خط أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب: تعقيدات المشروع وسؤال الجدوى

29
خط أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب: تعقيدات المشروع وسؤال الجدوى
عد تأجيل 20 عاماً، لماذا أعادت نيجيريا إحياء هذا المشروع الذي سينقل غازها نحو أوروبا عبر الجزائر

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. في خطابه بمناسبة الذكرى 47 للمسيرة الخضراء، عاد الملك المغربي محمد السادس، الأحد الماضي، للتأكيد على الأهمية الكبيرة لمشروع خط أنبوب الغاز الذي من المقرر أن يربط بين نيجيريا والمغرب. فقد اعتبر في خطابه بأنه “مشروع استراتيجي لمنطقة غرب أفريقيا كلها”، ولذلك تحرص بلاده على “مواصلة العمل بشكل وثيق مع المسؤولين في نيجيريا، من أجل بدء العمل عليه في أقرب وقت”.

إن مشروع خط أنبوب الغاز النيجيري-المغربي الذي لم يُحدّد بعد جدول زمني للشروع في إنجازه، يندرج حاليا في سياق جيوسياسي مشجع، يطغى عليه طلب دولي قوي على الغاز والنفط، وارتفاع في الأسعار على أثر الغزو الروسي لأوكرانيا. وتسعى دول عدة، خصوصا في أوروبا، إلى تقليل اعتمادها على روسيا.

فالمشروع هذا يُتوقع أن يسمح المشروع بنقل أكثر من 5000 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى المغرب، ومنه سيتم ربطه مباشرة بخط أنبوب المغرب العربي-أوروبا “GME” ثم شبكة الغاز الأوروبية. وبالتالي من شأنه أن يوفر من حيث المبدأ—على المدى البعيد— بديلا لأوروبا للغاز الروسي.

لكن هذا المشروع الطموح تعترضه معوقات ذاتية وموضوعية عديدة، تطرح الكثير من الأسئلة حول الجدوى منه، وإمكانيات تمويله.. كما يأتي على خلفية عداء إقليمي متزايد بين المغرب والجزائر. التي تُعتبر أكبر مصدّر إفريقي للغاز الطبيعي والسابع عالميا. وبلغت الأزمة بين البلدين الجارين ذروتها مع قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في آب/أغسطس 2021 بقرار من الجزائر.

الملك المغربي محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بخاري

في الأصل تعتبر نيجيريا صاحبة أقوى اقتصاد في أفريقيا، بفضل عائدات قطاع المحروقات التي توفر للبلاد 95 % من مداخيلها. ويمتلك هذا البلد الأكبر سكانا في إفريقيا (حوالي 200 مليون نسمة)، أيضا أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز في القارة السمراء، تُقدر بنحو 5300 مليار متر مكعب. ويفسر ذلك لماذا تتوجه الأنظار إلى وسط القارة الأفريقية، في وقت يغذي التهافت على الغاز حربا عالمية ثالثة أطلقها الغزو الروسي لأوكرانيا.

تعتبر نيجيريا أول دولة تتوفر على احتياطي الغاز في إفريقيا، وتحتل المرتبة السابعة في العالم

لكن معضلة نيجيريا أنها تقع بعيدا عن أسواق الغاز التقليدية، ولذلك تجعل كلفة نقل صادراتها من المحروقات في سفن متهالكة غير منافسة. فكان التفكير في إنشاء خطوط أنابيب لنقل غازها بديلا معقولا لتجاوز هذه المشكلة.

وفي هذا الإطار، كانت الجزائر سباقة إلى التفاوض مع أبوجا منذ 15 عاما، حول إقامة خط أنابيب عابر للصحراء لنقل الغاز النيجيري، توج بتوقيع اتفاق حول الموضوع في 2009. غير أن تعقيدات كثيرة سرعان ما اعترضت هذا المشروع.

أساسا مشاكل في التمويل، بسبب مخططات لمروره من شمال نيجيريا وعبوره النيجر، أي أكثر المناطق معاناة حاليا من النشاطات الإرهابية. فشمال نيجيريا هو المجال الطبيعي لجماعة “بوكو حرام”، بينما تستبيح تنظيمات مسلحة جهادية أخرى النيجر. وبالتالي فإن أي أنبوب عابر لهذه المناطق لن يسلم من عمليات تخريب ممنهجة. هذا فضلا عن تعقيدات أخرى لا يسمح المجال للتفصيل فيها. فتم طي صفحة المشروع.

وفي أواخر 2016، طرح المغرب فكرة مشروع مختلف اعتبرها البعض مستحيلة، والبعض الآخر “مجنونة” حتى. وتتعلق بإنشاء خط أنبوب أطول، وأكبر تكلفة، ويمر بعدد أكبر من دول غرب إفريقيا (13، بما فيها نيجيريا والمغرب).

المديرة العامة المغربية للمكتب الوطني للمحروقات والمناجم أمينة بن خضرا توقع وثائق اتفاقية تعاون لمشروع خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب مع زميلها النيجيري السابق في عام 2017

رهان استراتيجي كبير

من حيث المبدأ، يعتبر هذا المشروع تجسيدا على الأرض للتوجه الاستراتيجي للمغرب نحو عمقه الإفريقي، وهو توجه كشفت الأيام أنه لا يُرضي كثيرا من الجهات داخل القارة السمراء وخارجها. ومن حيث الغاية، يتوخى المشروع تحقيق اندماج اقتصادي أفضل بين دول مجموعة غرب إفريقيا، من خلال البوابة الطاقية.

لنتصور أنبوبا يناهز قطره مترا يمتد مثل أفعى أسطورية، على طول ينيف عن 5660 كيلومترا، أغلبها فوق تراب بلدان غرب إفريقيا. وخلال مقاطع من مساره الطويل جدا، سيجري مده أيضا فعبر المحيط الأطلسي على عمق 200 متر، لكي يجانب عوائق طبيعية أو سياسية، ليضخ بقوة ضغط هائلة الغاز السائل من أحواض إنتاجه في نيجيريا إلى أوروبا، مرورا بدول غرب إفريقيا الـ 11 إلى جانب نيجيريا والمغرب. إنها الخلاصات الأولى لدراسة الجدوى للمشروع العملاق، التي قامت بها مؤسسات دولية متخصصة.

كلفة المشروع خرافية، فبحسب تقديرات معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي (IRIS)، فإن تكلفة إنشاء خط أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب تراوح بين 25 و30 مليار دولار مع مدة إنجاز قد تصل إلى 25 سنة، وهو ما يزيد بما بين 5 إلى 10 مليار دولار عن تكلفة خط أنبوب نيجيريا-الجزائر الذي تذهب التقديرات إلى أن إنجازه سيتطلب ما بين 8 و10 سنوات.

أما من حيث آثاره المتوقعة، فالمشروع سوف يحقق تنمية اقتصادية يستفيد منها أكثر من 300 مليون نسمة من سكان غرب القارة السمراء. وهو من الآن وحتى قبل أن ينطلق تنفيذه، حرك أسواق المحروقات والكهرباء وغيرها في المنطقة التي سيشملها. وهذه البلدان التي سيكون لها نصيبها من الغاز، ستكون قادرة على تطوير مزيج الطاقة لديها. وبهذه الطريقة، سيتم دفع ثمن الطاقة بتكلفة أقل، وسيتم إعفاء قطاعات معينة (مثل الكهرباء والصناعة) من مدفوعات الاستهلاك المرتفعة. وهذا بدوره سيسمح للأسواق بالالتقاء وحشد التمويل لتطوير المشروع. كما تشمل المزايا الأخرى التي لا يلاحظها أحد، خلق فرص العمل على مدى ربع قرن، وزيادة إمدادات الطاقة، وتحسين مستويات معيشة السكان.

ومن الوجهة اللوجستية البحتة سيأتي بحل نهائي للغاز الطبيعي النيجيري الذي يعاني إشكالية حقيقية على مستوى التصدير، إذ يعتمد بالأساس على النقل البحري وهو أمر محدود بطبيعة الحال، خاصة أن الربط البحري بين نيجيريا وباقي نقاط العالم جد محدود كما نعلم.

مشروع الغاز نيجيريا المغرب له أهمية كبيرة للمغرب على مستوى الأمن الطاقي، إذ يضمن من خلاله تدفّقاً مستمراً للغاز الطبيعي من نيجيريا إلى المغرب، سيمكنه من الحصول من خلال هذا الأنبوب على الغاز النيجيري بأثمان مناسبة. وهو ما سيخفض من الفاتورة الطاقية للمغرب، وكلفة الطاقة التي تشكل عنصراً أساسياً في الواردات الحالية. كما أنه سيضخ استثمارات ضخمة على طول الشريط الساحلي الافريقي وفي المغرب كذلك، وسيساهم في الإقلاع الاقتصادي للصحراء المغربية، التي تنتظر اليوم استثمارات ضخمة تجعل منها منصة إفريقية مهمة ومنصة صناعية دولية.

من جانب آخر، مما لا شك فيه أن هذا المشروع سيفتح الباب أمام المغرب للدخول بقوة إلى منطقة غرب إفريقيا من بوابة الغاز النيجيري، حيث يسعى منذ 2017 إلى الحصول على عضوية مجموعة دول غرب إفريقيا الاقتصادية (إيكواس)، وهي سوق نشطة وواعدة في القارة الإفريقية. ما يعني أن التوجه الجيو-استراتيجي للمغرب بات يركز على العمق الإفريقي بدلاً من التركيز على انتظار قيام اتحاد المغرب العربي، الذي تأكد جليا موته سريريا.

خريطة أنبوب غاز نيجيريا-المغرب

سؤال التمويل

بعد إتمام الدراسات الأولية، وقّع المغرب ونيجيريا أخيرا مع دول غرب إفريقيا (بنين، وتوغو، وغانا، وكوت ديفوار، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا، وغينيا بيساو، وغامبيا، والسنغال، ثم موريتانيا)، منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، في الرباط، مذكرة تفاهم لتأسيس خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا.

وعلى الرغم من الأسئلة الكثيرة المتعلقة بمدى واقعية مشروع الغاز نيجيريا المغرب من عدمه، ينظر خبراء مغاربة وأجانب كثيرون إليه نظرة تفاؤل، معتبرين أن “القدرة على إنجازه (وخصوصا تمويله) غير مطروحة. لأن هناك العديد من التمويلات العالمية التي تبحث عن هذا النوع من الاستثمارات ذات المردودية العالية”. وبالتالي، يدفعون بكونه واقعي وجدواه الاقتصادية واضحة، إذ يعتمد على أنبوب لنقل الغاز، وهي التقنية الأكثر نجاعة في العالم وهي التقنية الآمنة والأقل تكلفة.

لقد اجتازت دول غرب أفريقيا خلال الأسابيع الأخيرة، المرحلة الأخيرة قبل الشروع في تمويل المشروع. وكان الرئيس النيجيري محمد بخاري دعا في يونيو/حزيران الماضي المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إلى الاستثمار في مشروع خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب.

وكانت بعض التحليلات السياسية (لا الاقتصادية) تنبأت —قبل الحرب الأوكرانية—بأن يثير المشروع غضب موسكو، كونها كانت تعتبر الممول الأول لأوروبا بالغاز. لكن وزير النفط في نيجيريا خلق المفاجأة في الثاني من مايو/أيار الماضي، عندما أعلن بأن روسيا أبدت اهتمامها بالاستثمار في مشروع خط أنبوب الغاز النيجيري المغربي المطروح منذ 2016. وأوضح في لقاء صحافي بأن مستثمرين روس اجتمعوا به في مكتبه، وعبروا عن رغبتهم الشديدة في الاستثمار في هذا المشروع، “كما أن هناك العديد من الجهات الأخرى التي ترغب أيضا في الاستثمار فيه”، بحسب قوله.

وتأكد الخبر مرة أخرى عندما أعلن سفير نيجيريا في موسكو عبد الله شيخو في يوليو/تموز الماضي، في مقابلة صحافية مع وكالة “نوفوستي” الروسية للأنباء، عن مشاركة شركة روسية كبرى في أشغال بناء أنبوب الغاز الطبيعي، الذي سيربط بين المغرب ونيجيريا، مضيفا أنها (الشركة الروسية) “تعتبر جزءا أساسيا في الاستثمار بأنه “يمضي قدما دون مشاكل، حيث سيتطلب تشييده مزيدا من السنوات لإنهاء أشغاله”، دون أن يقدم لوكالة الأنباء الروسية تواريخ محددة للشروع في عمليات بنائه. وتابع شيخو موضحا بأن “نيجيريا ستبعث إمدادات الغاز الطبيعي إلى المغرب عبر خط الأنبوب، لكنني لا أعرف وجهته المرتقبة في أوروبا”، لافتا إلى أن “السوق النيجيرية منفتحة على جميع المقترحات في هذا السياق”.

من جانب آخر، وبحسب الإعلام الإسباني، فإن خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا يوجد اليوم في قلب اهتمامات الاتحاد الأوروبي، في سياق التحولات التاريخية الجارية في سوق الغاز عالميا. فالمشروع —بحسبه—عاد بقوة إلى دائرة النقاش وسط المقاولات العالمية والحكومات الأوروبية والأفريقية منذ أواخر 2021.

كما راجت سابقا أنباء عن وجود اهتمام خليجي (إماراتي/سعودي أساسا) بتمويل المشروع أو جزء منه. وهي أنباء عادت للرواج بعد إعلان منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبيك) عن مساهمتها في تمويل دراسة المشروع بمبلغ 14,3 مليون دولار.

أسئلة الجدوى من المشروع

لكن بعيدا عن التحديات التي تواجه أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، تطرح أسئلة الجدوى من المشروع نفسها. بمعنى أكثر مباشَرة: هل يمكن أن يحقق أهدافه بعد ربع قرن من اليوم، حين تنتهي أشغال تنفيذه ويدخل طور الخدمة؟

لقد سبق أن وقّعت 40 منظمة غير حكومية نيجيرية ومغربية وأوروبية، قبل حوالي عامين، على عريضة تعترض فيها على مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب. ومن ضمن المبررات التي جاءت في بيان العريضة، الذي حمل عنوان “أنبوب الغاز النيجيري المغربي: انعدام المصلحة بالنسبة إلينا”، أنه «غير مجد اقتصاديا»، بسبب تواتر مؤشرات عن تراجع أسعار الغاز وحتى الطلب عليه في أوروبا، ناهيك عن وجود بدائل أفضل. واعتبر أصحاب المبادرة أن المشروع «لا يراعي حاجيات السكان ولا متطلبات البيئة»، كما انتقدت المنظمات عدم استشارة السكان الذين يفترض أن يكونوا المستفيدين منه.

وحذروا من آثاره السلبية على الثروة الحيوانية البحرية، بسبب مخاطر التسربات والصدأ، وهو ما سيهدد بنظرهم أرزاق ملايين الأشخاص الذين يعيشون على نشاط الصيد والأنشطة البحرية. وبعد أن وصمت الأنبوب بكل المفاسد، اعتبرت المنظمات الموقعة على العريضة أن «احتمالات إنجاز المشروع ضئيلة».

صحيحي أن مبرر “تراجع أسعار الغاز في السوق الدولية”، الذي دافعت به المنظمات عن رفضها لمشروع الأنبوب لم يعد واردا بعد تضاعف الأسعار بسبب ندرة الغاز نتيجة للحرب في أوكرانيا.. لكن هذا الواقع يكشف بالملموس عدم استقرار سوق الغاز حاليا ومستقبلا، وبالتالي يفتح سؤال الجدوى من مشروع خط أنبوب نيجيريا-المغرب بعد ربع قرن من اليوم، أي بعد الانتهاء من إنشائه.. فهل سيحظى حينها الغاز بالأهمية نفسها التي يحظى بها اليوم؟

لقد أطنبت الجهات الرسمية فكل من المغرب ونيجيريا في كيل المدائح للمشروع العظيم. لكن كثيرا من التوقعات وتقارير الخبراء ما فتئت تنبه إلى أنه صعب التنفيذ على أرض الواقع، لتعدد الدول التي يمر بها مساره من جهة، ولارتفاع الكلفة المتوقعة لإنجازه. وحتى في حال ما نجح في تحدي المعوقات الكثيرة والمعقدة التي تعترضه. وحتى إذا رأى النور بعد ربع قرن من اليوم، فإنه قد لا يحقق شيئا ذا بال بعد أن تصرف عليه عشرات المليارات (يمكن أن تصل إلى 30 مليار دولار). ومؤشرات الواقع الحالية خير دليل.

فإذا كانت توقعات المشروع أن تستهلك الدول التي سيمر منها الأنبوب جزءا مهما من الغاز الذي سيتم نقله، فإن أنبوب الغاز الذي يربط منذ سنوات بين نيجيريا وبنين وتوغو وغانا، والذي يُتوقع أن يرتبط بالأنبوب العملاق الذي نحن بصدد الحديث عنه مستقبلا، يعرف تدبيره مشاكل بسبب عجز بعض تلك الدول عن دفع مقابل ما تستهلكه من غاز نيجيريا الذي تستعمله لإنتاج الكهرباء.

صحيح أن نيجيريا تحتضن أكبر منشأة لتسييل الغاز (تحويله إلى سائل)، لكن سوق إنتاج الغاز الطبيعي تشهد في السنوات الأخيرة فورة في الاكتشافات تهدد بإغراق السوق، في حال عاد الغاز الروسي إلى التدفق مستقبلا. ومن نتائج ذلك أن 8 دول إفريقية آخذة في إقامة منشآت صناعية لتسييل الغاز، هي: الكوت ديفوار، والكاميرون، ومصر، وغينيا الاستوائية، وبوركينا فاسو، والموزمبيق، والسنغال، وموريتانيا. بمعنى أن السوق مرشح في الأمد المنظور لأن يشهد وفرة في العرض. هذا في جانب الإنتاج.

أما في جانب التوقعات حول تطور أسواق استهلاك الغاز، فيرى خبراء أن السوق الأوروبية لا تعرف نموا في الطلب عكس الأسواق الآسيوية. ولذلك يرون أن مستقبل مصدري الغاز مع آسيا لا مع أوروبا، حيث الطلب ما فتئ يرتفع عليه في السنوات الأخيرة، خصوصا في الصين التي تعد أكبر مستهلكي الغاز في العالم، وفي اليابان وكوريا الشمالية.

صحيح أن الأسواق الآسيوية بعيدة جدا بالمقارنة مع الأوروبية، لكن الطلب الكبير حاليا ومستقبلا على الغاز في آسيا أكثر إغراء. وبالتالي ربما يكون نقل الغاز عبر السفن العملاقة لنقل المحروقات أقل كلفة وأقل تعقيدا من مد أنبوب أرضي/بحري طويل جدا، وبكلفة عالية جدا، ليعبر دولا فقيرة تعيش (أو هي مرشحة لأن تعيش مستقبلا)، تحديات أمنية خطرة. وفوق ذلك لا يتوقع منها أن تستهلك من الغاز أكثر مما تستهلك حاليا.

هل ينافس المغربُ الجزائرَ حقا على غاز نيجيريا؟

خريطة مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب

في كل مرة يعود موضوع أنبوب الغاز نيجيريا-أوروبا إلى واجهة الأحداث، يشن الإعلام الجزائري هجمات عنيفة عليه وعلى المغرب. فتتهم الجزائر جارها الغربي تارة بأنه “سرق” منها فكرة مشروعها السابق، لربط أنبوب مماثل من نيجيريا إلى الجزائر عبر مالي. وتارة أخرى، تتهمه بكونه يسعى إلى “تطبيع” وجوده في الصحراء، من خلال مد الأنبوب الذي ينوي إقامته مع نيجيريا ودول غرب إفريقيا فوق تراب الصحراء. وتارات أخرى، تنعت المشروع بـ “الوهمي” الذي يسعى من خلاله النظام المغربي إلى إلهاء شعبه به لسنوات طويلة، الخ.

والواقع أن نظام الجارة الشرقية وجزءا هاما من نخبتها السياسية، يعتقدون أن مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-أوروبا إنما يسعى إلى خنق الجزائر اقتصاديا وتقويض نفوذها إقليميا وقاريا. فهذا المشروع العملاق سوف يخلق متاعب لصادرات الجزائر من الغاز إلى أوروبا، من خلال نقل غاز نيجيريا وبلدان أخرى (السنغال وموريتانيا…). كما سوف ينبثق عنه وضع سياسي وديبلوماسي جديد لقضية الصحراء. وبالمجمل سوف يخلق اختلالا في موازين القوى في القارة وفي الإقليم المغاربي لفائدة المغرب.

فالجزائر التي تعد من أكبر مصدري الغاز الطبيعي إلى أوروبا (ثاني ممون لها بعد روسيا)، اعتادت استعمال غازها كورقة ضغط، لتهديد زبائنها الأوروبيين بقطعه عنهم. ولذلك سبق أن حاولت الجزائر تأليب الرأي العام الإفريقي والعالمي، ضد عبور أنبوب الغاز أراضي ما تسميها “الجمهورية الصحراوية”، أي الصحراء المغربية، لعرقلة المشروع سياسيا. ويرتقب أن تشتد حملتها أكثر مستقبلا لإحباط الممولين المحتملين للمشروع، في وقت أوردت تقارير أن الاتفاق الموقع بين المغرب ونيجيريا (التي تعد من كبار مساندي جبهة البوليساريو في القارة)، يحمي حق المغرب في عبور خط الأنابيب لصحرائه. كما تتوقع التقارير بأن لا يواجه تمويل المشروع صعوبات تذكر، من طرف جهات خليجية وأوروبية وحتى روسية، غيرها، سبق أن عبرت تلميحا أو تصريحا باستعدادها لتمويل إنجازه.

لكن على الرغم من كل ذلك، يبدو أن وتيرة الصراع الجزائري المغربي سوف تأخذ أنفاسا جديدة مع انطلاق الخطوات الأولى لتنفيذ المشروع على أرض الواقع. فإعلام الجارة الشرقية للمغرب ذهب في “تحليلاته” للموضوع إلى طرح سؤال غير بريء هو أقرب إلى التهديد، حول ما إذا كان الأنبوب سيعبر منطقة “قندهار” في أقصى جنوب الصحراء المغربية أو في السواحل الصحراوية، من دون أن يتعرض للتخريب!

لكن وزير الطاقة في نيجيريا تميبري سيلفا، حسم في سبتمبر 2021 الجدل، على هامش مشاركته في مؤتمر “Gastech” للغاز في دبي بدولة الإمارات. فقد كشف بأن بلاده عازمة على “إنجاز كلا مشروعَي الأنبوبين بشكل موازٍ”، مؤكداً أن “الغاز المنقول عبر الأنبوب المارّ من المغرب سيكون موجها إلى دول أوروبا، في حين أن الغاز المنقول عبر الأنبوب الجزائري سيوجه إلى دول إفريقية”.

وأوضح بأن حكومته شرعت في تنفيذ بناء خط أنبوب لنقل الغاز إلى الجزائر، التي ستنقله بدورها في مرحلة لاحقة إلى دول إفريقية أخرى (بينها مالي وتشاد). لكن ما ليس مفهوما بعد، هو: ماذا ستستفيد الجزائر من نقل غاز دولة منافسة إلى دول إفريقية فقير، قد تعجز عن دفع فاتورة ما تستهلكه، بعد أن تنفق على إنشائه وصيانته المليارات؟

وكانت الجزائر وقّعَت اتفاقيات مع نيجيريا قبل 15 سنة، يتم بموجبها إنشاء خط أنبوب “عابر للصحراء”، يربط البلدين بأوروبا مرورا بالنيجر. لكن هذا المشروع ظلّ مذاك حبيس أدراج حكومات البلدين المتعاقبة. ثم أعادت الجزائر إحياءه ابتداء من 2016، بعد طرح المغرب مشروعه، ما أجج تنافسا شرسا بين مشروعَي الأنبوبين.

ورغم أن وزير نفط نيجيريا نفى —خلال خروجه الإعلامي التوضيحي المذكور— حصول أي تغيير في رزنامة تنفيذ الأنبوب المغربي، حين أكَّد عزم بلاده على إنجاز المشروعين بحيث يكون الخط “العابر للصحراء” موجهاً للتصدير إلى الدول الإفريقية، أما “إفريقيا الأطلسي” فمُعَدّ للتصدير نحو أوروبا.. إلا أن الحملات الديبلوماسية والإعلامية الجزائرية الموجهة ضد الأنبوب “المغرب” لم تتوقف…

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس