مناهضو التطبيع من جانبهم بريبة وقلق، إلى تجارب بعض الدول العربية الأقدم في “التطبيع الزراعي” وهما مصر والأردن، للتدليل على أن أفق تعاون المغرب على نفس الطريق لا يبشر بخير.

جاء إعلان شركة إسرائيلية في الـ 22 من غشت 2021، عن انطلاق مشروعها لإنتاج فاكهة “الأفوكادو” بالمغرب، في إطار التطبيع المغربي الإسرائيلي، ليحرك نقاشا ما زال حيا على الشبكات الاجتماعية، حول جانب الاستفادة التي يحتمل أن يجنيها المغرب من وراء مشروع كهذا.

والواقع أنه في غياب مؤشرات عن تمار ملموسة محتملة، من وراء التطبيع الزراعي الذي يجري الترويج له منذ عام، فإن جميع الخطوات التي يُقدم عليها الجانب الإسرائيلي تبقى محط شكوك.

السر الحقيقي لـ “جاذبية” المغرب

انطلاق مشروع إسرائيلي لإنتاج الافوكادو بالمغرب

إن شركة الأفوكادو التي جرى الترويج لها ليست في الواقع سوى الشجرة التي تخفي غابة. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، يتعلق الأمر بـ “مهادرين” التي تعد أكبر شركة منتجة ومُصَدرة لفاكهة الأفوكادو في إسرائيل.

ومع ذلك لم يزد “استثمارها” في المغرب عن 80 مليون درهم على مساحة تقدر مع ذلك بـ 455 هكتارا. لا يتطلب الموقف من المرء أن يكون خبيرا ليدرك سر “جاذبية” المغرب لهذا النوع من “الاستثمارات”.

فإذا أخذنا بالظروف السائدة في إسرائيل، نجد أن طبيعتها صحراوية تكاد تنعدم فيها التساقطات والغالب على مياهها الجوفية أنها تشوبها ملوحة، تمنعها من زراعة أنواع من المزروعات.

وإذا تمت زراعتها تحديا للظروف غير المواتية، تأتي غلالها ناقصة من حيث الجودة. كما أن بعض الزراعات (مثل الأفوكادو) تحتاج إلى كميات كثيرة من المياه العذبة متى توفرت، وهي بالتالي تهدد بإفراغ الفرشات الباطنية في بلد مثل إسرائيل (وحتى المغرب).

وفي جانب آخر من المزايا التي يوفرها المغرب لهذا النوع من “الاستثمارات”، عامل القرب الجغرافي من الأسواق الأوروبية وإمكانية الاستفادة من الاتفاقيات التجارية بين المغرب وأوروبا وباقي الأسواق العالمية الأخرى.

ثم هناك إمكانية تسويق الأفوكادو بعلامة “صنع في المغرب” أو “منتج بالمغرب”. وهنا بيت القصيد! فالمعروف أن المنتجات الزراعية، على الخصوص منها التي تنتج في المستوطنات الإسرائيلية المقامة فوق أراض فلسطينية محتلة، تتعرض لحملات منظمة تدعو إلى مقاطعتها في الأسواق العالمية.

وتقود هذه الحملات منظمة “BDS” التي بات لها رموز عالميون في أوروبا وأمريكا، وقد تكبدت المنتجات الزراعية الإسرائيلية بفضلها خسائر جسيمة. بل وبلغ الأمر أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو قبل 6 سنوات، بأن حركة مقاطعة إسرائيل “BDS”تشكل “خطرا استراتيجيا” على بلاده، وكلف وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية بمحاربة نشاطاتها.

ونتيجة لتلك الحملات، تضررت الكثير من الشركات الإسرائيلية تأثرت من حركة المقاطعة، حيث تمت إزالة بضائعها من رفوف الأسواق الأوروبية. بل واضطرت شركة “أغريكسكو Agrexco” التي كانت أكبر شركة تصدير زراعي إسرائيلية، إلى تصفية نفسها في أعقاب حملة مقاطعة كبيرة جدا ضدها.

وأصبح المزارعون الإسرائيليون مضطرين إلى تصدير منتجاتهم –للتمويه– عبر شركات أخرى. وبالتالي فإن وسم منتجات الشركات الزراعية الإسرائيلية بعلامة “منتج بالمغرب”، يمكنها من الالتفاف على حملات المقاطعة العالمية. لكنه بالمقابل يمكن أن يتسبب في مضايقة تسويق المنتجات الزراعية المغربية، على المدى المتوسط.

هل تنقل التكنولوجيا الزراعية؟

هل نصدق حقا بأن الشركات الإسرائيلية الرائدة عالميا ستنقل التكنولوجيا الزراعية للمغرب، كما يتم الترويج له منذ عام؟ ماذا ستستفيد من تحويل المغرب، الذي لديه سمعة زراعية راسخة، إلى منافس أكثر شراسة في الأسواق العالمية؟ في انتظار أن تكذّبنا الأيام، لنتأمل نموذج بذور الطماطم الإسرائيلية.

يعتبر المغرب من كبار منتجي ومصدري ومستهلكي الطماطم في العالم، حيث يحتل المرتبة السادسة على لائحة كبار المنتجين. غير أنه ويا للمفارقة لا ينتج بذور الطماطم التي يزرعها، لافتقاده إلى التكنولوجيا الضرورية لذلك.

ولهذا السبب يستوردها خصوصا من إسرائيل بسعر باهظ، حيث يزيد سعر الكيلوغرام الواحد من بذور بعض أصناف الطماطم عن 20 مليون سنتيم. والقطاع تطبعه الفوضى وتغيب عنه المراقبة. ونتيجة لذلك ظهر في الأسواق المغربية في المدة الأخيرة أنواع رخيصة من الطماطم، شديد الحمرة من الخارج لكنها خضراء من الداخل وبلا مذاق.

وكان هذا النوع نفسه قد أثار ضجة كبرى في مصر قبل سنوات قليلة، عندما نشرت بوابة جريدة الأهرام مقالا وصورا مقلقة حول الموضوع، فتفاعل الباحثون المصريون معه بقوة حيث أشار بعضهم إلى كون تلك الطماطم تنتجها بذور تسربت إلى مصر عبر التهريب، بعد أن جرى تعديلها وراثيا في المختبرات الاسرائيلية لكي تكون شديدة الحمرة من الخارج فتغري المستهلكين، لكن عند فتحها تكون خضراء وغير ناضجة.

وكشف باحثون آخرون بأن سبب خضرة الطماطم من الداخل هو احتواؤها على “السولانين”، وهو عنصر سام شديد الإضرار بكبد الانسان على الأمد الطويل، ويصعب على الجسم التخلص منه. وأوضحوا بأن استهلاك تلك الطماطم يسبب السرطان.

وبعد نشر المقال القنبلة، تحركت وزارة الزراعة المصرية للتحقيق في الموضوع تحت ضغط الرأي العام، ثم أصدرت بلاغا تكذب فيه مضمون المقال، وتطمئن الرأي العام المصري إلى أن العينات التي تم جمعها وتحليلها من الأسواق، وُجدت خالية من المادة المذكورة.

لكن ذلك لم ينه الجدل في أرض الكنانة، حيث استمر الوضع في التفاعل إلى أن انتهى بسجن وزير الزراعة. وفي المغرب، تنتشر الطماطم نفسها في الأسواق دون أن تثير أية ضجة.

وفي مقابل تكتم الطرف المغربي حول حجم ونوع بذور الطماطم الاسرائيلية التي تروج في البلاد، لا يجد الجانب الاسرائيلي –كالعادة– غضاضة في كشف المستور. فقد كشفت معطيات رسمية إسرائيلية سابقا أن 80% من بذور الطماطم المزروعة في المغرب مصدرها إسرائيل. فهل ستمكن الشركات الإسرائيلية المغرب من التكنولوجيا اللازمة لإنتاج بذوره وتطويرها، في إطار “التطبيع الزراعي”؟

منافس شرس لا “شريك”!

شجرة أرگان argania في المغرب

ارتبطت شجرة أرگان واسمها العلمي(argania spinosa)، على مدى ردح من الزمان بالمغرب. فهي شجرة متوطنة فيه منذ آلاف السنين. ورغم وجودها بشكل محدود في جنوب غرب الجزائر إلا أنها تعتبر شجرة مغربية بامتياز، حيث تمثل حاليا ثاني نوع من الأشجار في البلد بواقع حوالي 20 مليون شجرة تنتشر في مناطق جنوب غرب المغرب، على مساحة شاسعة حيث تغطي أكثر من 800 ألف هكتار.

ويَعتبر حماة البيئة أرگان معجزة الطبيعة المغربية، لأن هذا الصنف العجيب من الأشجار الذي يقاوم الجفاف والشيخوخة (يصل متوسط عمرها إلى قرنين)، يعد آخر جدار طبيعي يرد عن سهول الوسط والشمال الغربي للمغرب شبح التصحر الزاحف منذ عقود طويلة.

لقد كانت شجرة أرگان وما زالت مورد رزق أساسيا بالنسبة لزهاء ثلاثة ملايين من القرويين المغاربة الفقراء المجاورين لغاباتها الطبيعية في أقاليم الصويرة وأگادير وتارودانت، إذ توفر لهم طول العام حطب الطبخ والتدفئة والعلف للحيوانات فضلا عن الزيت الشهيرة.

لزمن طويل ظل الفشل ينهي كل محاولات نقل شجرة أرگان إلى بيئات جغرافية أخرى. فتندر البعض بأن الشجرة رمز للوطنية، إلى أن استفاق الجميع مصدومين قبل عشر سنوات على حقيقة أن إسرائيل أنهت أسطورة الاحتكار المغربي لأرگان.

فقد أعلنت شركة إسرائيلية تحمل اسم «سيفان» عن تطوير نموذج مستنسخ عن الشجرة المغربية، أطلقت عليه اسم “أرگان 100”. كيف تم لها ذلك؟ تعود الحكاية إلى ثلاثة عقود، عندما ثم نقل بذور الشجرة من المغرب إلى إسرائيل حيث أخضعت للدراسة ثم الزرع في المختبرات.

وتطلب الانتظار ثماني سنوات للحصول على أولى الشتلات (لأن أرگان بطيء النمو). ثم بعد ذلك جرى انتقاء الأفضل بينها لتستنسخ بمعدل ألف نسخة من الشتلة الأم. وانتهى المختبر إلى توفير 20 ألف شتلة أرگان للمزارعين الصهاينة الذين غرسوها في مناطق صحراء النقب القاحلة وأشكلون وعرابا.

قد يبدو العدد هزيلا بالمقارنة مع غابة أرگان المغربية المكونة من 50 مليون شجرة. لكن خبراء الشركة الاسرائيلية إياها يزعمون قدرة شجرة “أرگان 100” على إنتاج عشرة أضعاف ما تنتجه جدتها المغربية.

فضلا عن كونها أكثر مقاومة للأمراض والطفيليات والحشرات. وفي المحصلة، أصبحت إسرائيل منافسا شرسا للمغرب في مجال تصدير زيت “الأركَان”! إذا كان هذا ما حصل في وقت كانت العلاقات مقطوعة رسميا مع المغرب، فماذا سيحصل في ظل “التطبيع” يا ترى؟

السطو على نخل “المجهول” المغربي!

زراعة التمور في إقليم الراشيدية

في قلب إقليم الراشيدية (جنوب شرق المغرب)، أنشأ مستثمران إسرائيليان ضيعتين عملاقتين لإنتاج تمر المجهول، منذ حوالي ربع قرن. الموضوع ليس جديدا إذ سبق أن كذبته وزارة الفلاحة في بلاغ لم يوقعه وزير سابق، كما سبق أن تناولته صحيفة مغربية في تحقيق مصور قبل حوالي سبع سنوات.

ففي عمق الجنوب الشرقي للمغرب، وعلى بعد 24 كيلومترا من مدينة الراشيدية في اتجاه بلدة گلميمة، تمددت في الفلاة ضيعة زراعية نشرت نخيلها بالقرب من الطريق الوطنية، وترامت حتى سفح الجبل البعيد.

عند مدخلها كتب بأحرف لاتينية ما يلي: «بوروك تافيلالت 2»، في إشارة إلى اسم الشركة المالكة للضيعة. بعض أبناء المنطقة يتندرون في أحاديثهم الخاصة بإطلاق اسم «مستوطنة الراشيدية» على الضيعة باعتبارها مملوكة لمستثمر إسرائيلي، ويقولون إنها شاسعة جدا بشكل تبدو معه أكبر من قطاع غزة الفلسطيني.

كما يجري الحديث عن توأمها ضيعة «بوروك تافيلالت 1» التي لا تقل عنها شساعة والموجودة في المنطقة نفسها. تم تفويت الأرضين اللتين أقيمت فوقهما الضيعتان لـ “مستثمرين” إسرائيليين، يقول لنا دكتور أحمد وايحمان ابن المنطقة والناشط المعروف في مناهضة التطبيع مع إسرائيل، في ظروف غامضة من أجل إقامة مشاريع زراعية، لا تستفيد منها في النهاية لا المنطقة ولا المغرب شيئا. عدا عن كون من يديرهما هو رجل أعمال مغربي من وسط غرب المغرب، يمتلك مصنعا لإنتاج صناديق التلفيف البلاستيكية بالدار البيضاء.

وفي وقت تستعد الضيعتان لإنتاج محصولهما الخامس والعشرين هذا العام، من تمر المجهول الفيلالي الشهير، يبدو أن السر الكامن وراء اختيار المستثمرَين الاسرائيليين قد ظهر أخيرا.

فإذا كانت إسرائيل قد سطت على نخل المجهول من خلال استيراده من أمريكا، فإن المحاصيل التي تجنيها من نخيل الأراضي المحتلة لا تماثل جودة تمر المجهول المغربي، بسبب ملوحة الفرشة المائية التي تستقي منها نخلها.

ولسبب ذلك على ما يبدو، تم التفكير في إنتاج ذلك التمر الفاخر في بيئته الأصلية بجنوب شرق المغرب، حيث يُروى بماء عذب ويحظى بظروف مثالية للنمو والإنتاج. إنتاج الضيعتين عالي الجودة، ويتم تلفيفه في عين المكان ليوجه نحو التصدير بعد أن يدمغ بعلامة “صنع في إسرائيل”! النخلة تمد جذورها عميقا في تربة مغربية، وتُروى بماء مغربي، فكيف لها أن تكون “إسرائيلية”؟؟

وبعد أن هم الشطر الأول من هذا المشروع “الاستثماري” لوحده غرس 6000 نخلة من نوع “المجهول”، لا أحد يدري كم تم غرسه من نخل خلال الأشطر الموالية. لكن من الواضح أن المشروع نجح وفتح الشهية لمزيد من التوسع، إذ تشير مصادر من المنطقة إلى أن الضيعتين تندرجان ضمن مشروع أكبر، يستهدف غرس مليون نخلة من نخل المجهول، عبر أشطر متلاحقة.

فمشاتل النخل العاملة لحساب الاسرائيليَين منتشرة في كل مكان بالمنطقة، والأسلاك الشائكة مستمرة في الإحاطة بكل شبر جديد يتم قضمه من الأرض. ويحدث ذلك كله وسط شح في المعلومات وتكتم رسمي حول الموضوع.

ويذكر أن سؤالا سبق أن طرح حول مشروع «بوروك تافيلالت» هذا، على وزير الاتصال الناطق الرسمي الأسبق باسم حكومة العدالة والتنمية (الإسلامي) مصطفى الخلفي، في أعقاب انعقاد أحد المجالس الحكومية.

فأعلن تفاجأه بالموضوع، ثم وعد بنقل المعطيات حوله (التي صرح بأنه سمعها لأول مرة) إلى “الجهات المختصة” قصد البحث والتقصي. لكن لم يتم الاعتراف بوجود هتين الضيعتين، رغم تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب قبل أكثر من عام.

على غرار شجر “الأركَان”، يعتبر اسم «تمور المجهول تافيلالت» علامة تجارية محمية من السطو، بحيث يدخل ضمن نطاقِه فقط تمر المجهول المغربي الأصيل، الذي يعتبر أغلى تمور العالم، هذا على المستوى النظري. لكن في الواقع تبيع إسرائيل سنويا حوالي 15 ألف طن من التمور، ويتصدرها تمر المجهول تحت مسمى مدجول medjoul للتمويه. وتسوقه مقاولات إسرائيلية في أسواق العالم [بينها المغرب] دون إغفال الاشارة إلى أنه هو نفسه تمر المجهول الشهير والمغربي المنشأ.

وينتج المغرب 453 صنفا من التمر بحجم يتجاوز 100 ألف طن سنويا، بينما لا يزيد معدل استهلاك الفرد ثلاثة كيلوغرامات في السنة. وتمتد أشجار النخيل على مساحة شاسعة تغطي 13 إقليما بجنوب وجنوب شرق المغرب.

لكن الأصناف الممتازة لا تتعدى 16 صنفا، يتربع على عرشها تمر المجهول الشهير الذي يلقبه البعض ب”ملك التمور”. فهذا التمر الشديد الحلاوة يمتاز بكبر حجمه الذي يتراوح بين 20 و 30 غراما، في مقابل 6 إلى 11 غراما بالنسبة للتمر العادي.

وعدا ذلك فهو يمتاز بخصائص غذائية وعلاجية هامة، حيث اكتشف باحثون غربيون في 2009 دور العناصر الغذائية في تمر المجهول في الحماية من أمراض القلب والشرايين، والحفاظ على الضغط الدموي في مستوياته الطبيعية فضلا عن احتوائه على مضادات الأكسدة وفيتامين (أ) و(ب) بكميات هامة.

ويفسر ذلك بالإضافة إلى ندرة المجهول ارتفاع سعر بيعه، حيث يتراوح في السوق المغربية بين 80 و150 درهما (بين 9 و16 دولارا) للكيلوغرام، ما يجعل منه أغلى تمر في العالم.

إسرائيل في حلبة المنافسة

ويدر تمر المجهول على فلاحي جنوب شرق المغرب عائدات مالية هامة رغم ندرته، تقدرها وزارة الفلاحة بنحو مليارين و700 مليون درهم، يرتقب أن ترتفع مع مخطط المغرب الأخضر إلى سبعة مليارات درهم، في أفق العام 2020.

لقد كان نخل المجهول من أكثر الأصناف التي خربها مرض «البيوض» منذ أواخر القرن 19، حيث لم يتوقف عن الانتشار وتخريب نخل المغرب حتى كاد يقضى على تمر المجهول، مع منتصف القرن العشرين.

ومنحت حينها السلطات بعض نخلات المجهول للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم غرسها في كاليفورنيا وبفضلها أصبحت أمريكا اليوم كذلك من منتجي هذا الصنف الرفيع من التمور.

وكعادتها في البحث عن المنتجات الزراعية ذات القيمة المضافة المرتفعة وإنتاجها في مستوطناتها، استوردت إسرائيل في سبعينيات القرن العشرين نخل المجهول من الولايات المتحدة وغرسته في هضاب (نهر الأردن) و(عرافا) حيث المناخ الحار جدا والجاف مناسب لنموها، إلى جانب أصناف أخرى جيدة.

فأصبحت إسرائيل بلدا منتجا ومصدرا للتمور إلى العالم، وفي مقدمتها صنف المجهول الذي حمل اسم «مدجول». ولأن المناطق التي غرست فيها إسرائيل نخلها قاحلة، فإنه يعتمد على الري الباطني اعتمادا على مياه الفرشة الباطنية التي تخالطها ملوحة.

مستوطنون إسرائيليون يغرسون شتلات أركان في صحراء النقب

ولذلك يفاخر المنتجون الإسرائيليون العالم بكونهم الوحيدين في العالم الذين باستطاعة فلاحتهم أن تحول الملح إلى سكر. لكن في الحقيقة يفوق تمر المجهول المغربي ربيبه الفيلالي جودة وحلاوة لأنه ينمو في منشئه الطبيعي ويتغذى على ماء عذب.

ومع ذلك فقد بلغ حجم إنتاج التمر الإسرائيلي حاليا حوالي 30 ألف طن جميعه من الأصناف الممتازة، يستهلك نصفه في الداخل ويصدر الباقي إلى الخارج. وتواجه صادرات التمر الاسرائيلي حقيقة عنيدة.

فأكبر مستهلكي التمر في العالم هم المسلمون، الذين يستهلكون في المعدل عشرة أضعاف ما يستهلكه غير المسلمين. ومعنى ذلك أن الصادرات الاسرائيلية تتوجه بالأساس إلى مستهلكين يفترض أنهم في حالة عداء مع الكيان الغاصب لفلسطين.

ولذلك السبب يقوم المصدرون بالتحايل على حملات الدعوة إلى مقاطعة تمورهم، بوضع علامة “أنتج في فلسطين” بالنسبة لصادراتهم إلى بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي –التي ما زالت لم تطبع العلاقات مع تل أبيب– مثلا.

وبالنسبة إلى الحالة المغربية، فإن ندرة المجهول الذي لا يمثل حاليا سوى 0,3% من مجموع الإنتاج الوطني من التمور، سمح بالمقابل لصادرات تمر المجهول الاسرائيلية –التي تمثل أكثر من ثلث الانتاج العالمي من هذا الصنف– بالتسلل إلى السوق المغربية منذ سنوات.

الحصاد المُرّ للتطبيع الزراعي مع الأردن ومصر

كانت مصر أولى الدول العربية المُطبعة فيما عرف باسم “اتفاقية كامب ديفيد”، التي وقعها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بواشنطن عام 1979 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها مناحيم بيغن، في أول خرق للصف العربي الرافض للتعامل مع الاحتلال.

في ذلك الوقت بشرت الحكومة المصرية شعبها بالفوائد الجمة التي سيجنيها من التطبيع مع إسرائيل، والتي كان “التطبيع الزراعي” واحدا من أكثر مجالات التطبيع إلحاحا وأهمية بين البلدين.

لكن اليوم وبعد 43 عاما، يرى خبراء مصريون في الزراعة وسياسيون واقتصاديون بأنه لم تكن ثمة فوائد من التطبيع الزراعي الذي روجت له إسرائيل، وأنه رغم تقدم إسرائيل في مجالات التكنولوجيا وتحلية مياه البحر والبحث العلمي، إلا أنها تحتكرها لنفسها وتعتبر مصر مجرد سوق وليست شريكا.

وبالغوص أكثر في صلب الموضوع، نجد بأن التطبيع الزراعي يعد واحدا من أكثر مجالات التطبيع توسعا بين البلدين، وأيضا أكثرها تعرضا للانتقاد في مصر. وهو انتقاد لا يستند على اعتبارات سياسية أو قومية فقط، بل وأيضا وبالأساس إلى أسباب واقعية.

فهناك اتهامات توجه إلى إسرائيل بإفساد الزراعة المصرية، وهي اتهامات يصعب إثبات جانب الحقيقة فيها من المبالغة، نتيجة الغضب الشعبي من التطبيع، والتوجس الغريزي من تدخل إسرائيل في غذاء الشعب المصري.

وبحسب تصريحات سابقة لخبراء مصريين في الاقتصاد الزراعي، فإن التطبيع مع إسرائيل أدى إلى إحداث “أضرار كبيرة في القطاع الزراعي بمصر بعد أن كان هذا الأخير محرك الاقتصاد قبل 4 عقود”.

ويضربون على ذلك مثلا بكون كثير من الأمراض التي أصابت الزراعة المصرية جاءت عبر إسرائيل، كسوسة النخل، وحشرة فرو النحل التي دمرت المناحل المصرية، والمبيدات المسرطنة التي دخلت مصر في الثمانينيات والتسعينيات، بل وتقول أصوات مصرية غاضبة إن إسرائيل هي التي استفادت من الخبرات المصرية الزراعية العريقة، عندما حصلت على أصناف مصرية من القطن، و”أجرت عليها تحسينات لتصل إنتاجية الفدان لديها إلى أكثر من 15 قنطارا، في حين تخلفت إنتاجية الفدان في مصر إلى أقل من 6 قناطير”.

وفيما يتعلق بقطاع الثروة الحيوانية، يقول الخبراء المصريون إن إسرائيل حصلت على أصناف مميزة من الجاموس المصري، من حيث إدرار الحليب، وقامت بتحسين هذه السلالة إلى معدلات فاقت حتى الأصناف الموجودة في مصر.

ورغم أن الحكومة المصرية غالبا ما تقلل من مثل هذه التقديرات السلبية، بشأن أضرار التطبيع الزراعي مع إسرائيل، فإن الخبراء المصريين يؤكدون بأنه يمكن ملاحظة أن أفضل النتائج، التي حققتها الزراعة المصرية خلال العقود الماضية، كانت في مجالات بعيدة عن التعاون مع إسرائيل، مثل: التحسن الملحوظ في إنتاجية القمح والأرز للفدان، وهو أمر تحقق بالأساس بفضل الخبراء والعلماء والمصريين.

أما عن نتائج التطبيع الزراعي مع الأردن، ففي عام 2019، أكد خبراء زراعيون أردنيون أن “المبررات التي سيقت لتوقيع اتفاقية وادي عربة (معاهدة التسوية الأردنية الإسرائيلية الموقعة في 1994)، والتي كانت في جلها تبشيراً بعديد من المنافع التي سيلمسها المواطن الأردني لم تتحقق”.

بل ويكشف رئيس جمعية الاتحاد التعاونية لمُصدري الخضار والفواكه بالأردن سليمان الحياري، بأن “اتفاقية وادي عربة كان أثرها على القطاع الزراعي كبيرا لكن سلبا.

فقد “عملت على عرقلة الصادرات الأردنية من الخضار والفواكه إلى كثير من الدول العربية، لاعتقادهم أن هناك منتجات إسرائيلية تُصدَّر من خلال الأردن إلى دولهم. وهذه مشكلة كبيرة بذلنا جهدا كبيرا للتخلص منها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس