الكَويرة.. هل هي مغربية أم موريتانية؟

120
الكَويرة
الكَويرة".. هل هي مغربية أم موريتانية؟

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في خطاب ألقاه في 6 نونبر – تشرين الثاني 1996، بمناسبة الذكرى الواحدة والعشرين لانطلاق المسيرة الخضراء، قال الملك الحسن الثاني: “(…) ليعلم الجميع أن الصحراء بفضل الجهوية، التي كما ستعم جميع أقاليم المملكة من طنجة إلى الكويرة، ومن وجدة إلى أكادير، أن تلك الجهوية التي فيها في آن واحد اللامركزية واللاتمركز سوف تجعل من أقاليمنا الصحراوية عالما آخر وحضارة أخرى (…)”. ومنذ ذلك الحين، دخلت عبارة “من طنجة إلى الكَويرة” القاموس السياسي والشعبي، للتعبير عن تشبت المغاربة بوحدة بلدهم من أقصى مدينة في شماله على أبواب أوروبا (طنجة)، إلى أقصى مدينة في جنوبه على تخوم موريتانيا (الكَويرة)…

لكن إذا كانت طنجة أصبحت من أكبر وأجمل وأغنى مدن المغرب حاليا، فإن الكَويرة هي “مدينة –شبح” منذ أن تم تهجير سكانها منذ عقود بسبب الحرب في الصحراء. ولا تتحرك فيها اليوم سوى دوريات للجيش الموريتاني. وهو ما خلق وضعا ملتبسا لدى المغاربة والموريتانيين والصحراويين (بل وحتى الجزائريين!)، يعيد طرح السؤال الكبير بين وقت وآخر: هل مدينة الكَويرة مغربية أم موريتانية؟

من حيث المبدأ، لم يكن الحسن الثاني ليصرح بمغربية الكَويرة خطاب بمناسبة وطنية هامة، جرت العادة أن تتم متابعته بانتباه من طرف مسؤولي دول الجوار، لولا تأكده من الموضوع، فلو كان الأمر بخلاف ذلك، لردت موريتانيا على كلامه بنفيه أو حتى بالاحتجاج رسميا عليه. لكن بمرور السنوات أصبحت الكَويرة موضوعا للمزايدات السياسية بين المغاربة والموريتانيين بالأساس، كل طرف يدافع باستماتة عن نسبها إلى بلاده. لكن بداية، ما هي حكاية هذه المدينة الغامضة؟

موقع استراتيجي

“رأس نواذيبو” الذي أطلق عليه البرتغاليون في القرن 14 الميلادي اسم “الرأس الأبيض”، هو شبة جزيرة ذات طابع صحراوي تمتد داخل المحيط الأطلسي مثل لسان بطول 56 كلم وعرض 9 كلم. وقد أطلق الإسبان اسم الكَويرة على الجزء الذي احتلوه، عندما وصلوا إلى شبه جزيرة الرأس الأبيض عام 1884. وتقاسمت القوتان الاستعماريتان فرنسا (التي كانت تحتل موريتانيا) وإسبانيا (التي كانت تحتل الصحراء الغربية) شبه الجزيرة بالتساوي، منذ العام 1886، فشكّل الخط الحدودي بينهما الحدود الفاصلة بين “الصحراء الإسبانية” وموريتانيا.

بعد عقدين تقريبا من ترسيم مناطق النفوذ بين المحتلين الإسباني والفرنسي وُلدت بلدة الكَويرة في العام 1920، تحت اسم (La Güera) أو (La Agüera) على يد عقيد في الجيش الاستعماري الإسباني كان اسمه بينز. وقد اشتق الاسم بحسب مصادر إسبانية، من الكلمة الإسبانية agüera التي تعني الخنادق المحفورة في حقل لتوجيه مياه الأمطار إلى الأرض المزروعة. فاستوطنها منذ إنشائها أساسا صيادون إسبان وعائلاتهم قدموا من جزر الكناري المقابلة للمنطقة، وبلغ عددهم حوالي 1500 نسمة، يعيشون بشكل أساسي من الصيد، وفقا لتعداد السكان للعام 1974. وأنشأوا مركزاً عسكرياً لحماية معمل تصبير وتمليح السمك الذي أقامه مقاولون من جزر الكناري.

وشكلت الكَويرة لبعض الوقت مستعمرة منفصلة داخل “الصحراء الإسبانية”، حيث أصدرت طوابع بريدية خاصة بها. وفي عام 1924، تم دمج الكَويرة ضمن مستعمرة وادي الذهب. ومع ذلك، تواصل حضور مندوب عن الحاكم العام (للصحراء الإسبانية) بها.

وعلى مدى عقود طويلة بقيت بلدة الكَويرة مرتبطة بقطاع الصيد البحري، إلى غاية العام 1975 حيث شملتها “اتفاقية مدريد”، التي وقعتها إسبانيا مع كل من المغرب وموريتانيا. فتنازلت بموجبها مدريد عن الصحراء لصالح الرباط ونواكشوط، وغادرت إسبانيا إقليم الصحراء الغربية بعد المسيرة الخضراء التي أعلن عنها الملك الحسن الثاني في خريف العام 1975. وخلال الأيام الأولى الموالية لجلاء الإسبان عن البلدة، احتلها —بحسب مصادر إعلامية أسبانية— مسلحون تابعون لجبهة البوليساريو وأنشأوا بها مفرزة عسكرية. وبحسب ذات المصادر، فقد كان إجلاء المستوطنين مباغثا لدرجة أنه لم يكن لديهم سوى الوقت لحمل الأشياء الشخصية الأساسية معهم، تاركين الكثير من الأثاث والأدوات المنزلية في الكَويرة. و”اضطرت مؤسسات الصيد العاملة في المنطقة إلى الانتقال بسرعة إلى جزر الكناري أو موريتانيا، بل إن قوارب الصيد المهجورة تُركت في ميناء الكَويرة. وهو ما أدى إلى احتجاج عديد من المستوطنين الإسبان والمطالبة بتعويضات مالية من حكومة بلدهم. ومن البحر، كان المستوطنون السابقون وهم يغادرون المدينة هجوم مسلحي جبهة البوليساريو عليها رافعين العلم الصحراوي”.

مدينة أشباح

بعدما كانت الكَويرة حتى عام 1974 مستعمرة إسبانية تُعد بمثابة قطبٍ مهمٍ في “الصحراء الإسبانية”، لأنشطة الصيد البحري بنحو 8000 طن من الأسماك المُصدّرة من ميناء نواذيبو الموريتاني القريب نحو معمل “إنسامارطا” الإسبانية، تحولت إلى مدينة أشباح. فقد تمكن الجيش الموريتاني من استعادة السيطرة على مدينة الكَويرة بعد عشرة أيام من الحرب مع مقاتلي البوليساريو. وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، وُقّع اتفاق مدريد الذي أنهي استعمار إسبانيا للصحراء الغربية، بحيث استرجع المغرب شمال ووسط المنطقة بينما عاد جنوبها لموريتانيا. وبعد ذلك سحبت إسبانيا آخر جندي لها من الصحراء في 12 يناير/كانون الثاني 1976. فدخل الجيشان المغربي والموريتاني بعد ذلك متفرقين، في حرب طاحنة مع مقاتلي جبهة البوليساريو، المدعومة حينها بالسلاح والمال والديبلوماسية من الجزائر وليبيا. وبلغت الحرب أوجها بهجوم مقاتلي الجبهة على العاصمة الموريتانية نواكشوط في 9 يونيو 1976، الذي قُتِل فيه مؤسس الجبهة وقائدها الولي مصطفى السيد. فدخلت موريتانيا في مفاوضات بـ “وساطة” جزائرية انتهت إلى توقيعها على اتفاق سلام في 5 أغسطس/آب 1979مع جبهة البوليساريو، وأعلنت فيه عن انسحابها من إقليم وادي الذهب. فتدخل الجيش المغربي للسيطرة على الإقليم الذي يضم مدينة الكَويرة، في 14 أغسطس/آب 1979، وواصل التصدي لهجمات مسلحي البوليساريو والجيش الجزائري (معركتا أمغالا الأولى والثانية). كانت المواجهات طاحنة بسبب السلاح الروسي المتطور الذي وفرته ليبيا في عهد معمر القذافي للبوليساريو، وفي مواجهة التوغلات المتكررة دعت موريتانيا المغرب إلى التخلي عن بلدة الكَويرة، بسبب الخنق الاقتصادي الذي عانى منه أكبر موانئها وعاصمتها الاقتصادية نواذيبو، الواقع على بعد حوالي 10 كيلومترات فقط من الكَويرة. وهو ما كان، حيث انسحب الجيش المغربي من الكَويرة ومن شبه جزيرة رأس نواذيبو.

بمرور السنوات، اجتاحت الرمال أغلب أجزاء الكَويرة المهجورة، التي لم يعد يمر بها سوى بعض الصيادين الصحراويين والموريتانيين، بالإضافة إلى الدوريات العسكرية الموريتانية. واعترفت بـ “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” في عام 1984، لكنها ظلت حتى اليوم تقاوم الضغوط والإغراءات الجزائرية لفتح “سفارة صحراوية” بنواكشوط.

بعد انسحاب الجيش المغربي من الكَويرة، أقام الجيش الموريتاني مفرزة عسكرية صغيرة في محيطها لتنظيم مرور الأجانب، خاصة في الجزء الشمالي من البلدة حيث يوجد خطر وجود ألغام بالقرب من الطرف الجنوبي من الجدار الدفاعي المغربي المحيط بالصحراء. وتراقب قطع تابعة للبحرية المغربية المياه الإقليمية بالمنطقة، إلى جانب البحرية الموريتانية التي تراقبها هي الأخرى من خلال دوريات عسكريين.

عمليا وواقعيا، الكَويرة اليوم غير مأهولة ونصفها بات مدفونا في الرمال، ولا يوجد بها سوى بعض الصيادين المحليين ومعسكر للجيش الموريتاني، ويتطلب الأمر لزيارتها تصريحا خاصا. وقبل التدخل الأمني للجيش المغربي في معبر الكَركَرات مع موريتانيا في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كانت البوليساريو تتحرك دون صعوبة ودون ترخيص في شبه جزيرة نواذيبو، وتصل حتى ساحل المحيط الأطلسي والكَويرة دون أن يمنعها أحد. لكن بعد ذلك التاريخ، لم يعد ذلك ممكنا، بعد أن مدد الجيش المغربي الجدار الدفاعي المحيط بالصحراء حتى الحدود الموريتانية.

إن أكثر ما يميز مدينة الكَويرة هو موقعها الاستراتيجي البالغ الأهمية، حيث تقع في أقصى نقطة من شبه جزيرة نواذيبو على شاطئ المحيط الأطلسي، حيث تحدها ولاية نواذيبو الموريتانية شرقا وهي الميناء الرئيسي لموريتانيا ومركز تصدير خام الحديد. ويحدها المحيط الأطلسي من جهتَي الغرب والجنوب، ومن الشمال إقليم وادي الذهب.

وزير موريتاني: الكَويرة مغربية!

منذ انتخاب الجنرال محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسا لموريتانيا في مطلع صيف 2019، استرجعت العلاقات المغربية بعض الدفء. فعلى عكس سلفه الجنرال محمد ولد عبد العزيز (2009-2019)، الذي عاشت العلاقات في عهدة فترات توتر كثيرة، يبدو ولد الغزواني أكثر تبصرا وبعد نظر في علاقاته مع دول الجوار ومن ضمنها المغرب.

ولعل أكبر أزمة شهدتها العلاقات بين البلدين خلال العقد الماضي، هي تلك التي تفجرت في صيف العام 2016 حول مدينة الكَويرة، بسبب تحركات عسكرية قالت مواقع موريتانية وأخرى تابعة للبوليساريو والجزائر بأن الجيش المغربي قام بها. وبدأ المغرب، بحسب ما تداولته المصادر الإعلامية المشار إليها، بالتحرك العسكري في منطقة الكَويرة للسيطرة عليها بشكل كامل، ولم يصدر أي بيان رسمي من المملكة المغربية يؤكد أو ينفي صحة هذه الأخبار. بينما اكتفت الجهات الرسمية المغربية بتبرير هذا التحرك العسكري، بالتأكيد على أنه يأتي في إطار عمليات تطهيرية استهدفت مهربين، بحسب ما جاء في بلاغ، قال إن “المصالح الأمنية قامت بعمليات تطهيرية بمنطقة الكركارات للحد من أنشطة التهريب والتبادل التجاري غير المشروع”.

ووصل التوتر بين المغرب وموريتانيا اللذين كانا يعيشان حينها على وقع أزمة دبلوماسية حادة، إلى درجة عسكرة الحدود المشتركة، حيث تفجرت من جديد أزمة منطقة الكَويرة الحدودية. وجاءت التحركات العسكرية المغربية مباشرة بعد استقبال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، أحد قياديي جبهة البوليساريو الذي أكد أن “الكَويرة أرض صحراوية”، وهي تصريحات استفزازية أثارت حفيظة المغرب. وكشفت مصادر مغربية غير رسمية، أن الرئيس الموريتاني (حينها) محمد ولد عبدالعزيز اتخذ بشكل مفاجئ قرارا بنقل سلاح المدفعية والصواريخ إلى شمال البلاد، وبالضبط إلى منطقة الشامى الواقعة بين العاصمة نواكشوط ونواذيبو (باتجاه المغرب). كما تناقلته مواقع إخبارية، بالتوازي مع نقل الصواريخ إلى شمال البلاد، إقدام السلطات الموريتانية على منع القنصل المغربي في نواذيبو من دخول منطقة الكَويرة. كما راجت أنباء حول قيام جنود موريتانيين برفع علم بلادهم في الكَويرة، لكن الحكومة المغربية نفت حصول ذلك.

وخلال الصيف والخريف الماضيين، أشعلت مواقع إخبارية حربا على شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشرها أخبارا غير مسنودة عن تخطيط المغرب لإعمار الكَويرة، بإقامة مناطق سياحية راقية وميناء للصيد البحري وقاعدة عسكرية بحرية بها. لكن سلطات البلدين التزمت الصمت ولم تعلق على ذلك.

وفي خضم ذلك، فاجأ وزير الإعلام الموريتاني السابق محمد ولد أمين الموريتانيين قبل المغاربة بتدوينة نشرها حسما للجدل المتواتر حول الكَويرة. فقد كتب موضحا: “االكَويرة ليست موريتانية منذ تخلت عنها موريتانيا طوعا عام 1979، وإذا أراد المغاربة أخذها فذلك أمر لا يعنينا. مهمتنا ليست حراسة أراضي الغير، كما هو الحال منذ نيف وأربعين سنة، وإذا أعاد المغاربة الحياة لها فذلك مفيد لنا من الناحية الاقتصادية. وهو يعني وجود موناكو مغربية قرب نواذيبو، وتداعيات ذلك الاقتصادية والسياحية الفاخرة لا يمكن تجاهلها”.

وأضاف ولد أمين يقول: “كل ما علينا هو بناء جدار رملي حدودي والتمترس خلفه. ليست عندي خشية من المغرب، ولا توجس، ولا أي مصدر قلق”. وتابع يقول: “أنا لا أحب التبلد والغباء خصوصا في السياسة الدولية. مثلا: وضع المغاربة لليد على مدينة الأشباح المسماة بالكَويرة ليس فيه إلا الخير للجميع، فالمستفيد الأول هم أهل الكَويرة أنفسهم، الذين يرون ممتلكاتهم تضمحل، والغرقى في الحزن منذ نصف قرن. وستكون فرصة لاستعادة عقاراتهم وأملاكهم المجمدة والمضارب عليها”.

وزاد وزير الإعلام الموريتاني السابق موضحا: “البوليساريو سيستفيدون أيضا لأن المغرب سيقوم بتعمير المكان، فإذا آل الأمر إليهم بسبب استفتاء أو بسبب تغير مزاج ملك المغرب، أو تخلى المغاربة طوعيا عن الصحراء بموجب الضغط الدولي، فسيجدون أمامهم مدينة جميلة وجاهزة”.

لم يكد ولد أمين ينشر تدوينته حتى انهالت عشرات التعليقات والردود، من موريتانيين ومغاربة وصحراويين وجزائريين، بين متحمس مستحسن ورافض متشدد لها. بل وذهب بعضهم إلى حد التهجم دون على كاتبها واتهامه بـ “العمالة للمغرب”.

لعل ذلك يكشف إلى أي حد تثير “قضية الكَويرة” مشاعر متضاربة ومتطرفة في تشددها، لهذا الاتجاه أو ذاك.

محمد سالم عبد الفتاح: الخرائط الرسمية لموريتانيا لا تشمل الكَويرة

استفسر موقع “أفريقيا بريس” الباحث والمحلل السياسي المغربي الخبير بملف الصحراء محمد سالم عبد الفتاح، الذي يرأس “المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان”، حول الوضع القانوني لمدينة الكَويرة وإمكانية أن تشكل بؤرة توتر حقيقية للعلاقات الموريتانية المغربية مستقبلا. وللتذكير، فإن عبد الفتاح ينحدر من أسرة صحراوية معروفة كانت تستقر قبل عقود بمنطقة الكَويرة. فكانت قراءته القانونية والسياسية للقضية كما يلي:

أجد صعوبة في التجرد من الذاتية، بحكم انتمائي لأسرة كانت تستقر في الكَويرة وعانت كباقي المنتمين للمنطقة الحدودية، من التهجير ومصادرة الممتلكات والحرمان من العودة للإستقرار فيها. وأقول لطالما تم توظيف ملف الكَويرة من طرف خصوم المغرب وموريتانيا، لتأزيم الوضع في المنطقة وعرقلة العلاقات المتينة بينهما. لكن الغربان الناعقة للتصعيد والتوتر تمرر الكثير من المغالطات، بخصوص الوضع القانوني لمنطقة الكَويرة.

وللتوضيح، فإن موريتانيا ومنذ انسحابها من نزاع الصحراء (في أواخر السبعينيات من القرن الماضي)، لم يسبق أن طالبت رسميا بمنطقة الكَويرة. وخرائط الدولة الموريتانية الرسمية الصادرة عنها منذ سنة 1979 والمودعة لدى الأمم المتحدة، لا تتضمن أي شبر من الصحراء، كما لا تتضمن منطقة الكَويرة. وهو ما يعني أن تواجد الدولة الموريتانية في منطقة الكَويرة حاليا، لا يتجاوز إدارتها بحكم الفراغ الإداري فيها، والناجم عن حرب الصحراء [التي كانت مشتعلة] في فترة انسحابها، ولا علاقة لوجودها في الكَويرة بممارسة أي شكل من أشكال السيادة الترابية عليها.

وبالتالي فإن الكَويرة يسري عليها ما يسري على بقية الصحراء الغربية، كون هذه الأخيرة مسجلة لدى الأمم المتحدة كـ “منطقة نزاع”. لكن المغرب يمارس سيادته على الغالبية العظمى من ترابها، ما عدا الشريط العازل المتواجد شرق الجدار الدفاعي، الذي تحكمه قواعد اتفاق وقف إطلاق النار.

وبالنسبة لموريتانيا، فقد كان مبرر تمسكها بإدارة منطقة الكَويرة هو تأمين عاصمتها الإقتصادية نواذيبو، التي تحتضن ميناء تصدير الحديد الذي يشكل ركيزة الإقتصاد الموريتاني. وسبق أن أشار الرئيس الموريتاني الأسبق محمد خونا ولد هيدالة في مذكراته، إلى اتصاله بالملك المغربي الحسن الثاني بشكل سري، لأجل إطلاعه على فحوى الإتفاق الذي وقعه مع جبهة البوليساريو في 1979. وهو ما يعني أن ولد هيدالة قد تحصل على مواقفة المغرب الضمنية، على الإدارة الموريتانية لمنطقة الكَويرة منذ ذلك الوقت.

وأما بالنسبة للمغرب، فلا يزال يتمسك بسيادته على منطقة الكَويرة، شأنها شأن كافة المناطق الصحراوية المتواجدة شرق الجدار الدفاعي. حيث حرص إبان إنشائه على الإبقاء على مسافات أمان، تكفل لقواته مطاردة أي مخاطر أمنية دون الإضطرار إلى تجاوز حدوده الترابية. وهي المناطق التي أسس لجماعات ترابية تؤطر منتسبيها وتمثل ساكنتها، التي هجرتها وأقامت في مدن الصحراء الغربية الأخرى بسبب تطورات الحرب. فهناك مجلس جماعي منتخب للكويرة، ومجالس تمثل بقية الجماعات القروية الأخرى في مناطق الصحراء شرق الجدار. كما يمثل الكَويرة وتلك المناطق الأخرى منتخبون في الهيئات المحلية والوطنية المغربية، بانتظار توفر الظروف الملائمة لعودة ساكنة تلك المناطق للإستقرار فيها.

ويبقى أن التطورات الأمنية والعسكرية التي شهدها ملف الصحراء مؤخرا، ستفتح المجال لإمكانية مراجعة الوضع القائم بمنطقة الكَويرة، بحكم أن نواذيبو العاصمة الإقتصادية لموريتانيا المحاذية للكَويرة، لم تعد عرضة لأية مخاطر أمنية ناجمة عن الصراع حول الصحراء، خاصة منذ العملية الأمنية التاريخية التي شنها الجيش المغربي في معبر الكَركَرات الحدودي القريب منها. وما انجر عنها من استحالة وصول البوليساريو إلى الجزء الجنوبي الغربي من الشريط العازل، الذي تقع ضمنه الكَويرة.

وسيفرض الجانب الإقتصادي والتنموي هو الآخر مراجعة الوضع القائم في منطقة الكَويرة، بالنظر إلى الآفاق التنموية الهائلة التي تتوفر عليها، باعتبار موقعها الإستراتيجي الهام ومؤهلاتها الإقتصادية الكبيرة. فلا يمكن تحقيق الأمن في المنطقة بدون تعميرها وإعادة ساكنتها الذين يعتبرون المعنيين الرئيسيون بمستقبلها. خاصة وأن لديهم منتخبين يمثلونهم ويعبرون عن تطلعهم بتحقيق الأمن والاستقرار فيها، سيما وأن الغالبية العظمى منهم استقرت داخل المغرب، فيما زادت أعدادهم منذ أطلق المغرب نداء للعودة نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس