مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. يعيد الموقف الإسباني الأخير، الذي يعتبر بأن مبادرة “الحكم الذاتي”، التي اقترحها المغرب لحل النزاع حول الصحراء “بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية النزاع”، مرة أخرى الجدل حول هذه المبادرة. فما هو مصير “استفتاء تقرير المصير”، الذي تتمسك به الجزائر وجبهة البوليساريو؟ وماذا يقصد المغرب بمنح سكان الصحراء “حكما ذاتيا”؟ وكيف يمكن تنزيل هذا المخطط المثير للكثير من الجدل، بين مؤيدين ومعارضين له؟
من أجل فهم الواقع الحالي للنزاع القائم حول الصحراء الغربية، لا بد من عودة ولو سريعة إلى التاريخ. والحال أن تاريخ النزاع حول الصحراء، منذ اندلاعه في منتصف السبعينيات، لم يتوقف عن فرض تداعيات خطرة على المنطقة المغاربية وكامل القارة الأفريقية، بما يجعل من شبه المستحيل اختصاره في مقال.
نزاع معقد عمره 47 عاما
تتنازع الحق في السيادة على الصحراء الغربية، اليوم ومنذ منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين، أطروحتان. الأطروحة الأولى مغربية، وتدفع بمبدأ الحق التاريخي على اعتبار أن خريطة “المغرب التاريخي” كانت تمتد جنوبا حتى نهر السنغال ودولة مالي الحالية وأجزاء أصبحت اليوم محسوبة على الجزائر (الصحراء الشرقية). لكن الاستعماران الإسباني والفرنسي مزقا أوصال الوطن المغربي ابتداء من ثمانينيات القرن التاسع عشر، إضافة إلى سبتة ومليلية اللتان يعود احتلالهما تواليا إلى العامين 1415م و1497م. وبالتالي فإن المغرب لم يأل جهدا منذ استقلاله في 1956، لاستعادة الأجزاء من وطنه التي ما زالت خارج سيادته. حيث خاضت المغرب منذ ذلك التاريخ معارك في الأمم المتحدة، مع إسبانيا التي كانت القوة الاستعمارية المهيمنة على المنطقة.
وأما الأطروحة الثانية، فتتبناها جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء الغربية، والتي تدعمها الجزائر منذ 47 عاما. وتدفع الجبهة بضرورة “احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار” من طرف المغرب، باعتبار أن “الصحراء الغربية” نتجت عن تقطيع فرضه الاستعمار الإسباني، بين العام 1884م وثلاثينيات القرن العشرين.
بالعودة إلى التاريخ، نجد أنه في 17 سبتمبر 1974، عرض الملك المغربي السابق الحسن الثاني، القضية على محكمة العدل الدولية. وفي ديسمبر الموالي، وافقت إسبانيا على تأجيل استفتاء تقرير مصير سكان الصحراء الغربية في انتظار رأي المحكمة. وفي 26 أكتوبر 1974، عبر الرئيس الجزائري هواري بومدين في القمة العربية السابعة لجامعة الدول العربية، التي انعقدت بالرباط، عن تأييد بلاده للمطالب الترابية للمغرب. وبتاريخ 13ديسمبر 1974، صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3292، الذي قرر أن تعطي المحكمة الدولية رأيًا استشاريًا بشأن السؤال التالي: هل كانت الصحراء الغربية (وادي الذهب والساقية الحمراء) عند دخول الاستعمار الإسباني أرضًا لا تنتمي لأحد (أرضا مباحة)؟ وإذا كان رأي أغلبية قضاة المحكمة هو «لا»، فسيكون على المحكمة الرد على السؤال التالي: ما هي الروابط القانونية بين هذا الإقليم والمملكة المغربية وبموريتانيا؟
في 16 أكتوبر 1975، نشرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري. فبالنسبة للسؤال الأول، قررت المحكمة بإجماع قُضاتها على أنه في وقت فرض الاستعمار الفرنسي (المحدد في 28 نوفمبر 1884)، لم تكن الصحراء الغربية أرضًا مباحةً (وهذا يعني أنها كانت تنتمي إلى دولة ما). وفي 6 نوفمبر 1975 نظم المغرب المسيرة الخضراء إلى الصحراء، للضغط على إسبانيا كي يجلي جنودها وإدارتها عنها. وفي27 فبراير 1976 أعلنت البوليساريو قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، بمخيمات تندوف بجنوب غرب الجزائر. بدعم من الجزائر وبتمويل سخي جدا من ليبيا القذافي، حربا ضروسا ضد المغرب بين 1976 و1991. وفي 26 يونيو 1981 وافق المغرب، في قمة منظمة الوحدة الأفريقية بنيروبي، على تنظيم استفتاء بالصحراء.

فشل المراهنة على “الاستفتاء”
في عام 1991، طرحت الأمم المتحدة مخططا للتسوية، واجه العديد من التعقيدات بسبب عدم توافق طرفي النزاع (المغرب من جهة، والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة أخرى) على عمل “لجان تحديد الهوية”. والمقصود بها هي لجان مكونة من شيوخ القبائل الصحراوية، بعضها موالي للمغرب بينما بعضها الآخر موالي للبوليساريو. كان موكولا إليها وضع قوائم من يستحقون من الصحراويين أن يشاركوا في “استفتاء تقرير المصير”. وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى اعتبار أنه من المستحيل تنفيذ أي بند من البنود الرئيسة لمخططها للتسوية تنفيذا كاملا، باستثناء مراقبة وقف إطلاق النار.
لقد استهلكت هذه الخطة جهود عديد من الأمناء العامين للأمم المتحدة، من بيريز دي كويلار إلى بطرس غالي إلى كوفي عنان. وعندما أعيد انتخاب هذا الأخير للمرة الثانية على رأس الأمم المتحدة في عام 1997، قام بتعيين مبعوث شخصي جديد له من عيار ثقيل، مكلف بقضية الصحراء الغربية، هو جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا السابق.
كان تفويض عنان لممثله الشخصي واضحا لدى الأطراف المعنية، للبحث في إمكانية تطبيق مخطط التسوية المتعثر، أو البحث عن مخرج آخر للقضية. فبدأت من جديد العراقيل تطفو على السطح أمام بعثة الأمم المتحدة المكلفة بتنظيم الاستفتاء، والمعروفة اختصارا باسم “مينورسو”. وعندما اتضحت لهذه الأخيرة استحالة اتفاق الأطراف المعنية على معايير محددة جديدة للبت في الطعون المقدمة من قبلهم، قامت الـ”مينورسو” بنشر اللوائح الأولية للمسجلين في قوائم الاستفتاء؛ حيث بلغ عدد المقبولين للمشاركة فيه 86 ألف شخص، من بينهم 48 ألفاً في الجانب المغربي، و34 الفاً عن جبهة البوليساريو، وأربعة آلاف آخرين من الصحراويين الذين يعيشون داخل التراب الموريتاني.
لكن في سبتمبر 1999، تقدمت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت للرباط بفكرة “حل سياسي”، فرحب المغرب آنذاك بفكرة “حل سياسي في إطار الجهوية”. وكان أول من أعلن عن ترحيبه بهذا الاتفاق. لكنه طلب بالمقابل بالمزيد من المفاوضات حول قضايا جوهرية، تتعلق بالأمن والقضاء والاقتصاد. أما الجزائر وجبهة البوليساريو فأعلنتا عن رفضهما التام والصريح، لكل ما جاء في هذا المقترح. وفي نوفمبر 2001، تقدمت الجزائر بمقترح مضاد يتبنى فكرة تقسيم إقليم الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة بوليساريو”.
هكذا وجد جيمس بيكر نفسه أمام ثلاثة اقتراحات: اقتراحه واقتراح الجزائر ثم مخطط التسوية الذي وضعته الأمم المتحدة. فتم تكليفه من قبل مجلس الأمن في يونيو 2002، بالتفكير في حل بديل. وفي يناير 2003، جاء بيكر إلى المنطقة حاملا معه اقتراحه مكتوبا، وطلب الرد عليه خلال شهرين. وتمحور حول فكرة إقامة “حكم ذاتي محلي” خلال فترة انتقالية تدوم أربع سنوات، ينظم على إثرها استفتاء لتقرير المصير. وخلال مرحلة الانتقال الذاتي تشرف على تسيير الإقليم سلطة محلية صحراوية منتخبة من قبل الأشخاص غير المطعون في أهلية مشاركتهم في استفتاء تقرير المصير، حسب اللوائح الأولية التي حددتها بعثة الأمم المتحدة في الصحراء، وفوض هذا المقترح للسلطة المحلية قضايا أساسية مثل الأمن الداخلي والقضاء والإدارة والشرطة والاقتصاد.
لكن في فبراير 2003 أعلن المغرب رفضه لهذا المقترح لعدة اعتبارات، من بينها كون المقترح يمنح لجبهة البوليساريو فرصة مثالية للقيام بحملة انتخابية لمدة أربع سنوات، على الأرض نفسها التي طرد منها مقاتلوها بقوة السلاح. كما رأى المغرب في المخطط بوادر حرب أهلية قد تنشب في الإقليم، بين قبائل “ركَيبات الشرق” الصحراوية، الذين يقطنون بالصحراء الجزائرة ويشكلون عصب قوة البوليساريو، والقبائل الصحراوية الأخرى المقيمة بإقليم الصحراء الغربية المغربية والتي لا تُخفي موالاتها للمغرب.

الحكم الذاتي كـ”حل ثالث”
ظلت الحلول المقترحة من قبل الأمم المتحدة لقضية الصحراء، تتراوح بين التأييد والمعارضة على مدى سنوات طوال، قبل أن يتقدم المغرب بمقترحه الجديد لـ “الحكم الذاتي في إطار نظام الجهوية الموسعة”، الذي تمت بلورته في 2007 بمشاركة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية. وهي هيئة استشارية مغربية مكونة من النخب السياسية وأعيان الصحراء الغربية المغربية.
لقد شكلت هذه المبادرة رغبة حقيقية من جانب المغرب، في وضع حد للصراع المفتعل حول قضية الصحراء، حيث تقترح على المستوى الإداري منح سكان الجهة صلاحيات تسيير الإدارة المحلية، والشرطة المحلية، وكل ما يتعلق بتسيير محاكم الجهة.
أما على المستوى الاقتصادي فيقترح المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء، أن يتكفل السكان بأنفسهم بكل ما يحقق التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي، وكذا تشجيع الاستثمارات في كل من المجال التجاري والصناعي والسياحي والفلاحي، وتدبير الشؤون المتعلقة بالبنية التحتية من إقامة منشئات مائية وكهرباء وأشغال عمومية ونقل وغيرها.
وعلى المستوى الاجتماعي، تقترح مبادرة الحكم الذاتي أن يتم منح سكان الصحراء المغربية اختصاصات متعلقة بتوفير السكن، والتربية، والصحة، والشغل، والرياضة، والضمان الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، والتنمية الثقافية.
ولتحقيق هذه الأهداف نصت المبادرة على تمكين سكان الصحراء من موارد مالية جد مهمة؛ مثل الضرائب والرسوم والموارد المحصل عليها من استغلال الموارد الطبيعية للجهة، بالإضافة إلى الموارد المخصصة للجهة من الحكومة المركزية بالرباط، في إطار التضامن الوطني وعائدات ممتلكاتها.
وللسهر على تدبير شؤون سكان الصحراء المغربية في إطار الحكم الذاتي، اقترحت المبادرة أن يتم إحداث “برلمان الحكم الذاتي للصحراء” الذي سيتكون من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وأعضاء آخرين منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة.
أما السلطة التنفيذية فستمارس من طرف رئيس حكومة صحراوية جهوية، ينتخبه برلمان الحكم الذاتي للجهة وينصبه الملك. ويكون رئيس حكومة الحكم الذاتي هذا ممثلا للدولة المغربية في جهة الصحراء، ومسؤولا أمام برلمان الجهة. كما تتولى المحكمة العليا الجهوية الخاصة بالحكم الذاتي للصحراء أن تنظر نهائيا في تأويل قوانين الجهة، دون أي إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة المغربية. وفي المجال الحقوقي فقد ذهبت المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء، إلى التنصيص على أن سكان الجهة يتمتعون بكل الضمانات التي يكفلها دستور المغرب، في مجال حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا. وفي مقابل كل هذا فإن المغرب يلتزم بمراجعة دستوره، وإدراج نظام الحكم الذاتي ضمن فصوله، وكذا إصدار عفو شامل عن كل من صدرت في حقهم أحكام لها علاقة بموضوع الصراع حول الصحراء. كما أن الدولة تحتفظ باختصاصات حصرية تتعلق بالسيادة، هي: النشيد الوطني والعملة المالية، وكذا ممارسة الملك لاختصاصاته الدينية والدستورية. كما سيكون للدولة مندوب يزاول اختصاصاتها الحصرية في جهة الحكم الذاتي للصحراء.

“الجهوية” مدخلا للحكم الذاتي
على الرغم من أن نظام الجهوية بالمغرب يُعتبر تجربة رائدة ومُتميزة عربيا وأفريقيا، إلا أنها لا تزال في خُطواتها الأولى في بلد اعتمد الممارسة المركزية منذ استقلاله عن فرنسا في عام 1956. فالقانون حول الجهوية ينطوي على غموض كبير حول مفهوم هذا النظام وكيفية تطبيقه بالمغرب، بحيث تنبع المخاطر التي تحيط بـ “الجهوية المغربية ” من تسييسها. فقد انطلق مخاضها في إطار البحث عن حلّ سياسي للنزاع مع جبهة البوليساريو حول الصحراء الغربية. واستمر ذلك حتى عام 2010 عندما اتخذ نظام الجهوية طابعا إداريا مرتبطا بالتحوّلات السياسية والإصلاحات الدستورية، التي يشهدها المغرب منذ مطلع الألفية الجديدة.
لقد حظيت الجهوية بمفهومها العريض في الواقع باهتمام المشرع المغربي على مدى العقود الماضية، حيث اعتُمدت لأول مرة في ظهير 16 يونيو 1971 الذي نص على إحداث الجهات الاقتصادية. وفي ثمانينيات القرن الماضي، عبّر الملك الحسن الثاني عن إعجابه بنظام المقاطعات الألماني، وأبدى رغبته في الاستفادة منه لتطوير النظام الإداري المغربي. وفي دستور 1992 تم التنصيص على الجهوية مرة أخرى، حيث أضاف “الجهة” إلى مكونات الجماعات المحلية. وبعده دستور 1996، الذي أحدث المجالس الجهوية للحسابات فأسندت إليها مهمة مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكيفية تدبيرها لشؤونها. بيد أن مفهوم الجهوية بالمغرب دخل عهدا جديدا مع إقرار دستور 2011، الذي رسخ “الجهوية المتقدمة” كأحد ثوابت الأمة المغربية باعتبار “التنظيم الترابي للمملكة تنظيما لامركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة”.
وفي هذا السياق، يعتبر خطاب الملك محمد السادس، بتاريخ 6 نوفمبر 2008، مرجعية أساسية للجهوية المتقدمة، حيث أعلن فيه عن “فتح صفحة جدیدة في نھج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي يقودها، وتتمثل في “إطلاق مسار جھویة متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة وفي مقدمتھا جھة الصحراء المغربیة”.
وفي منتصف العقد الأخير تأكد التقدم المؤسساتي الذي عرفته الجهة بوصفها جماعة ترابية، انطلاقا من المرجعية الدستورية الجديدة وبناءً على القانون التنظيمي للجهات، من خلال التنافس الذي شهدته الانتخابات الجهوية لأول مرة يوم 4 سبتمبر 2015، تلتها انتخابات رؤساء الجهات في الرابع عشر من الشهر نفسه، وهو ما بيّن وجود رهانات أكبر من طرف الفاعلين السياسيين على هذه المؤسسة، رغم الانشغال بالانتخابات وما ستفرزه من نتائج، دون أن يتركز الاهتمام على الجهة كمؤسسة وبصلاحياتها واختصاصاتها.
وفيما يرى البعض أن غموض تفاصيل الجهوية والتدبير السياسي لها يجعل منها “مشروعا يحمل في طياته الفشل”، إلا أنه من الواضح أن الغموض قد يكون مرتبطا بكون نظام الجهوية المتقدمة الذي يقترحه المغرب لحل مشكل الصحراء، ما يزال مفتوحا لمفاوضات سياسية محتملة مع جبهة البوليساريو ومعها عرابتها الجزائر مستقبلا. على أنه أصبح خيارا لا رجعة فيه بالنسبة إلى المغرب، في سياق ما يشهده العالم من تطوّر في تدبير تنوّعه الوطني في إطار وحدة دوله. وفي هذا الإطار، شرعت الحكومة المغربية في تنزيل هذا النظام بشكل تدريجي، وفق خارطة طريق تعتمد مبدأ التدرج في تطبيق وتفعيل مضامينه داخل أجل زمني لا يتجاوز ثلاث سنوات (2020-2022)، مع إرساء آليات عملية لضمان فعالية ونجاعة هذا التنزيل، بما يحقق توزيعا متوازنا للاختصاصات والوسائل بين الإدارات المركزية للدولة بالرباط ومصالحها اللاممركزة في الجهات.
وضع مُفارِق بين ضفتين
الواقع أن الرباط لم تنتظر قبول المجتمع الدولي بمخططها للحكم الذاتي، حتى تشرع في تنزيله على الأرض. فالمغرب يتعامل مع مشكل الصحراء الذي فُرض عليه بكل شفافية، بحيث تكفي نقرة واحدة على أي محرك بحث للوصول إلى كل المعلومات حول جهات وأقاليم وجماعات الصحراء الغربية، بما فيها إحصائيات سكانها التي يجري تحيينها بشكل دوري، كلما نظم المغرب إحصاء عاما للسكان. وتجري في الأقاليم الصحراوية انتخابات منتظمة، كلما نظم المغرب انتخابات، منذ عقود، وتعرف أعلى نسب المشاركة على مستوى المغرب، تفرز ممثلين للسكان منبثقين عن صناديق الاقتراع. ويسيرون شؤون جماعاتهم ودوائرهم وجهاتهم بشكل يومي وبسلطات حقيقية، حيث يصل مجموع عدد المنتخبين عن أقاليم الصحراء زهاء 3500 منتخَب، تجري استشارتهم في كل ما يهم جهات تمثيليتهم. ولا أحد من داخل المغرب أو خارجه سبق أن شكك في الطابع الديمقراطي للانتخابات في الأقاليم الصحراوية، أو طعن في شرعية المنتخبين عن هذه الأقاليم، باعتبارهم ممثلين حقيقيين لساكنة الصحراء أفرزتهم صناديق الاقتراع.
ولذلك فهم يسهرون على تنزيل برنامج تنمية الأقاليم الصحراوية للفترة 2015-2021، الذي أطلقه المغرب، على أرض الواقع. ويشتمل هذا البرنامج الضخم على أزيد من 700 مشروع، بميزانية إجمالية بقيمة 8 مليار دولار. ويولي اهتماما خاصا لمشاركة السكان المحليين في معالجة واحدة من القضايا الأساسية، ألا وهي الحق في العيش في رخاء وسلم اجتماعي، في إطار الجهوية المتقدمة، بما يعزز فرص نجاح مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ سنة 2007.
كما بات في علم العالم أن كبار المنتخبين بالأقاليم الصحراوية، شاركوا بصفتهم ناطقين شرعيين باسم السكان الصحراويين، في الوفد المغربي في الموائد المستديرة، التي سبق أن انعقدت برعاية أممية بجنيف حول النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. ويتعلق الأمر بكل من رئيس جهة العيون الساقية الحمراء حمدي ولد الرشيد، ورئيس جهة الداخلة وادي الذهب ينجا الخطاط، وفاطمة عدلي الناشطة الجمعوية التي تعتبر أول سيدة صحراوية منتخبة منذ عام 1992 في مدينة السمارة.
لقد استثمر المغرب خلال العقود الأربعة الماضية حوالي 35 مليار دولار، لإعادة تأهيل الصحراء المغربية التي تركتها إسبانيا عند جلائها في 1975، فقيرة من البنى التحتية. واليوم أصبحت ظروف العيش بجهاتها الثلاث، التي يزيد سكانها قليلا عن نصف مليون نسمة، في ظروف أفضل من أغلب جهات المملكة الأخرى في إطار “تمييز إيجابي” رسمي مطلوب.
لكن على الضفة الأخرى، يعاني آلاف الصحراويين فصولا مأساوية من المعاناة. فقد لجأ خلال الحرب (1976-1991) الكثير من الصحراويين إلى تندوف بجنوب غرب الجزائر، حيث يقيمون في خمسة مخيمات كبيرة بئيسة منذ عقود. وتشير تقارير وكالات الأمم المتحدة إلى أن هؤلاء اللاجئين يعيشون في ظل ظروف صعبة، محرومين من الحق في العمل والتنقل فوق التراب الجزائري.
وبسبب رفض الجزائر إحصاءهم رسميا –رغم مناشدات المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة– حيث تنسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى الحكومة الجزائرية تقديرات بوجود 165 ألف لاجئ صحراوي في المخيمات الخمس الموجودة قرب تندوف. في حين تُقَدّر بعض وكالات الأمم المتحدة عددهم بما بين 90 و125 ألف لاجئ صحراوي.
نص مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية
1- التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي
1- ما فتئ مجلس الأمن، منذ 2004، “يدعو الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة، لوضع مخرج للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي”.
2- وتلبية لهذا النداء الصادر عن المجموعة الدولية، انخرطت المملكة المغربية في دينامية إيجابية وبناءة، ملتزمة بتقديم مبادرة للتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية الوطنية.
3- تندرج هذه المبادرة في إطار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهي مبادرة واعدة بانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة، فضلا عن أن من شأنها أن تضع حدا للمعاناة من الفراق والنفي، وأن تساعد على تحقيق المصالحة.
4- تكفل المملكة المغربية، من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء.
5- ومن هذا المنطلق، سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستتوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة.
6- تحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة، لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين.
7- ترمي المبادرة المغربية، المفعمة بروح الانفتاح، إلى توفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض والحوار، كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.
8- يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
9- ومن هذا المنطلق، فإن المغرب يوجه نداء إلى باقي الأطراف لكي تغتنم هذه الفرصة من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة. كما يعبر عن استعداده للانخراط في مفاوضات جدية وبناءة، انطلاقا من هذه المبادرة، وكذا عن الإسهام في خلق مناخ الثقة الضرورية لإنجاحها.
10- ولهذه الغاية، تبقى المملكة مستعدة للتعاون التام مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي.
2- العناصر الأساسية للمقترح المغربي
11- المشروع المغربي للحكم الذاتي مستلهم من مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن الأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا. وهو مشروع يقوم على ضوابط ومعايير معترف بها عالميا.
أ – اختصاصات جهة الحكم الذاتي للصحراء
12- يمارس سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، عدة اختصاصات، ولا سيما في الميادين التالية:
* الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة؛
* على المستوى الاقتصادي: التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة؛
* ميزانية الجهة ونظامها الجبائي؛
* البنى التحتية: الماء والمنشآت المائية والكهربائية والأشغال العمومية والنقل؛
* على المستوى الاجتماعي: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية؛
* التنمية الثقافية: بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني؛
* البيئة.
13- تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على الموارد المالية الضرورية لتحقيق تنميتها في كافة المجالات. وتتكون هذه الموارد بالخصوص مما يلي:
* الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيئات المختصة للجهة؛
* العائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية، المرصودة للجهة؛
* جزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة؛
* الموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني؛
* عائدات ممتلكات الجهة.
14- تحتفظ الدولة باختصاصات حصرية، خاصة منها ما يلي:
* مقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة؛
* المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية؛
* الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية؛
* العلاقات الخارجية؛
* النظام القضائي للمملكة.
15- تباشر الدولة مسؤوليتها في مجال العلاقات الخارجية بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة. ويجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات.
16- يزاول مندوب الحكومة اختصاصات الدولة في جهة الحكم الذاتي للصحراء، المنصوص عليها في الفقرة 14 أعلاه.
17- من جهة أخرى، تمارس الاختصاصات، التي لم يتم التنصيص على تخويلها صراحة، باتفاق بين الطرفين، وذلك عملا بمبدأ التفريع.
18- تمثل ساكنة جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية، وتشارك في كافة الانتخابات الوطنية.
ب – هيئات الجهة:
19- يتكون برلمان الحكم الذاتي للصحراء من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة. كما يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي للصحراء نسبة ملائمة للنساء.
20- يمارس السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي، وينصبه الملك.
21- يتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولا أمام برلمان الجهة.
22- يجوز للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك.
23- تتولى المحكمة العليا الجهوية، باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، النظر انتهائيا في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري للمملكة.
24- يجب أن تكون القوانين التشريعية والتنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات جهة الحكم الذاتي للصحراء مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة.
25- يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا.
26- تتوفر جهة الحكم الذاتي للصحراء على مجلس اقتصادي واجتماعي يتشكل من ممثلي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والجمعوية، ومن شخصيات ذات كفاءات عالية.
3- مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله
27- يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. ويعد هذا الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان لحقهم في تقرير المصير.
28- وتحقيقا لهذا الغرض، تلتزم الأطراف بالعمل سويا، وبحسن نية، من أجل تفعيل هذا الحل السياسي، وموافقة سكان الصحراء عليه.
29- كما تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة.
30- تتخذ المملكة المغربية كافة الإجراءات اللازمة من أجل إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن، إدماجا تاما في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم.
31- ولهذه الغاية، تصدر المملكة بالخصوص عفوا شاملا يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال أو حبس، أو أي شكل من أشكال الترهيب، ينبني على وقائع مشمولة بهذا العفو.
32- بعد موافقة الأطراف على مشروع نظام الحكم الذاتي، يساهم مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف، في تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة، وكذا في أي مسعى يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه، بما في ذلك العمليات الانتخابية.
33- إن المملكة المغربية لمقتنعة اليوم، مثل سائر أعضاء المجموعة الدولية، بأن حل الخلاف حول الصحراء لن يتأتى إلا بالتفاوض. وبناء على هذا الخيار، فإن المقترح الذي تطرحه على أنظار الأمم المتحدة، يشكل فرصة حقيقية من شأنها أن تساعد على انطلاق مفاوضات، بهدف التوصل إلى حل نهائي لهذا الخلاف في إطار الشرعية الدولية، وعلى أساس إجراءات توافقية تنسجم مع الأهداف والمبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة.
34- وفي هذا السياق، يتعهد المغرب بالتفاوض، من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من جميع الأطراف، لتسوية هذا الخلاف، الذي تعانيه المنطقة برمتها. ومن أجل ذلك، فإن المملكة على استعداد للإسهام الفعال في توفير مناخ من الثقة، كفيل بالمساعدة على إنجاح هذا المشروع.
35- تأمل المملكة المغربية أن تستوعب الأطراف الأخرى دلالة هذا المقترح بكل أبعاده، وأن تقدره حق قدره وتسهم فيه إسهاما إيجابيا وبناء، معتبرة أن الدينامية التي أفرزتها هذه المبادرة تتيح فرصة تاريخية لحل هذه القضية بصفة نهائية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس