مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، بأن الصناعات العسكرية الإسرائيلية أصبحت أكبر الرابحين من اتفاقيات التطبيع، التي سبق أن وقعتها تل أبيب مع بعض الدول العربية بينها المغرب. وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إسرائيل وثلاث دول عربية (بينها المغرب) قد وقعت صفقة بقيمة تفوق ثلاثة مليارات دولار، وأن شركات الدفاع الإسرائيلية أبرمت في هذا الإطار “صفقة مع المغرب لبناء مصنعين للطائرات بدون طيار”.
في الواقع، ليس خبر إقامة المصنعين بالمغرب جديد. والإعلام الإسرائيلي ومعه الإسباني يرددان منذ ما يقرب العام في كل مرة لازمة “قرب إنشائهما” مصنع بشمال المغرب وآخر بجنوبه. بينما شككت كثير من تحليلات دولية في أن تذهب تل أبيب بالفعل إلى حد نقل التكنولوجيا إلى المغرب، كما ظل يشترط المسؤولون المغاربة.
فما هي الأهمية العسكرية والاستراتيجية للمسيرات؟ ولماذا يراهن المغرب على توطين صناعة محلية لإنتاجها وتطويرها؟ وما هي مصلحة إسرائيل التي كانت إلى عهد قريب ترفض مجرد بيع مسيراتها للخارج في مساعدة المغرب على امتلاك تكنولوجيا المسيرات؟
في أجواء تطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل قبل نحو عامين، أعلنت الولايات المتحدة عن موافقتها على بيع 4 طائرات مسيرة “إم كيو-9″، التي تعتبر الأحدث والأكثر تطورا للمغرب. وربطت إدارة ترامب إتمام الصفقة التي كشفت مصادر أن قيمتها تناهز المليار دولار شاملة الصواريخ المتطورة وآليات أخرى مرفقة، بالتشاور مع الكونغرس في إطار رقابته على تصدير الأسلحة المتطورة للخارج.
و”إم كيو-9” أو “إم كيو-9 ريبر” (MQ-9 Reaper) هي طائرة عسكرية بدون طيار، كانت تسمى من قبل “المفتَرس بي” (Predator B)، وتنتجها شركة جنرال أتوميكس للصناعات العسكرية الأمريكية الشهيرة. وهي مصممة بغرض استخدامها كقاذفة للصواريخ في الحروب، حيث بإمكانها خوض حروب في البر وسطح البحر وحتى الأعماق (تدمير الغواصات). وبإمكان هذه المسيرات قطع أزيد من 11 ألف كيلومتر من البحار والصحاري بدون توقف.
لكن بمجرد مغادرة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض، ودخول الديمقراطيين برئاسة جو بايدن إليه، تعثرت الصفقة في مناقشات ومراجعات طويلة، بعد إحالتها على الكونغرس، في فترة حرجة كان المغرب يواجه خلالها تهديدات الجزائر المتكررة بالحرب، وإعلان جبهة البوليساريو عن عودتها إلى “الكفاح المسلح”.
وفي مواجهة تذبذب الموقف الأمريكي، وبانتظار “إفراج” الكونغرس عن الصفقة الهامة، توجهت الرباط نحو بدائل أخرى رغم كونها لا ترقى إلى مستوى سيرة “إم كيو-9” الأمريكية لدى الصين وفرنسا وتركيا ثم إسرائيل.
تركيا ترفض نقل التكنولوجيا
هكذا، وفي مواجهة تذبذب الموقف الأمريكي، أعلن المغرب في أبريل/نيسان 2021، عن اقتناء 13 من الطائرات المسيرة تركية الصنع “بيرقدار تي بي 2” بمبلغ يقارب 80 مليون دولار. وكانت الطائرات المسيرة التركية قد فاجأت العالم خلال السنوات الأربع الأخيرة، من خلال دورها الفعال في حروب ليبيا وسوريا، وأساسا في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وحرب الحكومة الأثيوبية ضد إقليم تيغراي، وحاليا في حرب أوكرانيا، حيث نجحت في إلحاق أضرار فادحة بالقوات الروسية بحسب خبراء دوليين.
للتذكير، فإن المغرب لم يكن من قبل يولي أهمية للسلاح التركي، لولا أن النتائج التي حققها في الحروب الأخيرة، جعلت المملكة مثل الكثير من جيوش العالم، تركز على الأتراك. وتتميز الطائرة المسيرة التركية بخصائص كثيرة منها حمل الذخيرة الحربية بما فيها الصواريخ الصغيرة، ثم برامجها المتطورة سواء في المراقبة أو تنفيذ الهجمات. ومن أهم المميزات التي أظهرتها الطائرة المسيرة التركية المذكورة، مناوراتها ضد أنظمة الدفاع الجوي سواء الروسية أو الأمريكية؛ حيث نجحت في ضرب أهداف وسط سوريا وأرمينيا وأوكرانيا، على الرغم من وجود أنظمة دفاعية متطورة. فضلا عن سعرها الرخيص (نسبيا) بالمقارنة مع الطائرات المقاتلة التي يقودها طيارون يحتاجون إلى الكثير من الوقت والكفاءة لتكوينهم. لكن أبرز نقاط ضعف الدرونز التركية المذكورة الكبرى، تتمثل في أن تركيا لا تمتلك أسرار تصنيعها بالكامل، فبعض الأجزاء الأساسية منها تُصَنّع خارج البلاد (في كندا).
وكان المغرب بحسب بعض المصادر بحث مع الطرف التركي، إمكانية تصنيع الطائرات بدون طيار التركية. لكن أنقرة لم تتحمس لتصدير التكنولوجيا المتطورة التي تمتلكها جزئيا، فاكتفت الرباط بتكوين مهندسيها وخبرائها العسكريين في إطار تكوينهم على استعمال المغاربة درون “بيرقدار تي بي 2″، على إجراء أعمال الصيانة لها أيضا وإصلاح أعطابها بالمغرب. واكتفت أنقرة بالتعاون مع دولة في آسيا الوسطى لمساعدتها على صنع مُسَيّرتها المذكورة، بحسب ما جاء في آخر الأخبار.
وتعد تركيا ضمن الدول الأربع التي تنتج طائرات مسيرة رفيعة المستوى في القتال والرصد إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل والصين. وبدأت دول غربية تقتني هذه المسيرات ومنها بولندا التي وقّعت صفقة لشراء 24 طائرة مسيرة تركية، وهناك تردد ألماني بشأن اقتناء هذه الطائرات. وتعترف الأوساط الأوروبية أن لا دولة أوروبية تنافس الآن تركيا في صناعة الطائرات بدون طيار خاصة التي تحمل أسلحة. كما يصنف بعض الخبراء تركيا كقوة ثالثة بعد الولايات المتحدة وإسرائيل، على مستوى مهارة تشغيل الدرونز في العمليات العسكرية.
وعود إسرائيلية…
الـ “وول ستريت جورنال” (وقبلها مواقع أمريكية معروفة أخرى، بينها موقع “تاكتيكال ريبورت” المتخصص في الشأن العسكري) أوضحت في مقالها المذكور، بأن “هذا الاتفاق سيسمح للمغرب بتصنيع طائرات درون لجمع المعلومات الاستخباراتية، بتكلفة منخفضة نسبيا”، وأن الطائرات المُسَيّرة الحربية التي سيتم تصنيعها في المغرب، من المرتقب أن تكون مخصصة لمهمتين: الهجوم، من جهة، والاستطلاع وجمع المعلومات عن بعد، من جهة أخرى.
وكشفت مصادر إسرائيلية من جانب آخر، أن الاتفاق بين البلدين يتضمن أيـضـا نـقـل الـتـكـنـولـوجـيـا الـحـربـيـة الإسرائيلية إلى المغرب للتصنيع، لكن في مرحلة لاحقة، تلي حصول المغرب أولا على عدد من المعدات والآليات الحربية الإسرائيلية المتعلقة بالدفاع والهجوم معا.
ويتعاون البلدان بالفعل في المجال العسكري، بشكل مكثف، حيث أعلن قبل أسابيع عن اقتناء الجيش المغربي 150 طائرة مسيرة عسكرية متطورة متعددة المهام من إسرائيل، تنضاف إلى عشرات المسيرات الأخرى التي اشتراها من تركيا والولايات المتحدة والصين. وتقول مواقع متخصصة في الشأن العسكري إن المغرب بات يمتلك أقوى أسطول من المسيرات الأكثر تطورا في القارة الأفريقية. كما تمتلك المملكة آليات عسكرية متطورة أخرى —بعضها إسرائيلي الصنع— تسمح لقواته بترصد المسيرات المعادية والتشويش عليها وتدميرها.
كما سبق لتقارير متطابقة أن كشفت في وقت سابق من هذا العام، أن كوادر مغربية ستحصل على خبرات متقدمة، في إطار صفقة لتصنيع بعض المُسَيّرات الإسرائيلية بالمغرب.
ويُذكر أنه منذ أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل، شهد قطار تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب محطات كبرى ومختلفة اختلافا جذريا عن مسار نفس القطار مع الدول العربية الأخرى، التي وقّعت اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، إضافة إلى المغرب بطبيعة الحال.
وبإعلان الجريدة الأمريكية المعروفة بقربها من دوائر القرار الأمريكي، يكون المغرب قد أوشك أن يصبح أول بلد عربي وأفريقي يقترب من الانضمام إلى نادى الدول المصنعة للطائرات المسيرة (الدرون).
وكان المفتش العام للقوات المسلحة المغربية الفريق الفاروق بلخير قد قام، في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، بزيارة غير مسبوقة إلى إسرائيل للمشاركة في المؤتمر العسكري الدولي الأول حول “التجديد والتحديث العسكري”، في تل أبيب. وكشف بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة المغربية، صدر على هامش الزيارة، بأن بلخير بحث مع قائد الأركان الجنرال الإسرائيلي أفيف كوخافي، “سبل تعزيز التعاون بين الجيشين وتوسيعه ليشمل مجالات التكنولوجيا والابتكار”. بينما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بأن “التوقيع على اتفاقية التعاون العسكري هو حدث مهم للغاية سيفتح الطريق أمام مبيعات عسكرية محتملة وتعاون ثنائي، والدخول في مشاريع مشتركة، مضيفا أن العلاقات بين المغرب وإسرائيل بحاجة إلى أن تستمر في التقارب الثنائي، وأن تستمر في التطور والتوسع”.
لكن المغرب لا يريد الاكتفاء باقتناء الآليات العسكرية المتطورة جاهزة، بل يبحث عن نقل التكنولوجيا العسكرية لتطوير صناعة عسكرية وطنية تلبي طموحه وحاجياته. ويبدو أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة حتى الآن التي قبلت مدّه بهذه التكنولوجيا الثمينة، مقابل شروط طبعا. فهي لا تقوم بذلك لأجل عيون “التطبيع”.
فتل أبيب فضلا عن بحثها على موطئ قدم في غرب المتوسط وجدته في المغرب، تطمح إلى توسيع صادراتها العسكرية وضمنها المسيرات، التي كانت إلى عهد قريب ترفض بيعها للخارج بحجة الحفاظ على “السر العسكري”. لكن اتساع السوق الأفريقية (54 دولة يقطنها مليار و300 مليون نسمة)، وانتصاب المغرب كباب أساسي لولوجها، جعل تل أبيب ترضخ لشروط الرباط بضرورة نقل التكنولوجيا المتطورة.
وتشترط الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين شراء المغرب لعدد كبير من الطائرات العسكرية بدون طيار، من الشركة الإسرائيلية المتخصصة في الصناعات الجوية والفضائية (IAI). وفي هذا الإطار، يندرج اقتناء المغرب قبل عام لمسيرات انتحارية من نوع “هاروب Harop” المتطورة بقيمة ناهزت 22 مليون دولار. وأيضا اقتناء المغرب لـ 150 درون من نوعَيْ WanderB وThunderB، واستعداده بحسب الإعلام الإسرائيلي والإسباني دائما، لشراء عدد مماثل منها قريبا، يُنتظر أن يتم تصنيع جزء غير معروف العدد منها فوق التراب المغربي.
لماذا يحتاج المغرب إلى المُسَيّرات؟
لعل أهم ما يفرض على المغرب تطوير صناعة عسكرية متقدمة، ارتفاع تكاليف الاستيراد والارتهان الدائم إلى الخارج في ما يتعلق بقطع الغيار الباهظة وأعمال الصيانة الدورية التي تتطلبها الأسلحة والآليات العسكرية المتطورة. ومع وجود البلاد في بؤرة توترات دائمة وشديدة الخطورة، تتزايد حاجياتها أكثر فأكثر إلى أسلحة أكثر فأكثر تطورا، من أجل ردعها أو مواجهتها.
ويرى د. عبد الرحمن مكاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ديجون (فرنسا)، والباحث في المركز الفرنسي للتحليلات السياسية-الاستراتيجية والجيوسياسية، بأن “هناك عوامل عديدة تفسر الارتفاع المتصاعد في ميزانية ونفقات الدفاع المغربية. وهي عوامل موضوعية لها علاقة مباشرة بالمخاطر المتنوعة التي يواجهها المغرب، والتي تتغير من حين لآخر بكيفية متسارعة. ما يدفع به إلى الرفع من نفقات الدفاع، سعيا إلى اقتناء أسلحة نوعية تكون في مستوى هذه المخاطر والتحديات التي يواجهها”. ومن جملة هذه التحديات والمخاطر، يذكر مكاوي “تواجد المملكة في منطقة ملتهبة، تمزقها حروبا أهلية وتشهد انهيار لبعض الدول. فالمنطقة الجيواستراتيجية، ومنطقة الأمن القومي للمغرب التي تمتد –تقريبا– من نواكشوط (موريتانيا) إلى المنامة (البحرين)، تعتبر منطقة ملتهبة، تشهد الكثير من النزاعات والحروب المتعددة الأوجه”.
كما أن من أهم عوامل التحدي التي تواجه المغرب، تحدي الانفصال الذي يتهدد أقاليمه الصحراوية والذي يرفعه تنظيم البوليساريو المدعوم من الجزائر. وفي وقت أثبتت المسيرات العسكرية كفاءتها في الحروب الحديثة، بحيث يسمح استعمالها في الميدان إلى تقليص الخسائر في صفوف الجنود، لجأ المغرب إلى الاستعانة بها لمواجهة الهجمات الخاطفة، التي يقوم بها مسلحو جبهة البوليساريو على الجدار الدفاعي، الذي يحيط بالصحراء المغربية على طول يقارب 3000 كيلومتر.
فمنذ إعلان الجبهة عن إلغاء وقف إطلاق النار مع المغرب، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ردا على التدخل الأمني المغربي لتحرير معبر الكَركَرات، يقوم مسلحوها بهجمات خاطفة على الجدار الدفاعي، على متن سيارات رباعية الدفع. لكن الحرب تغيرت في الصحراء عما كانت عليه خلال العقود السابقة. فالمغرب لم يعد يدفع بجنوده لملاحقة مسلحي البوليساريو (المغرب يضع 150 ألف جندي على طول الجدار الدفاعي في حالة تأهب دائم منذ عقود)، بل نابت عنهم مُسيرات “بيرقدار” التركية الصنع. وبحسب الصور التي تنقلها مواقع محسوبة على الجيش المغربي، يظهر أن مسيرات الجيش المغربي تحدث خسائر فادحة في صفوف مقاتلي البوليساريو، الذين تدمر مركباتهم بمجرد رصدها مانعة إياها من مجرد الاقتراب من الجدار الدفاعي.
ويبدو أن المغرب بات يعول أكثر فأكثر على المسيرات لإدارة الحرب المحدودة (حتى الآن) في الصحراء. وفي هذا السياق، أفادت صفحة القوات المسلحة المغربية على الفايسبوك مؤخرا، بأن المغرب نشر هذا الصيف المُسَيّرات الانتحارية من نوع “هاروب Harop” الإسرائيلية الصنع، بقطاع “السمارة” العسكري في قلب الصحراء. وهو ما يعني أن الرباط تأخذ على محمل الجد تهديدات البوليساريو ومعها الجزائر بالحرب، وتستعد بما يلزم لمواجهتها.
هكذا غيرت المُسَيّرات شكل الحروب الحديثة
من مخابئ سلاح حزب الله بالضاحية الجنوبية لبيروت، إلى منشئات إنتاج النفط السعودية، ومن الرمال المتحركة للحرب الأهلية الليبية إلى ساحات حرب أفغانستان التي لا تنتهي.. تكتسب طائرات التجسس والهجوم المُسَيّرة عن بعد (الدّرون) نجومية متزايدة يوما بعد يوم، في النزاعات العصية على كل حل سياسي. وما يصنع نجاح هذه الطائرات الحربية التي تعتبر سلاح «الجيل الثالث» في الحروب، هو حجمها الصغير وسعرها الزهيد مع قدرتها على الطيران على ارتفاع منخفض جدا. إلى جانب قدراتها الكبيرة في الاستطلاع والمراقبة والتصوير، وحتى في توجيه ضربات نارية لأهداف يصعب على المقاتلات العادية الوصول إليها.
تعود أولى التجارب العملية لهذه الطائرات إلى العام 1917 في إنجلترا، أي بتزامن مع ظهور الطيران، ليتم تطوير أول طائرة من دون طيار فعليا سنة 1924. وكان أول استخدام لها عمليا في حرب فيتنام خلال سبعينيات القرن الماضي، كما استعملتها إسرائيل في حرب أكتوبر ضد العرب عام 1973، لكن من دون أن تحقق النتيجة المطلوبة فيها لضعف الإمكانات في ذلك الوقت. وقد استعمل الجيش الأمريكي لأول مرة طائرة بدون طيار من نوع “بريداتور” (المفترس) بفعالية، في حرب البوسنة عام 1995. وبعد ذلك بست سنوات كان الجيل المتطور من تلك الطائرات يقوم بدوريات في سماء أفغانستان.
وبحلول العام 2004، أي بعد مرور عام على اندلاع حرب العراق، تمكنت القوات الجوية الأمريكية من الاحتفاظ بخمس طائرات “بريداتور” في الجو في وقت واحد لأول مرة. وارتفع هذا العدد إلى 8 طائرات في عام 2005، ثم 11 طائرة في عام 2006، فـ 18طائرة بعد عام واحد. واليوم، وبعد ربع قرن فقط على ظهور الطائرات الحربية بدون طيار، باتت تمثل الجيل الثالث من الأسلحة في حروب القرن الحادي والعشرين. فلم يستثن انتشارها حتى أصغر الدول وأضعفها جيوشا في العالم. فالتكنولوجيا التي تسمح بإنتاجها لم تعد حكرا على الولايات المتحدة، بل انتقلت إلى منافسيها قبل حلفائها، وأساسا منهم الصين التي طورت نماذج رخيصة جدا ولا تنقصها الفعالية الميدانية، وأيضا تركيا. وهو ما جعل انتشار الدرون يشهد فورة هائلة تغيرت معها أشكال الحروب تماما…
ففي وقت يتعاظم اهتمام العلوم العسكرية بالاستراتيجيات في الحروب الحديثة، التي أصبحت حروبا هجينة تعتمد على الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى وعلى الطائرات المسيرة، تمثل الطائرات بدون طيّار أو (الدرون Drones)، أو المُسَيَّرات، التطور الأهم حاليا في عالم التسليح وأسواقه في السنوات الأخيرة. وذلك بالنظر إلى استخدامها المتزايد في النزاعات حول العالم، وفتحها المجال أمام سباقات التسلح حتى بين الدول الصغيرة وربما الهشة، التي لا تمتلك الكثير من الإمكانيات المالية لاقتناء الأسلحة الباهظة. فالتقدم التقني قدم للعالم سلاحا فتاكا جديدا، بتكلفة لا تتساوى مع إمكانياته العسكرية المتعددة، لدرجة أنه أصبح سلاحا في متناول حتى الجماعات المسلحة في العديد من مناطق العالم.
ويرى الخبير الأمريكي دان غيتنغر، بأن أنظمة الدفاع الجوي المخصصة لاعتراض المقاتلات السريعة والصواريخ، تجد صعوبة في مواجهة الطائرات المسيرة التي تتميز بمناورات إلكترونية كبيرة. وهذه المميزات هي التي دفعت السعودية مثلا إلى الاستنجاد بالطائرات المسيرة التركية لمواجهة الحوثيين بعدما فشلت في استعمال السلاح الأمريكي الذي لديها.
وتعد الحرب الروسية الأوكرانية أكبر حرب أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. وبعد مرور ثمانية أشهر على اندلاعها، فإنها بالنسبة للخبراء العسكريين وقادة الجيوش عبر العالم، تعد بمثابة مختبر لا يقدر بثمن لمعرفة تكتيكات الحروب، وميدانا حقيقيا لتقييم قدرات الأسلحة الجديدة. ويزيد من أهمية هذه الحرب في الدراسات العسكرية أنها تمثل ساحة تنافس بين مدرسة الأسلحة والقتال السوفييتية التي تتبعها روسيا وإلى حد ما أوكرانيا، ومدرسة القتال الغربية عبر الأسلحة والخبرات والتقنيات التي تقدمها دول الناتو لكييف.
بل لا تخلو الحرب من تأثيرات مدارس أخرى مثل التركية، حيث قدمت أنقرة طائرات مسيرة لأوكرانيا، بينما تفيد تقارير غربية بأن طهران زودت موسكو بطائرات مسيرة. وحتى الآن ليست ثمة تقارير عن تزويد الصين لروسيا بأسلحة، لكن الطائرات المسيرة المدنية الصينية يعتقد أنها تستخدم بشكل ما في الحرب. لقد أظهرت هذه الحرب أن هناك أسلحة كان يعتقد أنها بمثابة القوة الضاربة للجيوش، لكن تبين في الميدان عدم فعاليتها في الحروب الحديثة، مثل مدافع الهاوتزر المجرورة، وطائرات الدعم الجوي القريب سواء المروحية أو ثابتة الأجنحة، والدبابات التي ظلت السلاح البري الأكثر أهمية منذ قرن، إذ يبدو أنه يتعثر في حرب أوكرانيا.
في المقابل، أدت حرب أوكرانيا إلى إظهار أهمية بعض الأسلحة الجديدة التي كانت قد دخلت بصورة محدودة في معارك خلال السنوات الأخيرة، ولكنها لم تخض من قبلُ حرباً واسعة النطاق بين جيشين حديثين مثل روسيا وأوكرانيا. فلقد رفع الصراع في أوكرانيا الطائرات المسيرة والحرب الإلكترونية والليرز إلى مرتبة الأسياد الجدد للحروب، حسبما ورد في تقرير لموقع Popular Mechanics الأمريكي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس