مصطفى واعراب
أفريقيا برس – المغرب. رسميا، ما تزال الأزمة الفرنسية المغربية تراوح مكانها الذي لم تبرحه منذ اندلاعها قبل قرابة 16 شهرا. لكن المراقب لا تفوته ملاحظة أن ثمة بداية تململ وحلحلة، لملف الأزمة خلال الأسابيع الأخيرة. فبعد “تطبيع” باريس لعلاقاتها المتوترة مع الجزائر، يبدو منطقيا أن تنكب على الانكباب على ملف أزمتها مع الرباط. ففرنسا ليست في وارد خسارة هذين البلدين الأكبر في المنطقة المغاربية، والأهم لمصالحها على مستوى القارة الأفريقية. خصوصا في سياق وضع جديد وغير مسبوق، يشهد تناميا لمشاعر العداء لكل ما هو فرنسي في القارة السمراء.
ومن أبرز مظاهر تململ الموقف السياسي بين فرنسا والمغرب خلال الفترة الأخيرة، تحرك “اللوبي المغربي” المكون من شخصيات فرنسية تنتمي إلى عوالم السياسة والاقتصاد والثقافة، للضغط على الرئاسة الفرنسية من أجل كسر الجمود مع الرباط.. وأيضا المكالمة الأخيرة بين العاهل المغربي والرئيس الفرنسي، التي يرجح المراقبون أن تكون مهدت لزيارة ماكرون للرباط قريبا. لكن ما يمكن أن نقرأ فيه أبرز مؤشر على بداية مفترضة لطي ملف الأزمة الفرنسية المغربية، هو الإعلان قبل أيام فقط، عن منح صفقة الخط الثاني من القطار المغربي الفائق السرعة لشركة فرنسية…
فهل هي مقدمات لبداية انفراج الأزمة بين باريس والرباط؟ التحليل التالي يحاول تقديم بعض عناصر الجواب.

في الأصل انطلقت فصول الأزمة عمليا، بعد اتهام منظمات فرنسية “غير حكومية” في 20 يوليو/تموز 2021، المغرب باستهداف هواتف حوالي 16 شخصية سامية فرنسية، منذ 2019، في مقدمتهم الرئيس ماكرون نفسه، بعملية تجسس واسعة بواسطة برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي الشهير. والغريب أن الدولة الفرنسية طلب “توضيحات” من الشركة الإسرائيلية المُصنِّعة للبرنامج، ولم توجه للرباط أية اتهامات رسمية للرباط. لكن باريس أطلقت بالمقابل حملة اتهامات شعواء على المؤسسة الملكية وعلى المصالح المغربية.
قد يكون ذلك الحادث الديبلوماسي شكل فقط بداية انفراط سبحة العلاقات المتعددة الأبعاد بين فرنسا ومَحْمِيَتها السابقة. لكن الأزمة المستمرة في التفاعل حتى الساعة، تبدو أعمق من مجرد قضية “تجسس”. فالمؤشرات المتواترة منذئذ تسمح بقراءة الأزمة ضمن التحولات الجيوسياسية، الآخذة في التطور بالمنطقة كجزء من عالم ما بعد جائحة كورونا.
عوامل الأزمة متداخلة
من ضمن أبرز عناوين الأزمة “الصامتة”، قرار فرنسا قبل عام تشديد شروط منح تأشيرات للمواطنين المغاربة، بزعم “عدم تعاون المملكة في إعادة مهاجريها غير القانونيين” المتواجدين في فرنسا. ففي 28 سبتمبر/ أيلول 2021، أعلنت الحكومة الفرنسية على نحو مفاجئ في بيان، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس، بدعوى “رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجريها” واعترف متحدث باسم الحكومة الفرنسية بأن القرار الفرنسي ” صارم وغير مسبوق، لكنه صار ضرورياً، لأن هذه الدول لا تقبل باستعادة رعايا لا نرغب فيهم، ولا يمكننا الاحتفاظ بهم في فرنسا”.
وفي اليوم نفسه، رد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة من خلال مؤتمر صحفي، على قرار باريس بشأن موضوع التأشيرات، معتبرا إياه “غير مبرر لمجموعة من الأسباب. أولها أن المغرب كان دائما يتعامل مع مسألة الهجرة وتنقل الأشخاص، بمنطق المسؤولية والتوازن اللازم، بين تسهيل تنقل الأشخاص، سواء طلبة أو رجال أعمال، وما بين محاربة الهجرة السرية (غير النظامية)، والتعامل الصارم حيال الأشخاص الذين هم في وضعية غير قانونية”.
وتابع بوريطة أن “السبب الثاني يتعلق بكون المملكة من منطلق هذه المسؤولية، أعطت تعليمات واضحة (لسفارتها وقنصلياتها بفرنسا) لاستقبال عدد من المواطنين (المغاربة) الذين كانوا في وضعية غير قانونية (في فرنسا). حيث بلغ عدد وثائق جواز المرور (تسمح للمواطنين بالعودة لبلادهم) التي منحتها القنصليات المغربية خلال 8 أشهر من السنة الحالية 400 وثيقة”. مشددا على أن “اعتماد هذا المعيار (تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب) غير مناسب، لأن بلادنا تعاملت بشكل عملي وصارم مع المهاجرين غير القانونيين”.
ونتيجة للقرار الفرنسي، تقلص عدد تأشيرات الدخول التي تمنحها فرنسا لرعايا ثلاث من دول المغرب العربي هي تونس والجزائر والمغرب، إلى 30% بالنسبة لتونس، و50% في المغرب والجزائر. وسنويا، يقدر عدد المغاربة الذين كانوا يحصلون على تأشيرات لدخول فرنسا (سياحة أو عمل) بحوالي 300 ألف شخص. لكن العدد تقلص كثيرا بعد قرار تشديد منح التأشيرات، وسط حديث تقارير إعلامية مغربية تفيد بأن 70% من طلبات تأشيرات المغاربة ترفضها القنصليات الفرنسية بالمغرب.

وخارج “قضية التأشيرة”، يبدو الجمود الذي يطبع العلاقات بين باريس والرباط واضحا للعيان، من خلال تراجع الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين منذ حوالي العام، حيث تعود آخر زيارة لمسؤول فرنسي إلى المغرب إلى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ويتعلق الأمر بفرانك رياستر الوزير الفرنسي المنتدب المكلف بشؤون التجارة الخارجية والاستقطاب. كما تم استثناء المغرب من جولة الرئيس الفرنسي ماكرون التقليدية بعد إعادة انتخابه الربيع الماضي، والتي قادته إلى ثلاث دول أفريقية جنوب الصحراء. وإلى ذلك نضيف خيبة المغرب من باريس لعدم التحاقها بركب واشنطن برلين ومدريد وعواصم أوروبية أخرى في ملف الصحراء، فضلا عن حديث يجري منذ أشهر خلف أبواب مغلقة حول أزمة في التعاون الأمني بين الطرفين، وعن قلق فرنسي مفترض من منافسة مغربية “شرسة” للنفوذ الفرنسي في أفريقيا جنوب الصحراء، وغياب أي لقاء بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أشهر، على الرغم من الإقامة المطولة لملك في فرنسا في إطار “زيارات خاصة”…
فرنسا خسرت “نفوذها” في المغرب
نتيجة لكل ما سلف ذكره، فقدت فرنسا تدريجيا مكانتها التي كانت كبيرة وسط النطاق الاستثماري المغربي، بعدما كانت قد استحوذت طويلا على موقع الشريك الاقتصادي الأول للمملكة. وكانت المقاولات الفرنسية العمومية والخاصة قد دخلت مبكرا سوق صناعة السيارات، وحظيت استثماراتها بمواقع جغرافية استراتيجية وامتيازات ضريبية سخية، من خلال شركَتَيْ “رونو” بطنجة، وPSA المنتجة لعلامتي “بيجو” و”سيتروين” في القنيطرة. لكن الثقل الاقتصادي لفرنسا تراجع في السنوات الأخيرة، بحيث أصبح ميزان المبادلات التجارية يميل لفائدة المغرب. فبحسب إحصائيات رسمية فرنسية، زادت الواردات الفرنسية من المغرب بنسبة 70.5 % في وقت تقلصت صادراتها إليه بنسبة 18.3 % بين عامي 2012 و2019. فأصبحت باريس تحتل المرتبة الثانية في قائمة موردي الرباط، حيث تبلغ حصتها في السوق 12.2 % المغربية حاليا، خلف إسبانيا التي تحظى بنسبة 15.6 %. وحافظت إسبانيا على هذا الموقع حتى في عز الأزمة مع الرباط.

وفي المحصلة، يمكن القول إن الخط الأول للقطار فائق السرعة “البراق” (320 كلم/الساعة)، الذي دشنه الملك محمد السادس والرئيس ماكرون في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كان آخر مشروع استراتيجي مشترك بين البلدين. وكانت تقديرات باريس تحت رئاسة إيمانويل ماكرون كلها خاطئة. فقد اعتقدت خطأ أن تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة سيجعل الرباط تتوسل منها المغفرة وتعود مسرعة إلى “بيت الطاعة”، بينما الذي حدث هو العكس. فقد اهتبلت القوى المناهضة لفرنسا في المغرب المناسبة، بما في ذلك اللوبيات الإسبانية والبريطانية وحتى الدولة الروسية وإسرائيل، لتعزيز مواقعها في الاقتصاد المغربي، والتطلع إلى اقتناص مزيد من الفرص الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية في أفريقيا من خلال بوابة المغرب.
ورغم ذلك، لا يبدو أن باريس تدرك حقيقة كون المغرب لم يعد يحتاج إليها في هذا الظرف، مثل ما كان في السابق. فقد أضحت باريس غائبة تماما عن الخريطة الدبلوماسية الحالية للرباط، بينما تمضي الشراكات الجديدة مع إسرائيل وروسيا، من جهة، والقديمة مع الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة، من جهة أخرى، قدما على حساب فرنسا. والمتابع لما تحمله الشبكات الاجتماعية من متغيرات يدرك إلى أي حد بدأت الموجة القومية الجديدة الرافضة للفرنكوفونية في المغرب تكتسب زخما كبيرا مؤخرا. وهو ما حمل السلطات المغربية العليا على التخلي عن ترددها والشروع في التخلي عن اللغة الفرنسية وتعويضها باللغة الإنجليزية في قطاعات التعليم. والمعروف أنه منذ استقلال المغرب في 1956، ضمت النخبة المغربية التي درست في الجامعات والمعاهد الفرنسية “لوبيًّا فرنكفونيا” سيطر على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي للمملكة. لكن هذا الواقع آخذ في التراجع، مع تنامي أعداد الخريجين المغاربة من المدارس الأنغلو-ساكسونية في مواقع المسؤولية على رأس هيئات حكومية رئيسية وكبريات الشركات الخاصة. بل حتى موسكو أعلنت قبل أسابيع عن رفع عدد المنح الدراسية للطلاب المغاربة.
هل تسترجع نفوذها “المفقود”؟
بعيدا عن الاعتبارات السياسية وفي قلبها، اعتادت المقاولات الفرنسية الخاصة منها والعامة على تدخل رؤساء بلادها للحصول على المناقصات والصفقات التي تسيل اللعاب. وهذا الواقع لا يشمل المغرب وحده. ففي الحالة المغربية التي تعنينا هنا، دأبت باريس على توظيف عضويتها كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، لابتزاز الرباط للحصول على صفقات كبرى بشكل مباشر وخارج أية منافسة، من خلال دعم موقف المغرب بخصوص قضية الصحراء في مجلس الأمن.
فالمعروف أن الإعاقة تتعلق أساسا بضعف تنافسية المقاولات الفرنسية، أمام المقاولات المغربية (التي اكتسبت تجارب كبيرة داخل المغرب وخارجه، بالأساس في البلدان الأفريقية) أو مقاولات الشركاء القدامى -الجدد الأكثر كفاءة كإسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة والصين وإسرائيل وغيرها. ولذلك شكل فوز مجموعة من المقاولات المغربية أمام مقاولات فرنسية بصفقة إنشاء ميناء الداخلة الأطلسي، التي تصل إلى 10 مليارات درهم (حوالي مليار دولار) وتمتد إلى أكثر من ثماني سنوات من الإنجاز، أحد الأسباب العميقة لغضب باريس من الرباط في الأزمة الحالية.
وقد دخلت الصين رسميا الصيف الماضي، سباق إنشاء خط القطار فائق السرعة في المغرب، كاشفة عن رغبتها في تعزيز تعاونها مع الرباط في مجال النقل من خلال استعدادها لتمديد خط “البُراق” الذي يربط حاليا بين طنجة (أقصى الشمال) والدار البيضاء (غرب)، وإيصاله إلى أكادير (وسط غرب المغرب). وذهب لي تشانغ لين، سفير جمهورية الصين الشعبية بالمغرب بعيدا، عندما كشف أن بلاده “عبرت عن استعدادها لتمويل المشروع”، بل إن “شركة صينية أعدّت دراسة لإنجاز تتمة خط القطار فائق السرعة وسلمتها للمكتب الوطني للسكك الحديدية”. وتحدثت مصادر مغربية عن وجود نية لدى صانع القرار المغربي، في الاستعانة بالشريك الصيني، ضمانا لتخفيض تكلفة المشروع إلى جانب السرعة في الإنجاز، مقارنة بالمقاولات الفرنسية. لكن في الوقت نفسه، كانت عيون فرنسا وآذانها فرنسا تحرص على ألا يفلت مشروع الخط السككي الفائق السرعة المستقبلي من بين أيديها، حتى تواصل ما بدأته قبل سنوات بعد فوزها بصفقة إنجاز الخط الأول الرابط بين طنجة والدار البيضاء، بطول يناهز 350 كلم وبتكلفة تقارب 23 مليار درهم مغربي (حوالي ملياري يورو).
كان الرأي العام المغربي يميل إلى منح صفقة إنشاء الخط الثاني للقطار فائق السرعة إلى مقاولة صينية. لكن قبل أيام قليلة فقط، أعلنت الشركة الفرنسية (إيجيس Egis) بأن المكتب الوطني المغربي للسكك الحديدية، قد عهد إليها بصفقة إدارة وإنشاء مشروع الخط الثاني الذي سيربط على مسافة 430 كلم مدينتي القنيطرة (شمال غرب) ومراكش (وسط). وكشفت الشركة إياها في بيان نشر على موقعها، إن “القيام بالدراسات اللازمة في أجل فترة زمنية قصيرة نسبيا سيكون تحديا حقيقيا للشركة”!
وتطرح عودة الشركات الفرنسية الكبرى لإنجاز المشاريع الكبرى في المغرب أسئلة كثيرة محيرة. فهل تعرض المغرب من جديد لضغوط باريس، أم انها مجرد “هدية” لترضية باريس تمهيدا لمصالحة تبدو صعبة التحقيق؟
موقف باريس “المتذبذب” من الصحراء يعيق طي الأزمة
لقد شكل خطاب الملك محمد السادس، في ذكرى “ثورة الملك والشعب” 20 أغسطس/آب الماضي، ترسيما للانعطافة التي شهدتها الدبلوماسية المغربية خلال السنتين الماضيتين، في ما يبدو مراجعة شاملة للأسس التي قامت عليها، لا سيما إزاء دول طالما اعتبرتها الرباط صديقة وحليفة لها. فقد اعتبر الملك بأن ” ملف الصحراء هو النظّارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم. وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعةَ الشراكات”. وتحدّث العاهل المغربي في سياق ذلك عن “بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنّى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء”.
كان من الواضح أن المقصودة بحديثه هي فرنسا التي ما زالت تلزم موقفا ملتبسا من القضية، في وقت اعترفت الولايات المتحدة بمغربية الصحراء وساندت ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا ودول أوروبية أخرى، مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب منذ 2007 لحل النزاع المفتعل حول صحرائه.
فعلى الرغم من الأزمة بين باريس والرباط، ما زالت فرنسا تتصدر قائمة المستثمرين الأجانب في المغرب، على بالخصوص في قطاع الخدمات الذي شكلت فيه الاستثمارات الفرنسية نسبة 35 %، أي ما يعادل 10.8 مليار يورو من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة خلال عام 2019. وكذلك يحتل المغرب حاليا صدارة وجهات الاستثمارات الفرنسية بالقارة الأفريقية، باحتضانه لقرابة 1000 شركة فرنسية. ويعني ذلك أن المصالح الاقتصادية والتجارية الفرنسية بالمغرب كبيرة.
لكن بالمقابل، وفي وقت شكلت المواقف الأميركية والألمانية والإسبانية المستجدة بشأن نزاع الصحراء رصيداً سياسياً هاما، ما فتئت توظفه الرباط في تحالفاتها الإقليمية، يكتفي الموقف الفرنسي بدعم مقترح الحكم الذاتي منذ إعلانه في 2007 رغم أن الأحداث تجاوزته (من منظور الرباط). فهذه الأخيرة ظلت تنتظر تحولا نوعيا في هذا الموقف، بل وكانت تأمل أن تسبق باريس واشنطن إلى الاعتراف بمغربية الصحراء.
غير أن باريس —من وجهة النظر المغربية دائما—لا تمتلك شجاعة مدريد، التي تحملت غضب الجزائر بسبب تبنيها للموقف المغربي من قضية الصحراء. ففرنسا تفضل الارتهان لسياسة “مسك العصا من الوسط”، حرصا منها على الحفاظ على علاقاتٍ متوازنة مع المغرب والجزائر على حد سواء. وكانت وسائل إعلام مغربية توقعت إثر زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر الصيف الماضي، التي تبعثها زيارة غالبية الحكومة الفرنسية إلى البلد نفسه، أن تقلب باريس ظهر المجن للرباط وتتبنى موقفا مناوئا للطرح المغربي، ترضية للجزائر و”هدية” لها. لكن المسؤولين الفرنسيين تحدثوا عن كل شيء خلال زياراتهم للجزائر، عدا قضية الصحراء. وهو ما أغضب الاعلام الجزائري الذي انتقد كثيرا “التذبذب الفرنسي”. كما ساد ترقب من الجانبين المغربي والجزائري ما سيكون عليه الموقف الفرنسي، خلال جلسة مجلس الأمن الدورية التي يخصصها أواخر كل شهر أكتوبر/تشرين الأول لقضية الصحراء.
غير أن المجلس اعتمد يوم الخميس27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، القرار رقم 2654، مجددا من خلاله ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) حتى 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023. كما يشدد نص القرار على “الحاجة إلى تحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول من الطرفين، لمسألة الصحراء الغربية على أساس التوافق”.
والافت أن فرنسا صوتت لصالح القرار، الذي اعتُمد بأغلبية 13 صوتا وامتناع دولتين عن التصويت، هما الاتحاد الروسي وكينيا. وهو ما أغضب الجزائر لفترة هذه “الخيانة الفرنسية الجديدة للجزائر وللشعب الصحراوي”. لكنه استُقبل من الجانب المغربي بإيجاب، وجرى احتسابه ميلا من جهة فرنسا إلى تهدئة الموقف مع المغرب.
ولذلك فإن الموقف الفرنسي “المتذبذب”، الذي يحسب خطواته جيدا، إنما يعكس مأزقا سياسيا حقيقيا توجد فيه الدولة الفرنسية. لأنه إذا انتصر لوجهة النظر المغربية من قضية الصحراء، فإن باريس ستخسر علاقاتها مع الجزائر. وإن هو مال لوجهة نظر هذه الأخيرة من “القضية الصحراوية”، ستخسر باريس المغرب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس