الهيدروجين الأخضر في المغرب..رهان استراتيجي وبوابة أخرى لجذب الاستثمار

48
المغرب.. الرابع عالميا في إنتاج الهيدروجين الأخضر وبوابة أخرى لجذب الاستثمار

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. تذهب تحليلات الخبراء إلى أن الطاقات المتجددة باتت تمثل رهانا جيوسياسيا حقيقيا، وأداة رئيسة من أدوات القوة الناعمة للدول في القرن الحادي والعشرين. ويقع الهيدروجين الأخضر الذي يعتمد في إنتاجه على الطاقات المتجددة في قلب هذا الرهان، بحيث أصبح التموقع على لائحة منتجيه طموحا يحرك كثيرا من دول العالم.

ورغم أن المغرب ليس البلد الوحيد الذي لديه طموح مُعلَن بهذا الصدد على المستوى الإفريقي، إلا أنه يتفوق على القلة القليلة من دول القارة (في مقدمتها مصر) التي تنوي دخول هذا السباق، بفضل نقاط القوة التنافسية التي تتوفر عليها المملكة. ولعل في مقدمتها قرب المغرب من أوروبا، وتمتعه بمصداقية لا تخفى في مجالات الطاقة الخضراء. وهو ما يجعل منه الشريك المفضل لإنتاج الهيدروجين الأخضر. وبوأه احتلال المرتبة الخامسة في العالم على مؤشر المستقبل الأخضر للعام 2021، الذي طوره معهد ماساتشوستس الأمريكي للتكنولوجيا، متقدما في ذلك حتى على دول مثل الدنمارك وفرنسا.

وفي تقريرها الأخير الصادر قبل شهر، صنفت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة المغرب رابعاً عالميا، على قائمة الدول التي من المنتظر أن تحقق ريادة الهيدروجين الأخضر مستقبلا. وبالفعل، فإن مجال إنتاج هذه الطاقة الصديقة للبيئة بدأ يشهد تدفق استثمارات ضخمة، من المنتظر أن تُغَيّر تماما وجه المغرب على المدى المتوسط، خصوصا أقاليمه الصحراوية.

يتزايد الاهتمام بسرعة بالهيدروجين الأخضر، بين الدول كما بين شركات النفط والغاز الكبرى عبر العالم، في وقت تفيد الدراسات بأننا نعيش مقدمات نهاية “عصر النفط”. وبالتالي سوف يصبح الهيدروجين بعد 30 عاما من اليوم (في 2050) مثل النفط اليوم، لكنه بديل أنظف وأسهل استغلالا منه. ولذلك تُخطط أوروبا  ̶̶مثلا̶  لجعل الهيدروجين الأخضر جزءا أساسيا من مشروع انتقالها الطاقي الذي يتوقع أن يتكلف تريليون دولار، حيث ينتظر أن تنشر استراتيجية الهيدروجين الأخضر على مستوى الاتحاد الأوروبي بالكامل في شهر يوليو 2021.

والمغرب ليس بمعزل عن هذا التوجه العالمي، إذ سارع إلى بلورة استراتيجيته للهيدروجين الأخضر في ارتباط باستراتيجيته المتكاملة حول الانتقال الطاقي (من المصادر الأحفورية إلى الطاقات المتجددة). ولتجاوز الصعوبات التكنولوجية والتمويلية التي تعترض هذا الطموح الكبير، تراهن بلادنا على عقد شراكات مع غربية وعالمية.

سباق عالمي محموم

تسعى كبريات الشركات الرائدة عالميا حثيثا نحو تطوير آلات التحليل الكهربي التي بإمكانها إنتاج الهيدروجين الأخضر، بالتكلفة ذاتها التي ينتج بها الهيدروجين الرمادي والأزرق. وهو الهدف الذي يتوقع المحللون أن تتمكن الشركات من تحقيقه في غضون السنوات العشر القادمة. ومع أن إنتاج الهيدروجين الأخضر ما زال يخطو خطواته الأولى، تضخ دول عدة استثماراتها في هذه التكنولوجيا، لا سيما تلك الدول التي تتوافر لها طاقة متجددة قليلة التكلفة. ومن هذه الدول أستراليا، التي تسعى إلى تصدير الهيدروجين المزمع إنتاجه عبر استغلال ما يتوفر لديها من طاقة شمسية وريحية، في حين تخطط الشيلي لإنتاج الهيدروجين في المناطق القاحلة الواقعة في شمال البلاد، الغنية بالكهرباء المُولدة باستخدام الطاقة الشمسية. وأما الصين فتعتزم إطلاق مليون مركبة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين بحلول عام 2030. وثمة مشروعات أخرى كثيرة يجري العمل عليها، في كل من ألمانيا وكوريا الجنوبية والنرويج والولايات المتحدة. وفي المنطقة العربية دخلت السباق دول نفطية كالسعودية والإمارات، وأخرى غير نفطية كالمغرب ومصر.

وتتوقع تقارير أمريكية بأن يصبح الهيدروجين الأخضر المنتج من الطاقة النظيفة مستخدما على نطاق واسع  بحلول عام 2030، ليصبح قادرا على إنقاذ العالم من الوقود الأحفوري الذي يعتمد على الفحم والنفط عادة، بعد أن تراجع تكاليف إنتاجه. بينما تذهب توقعات أخرى إلى أن تبلغ قيمة الاستثمارات في سوق إنتاج الهيدروجين الأخضر، حوالي 12 تريليون دولار بحلول العام 2050.

من جهتها، نشرت المفوضية الأوروبية مؤخرا خطة إنتاج الهيدروجين لعام 2030، التي تدعو فيها إلى زيادة قدرات إنتاج الهيدروجين لتصل إلى 500 جيغاوات بحلول عام 2050 (علما بأن القدرات الحالية لا تزيد على 0,1 جيغاوات). وبالمقابل تتجه الحكومات الأوربية إلى فرض رسوم، تستهدف زيادة تكاليف إنتاج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبط بالوقود التقليدي، في محاولة لتحفيز الشركات للاعتماد على الهيدروجين. وتوجد ألمانيا في طليعة الدول في هذا المجال، حيث توقعت الخريف الماضي، بأن يلعب الهيدروجين الأخضر دورا مركزيا، في إعادة بناء الأساس الصناعي في بلادها. وتستهدف برلين تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لتصل إلى الصفر بحلول عام 2050، في وقت تبذل واشنطن جهودا حثيثة من أجل استبعاد الحافلات، التي تعمل بالنفط من ولاية كاليفورنيا بحلول العام 2040.

المغرب الرابع عالميا

الهيدروجين الأخضر - المغرب

في غضون ذلك، كشف تقرير دولي عن أن خريطة تجارة الطاقة الدولية ستشهد تغيرات جذرية خلال السنوات المقبلة، بالتزامن مع ظهور عدة دول، من بينها المغرب، لأداء دور رئيس في سباق الهيدروجين، الذي سيستحوذ على حصة كبيرة من سوق النفط والغاز.

وتوقع تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، الذي حمل عنوان “الجغرافيا السياسية لتحول الطاقة.. عامل الهيدروجين”، أن يؤدي النمو السريع في سباق الهيدروجين العالمي إلى تحولات جغرافية اقتصادية، ما يمهد إلى ظهور مراكز نفوذ جيوسياسي جديدة، على أساس إنتاج الهيدروجين واستخدامه بالتوازي مع تراجع تجارة النفط والغاز.

وكان المغرب قد دخل في شراكة مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في 14 يونيو 2021، لمرافقة تحوله إلى اقتصاد الهيدروجين الأخضر. ويأتي ذلك بالتزامن مع مساعيه لزيادة طموحاته في مجال الطاقة النظيفة، ورفع مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء الوطني بنحو 30%.

ويشير التقرير إلى أن المغرب يستعد لأن يصبح رائدا عالميا في تصدير الهيدروجين الأخضر، إلى جانب كل من ناميبيا والشيلي، إذ قدرت الوكالة أن الهيدروجين سيغطي ما يصل إلى 12% من استخدام الطاقة العالمي بحلول عام 2050. وكانت تقديرات سابقة لخبراء تتوقع ان تنتج المملكة حوالي 4% من حاجة العالم من الهيدروجين الأخضر في أفق العام 2030.

ووفق التقرير المشار إليه، فقد احتل المغرب المرتبة الرابعة عالميا بين الدول المرشحة لتصبح منتجة رئيسة للهيدروجين، بعد كل من أستراليا والشيلي والسعودية، متقدما على العديد من الدول التي تستحوذ على حصة كبيرة من تجارة النفط والغاز حاليا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والجزائر وقطر وسلطنة عمان والإمارات والمملكة المتحدة. بل إن التقرير وضع المغرب على خريطة البلدان التي يمكن أن تبرز باعتبارها قيادة عالمية، في سباق الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050. وعلى الرغم من أن المغرب ليس مُصدرا للهيدروجين حاليا، فإنه من المتوقع أن يكتسب أهمية جغرافية استراتيجية كبيرة على الخريطة العالمية لمصدري الهيدروجين النظيف، وفقا لخبراء الوكالة.

وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة قائمة مصدري الهيدروجين الأخضر المستقبليين بناءً على عدة معايير، من خلال الاستفادة من تكاليف الإنتاج المنخفضة والقدرة على إنتاج الطاقة المتجددة الموجودة بالفعل؛ لذا يبرز المغرب لأداء دور رئيس في جذب استثمارات كبيرة في قطاع الهيدروجين الأخضر.

رهان استراتيجي

هكذا، وفي مواجهة التحديات المناخية والبيئية، يفرض المغرب نفسه تدريجيا كرائد حقيقي قاريا وعالميا في مجال الطاقات المتجددة. وذلك بفضل الرؤية الاستراتيجية بعيدة النظر التي ينهجها منذ أكثر من عقد. وهكذا، انصب طموح المغرب نحو مصدر للطاقة تم الحديث عنه كثيرا في السنوات الأخيرة، وهو الهيدروجين الأخضر، الذي يعتبره المراقبون بمثابة الذهب الأخضر المستقبلي وحجر الزاوية في التحول الطاقي الأوروبي. وهذه الأسباب وأخرى غيرها يهدف المغرب إلى أن يصبح مُصدِّرا عالميا رئيسيا له.

ولأجل ذلك اتخذ المغرب عديد الإجراءات بينها إنشاء لجنة الهيدروجين الوطنية في عام 2019، بهدف توجيه ومراقبة استكمال الدراسات في هذا المجال، وكذلك لفحص تنفيذ خارطة طريق إنتاج الهيدروجين. ثم وضع خارطة طريق وطنية للطاقة الهيدروجينية التي تشمل بناء مصنع للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2025، وأن يصبح مُصدِّرا رئيسيا له بحلول العام 2030. كما تم إطلاق سلسلة من مشاريع البحث والتطوير من طرف وزارة الطاقة وبالتعاون مع الوكالة المغربية للطاقة المستدامة والمعهد المغربي للبحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، تهدف إلى تحويل المغرب إلى رائد إفريقي في الطاقات المتجددة ومنتج يلبي الطلب العالمي الكبير على الهيدروجين الأخضر.

ومن خلال وضع الهيدروجين في صميم استراتيجيتها الطاقية للمستقبل، تعتزم المملكة الاستفادة من موقعها الجغرافي الاستثنائي ومناخها الذي يوفر ظروف إشعاع شمسي ورياح من بين الأفضل في العالم، واحتياطي كبير جدا من الأراضي المؤهلة لإقامة مشاريع الطاقات المتجددة، لتنزيل استراتيجيته في أفضل الظروف.

وليست ألمانيا وحدها المهتمة بالتعاون مع المغرب في هذا المجال. فثمة دول أخرى في القارة الأوروبية أبدت اهتماما متزايدا بالتعاون مع المغرب في مجالات إنتاج الطاقة من مصادر نظيفة. وذلك هو حال بريطانيا العظمى بشكل خاص التي يوجد مشروع تعاون لها مع المملكة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والريحية بالأقاليم الصحراوية.

ويمتلك المغرب القدرة على الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة لدعم نمو التجارة البحرية المعتمدة على الكهرباء؛ ففي عام 2019، شهد ثاني أكبر حجم للتجارة البحرية في القارة الأفريقية.

ومع ارتفاع الطلب على التجارة البحرية وسط النمو السكاني، سيستفيد المغرب من الطلب المتزايد على الكهرباء، ومن ثم زيادة الطلب على سوق الهيدروجين المغربية.

كان تقرير صادر عن وزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة المغربية، قد أشار إلى أن الهيدروجين الأخضر يُعَد “حجر الزاوية في التحول الأخضر لقطاعي الطاقة والصناعة” في المغرب.

استثمارات ضخمة

ويبدي المغرب اهتماما كبيرا بتطوير إنتاج الهيدروجين على الصعيد الوطني، حيث أنشأ “لجنة وطنية للهيدروجين” في عام 2019، تبنت خريطة طريق للهيدروجين الأخضر في 2021. وتعتبر خريطة الطريق هذه الهيدروجين الأخضر مصدر نمو رئيسا في الاقتصاد الوطني، حيث يهدف المغرب إلى إمداد السوق الوطنية بـ 4 تيراواط/ساعة من الطاقة، والسوق العالمية بـ 10 تيراواط/ساعة بحلول العام 2030. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يعمل المغرب على زيادة الاستثمار في البنية التحتية الجديدة والمتجددة بقدرة 6 جيغاواط، ودعم خلق أكثر من 15 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

وكان المغرب يستهدف 52% من الطاقة المتجددة من إجمالي السعة المركبة بحلول عام 2030، وتقترح خريطة الطريق الجديدة زيادة حصة الطاقات المتجددة إلى 70% بحلول عام 2040 و80% بحلول عام 2050 في مزيج الكهرباء، وهو ما يمكّنه من التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

وفي أواخر يونيو 2021، وافق المركز الجهوي للاستثمار لجهة كلميم -واد نون، على العديد من المشاريع المتعلقة بالطاقات المتجددة، تقدمتها بها خصوصا شركة “توتال إيرين” العالمية المتخصصة في الطاقات المتجددة. وفي ديسمبر الماضي، أضافت الشركة استثمارات أخرى تتعلق بمشروعين لتوليد طاقة الرياح. ومن المقرر أن تنطلق الأشغال الأولى لإنجاز هذا المشروع في العام 2025، بعد الانتهاء من الدراسات التمهيدية، لينطلق الانتاج عمليا في أفق 2027.

وستخصص الشركة الأم “توتال إينيرجي” التي تتبع لها شركة “توتال إيرين”، استثمارات ضخمة لهذا المشروع بحجم 100 مليار درهم على مساحة 170 ألف هكتار؛ حيث ترغب المجموعة في تنفيذ مشروع هجين لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، بقدرة تصل إلى 10 جيغاوات، إلى جانب حقل عملاق لتوربينات تحويل الرياح إلى كهرباء. وهو حجم إنتاج كبير يكفي للتصدير وتأكيد مكانة المغرب كرائد في مجال الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر.

وكان ثلاثة فاعلين عموميين مغاربة وقعوا قبل أسابيع على اتفاق-إطار للتعاون، من أجل إقامة أول منصة تكنولوجية مخصصة للبحث والتطوير في مجال الهيدروجين الأخضر وتطبيقاته. ويتعلق الأمر بكل من المكتب الشريف للفوسفاط، ومعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة (التابع لوزارة الطاقة)، وجامعة محمد السادس للتكنولوجيا بابن جرير، الذين اتفقوا على خلق هذه المنشأة العلمية الأولى على الصعيد الإفريقي، لتشكل قاعدة رائدة تشرف على إطلاق مشاريع للبحث العلمي المتطور، وإقامة منشآت صناعية لإنتاج الهيدروجين الأخضر مستقبلا.

ومن المنتظر أن تقام هذه المنصة التي تحمل اسم GreenH2A، في قلب المنطقة الصناعية بالجرف الأصفر مبدئيا على مساحة خمسة هكتارات قابلة للتوسيع. وتتضمن بناية تحوي مختبرات داخلية ومكاتب للباحثين، وأيضا مرافق أخرى خارجية ملحقة بها. وسيكون من شأن هذه اللبنة التكنولوجية المتطورة، أن تُسَرّع جهود المغرب في تطوير وإنتاج الهيدروجين الأخضر في بلادنا.

وتجدر الإشارة إلى أن أحد المشاريع الأولى لمنصة Green H2A هو محطة إنتاج تجريبي لما قبل الصناعة، بحجم إنتاج يبلغ 4 أطنان يوميا من الأمونيا الخضراء، مجهزة بقدرة تحليل كهربائي تبلغ 4 ميغاوات.

الهيدروجين حل لمشاكل الفوسفاط المغربي

في دراسة نشرها قبل أسبوعين، كشف البروفيسور مايكل تانشوم، الباحث في المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية في فيينا، والباحث في “برنامج إفريقيا” لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بأن «سعي المغرب إلى توسيع توليد الطاقة من الشمس والرياح، يحمل إمكانية التغلب على التحديات التي يعانيها في تصنيع فوسفاطه، من خلال إنتاج الهيدروجين الأخضر الذي يمكن استخدامه ليحل محل الغاز الطبيعي لإنتاج الأمونيا الخضراء».

ويرى الباحث بأن موارد الطاقة من الشمس والرياح المتوفرة في المغرب توفر الإمكانيات، لتحويل الحلقة المفرغة الحالية في العلاقة بين الغذاء والطاقة والمياه، إلى دورة حميدة لا تصنع الأسمدة بالطاقة المتجددة فحسب، بل تنتج الأمونيا نفسها باستخدام الهيدروجين الأخضر بدلا من الهيدروجين “الرمادي” المشتق من الغاز الطبيعي. وقد التزم المكتب الشريف للفوسفاط بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2040. وفي عام 2020 لبَّى المكتب 89℅ من احتياجاته من الطاقة عن طريق مصادر الطاقة المتجددة. كما لبَّى 31℅ من احتياجاته المائية بموارد مائية غير تقليدية.

وسيتطلب اعتماد المغرب المتزايد على محطات تحلية مياه البحر، لتلبية الاحتياجات الصناعية والزراعية والسكنية استثمارات جديدة كبيرة في توليد الطاقة من مصادر متجددة. ولتعزيز استدامة عمليات المكتب الشريف للفوسفاط وتوسيع إنتاج الأمونيا الخضراء، يتعين على المغرب أن يحقق توازنا دقيقا بين صادراته من الأسمدة، ومسعَاه لتوسيع صادراته الزراعية العالية القيمة مع توفير مياه الشرب الكافية لسكانه في الوقت نفسه.

لكن بسبب شح موارد المغرب من الغاز الطبيعي، يستورد المكتب الشريف للفوسفاط ما بين 1,5 و2 مليون طن من الأمونيا سنويا. وبدلا عن استيراد الأمونيا المركبة من الهيدروجين الرمادي، يمكن للمغرب تصنيع الأمونيا الخضراء من الهيدروجين الأخضر المُنتَج من موارد الطاقة المتجددة المحلية. ويأتي الجزء الأكبر من تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر، من الكهرباء اللازمة لتقسيم المياه إلى مكونات الهيدروجين والأكسجين. وهي عملية يمكن تشغيلها بموارد الطاقة الشمسية في المغرب. وفي عام 2018 وقع المكتب الشريف للفوسفاط اتفاقية تعاون مع معهد فراونهوفر في ألمانيا، لتطوير مشروع تصنيع الهيدروجين الأخضر، بالشراكة مع المعهد المغربي لأبحاث الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة (إيرسين).

وبعد إعلان ألمانيا «استراتيجيتها الوطنية للهيدروجين» في يونيو 2020، أصبح المغرب أول بلد يوقع اتفاقية الهيدروجين الأخضر مع برلين لإنشاء أول مصنع أفريقي لإنتاج الهيدروجين الأخضر، باستخدام البنية التحتية للطاقة الشمسية في المغرب. وفي إطار الاتفاقية تعهدت «الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (ماسين)» بإقامة منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر. غير أن مشروعي “إيرسين” و”ماسين” تعثرا نتيجة تعليق المغرب للعلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا في مارس 2021. وتعتمد السرعة التي يستبدل بها المغرب فعليا الأمونيا الرمادية في تصنيع الأسمدة، لتحل محلها أمونيا خضراء صديقة للمناخ، على مدى إعطاء الرباط الأولوية لصادرات الهيدروجين الأخضر على استخدام التصنيع المحلي. وتتطلب استدامة صناعة الأسمدة المغربية استثمارات كبيرة لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، وقدرة إضافية على توليد الطاقة التي تحتاجها من مصادر متجددة.

ومع المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى تفاقم المستويات المرتفعة بالفعل لتضخم الغذاء العالمي في عام 2022، يضيف مايكل تانشوم، سيصبح للمغرب دور أكبر في استقرار الإمدادات الغذائية والقدرة على تحمل تكاليفها من خلال توريد الأسمدة والحفاظ على أسعارها في المتناول. ويعتمد نجاح المغرب على نجاحه في تحقيق تحول الطاقة من خلال توسيع قطاع الطاقة المتجددة، وباستخدام موارد الطاقة الشمسية الكبيرة لتشغيل إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، إلى جانب تحلية المياه، يمكن للمغرب أن يفلت من الحلقة المفرغة لارتفاع الأسعار التصاعدي في العلاقة بين الغذاء، والطاقة والمياه.

إن الأمر مُلِحٌّ لكل من المغرب والمجتمع الدولي. وتتطلب المملكة استثمارات إضافية في البنية التحتية بالمليارات لتحقيق صناعة أسمدة مستدامة وخالية من الكربون، يمكن أن تأتي من أوروبا ومن الولايات المتحدة.

ما هو الهيدروجين الأخضر؟

الهيدروجين الأخضر

يعد الهيدروجين (يرمز له بالحرف  H)، من العناصر الكيميائية الخفيفة المتوفر بكثرة في الطبيعة. وهو غاز لا لون ولا رائحة ولا طعم له، ولا يمكن وجوده منفردا في الطبيعة، بل يكون متحدا ليشكل المُركّبات الكيميائية المختلفة. سواء كانت بحالة غازية كالغاز الطبيعي، أو سائلة كالماء، أو صلبة مثل المركبات الهيدروكربونية. وبما أنّ غاز الهيدروجين خفيف بحيث لا يطلق غازات عند حرقه، فيمكن استغلاله كوقود خال من الكربون لكونه يلبي شرط حماية البيئة من الاحتباس الحراري، فأصبح مؤهلا لأن يكون وقودا للمستقبل.

مصدر إنتاجه هو الماء. ويتم الحصول عليه من خلال عملية فصل جزيئات الهيدروجين عن جزئيات الأكسجين بالماء، بواسطة كهرباء يتم توليدها من مصادر طاقة متجددة (الشمس أو الرياح). وتعتمد هذه التقنية على توليد الهيدروجين من خلال عملية كيميائية تُعرف باسم التحليل الكهربائي، حيث تستخدم هذه الطريقة تيارا كهربائيا لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء. وإذا تم الحصول على هذه الكهرباء من مصادر متجددة، فسوف الهيدروجين المنتج فعلا “أخضر”، بمعنى أن إنتاجه لم يخلف انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

وكان التحليل الكهربائي يتطلب في السابق، استهلاك قدر كبير من الطاقة الكهربية، إلى الحد الذي جعل من غير المعقول إنتاج الهيدروجين بتلك الطريقة. أما اليوم، فقد شهد الوضع تغيرا يعزى إلى سببين اثنين: أولهما توافر فائض من الكهرباء المتجددة بكميات كبيرة في شبكات توزيع الكهرباء. فعوضا عن تخزين فائض الكهرباء في مجموعات كبيرة من البطاريات، يمكن الاستعانة به في عملية التحليل الكهربائي للماء، ومن ثم تخزين ذلك الكهرباء في صورة هيدروجين. وأما العامل الثاني فيرجع إلى ما تشهده آلات التحليل الكهربي من تطور متسارع زاد من كفاءتها.

كيف سيتم تصدير الهيدروجين؟

بالإمكان نقله لمسافات قصيرة من خلال شاحنات خاصة. أما بالنسبة للمسافات البعيدة ستكون السفن والأنابيب هي الأنسب. لكن نظرا لعدم وجود سفن خاصة الآن لنقل الهيدروجين، سوف يتم تصديره بعد تحويله إلى مادة الأمونيا التي يسهل نقلها على سفن خاصة لذلك. وتبقى المشكلة الرئيسية في تزويد الأسواق المحتملة في توصيل الهيدروجين الأخضر إلى حيث يحتاج الناس إليه، والحال أنه ليس من السهل نقله وتخزينه لأنه غاز سريع الاشتعال، ويحتل مساحة كبيرة، ويجعل الأنابيب الفولاذية واللحام هشة وعرضة للتحطم. وقد ينتج عن قابليته الشديدة للاشتعال حوادث مثلما حدث في انفجار محطة تعبئة الهيدروجين النرويجية في يونيو 2019. لذلك يتطلب توزيع الهيدروجين بكميات كبيرة نشر أنابيب خاصة، سيكون بناؤها إضافة إلى ضغط الهيدروجين وتبريده إلى سائل مكلفا جدا. وهو ما يعني أنه سيكون على دول العالم أن تغير مستقبلا شبكاتها لنقل وتوزيع الطاقة، بدءا من الناقلات ووصولا إلى قنوات توزيعها للاستخدام المنزلي.

وبذلك يعتبر الهيدروجين الأخضر أسهل في التخزين من الكهرباء المتولدة عن توربينات الرياح ومزارع الطاقة الشمسية، حيث يمكن نقله عن طريق سفينة أو خط أنابيب. وبدلا من ضخه أو شحنه إلى المستخدمين النهائيين في صورة هيدروجين سائل أو غازي، سوف يجري تحويل الهيدروجين في بداية الأمر إلى أمونيا، تكون أكثر كثافة ومن تم أكثر توفيرا عند شحنها. ثم بعد إرسالها عن طريق الشحن البحري إلى آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، سوف يعاد تحويل الأمونيا إلى هيدروجين مرة أخرى قبل إرسالها إلى محطات التزويد التي ستبنيها شركات التوزيع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس