سياسة الاستقطاب الأمريكية الروسية تضع المغرب في “مأزق استراتيجي”

30
سياسة الاستقطاب الأمريكية الروسية تضع المغرب في

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. منذ اندلاع النزاع الروسي الغربي على أرض أوكرانيا قبل أكثر قليلا من شهرين، ارتكن المغرب إلى حياد صعب أكد من خلاله استقلال سياسته الخارجية مرة أخرى. فللاعتبارات التي سنتوقف عندها بتفصيل في متن هذا التحليل، لم تكن الرباط ترى من فائدة في الانضمام إلى الحملة الدولية التي تعادي روسيا، ولم تُدِن غزوها لأوكرانيا كما انتظر الأوروبيون والأمريكان. والتزم المغرب نأيا بالنفس يستحق التنويه من هذا النزاع المعقد للغاية.. سيما أن موسكو تتمتع بـ “حق الفيتو” بمجلس الأمن، ومن المحتمل جدا أن تقلب لللرباط ظهر المجن بخصوص قضية الصحراء. كما أن للمغرب معها مصالح اقتصادية هامة واستثمارات كانت واعدة، وباتت اليوم على المحك بسبب تطورات الحرب الأوكرانية.

لكن سياسة الاحتواء والاستقطاب الدولي، التي يضغط بها قطبا النزاع واشنطن وموسكو لفرضها على دول العالم تحت شعار “إما معنا أو ضدنا”، جعلت الحفاظ على خط الحياد صعبا أكثر فأكثر. ثم جاءت في سياق ذلك مشاركة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، الأسبوع الماضي، في القمة التي دعت إليها واشنطن واحتضنتها الأسبوع الماضي ألمانيا، تحت اسم “المجموعة التشاورية من أجل الدفاع عن أوكرانيا”، إلى جانب ممثلين عن أكثر من 40 دولة، لتقطع الشك باليقين وتعلن نهاية الحياد.

فكيف يمكن أن نفهم هذا التغير في الموقف المغربي؟ ما هي أهمية العلاقات بين موسكو والرباط؟ وكيف تضررت بسبب الحرب الجارية في أوكرانيا؟ ثم ما هي التداعيات المحتملة للموقف الجديد على قضايا المغرب من الجانب الروسي؟
بحضور 40 دولة بين أعضاء في حلف الناتو وحلفاء له، ترأس وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، مؤتمر “المجموعة التشاورية من أجل الدفاع عن أوكرانيا”، الذي انعقد بدعوة من بلاده قبل أسبوعين، بقاعدة “رامشتاين” الأمريكية في ألمانيا. وقد اهتمت هذه القمة بتباحث سبل تسليح أوكرانيا، حتى تتمكن من التصدي للهجوم الروسي على شرقها، وتأمين أمنها وسيادتها على كامل أراضيها. وحضرت هذا المؤتمر عدد من الدول العربية، من بينها المغرب الذي قوبل وجوده بينهم بعلامات استفهام  كبيرة من قبل كثير من المحللين، بالنظر إلى الموقف الذي سبق أن التزمته الرباط منذ بداية الحرب في أوكرانيا، بالحياد إزاءها والامتناع عن إدانة الهجوم الروسي.

حياد تمليه المصالح العليا

إلى حدود الثلاثاء ما قبل الأخير، حافظت المملكة على موقف الحياد والتوازن، في مواجهة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، اختار المغرب الحياد متجنبا وصفه بالغزو. وشفعت المملكة ذلك باعتماد سياسة الكرسي الفارغ. فخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بتواريخ 2 مارس، و24 مارس، و7 أبريل الماضية، التي تم خلالها إصدار قرارات تدين التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، تغيب المغرب. وحاولت الخارجية المغربية تبرير الموقف الحيادي، بالتأكيد في بيان صحفي على أن المملكة ما زالت مخلصة لـ “احترام وحدة أراضي وسيادة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”. وشكل الموقف المغربي هذا، رفقة مواقف دول أخرى مثل السعودية والإمارات، حدثا سياسيا لافتا بالنظر إلى كون هذه الدول المقربة من الغرب تبنت موقفا معاكسا لسياسة الغرب. وقد رحبت موسكو بموقف المغرب حينها، حيث أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مباحثات مع نظيره المغربي حول الأزمة.

لكن، برأي المحلل الجيوستراتيجي الإسباني الشهير بيدرو كناليس، “تلك الحقيقة البديهية لم تقنع واشنطن”. فـ “محاولة المغرب الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة عن القوى الكبرى، في وقت تعمقت فيه الأزمة الدولية لدرجة إثارة احتمال اندلاع حرب عالمية ذات أبعاد مقلقة وبعيدة المدى، كان ينبغي أن تتوقف”. فأخبر البيت الأبيض “حليفه الاستراتيجي الرئيس” المغرب، بأنه يجب عليه أن يتخذ موقفا واضحا من الصراع. و”كان للضغط الذي مارسته الولايات المتحدة تأثير، بحيث شارك المغرب مع 40 من حلفاء الولايات المتحدة، وجميع أعضاء حلف الناتو، بالإضافة إلى ضيوف آخرين مثل أستراليا والسويد وفنلندا وتونس وقطر، في الاجتماع الذي عقد في قاعدة رامشتاين الأمريكية في ألمانيا”، وفقا للمحلل الإسباني. وإلى حدود الساعة، لم تقدم الدولة المغربية توضيحات لهذا التغيير المفاجئ في الموقف من حرب أوكرانيا، مثل إصدار بيان أو تقديم تصريحات من طرف وزير الخارجية ناصر بوريطة.

ربما يستند الموقف المغربي الجديد على معطيات لا نملكها. لكن الخلاصة هي أن الحرب الروسية الأوكرانية هي لحظة تاريخية فاصلة ومهمة على مستوى العالم، إذ إنها إيذان بميلاد نظام دولي جديد… فالحرب اليوم وإن كان مسرحها أوكرانيا، إلا أن الرهانات تجري خارجها. العالم يسير صوب عصر جديد، سيعيد تشكيل التحالفات والتوازنات بين دول العالم، بناء على نتائج ما يحدث الآن.

المغرب أكبر خاسر من الحرب

في ميزان الربح والخسارة، يعتبر المغرب من أكبر الخاسرين، من الحرب الروسية الغربية التي تقودها بالوكالة أوكرانيا. فقبل اندلاع الحرب بأسابيع، سافر خبراء عسكريون مغاربة إلى كييف للتعاقد على شراء شاحنات عسكرية مصفحة وأسلحة أوكرانية. لتتوقف الصفقة بسبب الحرب، إلى جانب توقف صادرات الحبوب والزيوت النباتية، التي كانت تزود السوق المغربية بحصة مهمة جدا من حاجياتها. وكانت أوكرانيا قد أصبحت كمورد رائد للقمح بالنسبة للمغرب، وذلك بعدما سمح لها دخول المملكة معفاة من الرسوم الجمركية على شحنات القمح اللين. ومما سيزيد تعقيد الوضع في المغرب بسبب الحرب في أوكرانيا، أن المملكة هذه السنة تعيش موسم جفاف استثنائيا لم تشهده منذ العام 1981، وبالتالي فإن الإنتاج المحلي سيتراجع بشكل كبير.

فضلا عن ذلك، هناك عودة حوالي 10 آلاف طالب في شعب الطب والهندسة والطيران والفضاء، أصبحوا مجهولي المصير بسبب الحرب، بعد أن كان المغاربة يشكلون أكبر جالية طلابية عربية عددا في أوكرانيا. وتحاول الحكومة المغربية إيجاد حلول طارئة لأزمتهم.

صادرات البرتقال المغربية تضررت بسبب الحرب في أوكرانيا
صادرات البرتقال المغربية تضررت بسبب الحرب في أوكرانيا

على الجانب الآخر، تكبدت صادرات المغرب إلى روسيا خسائر اقتصادية كبيرة، يُخشى أن تتواصل في حال طالت الحرب. فبحسب إحصائيات روسية، فقد بلغت المبادلات التجارية بين الرباط وموسكو حوالي 1,5 مليار دولار، برسم العام الماضي. والمعروف أن المغرب يصدر لروسيا منتجات زراعية أهمها الحوامض، وأيضا الفواكه الطرية والجافة والمجمدة والمصبرة، والفراولة والتوت، والسمك المجمد والمملح والمدخن، والقشريات، والرخويات، والأصداف البحرية. إلى جانب الفوسفات الذي يستعمل في الزراعة، والسكر الخام والمعالج، وقطع غيار السيارات، وبعض المواد الإلكترونية، إضافة إلى منتجات أخرى.

لكن بعد تطبيق عقوبات واسعة على روسيا، شملت طردها من نظام “سويفت”، ما يعني حرمانها من تحويل الأموال إلى الخارج. وكنتيجة لذلك، أصبح متعذرا على المصدرين المغاربة استخلاص مستحقاتهم.

فإذا ما أخذنا كمثال صادرات الحوامض، خصوصا الكليمنتين (اليوسفي)، التي تعتبر الأكثر حجما بين مجمل الصادرات المغربية إلى روسيا، نجدها قد نجحت في اختراق السوق الروسية في السنين الأخيرة، بعد العقوبات الأوروبية، وهو ما ساهم في تنشيط صادرات الحوامض المغربية على الخصوص (المغرب من كبار مصدري الطماطم والتوت والسمك والحوامض في العالم). لكن المُصدرين المغاربة بمجرد دخولهم السوق الروسية، أتى وباء كورونا الذي كبدهم خسائر بسبب اضطراب التجارة العالمية. ورغم أن الاتفاقيات بين المصدرين المغاربة والموردين الروس تقوم على أن كل شحنة تصل يتم إرسال المقابل المالي، إلا أن هذه القاعدة جرى تجاوزها بسبب الصعوبات المالية الناتجة عن الوباء. ما دفع بعض المصدرين المغاربة إلى تأجيل الحصول على أموالهم إلى نهاية الأزمة.

لكن مع تراجع الوباء مع مطلع السنة الجارية، انطلقت الحرب الروسية الأوكرانية، وتبددت آمال المصدرين المغاربة في الحصول على مستحقاتهم وفي بقاء السوق الروسية مفتوحة في وجوههم. وكانت السلطات الروسية اقترحت على نظيرتها المغربية، اعتماد مبدأ المقايضة لتجاوز العقوبات المالية المفروضة على موسكو وتسوية المشكل. لكنها عملية معقدة جدا وقد تستغرق وقتا طويلا، بينما المقاولات المغربية تنتظر بفارغ الصبر الحصول على مستحقات صادراتها، لدفع أجور عمالها وأقساط قروض المصارف، وغيرها.

على مستوى آخر، المعروف أن المغرب لم يلتزم بالعقوبات الغربية، حيث ما زالت حركة الطيران بين البلدين نشطة. كما أن مطار أكادير يستقبل الطائرات الروسية التي تربط مطارات روسيا بمطارات دول أمريكا اللاتينية. في وقت هي ممنوعة من عبور الأجواء الأوروبية. لكن يُجهل ما إذا كانت حركة الطيران ستتواصل بين البلدين، بعد انضمام المغرب (مكرها) إلى الدول المساندة لأوكرانيا، وما إذا كانت موسكو ستمنع طائراتها من عبور الأجواء المغربية…

نظام عالمي جديد يتشكل

وزيرا الخارجية الروسي لافروف والمغربي بوريطة.. العلاقات بين الرباط وموسكو إلى أين؟
وزيرا الخارجية الروسي لافروف والمغربي بوريطة.. العلاقات بين الرباط وموسكو إلى أين؟

يعتقد البعض أن شرر هذه الحرب الطاحنة لن يطال الدول العربية. بحكم بعدها الجغرافي أولا، وبحكم غياب العرب الفعلي عن مستوى التأثير السياسي على الملعب الدولي. والحال أن الدول العربية ستكون الأكثر تضررا من الحرب الروسية الأوكرانية، ما يفرض عليها أن تختار معسكرها بعناية.

قبل أسابيع، حذر وزير الخارجية الأوكراني العالم من أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا: “ستكون بداية حرب واسعة النطاق في أوكرانيا نهاية النظام العالمي كما نعرفه. إذا لم تحصل روسيا على رد صارم وحاسم الآن، فإن هذا سيعني إفلاسا تاما لنظام الأمن الدولي، وللمؤسسات الدولية المكلفة بالحفاظ على النظام الأمني العالمي”. إن المعركة لا تقف عند حدود سوء التفاهم بين موسكو وكييف حول قضايا ثنائية تتعلق بالأمن والسيادة. بل هي نزال فعلي بلا هوادة يروم إعادة رسم ملامح نظام عالمي جديد. فليس سرا أن بوتين إنما يسعى إلى الإطاحة بالنظام العالمي الحالي وبمؤسساته المختلفة، في سعيه لاستعادة بعض ألق ونفوذ روسيا السوفييتية.

بالمقابل، فإن المؤسسات التي أنشئت قبل عقود لتثبيت الهيمنة الغربية على مصير العالم، أدت وظيفتها طوال الخمسة وسبعين عاما الماضية. وهي الآن تتعرض لامتحان صعب قد لا تخرج منه سالمة. فالدول المهيمنة على القرار الدولي تسعى بقوة إلى عزل دول أخرى بحجم روسيا، اقتصاديا وثقافيا وحضاريا وإنسانيا، وطردها من تلك المؤسسات الدولية (مجلس الأمن الدولي، مثلا)، وتقييد حركة شعبها ومحاصرته. ولذلك كان البحث عن مؤسسات دولية بديلة قد بدأ بشكل خجول منذ فترة محدودة من طرف روسيا والصين وقوى أخرى.

لكن مشكلة روسيا أن الصين لا ترى مصلحة لها في أن ينتهي تضامنها مع موسكو إلى تعرضها لنفس العقوبات. فالصين ترى مصلحتها في استمرار تجارتها مع العالم، ولذلك تبدو حذرة جدا في الدخول على خط “المشروع الروسي”؛ على الأقل ليس في الوقت الحاضر. أما الهند فتفضل –رغم الضغوط الغربية والروسية– التشبث بحيادها. ولذلك تبدو روسيا في ورطة في مواجهة حرب ستطول بعد أن كلفتها كثيرا، وبات مشكوكا أن تحقق لها أهدافها الاستراتيجية التي من أجلها أربكت “هدوء” العالم.

ما تأثير الموقف على المغرب؟

نقف الآن عند عتبة السؤال الأهم: ماذا بعد انضمام المغرب لداعمي أوكرانيا في مواجهة روسيا؟ هل ستتأثر مصالحه بسبب قراره الأخير؟
بحسب الأرقام، المغرب يعتبر أكبر شريك تجاري لروسيا في إفريقيا، بميزان تجاري يناهز 1,6 مليار دولار. ومنذ في عام 2020، زاد المغرب وارداته من الفحم الروسي بنسبة 30% بحيث أصبحت روسيا مورده الرئيس للفحم. ويعد المغرب أكبر مزود لروسيا بالفوسفاط الذي تستخدمه في الزراعة، إلى جانب الحوامض والخضروات وقطع غيار السيارات وغيرها.

أهم الاستثمارات الروسية في المملكة: في 2016، أعلنت شركة “كاماز” الروسية أنها تعتزم فتح مصنع تابع لها بالمغرب، بهدف تصنيع شاحنات عسكرية. وفي نفس العام، أعلن المغرب اهتمامه بشراء المقاتلات الجوية “سو- 34″ وغواصات ” Amur-1650″ من روسيا. لكن هذه الصفقة لم تتم بسبب التزام الرباط بالعقوبات المفروضة على قطاع الصناعات العسكرية الروسية. ورغم ذلك واصلت روسيا عرض صفقات لسلاحها على المغرب. وهو ما يؤشر على أنها تضع المغرب على خريطة مصالحها الرئيسة، كزبون محتمل لأسلحتها. إلى جانب ذلك، يمكن لروسيا أن تصبح شريكا رئيسا للمغرب في استراتيجيته الخاصة بإقامة صناعة عسكرية، متى قبلت نقل التكنولوجيا العسكرية–كما يشترط المغرب– وليس فقط إقامة مصانع للتركيب.

في شق المشاريع المدنية، وقعت روسيا مذكرة تفاهم مع المغرب في 2017، لإنتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية، من خلال إنشاء محطات نووية. وفي 2019، تم الاتفاق مع موسكو على بناء مُركّب للبتروكيماويات بملياري  أورو بالناظور، يشمل مصفاة لتكرير البترول ستوفر في المرحلة الأولى طاقة تكرير تصل إلى 100 ألف برميل في اليوم.

ولا تنحصر أهمية العلاقات مع موسكو بالنسبة للرباط في المبادلات التجارية وإقامة مشاريع استثمارية ضخمة. بل لعلها شكلت بعد 2016 رهانا استراتيجيا، يمكن اللجوء إليه احتياطيا، متى تأزمت علاقات المملكة مع شركائها الغربيين. فعلاقات المغرب بالاتحاد الأوربي بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، كانت –كما هو معلوم– قد وصلت إلى مستويات متدنية (خصوصا مع أعضائه الرئيسيين: إسبانيا وألمانيا وفرنسا). ومن الواضح الآن أنه لو طالت الأزمة مع الأوروبيين وانضاف إليها اتخاذ إدارة بايدن لقرار يتراجع عن الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.. لأمكن للمغرب عندئذ أن يتجه بشكل طبيعي نحو روسيا والصين. فالاحتمالات جميعها كانت –ولا تزال– واردة عندما يتعلق الأمر بقضايا المغرب المصيرية.

بالمنطق، لا يمكن لروسيا أن تعادي عشرات الدول، لأنها اتخذت –إما تحت الضغط أو دفاعا عن مصالحها– موقفا لا يرضيها. ولذلك رأينا أنه رغم إقدام الجزائر، التي تعتبر من أبرز حلفاء موسكو في العالم، على ضخ غازها لأوروبا لتعويض الغاز الروسي، إلا أن السفير الروسي عبر عن “تفهمه”. وعليه، فمن حيث المبدأ لن يؤثر الموقف المغربي كثيرا في العلاقات مع روسيا. خصوصا وأنه من المستبعد أن يمد أوكرانيا بالسلاح، وحضوره في قمة “رامشتاين”، إلى جانب قطر وتونس والأردن، بدا أقرب ما يكون إلى مجرد “مشاركة”.

الوزير المغربي المنتدب في الدفاع في قمة رامشتاين
الوزير المغربي المنتدب في الدفاع في قمة رامشتاين

تذبذب الموقف الروسي من الصحراء الغربية

علما المغرب وروسيا

للوهلة الأولى، يبدو الموقف الروسي متذبذبا من قضية الصحراء. فلا هو يميل إلى صف البوليساريو وعرابتها الجزائر بشكل واضح، ولا هو يعترف بسيادة المغرب على صحرائه بشكل لا لبس فيه. وإذا كان الحيز لا يسمح باستعراض محطات الموقف الروسي جميعها من قضية الصحراء، فإن استعراض بعض أهم المحطات خلال السنين الثلاث الأخيرة، سيكون كافيا لأخذ فكرة عن ذلك التذبذب.

في نوفمبر 2020، وجهت روسيا انتقادات للبوليساريو، بسبب إغلاقها معبر الكركرات الحدودي الدولي الهام بين المغرب وموريتانيا. وفي 27 من نفس الشهر ونفس العام، وقع المغرب وروسيا على تمديد الاتفاقية التي تسمح للسفن الروسية بالصيد في المنطقة الاقتصادية المغربية الخالصة، شاملة سواحله الصحراوية، لأربع سنوات أخرى. وهو ما يماثل اعترافا ضمنيا بسيادة المغرب على صحرائه. لكن بعد أيام فقط، شكل اعتراف الرئيس الأمريكي السابق ترامب بسيادة المغرب على صحرائه في 10 ديسمبر 2020، زلزالا وصدمة صاعقة لروسيا التي انبرت تندد بالقرار، معتبرة إياه “متعارضا مع القانون الدولي”. وفي أكتوبر 2021، دعمت روسيا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2602 الذي نوه بمقترح الحكم الذاتي.

وفي الثاني من الشهر الماضي، خصص السفير الروسي بالرباط مقابلة صحفية، مع وكالة “إيفي” الإسبانية، كاملة للتنويه بالعلاقات الاقتصادية في إطار اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية العميقة” الموقعة بين البلدين في 2017. وقلل من تأثير أزمة عدم تمكن موسكو من تسديد قيمة مشترياتها من المغرب بسبب العقوبات الغربية. لكن خطاب الود في نسفها السفير الروسي بالجزائر بعد يومين فقط.

ففي الرابع من الشهر الماضي، عبر السفير الروسي في الجزائر، في الرابع من الشهر الماضي، عن استغرابه مما اعتبره “تغيرا مفاجئا” في موقف إسبانيا من قضية الصحراء، بعد الخطوة التي اتخذتها حكومة بيدرو سانشيز القاضية بالاعتراف بمقترح المغرب منح المنطقة حكما ذاتيا. ورافع الدبلوماسي الروسي، في حوار أجرته معه قناة “النهار” الجزائرية المقربة من النظام الجزائري والمعروفة بمواقفها العدائية من المعرب، بأن “إسبانيا تتحمل تاريخيا مسؤولية خاصة تجاه شعب الصحراء، باعتبارها كانت تستعمر المنطقة”، مستغربا أن “الحكومة الإسبانية كانت تؤيد حق الشعب الصحراوي”. بل وذهب السفير أبعد من ذلك، عندما قال إن “إسبانيا تتعرض لضغوط من جهات (لم يسمها)، من أجل تعديل موقفها من قضية الصحراء الغربية”. وكان يقصد المغرب دون شك.

كيف يمكن فهم تباين هذه المواقف الروسية من المغرب وقضاياه المصيرية، بحيث ترفض موسكو أن تبارح منطقتها الرمادية التي ظلت تلازمها؟

إن هذا التذبذب الظاهري في الموقف الروسي من قضية الصحراء المغربية بالأساس، يرتبط في الواقع بطبيعة العقيدة الديبلوماسية الروسية. فموسكو التي تجمعها مصالح مشتركة مع طرفي النزاع المفتعل حول الصحراء، تحاول الحرص على نهج سياسة تراها بمنظارها متوازنة ومحايدة، دون أي تطلع واضح للعب دور الوساطة بين الطرفين. ويفرض عليها ذلك ألا تحيد عن موقفها الجيوسياسي العام، المتأرجح باستمرار على حبل الجانبين بأريحية. وبالنتيجة يبدو الموقف الروسي في أوقات معينة كما لو أنه يصب في صالح المغرب. وفي أحيان أخرى، يدعم البوليساريو والجزائر في هذا الصراع من دون أن يذهب بعيدا في الإضرار بمصالح المغرب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس