هل يتجه المغرب نحو قطع علاقاته مع روسيا؟

119

بقلم: مصطفى واعراب

أفريقيا برسالمغرب. في آخر فصل من فصول الأزمة الغامضة والصامتة بين الرباط وموسكو منذ أيام، تقدمت سفارة روسيا الاتحادية بالقاهرة إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بطلب تأجيل الدورة السادسة لمنتدى التعاون الروسي-العربي، الذي كان من المقرر عقده بالمغرب في 28 أكتوبر القادم. واقترحت السفارة الروسية في المقابل عقد المنتدى في نوفمبر أو ديسمبر، معللة طلبها بتغير حصل في جدول أعمال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

أزمة صامتة

وكانت الرباط قررت اعتبارا من 5 أكتوبر تشرين الأول الماضي، وقف جميع الرحلات الجوية بين المملكة وروسيا، دون تقديم أي تفسير من الجانبين. واكتفت السفارة الروسية، في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك بالقول إن “السلطات المغربية قررت تعليق الرحلات الجوية مع روسيا، ابتداء من يوم الثلاثاء 5 أكتوبر”. وأوضحت السفارة بأن الأمر يتعلق بالرحلات المباشرة، بينما لا تدخل الرحلات غير المباشرة بين البلدين ضمن نطاق هذا القرار الغامض. فيما ردت موسكو بترحيل رعايا روس من المغرب قبل نهاية شهر أكتوبر الجاري. وقرر المغرب من جانبه إعادة طلابه الذين يتابعون دراستهم الجامعية في الاتحاد الروسي.

وفي هذا السياق، أعلنت السفارة الروسية في المغرب أن شركتي “إيروفلوت” و”S7″ الروسيتين، ستنظمان رحلات مباشرة لإجلاء المواطنين الروس من المغرب، وكذلك لنقل الطلاب المغاربة، الذين يدرسون في الجامعات الروسية، حيث ستنظم رحلات إجلاء من الدار البيضاء، أيام 9 و 16 أكتوبر، وشركة S7 في 10 و17 و24 و 31 أكتوبر.

وكانت روسيا أعلنت في مايو أيار الماضي، عن استئناف الرحلات الجوية مع 8 دول كان بينها المغرب، وذلك بعد تعليقها ضمن إجراءات مكافحة فيروس كورونا. وفي سبتمبر أيلول الماضي، عدلت روسيا شروط دخول مواطني المغرب لأراضيها، حيث فرضت وصولهم بشكل حصري إما عبر رحلات جوية مباشرة أو عبر دولة بلاروسيا.

وراسل مجموعة من الطلبة المغاربة يدرسون في جامعات روسية، وزارتي الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، والتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، مطالبين إياهما بـ “التدخل العاجل لإعادة النظر في قرار إلغاء الرحلات الاستثنائية بين المغرب وروسيا”. ووصف هؤلاء الطلبة قرار تعليق النقل الجوي المباشر بين بلادهم وروسيا بـ”المفاجئ وغير المبرر”، خصوصا أنه “يتزامن مع الدخول الجامعي الجديد”. وحتى الوقت الراهن لم يصدر لا من السلطات المغربية ولا الروسية أي بلاغ رسمي يوضح ما يجري.

أسباب غامضة

وفي وقت يتواصل صمت القبور حول أسباب الأزمة، في الرباط كما في موسكو، ذهبت بعض المصادر إلى أن اتصالات تجري في الخفاء على ما يبدو، من أجل التغلب على أزمة باتت تزداد حدة كل يوم. لكن ربما تشفع لنا بعض المستجدات الأخيرة في المنطقة لفهم ما يجري.

المستجد الأول ساحته روسيا. ويتعلق بالمناورات “التكتيكية” الروسية-الجزائرية المشتركة، التي جرى تنظيمها فوق التراب الروسي خلال الفترة بين 3 و11 تشرين الأول أكتوبر الماضية، بمشاركة 80 جنديا روسيا من وحدة المشاة المنتشرة في شمال القوقاز و80 جنديا من القوات المسلحة الجزائرية. وتعتبر هذه أول مناورات يجريها الجيش الروسي مع نظيره الجزائري فوق التراب الروسي، كما أنها المرة الأولى التي يقوم فيها الجيش الجزائري بمهمة قتالية خارج بلاده، بعد تعديل الدستور “الجديد” قبل عام. وقد أسهب الإعلام الجزائري في التعليق على هذه المناورات، من ناحية تقديمها على أنها تمثل دعما استراتيجيا من روسيا للجزائر، في مواجهة المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة.

وأما المستجد الثاني فساحته دولة مالي. باختصار، هذه الدولة التي تشكل عمقا استراتيجيا لكل من المغرب والجزائر، تفككت فيها أواصر الدولة خلال العقد الماضي. وزاد من تعقيد الأوضاع الوجود العسكري الفرنسي المكثف، ثم إعلان الرئيس الفرنسي قبل أشهر عن نية بلاده الانسحاب من شمال مالي قبل نهاية العام. واستغل المجلس العسكري الحاكم تلويح فرنسا بالانسحاب ليتعاقد مع قوات فاغنر الروسية، ليدربوا القوات المالية ويؤمنوا تنقلات كبار مسؤولي الدولة التي تعيش فوضى أمنية كبيرة. وهنا تدخلت الجزائر لتعد السلطات المالية بدفع 70% من مبلغ صفقة التعاقد مع قوات فاغنر، بحسب ما كشف الموقع الجزائري المعارض “ألجيري بارت” المتخصص في التحقيق والتقصي.

غضب مغربي

لم تفعل الجزائر ذلك مجانا، بل في مقابل شروط على الطرفين الروسي والمالي. فبحسب مصادر موثوقة، اشترطت الجزائر على قوات فاغنر بالمقابل، أن يقوموا بتدريب عناصر من جبهة البوليساريو على اختراق الجدار الدفاعي في الصحراء المغربية. وعلى الطرف المالي تحاول الجزائر الضغط، حتى يغير موقفه من قضية الصحراء، إذ تتبنى باماكو ما تعتبرها سياسة حياد بين المغرب والجزائر في هذا النزاع المزمن. وفي هذا الإطار زار وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مالي قبل أسبوعين، في محاولة للضغط والتأثير على موقفها بما يعاكس مصالح المغرب.

ويبدو أن هذه التطورات أزعجت المغرب، إلى درجة أن عبد الله ديوب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المالي، اضطر إلى التنقل إلى الرباط الاثنين الماضي حاملا رسالة شخصية من رئيس المجلس العسكري الحاكم في بلاده آسيمي غويتا إلى الملك، لم يتسرب شيء عن محتواها. لكن كان لافتا تصريح ديوب خلال ندوته الصحفية مع نظيره المغربي، قائلا: “أجدد تأكيد موقف مالي الثابت والقاطع بخصوص قضية الصحراء. كما أؤكد في هذا الإطار على أن مالي لن تتخذ قرارات تتعارض مع مصالح المغرب”. وقبل ذلك عبر ذات المسؤول عن نفس الفكرة من خلال تغريدة له، لقيت انتشارا واسعا على تويتر أولا ومنه على باقي الشبكات الاجتماعية الأخرى.

ويفسر مجمل هذه التطورات دون شك سر غضب الرباط من موسكو. فهي لن ترضى بوجود عسكري روسي ‒رسمي أو مُقَنّع‒في عمقها الاستراتيجي الذي تمثله دولة مالي. سيما وأن هذا الوجود يترافق مع تنسيق روسي جزائري، يفتح المجال لدخول موسكو على خط نزاعات المنطقة، وأهمها وأخطرها بالنسبة إل الرباط هو النزاع المستمر منذ 46 عاما حول الصحراء المغربية.