خبير عسكري: المغرب العربي أضاع فرصة السلام، ومسيرات البوليساريو لن تغير الحرب

66
خبير عسكري: المغرب العربي أضاع فرصة السلام، ومسيرات البوليساريو لن تغير الحرب
خبير عسكري: المغرب العربي أضاع فرصة السلام، ومسيرات البوليساريو لن تغير الحرب

مصطفى واعراب

أفريقيا برس – المغرب. تشهد المنطقة المغاربية أحداثا وتحولات مفصلية منذ نحو عامين، تسارعت وتيرتها مع اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير الماضي. فقد دفع تحرير المغرب لمعبر الكَركَرات الاستراتيجي الذي يربطه بعمقه الأفريقي في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إلى إعلان جبهة البوليساريو العودة إلى الحرب ضد المغرب. وإلى الحدود البرية المغلقة بين الجزائر والمغرب منذ ثلاثة عقود، اُضيف قطع العلاقات الصيف الماضي بين البلدين، ثم غلق الأجواء.

وفي غمار ذلك، يخوض البلدان سباق تسلح لا يتوقف، وبدأ يأخذ أبعادا مخيفة حتى لدى الجيران الأوروبيين. فالغريمان اللذان باتا يجلسان على برميل بارود هائل، قد شرعا في تطوير مهارات قواتهما العسكرية على حروب الجيل الخامس، من خلال المشاركة في تمارين عسكرية يجري تنظيمها محليا وخارج الحدود.. من دون أن تفتر معاركهما السياسية أو تستريح مشاحنات مسؤوليهما، في المنتديات والمؤسسات الإقليمية والدولية.

لكن على الرغم من أن طبول الحرب الديبلوماسية والعسكرية لا تتوقف عن الدق، إلا أن البَلدين مكتفيان بخوض غمار حربهما الباردة. وهذه حالة غريبة لا تشبهها في العالم سوى حالة الكوريتين، في وقت تهب على المنطقة المغاربية رياح التغيرات الجيواستراتيجية التي تهز العالم بشدة.

قد يكون من المبكر فهم اتجاه الأحداث، لكنه من المفيد بكل تأكيد الإنصات إلى خبير، مثل الأستاذ باهي العربي النص، خاض في الميدان معارك عسكرية في إطار حرب الصحراء، قبل أن يعتزل السلاح ويصبح خبيرا مطلوبَ الرأي والتحليل من وسائل الإعلام الإسبانية والمغربية.

بعد مناورات “الأسد الأفريقي” في يونيو حزيران الماضي، تستعد الجزائر لتنظيم مناورات عسكرية ضخمة مع الروس على الحدود مع المغرب في نوفمبر/تشرين الثاني القادم .. هل نحن أمام إعادة تشكيل تقاطب نهائي وواضح، على شاكلة ما كان سائدا خلال الحرب الباردة؟

باهي العربي النص:
– ضابط سامي سابق في جيش جبهة البوليساريو.
– خريج الدفعة 25 من الكلية العسكرية العليا في طرابلس (ليبيا).
– تقلد عدة مناصب عسكرية في الجبهة، من بينها: “آمِر المدرسة العسكرية للضباط”، و”آمِر قاعدة الشهيد هداد للمدرعات” بتندوف.
– مدير “مركز السلام للدراسات السياسية والاستراتيجية” بالعيون سابقا.
– خبير ومحلل في الشؤون العسكرية والاستراتيجية حاليا.

أعتقد أن النظر إلى ما يجري بين المغرب والجزائر، واعتبارهما مجرد جزأين ضمن اصطفاف دولي كبير إلى جانب روسيا ومن يدورون في فلكها أو يتحالف معها بالنسبة للجزائر، من جهة، أو إلى جانب الغرب ومن يدورون في فلكه بالنسبة إلى المغرب، هي نظرة جد خاطئة. فليس هناك حرب باردة ثانية في الظرف الحالي.

دعني أُذَكِّر بأنه خلال الحرب الباردة (1945-1991)، كان هناك قطبان عالميان تقودهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، لكل منهما أتباع يصطفون اصطفافا واضحا من ورائه. فكانت كل من ليبيا والجزائر وسوريا والعراق واليمن الجنوبي —حتى نبقى في إطار العالم العربي— دولا تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، بينما بالمقابل المغرب والأردن ودول الخليج ومصر، التي تأرجت بين التبعية للسوفيات والتبعية للمعسكر الغربي.

لا علاقة لما يجري حاليا بذلك الاصطفاف الذي أصبح على ذمة التاريخ. فالآن لدينا وضع جد معقد، حيث هناك تحولات استراتيجية كبرى من أبرز مظاهرها أن روسيا والصين تبحثان عن دور لقيادة العالم، وهما بالفعل ماضيتان في انتزاعه. لكن على مستوى موازي، لم تعد بلدان العالم الأخرى متوسطة الحجم—ومن ضمنها الجزائر والمغرب— مجرد دول تابعة، بل أصبحت قوى إقليمية لديها أجنداتها الخاصة بها. وهذه الأجندات ليست بالضرورة بيضاء تماما أو سوداء تماما، بل هي رمادية تعكس بحث هذه الدول عن تحقيق مصالحها الخاصة.

وعلى هذا الأساس فإن ما نراه اليوم من اصطفاف، لا يعكس استقطابا على نحو ما كان سائدا زمن الحرب الباردة. فأن يشارك المغرب أو الجزائر في مناورات تنظمها روسيا وحلفاؤها أو أمريكا وحلفاؤها، فإن ذلك مرده إلى تقاطع مصالح فقط. فلم يعد الغرب مثلا وحده يستخدم المغرب مثلا، بل المغرب كذلك يستخدم الغرب لخدمه مصالحه في إطار صراعه مع الجزائر. ونفس الأمر بالنسبة لهذه الأخيرة التي تستخدم روسيا لخدمة مصالحها في نزاعها مع المغرب.

وللتأكيد على ذلك، نُذكّر بأنه عندما اندلعت الحرب في أوكرانيا، بقيت كل من الجزائر والمغرب على الحياد. فالجزائر لم تصوت بإدانة الغزو الروسي في مجلس الأمن، والمغرب فعل تقريبا نفس الشيء حيث تغيب عن الحضور لجلسة التصويت. وحتى إذا ما نظرنا إلى جانب التحالفات، فإن الجزائر رغم اعتمادها بنسبة 80 % أو 85 % على السلاح الروسي، وهي بالمناسبة من أكبر زبائن روسيا في ما يخص السلاح في العالم، فإنها [الجزائر] تعتمد إلى حد كبير على شركائها في أوروبا الغربية للحصول على مداخيلها، حيث تجري معظم مبادلاتها التجارية مع فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.

ونفس الشيء بالنسبة إلى المغرب الذي يعتبر أكبر زبون لروسيا في المنطقة المغاربية، إذا ما استثنينا السلاح. فهو يستورد منها الأسمدة الزراعية ومواد كيماوية أساسية أخرى، كما تربطه اتفاقيات كثيرة مع موسكو في قطاعات صيد السمك وتصدير منتوجاته الفلاحية إليها. وبالتالي فإن الوضع معقد جدا وليس بالبساطة التي يتصورها البعض، وما نراه من اصطفاف المغرب أو الجزائر ليس نهائيا، بل تمليه مصالح كل دولة منهما. وهو اصطفاف يتسم بقدرة كبيرة على المناورة. وهذه ميزة المرحلة الجديدة..

وهكذا، فإن المغرب يشارك في مناورات “الأسد الأفريقي”، لأنها تمكنه من الضغط على الجزائر وإظهار قوته. والجزائر في المقابل، ستنظم بعد أسابيع مناورات مع روسيا على الحدود مع المغرب بما يخدم أجندتها، لكي ترسل رسائل مشفرة إلى الرباط، لترد عليه بأنها هي الأخرى ليست وحيدة وبأن لديها حلفاء أقوياء.

هي إذن فقط مصالح متبادلة ما بين الجزائر وروسيا، وبين المغرب وحلفائه الغربيين، وبالتالي فإن للمغرب والجزائر أدوارا أكبر ولستا مجرد دولتين تصطفان خلف قوى دولية كبرى.

يقودنا هذا إلى طرح السؤال الأكثر إثارة للقلق حاليا: هل ستكون 2022 سنة الحسم العسكري بين الجزائر والمغرب، كما يتوقع البعض؟

في الواقع، كل الخطوات التي تسبق اندلاع الحرب قد تم قطعها. فعندما يتجاوز بلدان العتبة الأخيرة قبل أن يدخلا في حرب، يقطعان العلاقات الديبلوماسية بينهما وهي مقطوعة بالفعل بين الجزائر والمغرب منذ عام. وتتوقف المصالح الاقتصادية بينهما، وهي أيضا متوقفة، والأجواء مغلقة أمام الطيران، الخ. لكن، هل بلغ البلدان الحد الذي لم يتبق لهما سوى الدخول في حرب؟ أعتقد بأن الجواب هو: كلا.

فلا المغرب ولا الجزائر مضطران للدخول في حرب ستكون بلا شك، في حال اندلاعها، رهيبة ومدمرة. فلا تزال في حوزتهما الكثير من أوراق الضغط كل من جانبه على الآخر، التي يمكن لهما اللجوء إليها بعيدا عن خيار الحرب. ولذلك نرى أن هناك محاولة من الجانبين للإبقاء على ميزان قوى رادع للآخر، لكنني أستبعد جدا أن تكون 2022 سنة الحسم العسكري بين البلدين، كما يتوقع بعض المحللين والمراقبين. أرى أنه ليس ثمة من ضرورة للجوء إلى هذا السيناريو. بل على العكس من ذلك تماما، لا أرى أية مؤشرات على نية أي من الدولتين في القيام بخطة الدخول في حرب.

تفيد آخر الأخبار بتطوير المغرب لدفاعاته الجوية بشكل كبير، من أجل تحجيم الخطر الذي يُحتَمَل أن يمثله اقتناء الجزائر لمقاتلات الجيل الخامس “سوخوي-57” الروسية.. هل يعني هذا أن الحرب في حال اندلعت سيكون الحسم فيها للقوات الجوية؟

في السابق، مرت الجزائر بفترة جمود خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، سمحت للمغرب بإجراء تحسينات كثيرة، على طريق تطوير جيشه وعلى ميزان القوى. فقد اقتنى الكثير من الأسلحة المتطورة، مقاتلات إف-16 متطورة، منظومات دفاع جوي متطورة، واكتسب تجربة كبيرة في استخدام الطائرات المسيرة وتطويرها على ضوء التجارب الأخيرة في الحروب التي كشفت أهمية المُسَيَّرات. ففي الحقيقة قطع المغرب خطوات جبارة بينما كانت الجزائر تراوح مكانها في سبات عميق تحت حكم بوتفليقة، بحيث لم يعد التفوق العسكري يميل بقوة لصالح الجزائر.

لكن الأمر بدأ يتغير كثيرا بحسب تصوري، بسبب أزمة أوكرانيا التي أتاحت للجزائر من جديد عوائد مالية مهمة [بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز]. وبالمقابل، صَعَّبت على المغرب اللحاق بها في سباق التسلح معها، بحيث يبدو أن الوضعية تراوح مكانها بين البلدين في موضوع التسلح حاليا. في الواقع لم أستغرب أن تطور الجزائر قدراتها الحربية الجوية، ردا على تطوير المغرب لمقدراته الدفاعية، باقتنائها مقاتلات “سوخوي-57” الروسية، هذه الطائرة الحربية من الجيل الخامس التي هي مزيج من مقاتلة إف-35 وإف-22 الأمريكيتين. وتتوفر الجزائر كذلك على دفاعات إس-400 الجوية، وصواريخ إسكندر [البالستية] متوسطة المدى يصل مداها إلى 500 كلم وتمتاز بدقة عالية جدا. وبالتالي، أمام تطور القدرات العسكرية الجزائرية لم تقف المملكة مكتوفة الأيدي، فقد اقتنت منظومات دفاع جوي صينية متطورة، ورادارات فرنسية، ومنظومة باتريوت الأمريكية، ومنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية. كل هذا ليس مستغربا، لأن التفوق الجوي قد أصبح منذ عقود، مفتاح النصر في حرب الأسلحة المشتركة الحديثة.

وهناك نظريات عسكرية ترى بأنه يمكن تقليص الأسلحة الجوية [التقليدية] والرفع من الطائرات المسيرة الغير المكلفة لا في المال ولا في الأرواح، لكي تحل محلها بكفاءة. بينما في السابق كان التفوق الجوي أساسيا في الميدان. ليس لأن الحرب ستكون بالأساس جوية، فليس هناك حرب جوية بالمطلق، القوات الجوية تمهد الطريق للحرب البرية ولبلوغ القوات إلى أهدافها. لكن غالبا البلد الذي يفرض سيطرته الجوية في المعركة هو الذي يحسم الحرب لصالحه، طبعا باستخدام قواته البرية من مشاة ودبابات. وعليه، فإن الجزائر والمغرب من الطبيعي أن يسعيا كل من جهته، إلى تحقيق تفوق جوي.

من جانب آخر، نُسَجل بأن حدة سباق الجزائر والمغرب نحو التسلح المتطور، قد بلغت درجة أصبحت تثير معها قلق أطرافا ثالثة، وأقصد هنا الدول الأوروبية الواقعة بجنوب المتوسط [القريبة من المغرب العربي]. وهذا الموضوع تنبه إليه مراكز التفكير والبحث التي تحذر من الخطر الذي يتهدد بلدان الضفة الشمالية للمتوسط، بسبب كَمّ الأسلحة المتطورة والمناورات العسكرية الكبيرة التي يجري تنظيمها من وقت لآخر على حدودها.

لكنني أعود لأؤكد مرة أخرى بأنه على الرغم من كل ذلك، لا أعتقد بأنه لأي من الطرفين مصلحة في إشعال حرب على الآخر. بمعنى أن الصراع بين الجزائر والمغرب سوف يستمر وسيوظف حدة الحرب بين الغرب وروسيا. وبالمقابل، سيتم توظيفهما أيضا في إطار تلك الحرب لخدمة مصالح الغرب، بالنسبة للمغرب، وروسيا، بالنسبة للجزائر. بمعنى أن هناك تبادلا للخدمات والمصالح وفقا للأجندة الخاصة بكل طرف. والأجندات الخاصة بكل من الجزائر والمغرب سوف تظهر فيهما مستجدات بعد انصرام شهر أكتوبر القادم [يقصد بعد الاجتماع نصف السنوي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المخصص للمشاورات المغلقة حول قضية الصحراء].

هذا عن مآلات الحرب، ماذا عن احتمالات السلام بين البلدين؟

دعني أقول إن المناخ الدولي لم يسبق له، طوال العقود الماضية، أن كان غريبا مثلما هو عليه الحال اليوم. وأقصد مناخ القوى العظمى. فخلال الفترة من 1990 وحتى شهور قليلة مضت، كانت قرارات الفاعلين الدوليين من الصين والولايات المتحدة ومجلس الأمن وغيرها، تدخل في إطار التوقعات التي يجتهد في قراءتها المحللون والمراقبون. لكن خلال هذه السنة، لم نعد نستطيع توقع إلى أين سوف تتجه الأوضاع الدولية. مثلا، هل سيتم استخدام فيتو في مجلس الأمن ضد قرار معين؟ هل ستستمر روسيا في التعامل مع المغرب ببراغماتيتها، أم أن حرب الاستقطاب ستجبرها على إظهار دعم أكبر للجزائر في ملف الصحراء؟ وهل ستبقى فرنسا وفية لموقفها، أم أنها ستتجه نحو إرضاء الجزائر لمنعها من الاصطفاف خلف روسيا؟

على هذا المنوال، تبقى التساؤلات كثيرة جدا وبلا جواب في الوقت الراهن. ولذلك، عندما ستتبلور بشكل واضح مواقف القوى الدولية الفاعلة في ملف الصحراء [أواخر أكتوبر القادم] بمجلس الأمن، عندها فقط سنتمكن من قراءة ما يمكن أن ينتج عنها من مواقف في هذا الملف.. واستشراف ما إذا كان الموقف سينزلق إلى تصعيد بين المغرب والجزائر، أم أن البلدان سيجنحان نحو التهدئة، أو ربما التفاهم وطي ملف النزاع.. وبالتالي، نحن في مرحلة انتقالية كل الاحتمالات فيها واردة، عدا حصول صراع مسلح بين الجزائر والمغرب، الذي أعتبره مستبعدا جدا في المرحلة الحالية.

برأيك، هل يمكن أن يخدم سباق التسلح فرص تحقيق سلام بين الجزائر والمغرب؟ بمعنى، هل يقود تقارب ميزان القوى العسكري البلدين إلى قناعة، مفادها أن الحرب انتحار لهما معا، وبالتالي لا بد من التوافق حول حل سلمي للنزاع؟

كما سبق لي القول، سباق التسلح سوف يستمر في الأفق المنظور، لكنني لا أتصور أن يقود إلى حرب. لكن بالمقابل، حتى آفاق السلام التي كانت مواتية للمنطقة وفي صالح المغرب، قبل أشهر قليلة، أعتقد أنها لم تعد قائمة الآن. بمعنى أنه تظافرت جملة من الظروف، بينها ضعف جزائري داخلي كبير نتج عن “الحراك”، وضعف البلاد خلال سنوات الرئيس بوتفليقة، وما نتج عنه من مشاكل داخلية كبرى.. في مقابل مكتسبات كبيرة حققها المغرب في ظرف وجيز.. حدث كل هذا إلى غاية العام 2021.

برأيي أن المغرب لم يستثمر الوضع بسرعة، وهو ما فوت على المنطقة فرصة هامة لتحقيق السلام. هذا في تصوري الشخصي، وطبعا الدولة المغربية أدرى بحقيقة الأمور. ولذلك أقول إنه كان على الأطراف [الجزائر والبوليساريو والمغرب] تجنب التصعيد واغتنام الفرصة لتحقيق السلام.

الآن قد تغيرت الأمور كثيرا، بسبب الحرب ما بين روسيا وأوكرانيا، لأنها أعادت الجزائر إلى الواجهة استراتيجيا واقتصاديا وفي ملف الطاقة، وهو ما منحها القدرة على التصعيد. والآن، ما لم تفرض التوازنات الدولية بين القوى العظمى شروطا جديدة، فإن فرص السلام قد عادت لسابق تعقيداتها.

الواقع شديد التعقيد وسريع التحول، وهذا ينعكس مباشرة على سباق التسلح بين الجزائر والمغرب، لأنه يدفع بهما إلى مزيد من العلاقات المتشنجة.. من كان يتصور قبل سنة أن أحد أكبر التحديات التي سيواجهها المغرب، ليست لا روسيا ولا الصين، بل… فرنسا!! فحاليا يتم الحديث خلف أبواب مغلقة عن قيام تحالف فرنسي جزائري، على حساب “الصداقة التقليدية” مع المملكة.

لكن عدم جنوح البلدين المغاربيين المتصارعين نحو حل سلمي لا يعني أنهما يتجهان نحو الحرب. فلا أحد منهما بلغ عتبة اليأس، بل العكس نجد أن الجزائر التي كان من الممكن العام الماضي أن تشعر باليأس، قد التقطت أنفاسها بعد تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وأصبحت تلعب في الساحة المباشرة التي هي الساحة المغاربية، وأصبحت تحقق “انتصارات” فيها. وتقوم بهجوم مضاد في أمريكا الجنوبية على الديبلوماسية المغربية، وتسترجع مواقع مع البوليساريو. فكولومبيا عادت للاعتراف مرة أخرى بـ “الجمهورية الصحراوية”، وربما الشيلي مقبلة على نفس الخطوة… وبالتالي عادت حليمة إلى عادتها القديمة، وفوت المغرب العربي خلال العامين 2020 و2021 فرصة كبيرة لتحقيق السلام، من الصعب جدا أن تتكرر.

بخصوص الحرب التي تخوضها جبهة البوليساريو منذ قرابة عامين ضد المغرب، يجري الحديث عن امتلاكها أو نيتها اقتناء طائرات بدون طيار. هل يمكن أن يقلب هذا النوع من السلاح النوعي ميزان القوى مع المغرب؟ وما هي عواقب ذلك على مستقبل النزاع حول الصحراء؟

من الطبيعي أن تطمح جبهة البوليساريو إلى امتلاك ليس فقط سلاح المسيرات، بل وأيضا مضادات المسيرات. فبالتأكيد أن أول استخلاص استخلصته [قيادتها من الحرب التي أعلنتها في 13 نوفمبر 2020 ضد المغرب] هو أن لديها نقصا كبيرا في هذا الشأن، يُخرج الجبهة نهائيا من معادلة الحرب. لكن، ما بين خروجهم بهذا الاستنتاج وبين قدرتهم الفعلية على امتلاك هذا النوع من السلاح ذو القيمة العسكرية الكبيرة، قدرتهم جد محدودة لأسباب عديدة.

منذ إعلان البوليساريو التزامها بوقف إطلاق النار مع المغرب [في 6 سبتمبر/أيلول 1991 وحتى 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2020]، أضاعت سنوات ثمينة من اللاحرب واللاسلم، كان ممكنا لها خلالها أن تقتني سلاح المسيرات والدفاعات المضادة للمسيرات. وأنا متأكد بأنهم يحاولون في الكواليس تعويض هذا النقص. لكن دعني أقول إنه حتى امتلاك البوليساريو للمسيرات ولمضادات المسيرات، لن يكون من شأنه أن يُحدث فرقا في الميدان.

في الزمن الغابر عندما كانت لدى الجبهة وحدات عسكرية منضبطة، وكانت أحوالها المادية لا بأس بها، وكانت لديها علاقات دولية جيدة، كان بإمكانها أن تحصل على هذا النوع من السلاح النوعي. لكن الجبهة فقدت كل ذلك، بل وحتى الانضباط العسكري المفروض توفره في جيش يستخدم مثل هذه الأسلحة بات مفقودا في صفوف البوليساريو وجزءا من الماضي.

فالجبهة تعيش على إيقاع فوضى تنظيمية، وانعدام التماسك، غياب كوادر عسكرية كفؤة. وبالتالي فإن تظافر هذه العوامل يجعل من المستحيل أن تمتلك البوليساريو في 2022 هذا النوع من السلاح بالفعالية المفترضة. فهي لم تعد لديها وحدات عسكرية متماسكة قادرة على استعمال هكذا سلاح. قد تحدث المسيرات المتواضعة، في حال امتلاك الجبهة لها، مفاجأة في اليوم الأول لاستعمالها. لكن لن تغير في معادلة الحرب شيئا يُذكر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس