مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. كان كافيا أن تنشر وكالة “تاس” الروسية للأنباء خبر عن الوزير الأول الروسي ميخائيل ميشوستين بأن موسكو والرباط وقعتا على اتفاق ثنائي للتعاون النووي، لكي يعود ملف “نووي المغرب” إلى مربع النقاش والجدل من جديد.
والجديد الوحيد الذي حمله الاتفاق الجديد الذي كشف عنه ميشوستين، هو كونه يعلن عن انطلاق التجسيد الفعلي لمشروع شراكة قديم يعود إلى العام 2017، عندما وقع رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني مع نظيره الروسي ديمتري مدفيدف بالرباط، على إحدى عشرة اتفاقية، ثلاث منها في مجالات الطاقة وضمنها النووية. وكان لافتا تأكيد مدفيدف حينها عن استعداد بلاده لدعم التعاون الروسي المغربي، في مجال الطاقة النووية، عبر شراكة يعمل الجانبان على إطلاقها بين المغرب والاتحاد الاقتصادي لمجموعة “أوراسيا”، الذي يضم خمس دول هي: روسيا، وقرغيزستان، وأرمينيا، وروسيا البيضاء، وكزاخستان.
إن توجه المغرب نحو موسكو لتجسيد برنامجه النووي على الأرض، ليس حالة نادرة في المحيط العربي، ردا على رفض فرنسا المضي قدما في تنفيذ مذكرة التفاهم بشأن التعاون في المجال النووي، المتفق عليها خلال زيارة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، للرباط في العام 2007، والتي كانت تتعلق بدعم المغرب لإنشاء أول مفاعل نووي لأغراض سلمية. فالمعروف أن السعودية أيضا عقدت شراكة في المجال نفسه، مع العملاق الروسي في 2015 ردا على الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران.
لكن الخطوة الروسية الأخيرة تنبغي قراءتها في أبعادها الجيوسياسية. إذ على مستوى دولي، تأتي في سياق صراع النفوذ الروسي الفرنسي الآخذ في التوسع إفريقيّاً. بينما على المستوى المغاربي، تحولت سريعا إلى ساحة معركة جديدة لتنازع الزعامة الإقليمية المزمن بين الجزائر والمغرب.
فما الذي تحمله الشراكة النووية بين موسكو والرباط في الواقع؟ ولماذا يحتاج المغرب باستعجال إلى التكنولوجيا النووية السلمية؟ وما هي مؤهلاته في هذا المجال؟ ثم ما هي تداعيات الإعلان الروسي على السباق نحو الزعامة المغاربية بين الجزائر والمغرب؟
“النووي” لتحلية ماء البحر
بحكم الخصاص الكبير المتنامي للبلاد في الموارد الطاقية، الذي يفرض عليها تأدية فاتورة طاقية ضخمة كل سنة، ستبلغ برسم العام الحالي حوالي 100 مليار درهم (قرابة 10 مليار دولار)، سعى المغرب منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، إلى التفكير في إنشاء محطة نووية لإنتاج الكهرباء، من شأنها أن تساهم في خفض كلفة الفاتورة الطاقية للبلاد. وانضاف الجفاف الذي أصبح هيكليا إلى متاعب المملكة، بسبب حاجاتها المتنامية إلى تحلية مياه البحر (المغرب يتوفر على شريط ساحلي طويل جدا بطول 3500 كلم، على المتوسط والمحيط الأطلسي)، ليس فحسب لتوفير ماء الشرب، بل وأيضا مياه الري.
وتفيد تقديرات كتابة الدولة لدى وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك المكلفة بالماء، بهذاالصدد، بأن الطلب على الماء سوف يرتفع في أفق العام 2030 إلى نحو 16,7 مليار متر مكعب، في مقابل 14 حاليا. ويمثل ذلك تحديا للسلطات العمومية في المغرب، في ظل ما تشهده البلاد والعالم من حولها، من تغيرات مناخية سمتها الأبرز ندرة التساقطات وعدم انتظامها. ولتلك الاعتبارات وغيرها، يرى الخبراء أن سياسة السدود التي اعتمدها المغرب منذ الستينيات من القرن الماضي، قد بلغت حده الأقصى. وبات عليه بالتالي التعويل على خيارات بديلة لتوفير حاجياته المتزايدة إلى الماء. ومن بين الخيارات التي تتبناها كتابة الدولة المشار إليها، إنشاء محطة لتحلية ماء البحر بقدرة إنتاجية تناهز 400 مليون متر مكعب كل عام.
ولتفعيل هذا الخيار، شرع المغرب فعلا منذ سنوات، في بناء محطة بأكادير سوف تكون الأكبر من نوعها في العالم، التي تحلي ماء البحر بالاعتماد على الطاقة الشمسية. لكن تكلفتها المالية باهظة. ولخفض تكلفة تحلية ماء البحر، ترى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن لجوء البلدان المغاربية إلى استعمال الطاقة النووية، يعتبر أكثر الخيارات الاقتصادية فاعلية. ويتأسس رأي الوكالة المشجع على الاعتماد على الطاقة النووية هذا، على خلاصات دراسة سبق أن قام بها خبراؤها. نصحوا من خلالها الدول المغاربية (تحديدا: المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا) بإنشاء محطات نووية لتحلية ماء البحر، يكون من السهل دمجها في شبكات التيار الكهربائي الوطنية لهذه الدول. وتتوقع الدراسة أن تراوح تكلفة إنتاج المتر المكعب الواحد من الماء العذب الذي تتم تحليته بالطاقة النووية –نظريا– بين 0,7 دولار ودولار واحد، وهي الأقل تكلفة بين باقي الخيارات الأخرى.
والواقع أن الفكرة ليست جديدة، فقد سبق للمغرب أن أنجز دراسة جدوى لإقامة محطة صغيرة لتحلية ماء البحر في طانطان (جنوب غرب المغرب)، اعتمادا على التكنولوجيا النووية، منذ منتصف التسعينيات. وكشفت التقديرات الأولية أنها قد تكلف حوالي 400 مليون درهم (حوالي 40 مليون دولار)، بطاقة إنتاجية تناهز 8 آلاف متر مكعب من الماء العذب في اليوم. وفي عهد حكومة التناوب الأولى (1998)، ناقش الوزير الأول الأسبق عبد الرحمن اليوسفي الملف مع شركاء صينيين، خلال زيارة له إلى بكين. لكن في النهاية تم التخلي عن الخيار النووي بشكل “غامض”، ربما بسبب ضغوط إسبانية، نظرا لقرب طنطان من جزر الكناري الإسبانية، كما أفادت مصادر غربية حينها.

تسويف فرنسي طال عقودا
بدأ البرنامج النووي المغربي مع أوائل ثمانينيات القرن الماضي، عبْر إنجاز الدراسات بين سنتي 1982 و1993، والتي أشرفت عليها شركة “صوفراطوم”، الفرنسية، التي اعتبرت في خلاصاتها أن المغرب، بالنظر إلى وضعيته وتطوره الاقتصادي والديموغرافي، سيصبح في حاجة إلى الطاقة النووية في أفق زمني مُعيَّن، وتوقعت الدراسة أن يتوفر المغرب، في سنة 2010، على أول مفاعل نووي. وهو ما لم يحدث.
بعد ذلك، جرى التوقيع في 24 أكتوبر 2007 على مذكرة تفاهم، بمناسبة زيارة الرئيس الأسبق ساركوزي للمملكة، وقعها المكتب الشريف للفوسفاط (مملوك للدولة المغربية) مع شركة “أريفا” الفرنسية المتخصصة في المجال النووي” (أصبح اسمها “أورانو”)، لتطوير الأبحاث حول الاستغلال المشترك لليورانيوم من الحامض الفوسفوري المنتج من الفوسفاط المغربي.
وكانت التوقعات أن يبدأ العمل بأول محطة لإنتاج الطاقة النووية في أجل أقصاه 2017، حسب الاستراتيجية الطاقية الوطنية، وأن المشروع يتطلب استثمارا يقارب 15 مليار درهم (حوالي 1,5 مليار دولار)، وأن تتولي الشركة الفرنسية “أريفا” بناء عدد من المفاعلات النووية المُخصَّصة للاستخدام السلمي في توليد الكهرباء. وتلقى الطاقم الإداري والفنني ومهندسو الطاقة النووية المغاربة، الذين كان من المُقرَّر أن يعملوا في المحطة النووية الأولى بسعة إنتاج تناهز 1000 ميغاواط من الكهرباء، تدريبات متقدمة في الولايات المتحدة وفرنسا، بينما تم إعداد الجانب التقني لموقع المفاعل.
وفي 2012، أعلن الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط مصطفى التراب، بأن الدراسات والأبحاث بلغت درجة جد متقدمة في مجال استخراج اليورانيوم من الفوسفاط المغربي، وأن مكتبه يوجد في طور نسج شراكات دولية من أجل استغلال اليورانيوم من نفايات الفوسفاط. ثم في 2013، أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي لحسن الداود المنتمي للعدالة والتنمية الحزب، بأن «المغرب أصبح قادرا على استخراج اليورانيوم من فوسفاطه، وسيشرع في ذلك ابتداء من مطلع سنة 2015. للإشارة فالمغرب يملك 75 في المائة من احتياطات الفوسفاط على المستوى العالمي، به نسبة تركيز عالية من اليورانيوم.
لكن ما حدث بعد ذلك زاد الموضوع غموضا، حيث تراجعت فرنسا في عهد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند (2012-2017) عن وعود الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي بأن تستثمر بلاده في استخراج اليورانيوم المغربي. وقيل حينها إن التكلفة المالية الباهظة لإنشاء محطة نووية تعيق تنزيل المشروع. ورغم ذلك، انخرطت الرباط بقوة في التوقيع على الاتفاقيات الدولية التي تخص الوكالة (الدولية للطاقة النووية)، وانصب دعم الجهات العليا في المغرب على تطوير الطاقات المتجددة الشمسية والريحية، إلى حين.
وقبل أيام، عاد الحديث عن الرفض الفرنسي بعد تسويف طويل استغرق عقودا لدعم الطموح النووي السلمي للمغرب. فقد كشف رئيس غرفة التجارة والصناعة الإسرائيلية الفرنسية بتل أبيب (CCIM) دانيال رواش نقلا عن خبير إسرائيلي، عن السبب قبل أيام. ففي مقال نشره على موقع “israelvalley”، كشف رواش فيه “الفرنسيين لا يريدون حقا التعاون في هذا المجال مع المغرب، لأنهم يخشون ردة فعل الجزائر، ولأنهم لا يريدون انتشار النووي”.
موسكو توافق أخيراً!
صادقت الحكومة الروسية، الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022، على اتفاقية تعاون مع نظيرتها المغربية تتعلق بتطوير استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية. وتشمل مجالات التعاون تطوير البنية التحتية الطاقية في المغرب، من خلال بناء وتصميم مفاعلات للطاقة النووية وإنشاء محطات تحلية المياه وكذلك التنقيب عن رواسب اليورانيوم، بالإضافة إلى تطوير البحث العلمي لاستخدامات الطاقة النووية في المجالات الطبية والصناعية، وفق وكالة الأنباء الروسية “ريا نوفوستي”.
كما تتضمن الاتفاقية كذلك، تزويد مفاعلات الطاقة والبحوث بالوقود النووي، وإدارة مخلفات هذا الأخير والنفايات المشعة، وإجراء البحوث الأساسية والتطبيقية في مجال الذرات النووية، إلى جانب استخدام تقنيات الإشعاع في المجالات السلمية. وتنص بنود الاتفاقية على أن روسيا ستساعد المغرب على دراسة قاعدة الموارد المعدنية في البلاد، وتدريب العاملين في محطات الطاقة النووية، وكذا العاملين بالمركز المغربي للطاقة والعلوم والتكنولوجيا النووية، حسب ذات المصدر.
وتأتي اتفاقية التعاون الجديدة، في أعقاب توقيع البلدين سنة 2017، على مذكرة تفاهم جمعت بين وزارة الطاقة والمعادن بالمغرب مع نظيرتها الروسية، لتعزيز التعاون في مجالات استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية. ففي تلك السنة، وقع رئيس الحكومة الروسي دميتري ميدفيديف، ونظيره المغربي آنذاك سعد الدين العثماني، على 11 اتفاقية للتعاون تهم مجالات التعاون الجمركي والفلاحي والعسكري والدبلوماسي والإداري والتجاري والثقافي، علاوة على قطاعات النجاعة الطاقية والطاقات المتجددة والاستعمال السلمي للطاقة النووية. وتم التوقيع على هذه الاتفاقيات، في سياق اتسمت فيه العلاقات المغربية بتقارب ملحوظ على مختلف المستويات، بعد زيارة الملك محمد السادس إلى روسيا سنة 2016، والتي أجرى خلالها محادثات موسعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتشير مسودة الاتفاق التي نشرت بشكل رسمي من قبل الحكومة الروسية يوم 11 أكتوبر الجاري، إلى أنه تم تكليف مؤسسة الطاقة الذرية الحكومية الروسية “روساتوم” بإجراء محادثات رفقة وزارة الخارجية الروسية، مع المغرب، وتوقيع الاتفاق النهائي عند التوصل إليه.
وتمت المصادقة على المسودة التي قدمتها شركة “روساتوم” الروسية، بتنسيق مع وزارة الخارجية الروسية، وجهات حكومية أخرى، والتي سبق أن تم تطويرها مع الجانب المغربي. وأصدرت الحكومة الروسية تعليمات لروساتوم ولوزارة الخارجية الروسية، لإجراء محادثات مع الشركاء المغاربة وتوقيع الاتفاقية.
وتنص المادة الثانية من المسودة على تصميم وبناء المفاعلات النووية البحثية، وكذلك لتحلية المياه وبناء منشئات ومُسرعات الجسيمات النووية الأولية، والتنقيب عن رواسب اليورانيوم وتطويرها ودراستها، وتقديم خدمات دورة الوقود النووي، بما في ذلك توريد الوقود النووي للطاقة والبحوث، وكذا إدارة الوقود النووي المستهلك، والمواد المشعة والمخلفات، وضمان السلامة النووية والإشعاعية، والاستجابة لحالات الطوارئ.
وتنص المادة الثالثة أيضا على إنتاج النظائر المشعة واستخدامها في الصناعة والطب والزراعة، واستخدام التقنيات النووية والإشعاعية للأغراض الطبية، والصناعية، والأغراض السلمية الأخرى، وتعليم وتدريب وإعادة تدريب المتخصصين في الصناعة النووية. وأبقت المسودة الباب مفتوحا لإضافة مجالات تعاون أخرى، يتفق عليها البلدان من خلال “القنوات الدبلوماسية”.
كما توكد المادة الخامسة من المسودة، على أن تنفيذ هذا الاتفاق سيكون منوطا بمؤسسة الطاقة الذرية الحكومية الروسية (روساتوم)، والخدمة الفيدرالية للبيئة، من الجانب الروسي. ومن الجانب المغربي، وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، والوكالة المغربية للأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي.
بينما تنص المادة الثامنة، على ضرورة الحفاظ على سرية المعلومات المتبادلة بين الجانبين، مع تحديد الأشخاص المخولين بالاطلاع عليها. وتشير المادة العاشرة إلى أن تصدير المواد والمعدات النووية الخاصة، والمواد غير النووية والتكنولوجيات ذات الصلة، وكذلك البضائع، سيكون بالتوافق مع اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية، وباقي المعاهدات التي وقعت عليها الدولتين.
من الواضح أن موسكو تلتزم بجدية بالقيام بأكثر مما سبق أن وعدت به باريس الرباط، ثم قلبت لها ظهر المجن. ومن الصعب أن لا نرى بعد قراءة مسودة الاتفاقية، أن قبول روسيا نقل التكنولوجيا النووية للمغرب، هو جزء من مساعيها لفرض نفوذها على حساب فرنسا في دول إفريقيا الفرنكوفونية، التي تعتبرها باريس “باحتها الخلفية”.
البحث عن شراكات متعددة
إن المطلع على تطور سياسات الدولة المغربية، يدرك دون شك بأن استراتيجيتها قيد تغيرت منذ العام 2014 حيث صارت أكثر براغماتية. فلم يعد المغربي يبني تحالفاته وشراكاته إلا على أساس ما تفرضه عليه مصالحه، ولذلك باتت استراتيجية الدولة تقوم على تعدد الشركاء الدوليين. فالملاحظ منذ 2015 أن المغرب يضع بيضه —كالسابق— في سلة فرنسا وإسبانيا (الاتحاد الأوروبي بشكل عام) والولايات المتحدة الشركاء “التاريخيون” وحدهم، بل انفتحت الرباط بشكل كبير أيضا على روسيا والصين والهند، سعيا منها إلى تحقيق توازن أفضل في علاقاتها الدولية.
وحتى قبل تبني الاستراتيجية الجديدة، سعى المغرب إلى عقد شراكات دولية متعددة من أجل إطلاق تنفيذ مشروعه النووي. هكذا كان المغرب قريبا في سنة 1998، وبتعاون مع الصينيين، من إطلاق مشروع رائد لتحليّة مياه البحر، يشتغل على الطاقة النووية في منطقة طانطان (جنوب غرب) من خلال مفاعل نووي صغير بقدرة إنتاج 10 ميغاوات من الكهرباء. وقد اشتغل على المشروع فريق من الباحثين المغاربة المختصين في التكنولوجيا النووية إلى جانب نظرائهم الصينيين، الذين كانوا قد حلوا بالمغرب من أجل تقديم الخبرة والتكنولوجيا اللازمة. غير أن المشروع توقف بقرار سياسي غامض. ويحكي مصدر من اللجنة المغربية للخبراء التي أشرفت على الدراسات الخاصة بمشروع محطة طانطان النووية، أنها كانت ستكون لو تم إنشائها بالفعل محطة نووية نموذجية لما يفترض أن تكون عليه المحطات النووية في منطقة شمال إفريقيا، وأن الصينيين كانوا مستعدين لأن يمُدّوا نظراءهم المغاربة بجميع التكنولوجيا المتعلقة بالمحطة المذكورة، وأن يضمنوا لهم تكوينا عاليا في الصين، وتمويلا مناسبا يتلاءم والقدرات المالية المحدودة للمغرب.. على اعتبار أن الصينيين كانوا يبحثون لهم عن موطئ قدم في المغرب، من أجل منافسة الفرنسيين والأمريكيين على السوق المغربية، ولذلك قدّموا تسهيلات مغرية، غير أن احتجاجات الجارة الشمالية (إسبانيا) —كما قيل بشكل غير رسمي—على إقامة المحطة النووية في طانطان، دفعت إلى “تجميد” المشروع.
إن المغرب لا يستثني أية إمكانية يمكن أن تفتح أمامه نقل التكنولوجيا النووية إليه. هكذا وفي ماي الماضي، وقع مع السعودية اتفاقية/إطار للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، بهدف تلبية حاجتهما لتطوير موارد جديدة للطاقة. لكن لم ترشح عن هذه الاتفاقية أية تفاصيل. ومنذ توقيع اتفاق “التطبيع” بين المغرب وإسرائيل في أواخر 2020، كثر الحديث داخل وخارج المغرب حول وجود اتفاقيات سرية للتعاون في مجال “النووي السلمي”، بين الرباط وتل أبيب. لكن لم يتم تأكيد ذلك رسميا. بيد أنه في نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، قال المدير العام للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية موشيه إدري، إن إسرائيل “قد تتبادل جوانب من التكنولوجيا والمعرفة النووية”، الخاصة بها مع الدول التي وقعت على اتفاقيات إبراهيم. وأضاف إدري في كلمة ألقاها أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا، قائلا: “نأمل أن تمثل الروح الجديدة في منطقتنا، كما هو موضح في اتفاقيات إبراهيم، طريقا إلى الأمام لحوار مباشر هادف داخل منطقتنا، بما في ذلك في المنتديات النووية”. وتابع قائلا: “توفر لنا أحدث التقنيات في إسرائيل مستويات كبيرة من المعرفة والقدرات، ونحن على استعداد لمشاركتها مع الآخرين. بالطبع، تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
وكان المغرب قد أنشأ سنة 2014، “الوكالة المغربية للأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي (أمسنور)”، وهي مؤسسة عمومية ذات طابع استراتيجي مهمتها تنظيم ومراقبة الأنشطة المتعلقة بمصادر الإشعاعات المؤينة. وفي سنة 2016، أعطت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الضوء الأخضر للمغرب لإطلاق برنامجه النووي السلمي. وكشفت الوكالة أن الرباط “تستجيب للشروط التقنية والإدارية والقانونية والأمنية والتدبيرية، وتملك المؤهلات البشرية والتجربة والكفاءة العلمية، التي تؤهلها لإطلاق برامج للطاقة النووية لأغراض سلمية، خصوصا في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر”.
وفي مارس 2021، تم تدشين “مركز للتكوين في العلوم والتكنولوجيا النووية”، تابع للمركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية بغابة المعمورة (ضواحي الرباط). وهذا المركز الفريد من نوعه في القارة السمراء يحظى باعتراف دولي وإفريقي، حيث تستفيد من خدماته حوالي 40 دولة أغلبها دول أفريقية. وتقول بعض المصادر، إن المغرب يتوفر على نحو 300 باحث ومهندس وتقني نووي، يشتغلون في الجامعات والمعاهد المتخصصة داخل وخارج الوطن؛ بينهم “الخمار المرابط” المسؤول السابق عن السلامة النووية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي يوليوز 2021، اختارت الوكالة الدولية للطاقة النووية، “الوكالة المغربية للأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي”، كأول مركز تعاوني أفريقي لبناء القدرات في مجال الأمن النووي على مستوى القارة السمراء.

نحو سباق مغاربي جديد على “النووي”
بمجرد إعلان رئيس الوزراء الروسي عن دخول اتفاق التعاون النووي الروسي المغربي حيز التنفيذ، اتنقد الإعلام الجزائري بشدة وبصوت واحد، ما اعتبره “خيانة” موسكو لحليفتها المغاربية، التي تبيعها سنويا بين 7 و10 مليارات دولار، من أجل المغرب الدولة “العدوة” و”العميلة للغرب”. وهو ما يعكس خيبة أمل كبرى لدى القيادة الجزائرية من شراكة “الحليف الروسي” مع “العدو المغربي”، كما سبق أن وصفه قائد الأركان الجزائري الفريق سعيد شنقريحة.
من حيث المبدأ، يعتبر المغرب الذي لا يمتلك ثروات من المحروقات، تسمح له بإنتاج الكهرباء بسعر بخس كما هو حال الجزائر، أكثر حاجة إلى الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر. ولذلك تسعى الرباط منذ حوالي أربعة عقود إلى امتلاك مفاعل نووي واحد على الأقل، يسمح لها بخفض فاتورة استيراد المحروقات من الخارج. ومن جهة أخرى، يبدو واضحا أن المغرب اتخذ قراره بالتوجه نحو موسكو، بعدما عانى طويلا من تسويف الدول النووية الغربية، وفي مقدمتها فرنسا.
وبحسب محللين روس، فإن موسكو حريصة على عدم خلخلة التوازن الجيوسياسي والاستراتيجي في شمال أفريقيا، ولذلك تدرس بجدية إمكانية مساعدة الجزائر أيضا على تحلية ماء البحر اعتمادا على الطاقة النووية. غير أن ذلك لا يعني أن الجزائر تنتظر أن تخطو خطوتها الأولى في الحقل النووي بمساعدة موسكو.
ففي سنة 1991، قالت واشنطن أن أقمارها الصناعية قد اكتشفت أدلة على قيام الجزائر ببناء مفاعل نووي. واتهمت “واشنطن بوست” حينها الجزائر بتطوير أسلحة نووية، سرا بمساعدة الحكومة الصينية. واعترفت الحكومة الجزائرية عقب ذلك أنها تبني مفاعلا نووي، لكنها نفت أية سرية للمشروع، أو أي غرض عسكري ورائه. وقد اتضح لاحقا أن الصين قد وقعت بالفعل سرا اتفاقا مع الجزائر في عام 1983، لمساعدتها على إنشاء مفاعل نووي. وفي نوفمبر من عام 1991، استجابت الجزائر للضغوط الدولية ووضعت الجزائر المفاعل تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ثم وقعت معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في يناير 1995.
https://www2.gwu.edu/~nsarchiv/nukevault/ebb228/index.htm
وبسبب ذلك “الحادث”، تنظر الدول النووية الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعها المغرب، بريبة إلى محاولات الجزائر إخفاء أجزاء من مشروعها النووي حتى اليوم.. سيما في ظل تواتر أخبار عن وجود تعاون سري بيننها وبين إيران، التي توشك أن تصبح قوة نووية، في هذا المجال. فمنذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، كان لدى الجزائر برنامج نووي طموح، يتضمن بشكل خاص إقامة أربع منشآت نووية. لكن الجزائر لا تعترف حاليا للوكالة الدولية للطاقة الذرية سوى بمفاعلين نوويين سلميين صغيرين، هما مفاعلا “السلام” و”نور”.
ويقع مفاعل “السلام” للأبحاث في عين أوسارة في الصحراء الكبرى على بعد 140 كلم جنوب الجزائر العاصمة. وهو مفاعل يعمل بالماء الثقيل بقدرة 15 ميغاوات، تم بناؤه في عام 1991 عقب توقيع اتفاقية تعاون نووي مع الصين. وكشفت الصين للوكالة الدولية لاحقا، أنها سلمت أيضا بموجب هذا البرنامج 11 طنا متريا من الماء الثقيل، و 216 وحدة وقود نووي، وإجمالي 909 كغ من اليورانيوم منخفض التخصيب. وهذا المفاعل النووي خاص للأبحاث ولإنتاج المواد الصيدلانية الإشعاعية، ويمكن له إنتاج قوة قدرها 15 ميغاوات.
بينما المفاعل النووي “نور”، الواقع بالدرارية على بعد حوالي 20 كلم شرق الجزائر العاصمة، فقد تم بناؤه من قبل الأرجنتين. وتبلغ قوته واحد ميغاوات، ويعمل بالماء الخفيف. وبحسب ما تقول السلطات الجزائرية، فإن هذا المفاعل مخصص للأبحاث.
أما المغرب فيتوفر على مفاعل صغير من نوع تريغا مارك 2 TRIGA Mark II، الذي قامت بتصميمه وتصنيعه شركة “جنرال أتوميكس” الأمريكية المتخصصة في الصناعات العسكرية المتطورة. وهو مفاعل نووي للأبحاث، صغير القدرة (ما ببن 20 كيلووات و20 ميغاوات). ويقوم بصفة أساسية بإنتاج العناصر المشعة، التي تستخدم في الزراعة، والطب (في التشخيص والعلاج)، وفي تعقيم الحبوب، وفي بحوث أساسية أخرى كثيرة.
وعموما تلاحق الشكوك البرنامج النووي الجزائري. فقد كانت تقارير استخبارات أوروبية لاحظت أن مجمع “السلام” للأبحاث النووية، يبدو كبيرا جدا ومحميا جيدا أكثر مما تكون عليه المفاعلات الخاصة بالأبحاث. ورجحت بالتالي أن يكون من النوع الذي يمكن أن يسمح بإنتاج البلوتونيوم الذي يدخل في صناعة الأسلحة النووية. وتقول تقارير لأجهزة مخابرات أوروبية، أن مبنى سميكا يقع بالقرب من مفاعل “السلام” قد تم تصميمه ليكون محطة لإعادة معالجة كاملة لليورانيوم. كما يتجاوز حجم أبراج التبريد متطلبات مفاعل يقال إن قدرته لا تزيد عن 15 ميغاواط فقط. وتختلف تقديرات خبراء غربيين حول كمية البلوتونيوم التي يمكن أن ينتجها مفاعل بقدرة 15 ميغاواط، كمفاعل “السلام”، بين 3 إلى 5 كغ سنويا من البلوتونيوم. ويقول الخبراء إنه تم نقل الخبرة النووية للأرجنتينيين بشكل كبير، أثناء بناء المفاعل ومحطة إنتاج الوقود التجريبية الملحقة به.
وسبق أن كشف تقرير للمخابرات الجزائرية، عن كون إسرائيل تستخدم القمرين الاصطناعيين “أفق” و”أفق 7″، للتجسس على المنشئات العسكرية الجزائرية الحساسة. وأشار التقرير إلى أن “أفق 7” سبق أن التقط صورا للمفاعلين النوويين الجزائريين “نور” و”السلام”. كما كشفت تقارير إسرائيلية بعد ذلك، أن تل أبيب تشك في استخدام الجزائر لمنشئاتها النووية لأغراض غير سلمية. وهي التهمة التي لم تتوصل واشنطن بشأنها إلى أي دليل إدانة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس