ناشط صحراوي: المنتمون للصحراء الغربية في مخيمات البوليساريو أقلية

141
ناشط صحراوي: المنتمون للصحراء الغربية في مخيمات البوليساريو أقلية
ناشط صحراوي: المنتمون للصحراء الغربية في مخيمات البوليساريو أقلية

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. عاد ملف الصحراء الغربية إلى الواجهة بقوة في ظل التطورات الراهنة ولأسباب عدة؛ منها ما يرتبط بموقف الحكومة الإسبانية الأخير وأخرى ترتبط بمواقف الدول كأميركا والجزائر، ويبقى الموقف المغربي ثابتا حيال مسألة تنظيم الاستفتاء والانفصال لاعتبارات عدة يطرحها محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان خلال في مع “أفريقيا برس”:

محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان

يرى مراقبون بأن الاعتماد على زعامات قبلية في عملية إعداد لوائح المصوتين المفترضين في استفتاء تقرير الصحراء الغربية، قد كان منهجية غير صائبة. ويعتبرون بالتالي بأن فشل تنظيم الاستفتاء كان نتيجة حتمية.. هل تتفق مع هذا الرأي؟

في اعتقادي، كان فشل تنظيم الاستفتاء نتيجة لطبيعة المجتمع الصحراوي البدوية، بحيث يكاد يغيب نمط الاستقرار والتمدن بشكل كامل بإقليم الصحراء الغربية حتى عهد قريب. خاصة إبان الاستعمار الإسباني الذي كرس غياب المؤسسات المدنية في ظل نظامه العسكري والشمولي، الذي فرضه على الصحراويين. وهو ما رسخ دور القبلية كمحدد رئيسي للهوية في المنطقة، في ظل غياب محددات هوياتية أخرى. وبالتالي فإن الاعتماد على شهادة شيوخ القبائل يبدو مبررا ضمن معايير عملية تحديد هوية من يحق لهم التصويت في الاستفتاء الذي تعذر تنظيمه. لكن معيار الانتماء القبلي نفسه لا يخلو من عديد الإشكالات. فجل القبائل الصحراوية في الغالب تتجاوز مناطقها حدود الإقليم محل النزاع “الصحراء”، بل وتمتد “مناطق انتمائها أو استقرارها” من وسط المغرب إلى عمق بلدان الجوار؛ بالنظر للطبيعة البدوية التي فرضت تنقل القبائل المتواجدة بالصحراء وعدم استقرارها. وهو ما صعَّب عملية حصر المنتمين لإقليم الصحراء الغربية أو المقيمين فيه أثناء فترة جلاء المستعمر الإسباني على وجه الدقة، وساهم إلى حد كبير في فشل عملية تحديد هوية من يحق لهم التصويت في الاستفتاء؛ الذي أقرت الأمم المتحدة نفسها باستحالة تنظيمه عبر تصريحات لجل أمنائها العامين السابقين ومبعوثيهم الشخصيين.

تقول جبهة البوليساريو إنها متأكدة –في حال أُجرٍي استفتاء– من أن غالبية الصحراويين سوف يعبرون لفائدة طرحها، أي خيار الانفصال عن المغرب. هل حقا تعتبر الجبهة “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي”؟

من الواضح أن البوليساريو لم تراهن يوما على حل الاستفتاء، بل على العكس من ذلك فهي من ساهمت بالدرجة الأولى في عرقلة تنظيمه، من خلال انتهاجها لسياسات ميعت مفهوم الهوية الصحراوية، في ظل اعتمادها على تأطير المنضوين في مناطق خارج حدود المستعمرة الإسبانية السابقة. وذلك عن طريق إعمال العصبيات العرقية والعنصرية سواء على أسس قبلية أو مناطقية، بغية زيادة أعداد قاطني المخيمات وتغيير الخارطة الديمغرافية الصحراوية، بهدف الترويج لادعاءاتها بتمثيل غالبية سكان الإقليم. فقد وظفت البوليساريو طروحات شوفينية هدفها استقطاب المنتمين لمجتمع البيظان في المجال الحساني، الذي يمتد من كلميم شمالا وحتى نهر السنغال جنوبا، مرورا بتندوف وحتى أزواد بشمال مالي شرقا. وهذا ما يفسر سيطرة العناصر المنتمية لخارج الإقليم على معظم المناصب القيادية والأمنية بجبهة البوليساريو، في مقابل الإقصاء والتهميش الذي عانى منه أبناء الإقليم “الصحراء الغربية” الذين يفترض أنهم المعنيون بالدرجة الأولى بمصيره.

ورغم توظيف البوليساريو لمبدأ تقرير المصير، إلا أن ممارساتها كانت بعيدة كل البعد عن هذا المبدأ، حيث شيطنت الآراء المخالفة واتهمتها بالخيانة والعمالة، ومارست عليها أبشع أشكال الاستهداف: من اختطافات وتعذيب وتقتيل خارج القانون. وكانت في كثير من الأحيان تستهدف ضحايا انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، على أساس الانتماء القبلي والمناطقي، إلى درجة أنها باتت عاجزة عن الاحتكام إلى أبناء المستعمرة الإسبانية السابقة، الذين استهدفتهم بسياساتها العنصرية والاستئصالية.

أما بخصوص التمثيل الشرعي فلا يمكن أن ينبثق سوى عن صناديق الاقتراع. وهو ما لم يسبق للجبهة أن احتكمت إليه على الإطلاق. فلا تزال نفس العناصر القيادية الديناصورية تسيطر على قرار البوليساريو، منذ تأسيسها قبل قرابة نصف القرن من الزمن، حتى باتت أقدم قيادة سياسية تمارس مهاما تنظيمية.

وعلى العكس من واقع مخيمات تندوف، فإن الغالبية الساحقة للصحراويين الذين يتواجدون في مناطق غرب الجدار في “الصحراء الغربية الواقعة تحت سلطة المغرب” بعيدا عن وصاية البوليساريو، تنخرط في العملية السياسية بالمغرب. ويشاركون في الانتخابات المحلية والتشريعية، فضلا عن تأطرهم في الأحزاب المغربية. وبالتالي فلا يمكن بأي حال من الأحوال تقبل ادعاء البوليساريو لتمثيلها المزعوم لسكان الإقليم، علما أنها تصادر الحريات المدنية والسياسية بمخيمات تندوف الواقعة تحت سلطتها، وتحظر تأسيس الأحزاب والجمعيات فيها، كما تصادر كل الأصوات المخالفة لطروحاتها الراديكالية.

بهذا الصدد، لماذا ترفض الجزائر إحصاء الصحراويين الذين يعيشون فوق ترابها بمخيمات تندوف؟

من الواضح أن هناك تعتيما كبيرا على ديموغرافية تلك المخيمات. فالأمر لا يقتصر على عدد قاطنيها فقط، بل وأيضا يشمل خلفياتهم وانتماءاتهم والمناطق التي تم استجلابهم منها، حيث يشكل المنتمون لإقليم الصحراء الغربية أقلية من بينهم. فبخصوص الأرقام المتداولة حول ساكنة المخيمات، فقد عمدت الجزائر للترويج لأرقام جد مضخمة إبان سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث ادعت بلوغ قاطنيها لنصف المليون لاجئ. لكنها سرعان ما قلصت تلك الأرقام بسبب اضطرارها للتعاطي مع آلية تحديد هوية المصوتين، التي أشرفت عليها بعثة المينورسو “قوات الأمم المتحدة بالصحراء الغربية” في تسعينيات القرن الماضي. فأصبحت البوليساريو تروج لأرقام في حدود 150 ألف لاجئ صحراوي، وهو رقم لا يزال بعيدا عن تقديرات الجهات المحايدة المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية لقاطني تلك المخيمات، كمنظمة غوث اللاجئين والبرنامج العالمي للغذاء التابعين للأمم المتحدة، واللذان تتراوح تقديراتهما في ما بين 80 ألف و100 ألف لاجئ، في حين تقتصر مصادر أخرى عدد قاطني المخيمات في حدود 50 ألفا فقط.

طبعا اعتماد الجزائر لأرقام مضخمة هدفه التسويق لادعاءات جبهة البوليساريو الزاعمة بتمثيل أغلبية الصحراويين. إلى جانب توفير مصادر تمويل للجبهة، التي تعتمد بشكل كبير على بيع المساعدات الإنسانية المخصصة لتلك المخيمات والمتاجرة فيها. وهو ما سبق أن صدرت حوله العديد من التقارير عن هيئات ومنظمات دولية وازنة، بينها البرلمان الأوروبي.

يحظى مخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب، في السنين الأخيرة، أكثر فأكثر، بدعم دولي كحل سلمي للنزاع؛ في وقت يتراجع الاهتمام دوليا بقضية الصحراء لفائدة قضايا أخرى، من قبيل التحدي العسكري الذي تمثله روسيا للغرب، والحرب الاقتصادية مع الصين..

من الطبيعي أن يتراجع ملف قضية الصحراء ضمن أولويات المجتمع الدولي، بعد أن ظل النزاع طي النسيان طوال ثلاثة عقود من الزمن حيث ظل يوصف بأنه “أبرد النزاعات في العالم”.. لا سيما في ظل فشل البوليساريو في التسويق لدعايتها الحربية حول خوضها لأعمال عسكرية مزعومة، وهو ما فنده تقرير الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس الأخير حول قضية الصحراء الصادر في أكتوبر الماضي، حيث نفى بلوغ قوات مراقبة وقف إطلاق النار التابعة للمينورسو لحدوث أي خسائر في مناطق غرب الجدار، مقتصرا على وصف التصعيد الذي تقدم عليه الجبهة بمجرد “أعمال عدائية”، وليست “حربا”.

في المقابل يتكرس التفوق الميداني للمغرب في ظل تأمينه لمجمل المقدرات والمواقع الاستراتيجية بالصحراء، لا سيما بعد تأمينه لمعبر الكركرات في 13 نوفمبر 2020، والتطورات الميدانية التي تلت ذلك المنعطف التاريخي في تطور النزاع، وفي مقدمتها ما يتم تداوله في الإعلام، من عمليات نوعية يشنها الطيران العسكري المغربي عن طريق الطائرات المسيرة في المناطق العازلة شرق الجدار… وهو ما ساهم في انتزاعه لتأييد مجموعة من القوى الدولية الوازنة، ومراكمته لعديد المكاسب السياسية والدبلوماسية، كمسلسل فتح القنصليات الأجنبية في العيون والداخلة، ومواقف كل من الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا، إلى جانب الموقف الفرنسي التقليدي…، فضلا عن الاعتراف الضمني لقوى دولية أخرى بالسيادة المغربية على الإقليم، كروسيا التي يجمعها مع المغرب اتفاق للصيد البحري يشمل سواحل الصحراء الغربية، والصين التي تتعامل تجاريا أيضا مع المغرب…

في المحصلة ليست المواقف الدولية في حقيقة الأمر سوى انعكاس للوضع الميداني، الذي يتميز بحالة الحسم التي بات يحققها المغرب، وهو ما يفسر التعاطي الإيجابي للمجتمع الدولي مع المبادرة المغربية بمنح الصحراء حكما ذاتيا. وهي المبادرة التي تعتبر الطرح الوحيد الذي يحظى بإشادة المجتمع الدولي، في ظل غياب أي انخراط جدي من بقية الأطراف في الجهود والمساعي الرامية لحل النزاع؛ الأمر الذي انعكس على تناول الأمم المتحدة نفسها للملف، حيث باتت تعتمد مقاربة عقلانية وواقعية للحل، تتقاطع مع مقترح الحل المغربي.

يُثار حاليا نقاش واسع بين الصحراويين، حول مَن مِن الصحراويين اللاجئين بمخيمات تندوف يحق لهم الالتحاق بالصحراء الغربية، في حال التوافق على تنزيل مخطط الحكم الذاتي مستقبلا.. برأيك كيف يمكن حسم هذا الجدل؟

لا شك في أن الأوضاع في مخيمات تندوف تظل إحدى التمظهرات الإنسانية للنزاع، التي توظفها الجزائر بغية استقطاب اهتمام المجتمع الدولي وإبقاء النزاع مستعرا. لكن بحسب ما هو متداول حول رؤية الأمم المتحدة وبقية الفاعلين والمتدخلين في ملف النزاع، فإن هناك تصورات لتفكيك تلك المخيمات، ليس لاعتبارها مؤشرا على استمرار النزاع في ظل حالة الحسم التي بات يحققها المغرب فحسب، ولكن أيضا لاعتبارات أمنية تتعلق بخطورة الوضع في منطقة الساحل والصحراء، المتميز بتغلغل الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة في مخيمات تندوف بشكل مهول، سيما في السنوات الأخيرة. وهو ما سبق أن أشار إليه الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريس في تقريره الأخير حول الصحراء، الصادر في أكتوبر الماضي، حيث تحدث عن ما وصفه بـ”تصاعد المخاطر الأمنية في مناطق شرق الجدار”، مؤكدا على ارتباط تلك المخاطر بخطر الإرهاب والجماعات المسلحة.

وبالتالي فمن الواضح أن تفكيك مخيمات اللاجئين بتندوف سيكون من بين الأهداف التي سيعمل عليها المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي ستيفان ديميستورا، باعتبار ذلك مطلبا إنسانيا أولا، ولتداعيات وضعها الأمني على الاستقرار في جل بلدان المنطقة. وفي هذا السياق تبرز خلفية ديميستورا وخبرته في التعاطي مع قضايا انسانية مشابهة في عديد بؤر التوتر والأزمات في الشرق الأوسط، كما تثار آليات دولية متعارف عليها كضمان حق العودة للاجئين المنتمين لإقليم الصحراء، وإعادة التوطين، وفرض المناطق العازلة والممرات الآمنة…، وبالتأكيد سيكون للمغرب إسهامه في تلك الجهود الدولية باعتباره معنيا بالوضع الإنساني بتندوف.

 

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس