مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. خرجت حكومة مدريد عن نهجها “الودي”، على غير عادتها منذ اندلاع أزمتها الحادة مع المغرب قبل حوالي 10 شهور، لتوجه ما قرأ فيه إعلامها “تحذيرا” للمغرب، من مغبة نشره المحتمل لصواريخ هجومية ذكية من الجيل الخامس، على مشارف مدينتيه سبتة ومليلية وجزره المحتلة. المثير في هذا المستجد الذي يبعث على الاستغراب، أن تلك الصواريخ المفترضة كانت صحيفة إسبانية أخرى، هي من “كشفت عنها النقاب” منذ قرابة الثلاثة شهور. والمغرب لم يعلق عليها –كالعادة– لا بالنفي ولا بالتأكيد. وهو ما يحمل على التساؤل: ما الذي استجد في الموضوع حتى يدفع مدريد إلى إصدار رد فعل مستفز في هذا التوقيت بالذات؟
هكذا وعلى نحو مفاجئ، اختارت الحكومة الإسبانية، في وقت تمر العلاقات المغربية –الإسبانية بأسوأ أزمة منذ قرابة العام، الرد “بشدة” غير معتادة على تقارير إسبانية اتهمت المغرب بتعزيز تواجده العسكري من خلال نيته نشر منظومة صواريخ في مدن شمالية محاذية لمدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما. فقد قالت صحيفة “إلكونفيدنثيال” الرقمية الإسبانية، في عددها ليوم أمس الأربعاء 23 فبراير، إن مدريد “بعدما كانت دائما ترد بطرق دبلوماسية، فيما يتعلق بالعلاقات مع المغرب، اختارت هذه المرة الرد بقوة غير معتادة، ما يحمل رسالة تحذير للجار المغربي”.

اللهجة لم تعد “دبلوماسية”!
في وقت تمر العلاقات المغربية –الإسبانية بأسوأ أزمة منذ قرابة العام، اختارت الحكومة الإسبانية، بشكل غير معتاد، الرد “بشدة” على تقارير تشير إلى تعزيز المغرب لتواجده العسكري ونيته نشر منظومة صواريخ في مدن شمالية محاذية لمدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما. وقالت صحيفة “إلكونفيدنثيال” الرقمية الإسبانية، في عددها ليوم الأربعاء 23 فبراير، إن مدريد “بعدما كانت دائما ترد بطرق دبلوماسية، فيما يتعلق بالعلاقات مع المغرب، اختارت هذه المرة الرد بقوة غير معتادة، ما يحمل رسالة تحذير للجار المغربي”.
وتقدم نواب من حزب “فوكس” (تنطق بالإسبانية “بوكس”) اليميني المتطرف، بسؤال إلى الحكومة الإسبانية، بخصوص تقرير سابق لصحيفة الـ “إسبانيول” يقول بأن المغرب سينشر صورايخ إسرائيلية في مضيق جبل طارق، ردا على تعزيزات عسكرية إسبانية في المنطقة. للإشارة فإن “فوكس” الذي طرح السؤال، هو حزب إسباني يميني متطرف، معروف بأفكاره ومواقفه المعادية للمغرب وللمهاجرين.
وبحسب التقرير، يعتزم المغرب وضع منظومة في مواقع مثل طنجة والناظور وهي مدن في الشمال المغربي القريب من سبتة و مليلية. وتأتي الخطوة المغربية، بحسب الصحيفة إياها، ردا على تعزيز الجيش الإسباني لتواجده في المدينتين، إضافة إلى صخرة بادس (بيليز دي لاغوميرا) وأرخبيل الجزر الجعفرية، وهي جميعها مناطق قريبة مغربية تحتلها مدريد منذ قرون.
وقالت “إلكونفيدنثيال” إن حزب “بوكس” تقدم بسؤال برلماني، مطالبا برد كتابي من الحكومة حول ما يراه “تهديدات مغربية”. وأضافت الصحيفة الرقمية بأن الحكومة الإسبانية في العادة لا ترد على مثل هذه الأسئلة، بدعوى عدم الكشف عن المعلومات. أو أنها تكتفي بالتذكير بالعلاقات الرسمية الجيدة مع الرباط (من باب لغة الخشب). غير أنها هذه المرة ردت بإجابة قصيرة جدا ولكنها مهمة، بحسب الصحيفة.
وفي الرد الرسمي على سؤال النواب، قالت الحكومة على لسان وزيرها في الخارجية خوسيه مانويل ألبارس، إن “الحكومة تدافع عن السلامة الإقليمية لإسبانيا. وستتصرف بحزم في حالة انتهاكها”. تلاحظ “إلكونفيدنثيال” أن الجزء الثاني من الرد “التصرف بحزم”، يبقى لافتا للنظر في الخطاب الدبلوماسي الإسباني تجاه المغرب.
السبب.. “كاسر البحر” المخيف
وتفاقمت الأزمة منتصف مايو حين تدفق نحو 10 آلاف مهاجر معظمهم مغاربة على جيب سبتة الإسباني شمال المملكة، مستغلين تراخيا في مراقبة الحدود من الجانب المغربي. وتبادل البلدان تصريحات حادة، حيث اتهمت مدريد خصوصا المغرب بارتكاب “عدوان” وبممارسة “الابتزاز” ضدها. وأدان المغرب حينها “اللغة المزدوجة” و”الترهيب” الممارس في حقه من مدريد، واستدعى للتشاور سفيرته بإسبانيا التي لم تعد بعد حتى اليوم.
ويأتي التهديد بـ “الرد الحاسم” من إسبانيا، في وقت تحاول فيه مدريد استعادة علاقاتها مع الرباط بعد الأزمة التي اندلعت بين البلدين في أبريل الماضي، بعد دخول زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، إلى إسبانيا للعلاج. وهو الأمر الذي اعتبرته الرباط “مخالفا لحسن الجوار”، مؤكدة أن غالي دخل إسبانيا من الجزائر “بوثائق مزورة وهوية منتحلة”.
لكن لفهم موضوع المستجد الأخير، لا بد من العودة إلى شهر ديسمبر الماضي، تناقلت مصادر إعلامية محلية ودولية عن صحيفة “الإسبانيول”، المقربة من المؤسسة العسكرية الإسبانية، خبرا حول نية مفترضة للمغرب نشر صواريخ إسرائيلية متطورة حول مدينتيه المحتلتين سبتة ومليلية، وكذا لمراقبة القطع البحرية العسكرية الإسبانية، التي تقوم باستعراض قوتها قرب المياه المغربية الشمالية.
وقيل حينها إنه في مواجهة العسكرة المقررة لمدينتي سبتة ومليلية والجزر المحتلة من طرف الاحتلال الإسباني، قرر المغرب نشر صواريخ إسرائيلية متطورة قرب مدينتي طنجة والناظور. ولهذا الغرض كان المغرب يستعجل التوقيع على اتفاق عسكري مع إسرائيل، يسمح له بنشر صواريخ شركة “رفاييل”، بما سيتيح له مراقبة مضيق جبل طارق وبحر البوران. وبحسب الإعلام الإسرائيلي، فإن الرباط مهتمة بشكل خاص، بصاروخ “كاسر البحر Sea Breaker”، الذي يعتبر أحدث ما أنتجته الشركة المذكورة. ويتعلق الأمر بمنظومة صواريخ من الجيل الخامس، ذاتية التوجيه ومضادة للأهداف البحرية (وحتى البرية)، يمكن لها تدمير أهدافها بدقة عالية على مسافات يمكن أن تصل إلى 300 كلم!
وتسابقت مواقع مغربية وإسبانية حينها على نشر شريط فيديو للشركة الإسرائيلية المذكورة، يكشف الخصائص التدميرية الرهيبة لصاروخ “كاسر البحر”، من دون أي تعليق رسمي أو غير رسمي بالنفي أو التأكيد من الرباط أو مدريد. وبحسب ما نقلت وكالة “أندلس برس” الإسبانية، تسود حالة من التوجس بعض الأوساط السياسية الإسبانية بعد انتشار أنباء حول إمكانية قيام المغرب بنشر الصواريخ الإسرائيلية قبالة إسبانيا.
لماذا تأخر رد مدريد؟
لقد حصل المغرب على اثنتي عشرة طائرة بدون طيار تركية قبل بضعة أشهر، بالإضافة إلى تلك التي اشتراها بالفعل من الولايات المتحدة وإسرائيل. وتم تخصيص تلك الطائرات لقواعد عسكرية، تقعان في منطقتَي طنجة وتطوان القريبتين من سبتة المحتلة، والناظور بالقرب من مليلية المحتلة.
وعندما أراد النائب عن حزب الوسط في مجلس الشيوخ الإسباني كارليس موليه، معرفة رأي الحكومة الائتلافية اليسارية بشأن إعادة تسلح المغرب في ضوء ذلك، لم تصدر عن السلطة التنفيذية –حينها – إشارات إلى وحدة أراضي إسبانيا، ولا التزامها بالرد “بحزم” إذا ما تم انتهاك وحدتها الترابية، تلاحظ صحيفة “إلكونفيدنثيال” الرقمية في نفس مقالها ليوم الأربعاء.
إذ فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار، أظهرت حكومة مدريد سلوكا أكثر تفهما مع المغرب، معتبرة إياه “جزءا من جهود السلام والأمن التي تبذلها الرباط، ولكل بلد السيادة لإدارة ومراقبة حدوده بالوسائل التي يراها مناسبة”.
وتتابع الصحيفة الإسبانية في تعليقها بأنه بهذه الكلمات الطيبة، تريد “الحكومة الإسبانية الحفاظ على أفضل علاقة جوار ممكنة مع المغرب، باعتباره شريكا استراتيجيا”، كما تقول. وهكذا، فإن حكومة مدريد تقول إنها “تعمل وستواصل العمل في مجالات التعاون التي تقوم عليها علاقتنا مع المغرب، وتسعى إلى أفضل العلاقات والمنفعة المتبادلة، والدفاع دائما عن مصالح إسبانيا “.
وفي نوفمبر الماضي، نشرت وسائل الإعلام الإسبانية (دائما) أخبارا عن سير مفاوضات مفترضة يجريها المغرب مع إسرائيل، للحصول على نظام “القبة الحديدية” للدفاع الجوي الذي تصنعه شركة “رافاييل”. ثم في ديسمبر، “كشفت” ذات المصادر التفاصيل السرية لافتتاح المغرب قاعدة عسكرية (80 كلم شمال الرباط)، مخصصة في استخدام بطاريات الدفاع الجوي الصينية طويلة المدى من طرازFD-2000B ، التي تتجاوز قدرات بطاريات الدفاع الجوي الصينية Sky Dragon 50 التي يمتلكها المغرب منذ سنوات. ثم قبل أيام فقط، تم الإعلان من طرف الإعلام الإسرائيلي عن شراء المغرب لمنظومة الدفاع الجوي المتطورة “باراك إم إكس Barak MX”، من شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية. وهي منظومة قادرة على تحييد جميع التهديدات الجوية في دائرة نصف قطرها 150 كيلومترا.
ومع التذكير بهذه التطورات، لمحت صحيفة “إلكونفيدنثيال” ، إلى أنه ليس مفهوما “صمت” حكومة مدريد و”صبرها” أمام كل هذا التطور التسليحي من جانب المغرب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس