خبير أوروبي: البحر المتوسط يغلي.. ومزيد من الجفاف والأعاصير المدمرة قادمة

17
خبير أوروبي: البحر المتوسط يغلي.. ومزيد من الجفاف والأعاصير المدمرة قادمة
خبير أوروبي: البحر المتوسط يغلي.. ومزيد من الجفاف والأعاصير المدمرة قادمة

ترجمة بتصرف: مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة “البايس” الإسبانية ونشرته الإثنين الماضي، يحذر كارلو بونتمبو، مدير مصلحة “التغير المناخي” في برنامج “كوبرنيكوس” الأوروبي، من خطر حدوث عواصف غزيرة في أوروبا بعد الصيف شديد الحرارة والجفاف الذي نودعه.

وبرنامج “كوبرنيكوس” للتغير المناخي – للتذكير- هو جزء من البرنامج الفضائي للاتحاد الأوروبي، حيث يوفر “كوبرنيكوس”، بفضل منظومة الأقمار الصناعية الأوروبية، معلومات هامة حول مختلف التغيرات المرتبطة بالتحول المناخي.

ونظرا لأهمية ما جاء في المقابلة من معطيات وتوقعات علمية، تشرح ما يجري من حولنا من تغيرات بيئية ناتجة عن التحول المناخي، نقدم في ما يلي نص المقابلة مترجمة بتصرف.

هل تعتبر حالة الحر الشديد والحرائق والجفاف في أوروبا طبيعية؟

هذا ليس طبيعيا. فقط انظر إلى الوراء قليلاً وستجد بأن مثل هذا الصيف الحار، مع مثل هذه الاختلالات في الرطوبة والجفاف المسجلة هذا الصيف، لم تتم مشاهدتها منذ سنوات عديدة. وهو أمر، بهذا المعنى، ليس طبيعيا. إنه حدث استثنائي، قوي جدًا وواسع النطاق.

في ما يتعلق بالحرائق [حرائق الغابات]، هل كان الصيف قاسيا في جميع أنحاء أوروبا؟

هذا يعتمد على المكان. لقد كانت لدينا حرائق قوية ومكثفة، مثل الحرائق التي شهدها جنوب غرب فرنسا. وشهدنا أيضا العديد من الحرائق في إسبانيا، لكن في البرتغال كان عاماً عاديًا إلى حد ما ولم يكن عامًا استثنائيًا. وكانت هناك حرائق كبيرة في إيطاليا… ومع ذلك، ما زلنا لا نملك نظرة شاملة حول الحرائق على مستوى عموم أوروبا. لكن في بعض البلدان كانت بالتأكيد السنة التي احترقت فيها أكبر مساحة من الغابات، كما هو حال إسبانيا.

بخصوص درجات الحرارة، هل هي غير طبيعية هذا الصيف؟

تماماً. في حالة درجة الحرارة، يمكننا تثبيتها بشكل أفضل، لأن هذا المتغير تتم مراقبته بشكل جيد، خاصة في أوروبا. وقد عشنا العديد من الأشياء المهمة: مثل سلسلة موجات الحر التي أثرت علينا منذ أواخر الربيع، التي كانت أولها بشكل مبكر جدا في مايو. تبعتها موجات الحر في يونيو ويوليو ثم الآن في أغسطس. ما يعني أن العديد من الحوادث [المناخية] المتطرفة للغاية، المترافقة ومع درجات حرارة قياسية في جميع البلدان تقريبا. لقد كان الصيف حارا جدا. ولا يزال يتعين علينا الانتظار حتى نهايته لمعرفة ما إذا كان هذا الصيف هو الأكثر سخونة على الإطلاق.

لقد كان العام الماضي الأكثر سخونة على الإطلاق. والحقيقة الاستثنائية الأخرى التي تقلقني كثيرا، هي الاختلال المسجل في درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط. إنه يغلي حيث تزيد درجة حرارته بخمس أو ست درجات عن القيمة العادية. وهذا له تأثير ليس فقط على الحاضر، بل حتى خلال الأسابيع والأشهر القادمة. إن المتوسط قد مثل خزان للطاقة، وكمية الحرارة المتراكمة في مياهه هائلة جدا.

ولماذا يغلي؟

هناك العديد من الظواهر المختلفة التي أثرت في ذلك. من ناحية أخرى، في نهاية الربيع كانت لدينا كتلة هوائية دافئة جدا قادمة من إفريقيا فوق أوروبا. فسجلت درجات حرارة قياسية في المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا… إنه شيء لا يصدق!

ثم إن ما نراه هو نظام ضغط مرتفع ثابت إلى حد ما، ما يعني بالأساس أنه في أجزاء كثيرة من وسط وغرب أوروبا لم نسجل أية تساقطات تقريبا. بعبارة أخرى، لم تكن لدينا اضطرابات في المحيط الأطلسي من شأنها أن تجلب الماء [المطر والثلوج] وتبرد المناخ قليلا. وهو ما أدى إلى حدوث شذوذ مناخي كبير.

إن كلا الأمرين لعبا بالتأكيد دورا مهما في تسخين مياه البحر الأبيض المتوسط. لكن المياه لا ترتفع فقط في المتوسط، ونحن نعلم أن هذا مرتبط بتغير المناخ.

هل يعني اختزان الكثير من الطاقة المتراكمة في المتوسط، أن ثمة مخاطر أكبر لحدوث عواصف قوية؟

نعم. إنه أحد العناصر المؤدية إلى وقوع حوادث [طبيعية] متطرفة، مثل تلك التي رأيناها العام الماضي أو العام الذي قبله، مع هطول أمطار غزيرة جدا في غضون ساعات قليلة. لكن يجب أن تحصل أيضا اضطرابات في[مناخية] المحيط الأطلسي تصل إلى جنوب أوروبا.

ولدينا بالفعل أحد العناصر [التي من شأنها أن تؤدي إلى هطول أمطار طوفانية] وهو ارتفاع درجة حرارة الماء [في المتوسط]، وتراكم الكثير من الرطوبة في الطبقات السفلى من الغلاف الجوي. وعندما يتراجع الإعصار المضاد anticyclone وتبدأ الاضطرابات الأطلسية في الوصول [إلى أوروبا]، سيكون لدينا البديل الآخر. وحتى لو كان من الممكن أيضا أن يتجاوز هذا الإعصار المضاد، الذي بدأ في وقت أبكر من المعتاد، الحدود الطبيعية … ولهذا السبب لا يمكن نجزم بأنه سيحدث بشكل مؤكد. وما يمكننا قوله بهذا الصدد، هو أن لدينا بالفعل أحد العناصر [المؤدية إلى حدوث عواصف قوية].

في حال استمر الإعصار المضاد، فسيكون لدينا أخبار سيئة أخرى، هي تفاقم الجفاف؟

نعم، نهاية الصيف وبداية الخريف هي وقت يصعب معه التنبؤ بالطقس. والمعلومات التي لدينا، والتي لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كبير لأنها فترة صعبة، تذهب في هذا الاتجاه [يقصد الاتجاه الذي يشير إليه السؤال]. بعبارة أخرى، سيبقى الإعصار المضاد جاثما، خاصة في أقصى شرق البحر الأبيض المتوسط. ومع تغير المناخ، ستكون موجات الحرارة التي تبدو شديدة جدا بالنسبة لنا اليوم، أكثر تواترا في المستقبل وربما أكثر كثافة.

مع كل هذا الصيف القاسي الذي تعيشه أوروبا، ما هو الدور الذي يلعبه تغير المناخ؟

نحن نعلم أن درجة الحرارة العالمية للكوكب قد زادت، وكذلك الأمر بالنسبة إلى درجة حرارة البحر. وكل موجة من موجات الحرارة التي رأيناها لها تاريخها في الأرصاد الجوية. لكننا نعلم بأنها متوافقة تماما مع ما توقعنا حدوثه مع التغير المناخي. وما نأمله هو أن هذه الموجات التي تبدو شديدة جدا بالنسبة لنا اليوم، ستكون أكثر تواترا في المستقبل وربما أكثر حدة. الآن نعتبرها حدثا استثنائيا، لكنها سيكون أقل استثنائية في المستقبل. وينطبق الشيء نفسه على درجة حرارة البحر، حيث تتوافق الزيادة فيها تماما مع ما هو معروف عن تغير المناخ. لأنه في النهاية، يمثل تغير المناخ مشكلة توازن الطاقة التي تأتي من الشمس، والطاقة التي يمكن للكوكب أن يعيدها إلى الفضاء؛ بالنظر إلى وجود فائض من غازات الدفيئة [يحيط بالأرض].

هل هذا الصيف القاسي استثناء أم أنه جزء من توجه مناخي جديد؟

إن تاريخ المناخ ليس خطا مستقيما أبدا. فهناك دائما العديد من الاختلافات من سنة إلى أخرى. وبالتالي، فإن هذا العام استثنائي بشكل خاص. وما يمكننا قوله هو أن الزيادة في السنوات الدافئة متسقة تماما مع ما نتوقعه من تغير مناخي. ولكن كانت هناك دائما تقلبات مناخية، لأن النظام فوضوي ويختلف بشكل مستقل عن تغير المناخ.

هناك علماء يجادلون بأن نماذج المحاكاة [التي بنيت عليها التوقعات المناخية] ربما تكون قد فشلت، وأن شيئا شديد الكثافة لم يكن متوقعا قريبا من تغير المناخ. هل تشارك هذه الرؤية؟

من الصعب تحليلها في حدث معين أو في عام واحد. إذا نظرت إلى الزيادة الحقيقية في درجة الحرارة خلال السنوات القليلة الماضية، وقارنتها بما كانت تشير إليه النماذج قبل 15 أو 20 عاما، يبدو لي أن الاتجاه قد تم حسابه جيدا. ومع ذلك، إذا كانوا مخطئين – وهو ما لا أتفق معه – فسيكونون أكثر تفاؤلا بشأن ما حدث. غالبا ما يتم انتقاد العلماء لكونهم كارثيين ولأنهم يتحدثون عن مستقبل سلبي للغاية. وإذا كانت النماذج خاطئة، فسيكون ذلك بسبب أن توقعاتها لم تكن كارثية بما فيه الكفاية.

لقد كان هذا الصيف قاسيا للغاية، وأعتقد أن الكثير من الناس الذين كانوا يتساءلون عن التغير المناخي قد أدركوا أنه هنا.

كيف يمكن للبشرية أن تخرج من هذه الورطة التي وقعت فيها؟

إن علم المناخ واضح جدا. فلا يمكننا التنبؤ بكل التأثيرات المحتملة التي تخص جميع القطاعات. لكننا نعرف الأسباب جيدا: تغير المناخ مرتبط بالأنشطة البشرية، وبزيادة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. وهذا هو السبب في أن الحل يجب أن يمر عبر تبني نظام لتخفيض تركيز هذه الغازات وليس الانبعاثات فقط. هذا ضروري.

خارج أوروبا ، هل يبدو أننا نشهد صيفا شديد الحرارة في أجزاء أخرى من نصف الكرة الشمالي أيضا؟

مثل كل عام، وبحسب المكان الذي تنظر إليه، هناك تأثيرات أكثر أو أقل. فبالنسبة إلى أمريكا الشمالية مثلا، ربما كان العام الماضي هو الصيف الأكثر تطرفا، حيث اشتعلت الحرائق في كندا وكاليفورنيا بوحشية. لكن هناك حالات [مناخية] شاذة أخرى في العديد من الأماكن. وعلى الرغم من أن أوروبا مكان خاص، لأنه على مستوى درجة حرارة الصيف فإن الاحترار ملموس للغاية.

وأعتقد أننا كبشر لا نجيد التصرف أو الاستجابة لقضايا بعيدة عنا، ونجد صعوبة في اتخاذ القرارات بناء على النماذج أو ما يقوله العلماء. لكننا نعرف كيف نتفاعل عندما نلمس الأشياء بشكل مباشر. ولأن هذا الصيف كان قاسيا للغاية، فإنني أعتقد بأن الكثير من الناس، الذين ربما شككوا في النتائج العلمية أو في وجود تغير المناخ، قد أدركوا أخيرا أنه كان هنا. فالتأثير كان مباشرا للغاية.

خلفيات تسارع التحول المناخي

عندما اجتاح الروس جارتهم الصغرى أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، لم يتوقع أحد أنه في غضون أشهر قليلة سوف تنعكس تلك الحرب وبالا على العالم. فقد كان من أبرز تداعياتها الكثيرة والمتشعبة، مسارعتها للتغير المناخي الذي نشهده من كوارث نتائجه، الفيضانات المدمرة والجفاف الحاد عبر العالم. فما الذي جرى؟

كانت أوروبا قد نجحت بعد جهد كبير في التوقف تماما عن استخدام الفحم لتوليد الطاقة الكهربائية، وأغلقت تلك المحطات التي تشتغل على الفحم واستبدلتها بالغاز الطبيعي. وصار الغاز الروسي يصل إليها عبر خطوط أنابيب متشعبة وممتدة، تنقله من منابعه في أعماق صحراء سيبيريا إلى ألمانيا وباقي دول القارة العجوز، عبر الأراضي الأوكرانية بالأساس من خلال خط أنابيب (نوردستريم1).

وحيث إن الغاز الروسي كان يصل إلى أوروبا بأسعار تنافسية أقل بكثير من السعر العالمي، فقد اتفقت برلين وموسكو على إنشاء خط أنابيب ثان (نوردستريم2)، رغم معارضة الولايات المتحدة للمشروع. وما أن اكتمل مشروع (نوردستريم2)، حتى خسرت المستشارة “أنجيلا ميركل” وخسر حزبها الانتخابات في ألمانيا، في أواخر سبتمبر من العام الماضي. فتغيرت ألمانيا ومعها أوروبا جذريا، حيث بادرت برلين إلى تعليق مشروع (نوردستريم2). تلى ذلك اندلاع الحرب في أوكرانيا وما تبعها من عقوبات غربية قاسية على موسكو، ليتحول الغاز الروسي إلى أقوى سلاح استراتيجي في يد الروس، لكونه عصب الاقتصاد الألماني خصوصا والأوروبي عموما. وهو ما دفع الأوروبيين إلى البحث عن بدائل شبه مستحيلة. ودفع ذلك الدول الأوروبية (في مقدمتها ألمانيا) إلى إعادة تشغيل محطات الفحم المهجورة والمُلَوِّثة من جديد.

لكن يبدو أن الحسابات الخاصة وراء هذا القرار لم تأخذ في الحسبان ما قد تتسبب فيه العودة للفحم، وما يمثله من انبعاثات كربونية ضارة للغاية، من أضرار مدمرة خلال وقت قصير للغاية. فالتقديرات تشير إلى أن 15% فقط من مساحة القارة الأوروبية كان مصنفاً أصلا باعتباره مناطق تعاني من “الجفاف الحاد” في يوليو/تموز الماضي. ثم ارتفعت تلك النسبة سريعا وفي غضون أسابيع إلى 47% في أغسطس/آب الماضي؛ وسط توقعات بأن يصيب الجفاف الحاد ثلثي مساحة أوروبا قريبا!

هذه إذن، هي خلفيات تسارع التدهور المناخي التي يحللها في المقابلة خبير التحول المناخي البارز كارلو بونتمبو. والتوقعات المقلقة التي يطرحها، لن تنحصر عند الحدود المرسومة للقارة الأوروبية، بل يتوقع أن تشمل أيضا كامل دول حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي تطل عليه خمس دول عربية-إفريقية، هي من الشرق إلى الغرب: مصر، وليبيا، وتونس، والجزائر والمغرب.

برنامج “كوبرنيكوس”

برنامج “كوبرنيكوس” الأوروبي، الذي يدير كارلو بونتمبو فيه “مصلحة التغير المناخي”، هو برنامج الاتحاد الأوروبي لمراقبة الأرض، تنسقه وتديره المفوضية الأوروبية بشراكة مع وكالة الفضاء الأوروبية، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. بلغت كلفة البرنامج 6,7 مليار يورو بين عامي 1998 و2020.

ويهدف البرنامج إلى تحقيق قدرة عالمية ومستمرة ومستقلة وذاتية وعالية الجودة، لرصد الأرض على نطاق واسع. وذلك من خلال “توفير معلومات دقيقة في الوقت المناسب، يمكن الوصول إليها بسهولة من أجل تحسين إدارة البيئة، وفهم آثار تغير المناخ والتخفيف من حدتها، وضمان الأمن المدني، من بين أمور أخرى”.

ويقوم البرنامج باستغلال كمية هائلة من البيانات العالمية، من الأقمار الصناعية ومن أنظمة القياس الأرضية والجوية والبحرية، لإنتاج معلومات وخدمات ومعارف عالية الجودة في الوقت المناسب. فيوفر إمكانية الوصول المستقل إلى المعلومات في مجالات البيئة والأمن على المستوى العالمي، لمساعدة مقدمي الخدمات والسلطات العامة والمنظمات الدولية الأخرى، على تحسين نوعية الحياة لمواطني أوروبا. بمعنى آخر، يجمع كل المعلومات التي حصلت عليها أقمار “كوبرنيكوس” لمراقبة البيئة والمحطات الجوية والأرضية، وأجهزة الاستشعار، لتوفير صورة شاملة عن “صحة” الأرض.

ومن أبرز مزايا برنامج “كوبرنيكوس” أن البيانات والمعلومات التي يتم إنتاجها في إطار عمله، يتم توفيرها مجانا لجميع المستخدمين والجمهور الواسع. وتغطي الخدمات التي يقدمها “كوبرنيكوس” 6 موضوعات تفاعلية رئيسة، هي: الغلاف الجوي، والبحر، واليابسة، والمناخ، والطوارئ، والأمن.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس