رحيل الكاتب إدريس الخوري

12
رحيل الكاتب إدريس الخوري
رحيل الكاتب إدريس الخوري

أفريقيا برس – المغرب. وضع الموت نقطة النهاية لقصة استثنائية عنوانها الكاتب المغربي إدريس الخوري، الذي رحل الاثنين 14 شباط/ فبراير.

قبل ساعة من حلول منتصف ليلة الاثنين صبيحة الثلاثاء، ضجت صفحات تعود لمثقفين وإعلاميين في مواقع التواصل الاجتماعي، بخبر رحيل الكاتب المغربي إدريس الخوري، وتوالى النعي بكلمات حزينة ونبض مؤلم وفقدان كبير، سيترك فراغا في المشهد الثقافي والفني المغربي.

الراحل إدريس الخوري أو كما يناديه الأصدقاء والمعارف «با إدريس»، قاوم المرض لسنوات، وكان قويا، في كل مرة يغيب لفترة ثم يعود كما في السابق مرحا وحاد الملاحظة وصريحا جدا في نقاشاته، كان متمردا على الجاهز من أحكام ومن سلوكات يومية، بعبارة أصح كان يشكل الاستثناء من داخل المعتاد، فهو العلامة المغربية المسجلة في كتاباته وفي معيشه وفي أفكاره أيضا.

صاحب المقولة الشهيرة «انتهى الكلام»، وضع السلاح جانبا وغادرنا، ليرتاح بعد مسيرة متألقة وحافلة بالعطاء الإبداعي بعد أن تفرغ له وأنهى يوميات العمل المهني في الإعلام بعد التقاعد.

إدريس الخوري من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 1939، استهل علاقته بالقلم من خلال اشتغاله صحافيا في جريدة «المحرر» التي تحولت في ما بعد إلى يومية «الاتحاد الاشتراكي». طيلة سنوات عمله في مهنة المتاعب لم يكن أبدا ناكرا لجميل الكتابة القصصية، فقد واصل حياكة أجمل وأبلغ الحكايات القصيرة، وكان أن انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1968. وبدأ سيل إصداراته في إغناء المكتبة المغربية، بعناوين وازنة نذكر من مؤلفاته «حزن في الرأس والقلب» الصادر سنة 1973، و»ظلال» في 1977، و»البدايات» في 1980 ثم «الأيام والليالي» في السنة نفسها، و»مدينة التراب» في 1988، و»فضاءات» عام 1989، ثم «يوسف في بطن أمه» في 1994.

الكاتب المتمرد على جميع القوالب، كان الإجماع على محبته وتقديره أمرا لا جدال فيه. كما أنه أحد آبائنا الذين لا يمارسون علينا الأبوة، يكتفي برفع التكليف ليؤنس الجميع بجلسته دون أقنعة.

اتحاد كتاب المغرب ينعى فقيد الإبداع المغربي

وفي نعيه للكاتب الراحل، وصف «اتحاد كتاب المغرب» إدريس الخوري بـ»فقيد الإبداع المغربي»، مؤكدا أنه تلقى بأسى وحزن بالغين، نبأ وفاة الكاتب المغربي الكبير وعضو اتحاد كتاب المغرب، القاص والكاتب الصحافي، الأستاذ إدريس الخوري، اليوم الاثنين 14 شباط/ فبراير 2022، في بيته في مدينة سلا، عن سن 83 عاما.

وسرد نعي الاتحاد مسيرة الراحل «با إدريس»، بداياته مع مهنة الصحافة والكتابة القصصية، كما ذكر مجموعة من مؤلفاته التي أثرى بها المشهد الأدبي المغربي.

وأبرز اتحاد كتاب المغرب، أن الكاتب الراحل الخوري، ظل قاصا وناثرا وكاتب مقالة من الطراز الرفيع، يتميز بأسلوبه الخاص في الكتابة وبلغته المميزة له، في التعبير والسرد وصوغ المفارقات الاجتماعية، ما جعل تجربته القصصية وكتاباته عموما، ذات نكهة ساحرة، بما تضمره من سخرية وصفية ونقدية مبدعة، بالنظر إلى كونها نابعه عنده من تراكم استثنائي في المعيش وفي التجربة الحياتية الذاتية.

وبوفاة الكاتب إدريس الخوري، يضيف نعي اتحاد كتاب المغرب، يكون المغرب الإنساني والإبداعي والإعلامي، قد فقد إنسانا نادرا واستثنائيا، وكاتبا كبيرا، ومبدعا رفيعا وملتزما، وصديقا وفيا للشعب المغربي، بمختلف شرائحه الثقافية الاجتماعية، وأحد من خدموا الثقافة والصحافة والإبداع الأدبي المغربي، بشكل قل نظيره، على مدى عقود من الكتابة والإبداع والحضور والسفر والمغامرات والمعاناة وحب الحياة والضحك والنكتة.

وإثر رحيل الخوري، أدلى الناقد والباحث عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، بالتصريح التالي لـ»القدس العربي»:

« رحيل إدريس الخوري، خسارة كبيرة، لشخص ملأ البلاد وشغل العباد، بحضوره الإنساني والإبداعي والإعلامي والرمزي، بشكل يصعب معه اليوم أن نتحسس وجودنا بدون إدريس الخوري، فقد فقدنا فيه أبا لنا جميعا، هو الذي كان يوزع علينا أبوته الرمزية، بكل سخاء وحب وعطف، فكان الجميع يناديه (بادريس)، صغيرا كان أو كبيرا، بمثل ما كان هو يخترقنا بشخصيته المحبوبة، في أبعادها الإنسانية والأخلاقية والثقافية والدنيوية، بحيث لن تكلفك شخصيته الكثير من الوقت والجهد للاقتراب منها واقتحامها…»

وأضاف العلام «لقد ظل إدريس الخوري، رحمه الله، مثل ذلك الوادي الكبير الذي لا يتوقف عن الجريان والعطاء والحياة، يغمرنا بكتاباته الممتعة، وبضحكاته الساحرة، وبأنسه ونبله وجرأته وتواضعه ووفائه. تجده كلي الحضور، في الملتقيات والمسارح وقاعات السينما والمكتبات، وفي مؤتمرات اتحاد كتاب المغرب واجتماعاتها التحضيرية، وفي معارض التشكيل والكتاب، وفي أماكن الأنس والمتعة، وذلك بشكل يجعلنا نحترم فيه مغربيته وشعبيته وطيبوبته وبساطته، ونقدر فيه انتصاره للأدب المغربي، برواده ورموزه وبأجياله المتعاقبة، بمثل ما نقدر فيه انفتاحه على ثقافات العالم وفنونه.»

وختم رئيس اتحاد كتاب المغرب شهادته بالقول «لقد ظل رحمه الله إلى أن توفاه الأجل، يتمتع بذاكرته القوية والمتجددة باستمرار، وبابتسامته النادرة والساحرة، دون أن تنال منهما الشيخوخة الظالمة شيئا. فقد شكل «بادريس» لكل واحد منها تجربة حياتية، نستضيء بها ونستلذ برحابتها وإبداعاتها وحكاياتها وجاذبيتها، بما أنها تجربة نابعة من عمق وتراكم استثنائي، في المعيش وفي التجربة الذاتية والسخرية والضحك والمتعة والانتشاء.»

بيت الشعر في المغرب حزن في الرأس والقلب

من جهته سارع بيت الشعر في المغرب، إلى إعلان خبر وفاة الكاتب إدريس الخوري، ونعاه بكلمات حزينة وبليغة مؤكدا أن الـ»حزن في الرأس والقلب، ذلك ما نشعر به جميعا لفراق ( ابّا إدريس)».

إلى جانب المؤسسات الثقافية المغربية، كانت تدوينات عديدة لكتاب وإعلاميين قد توالت على الفضاء الأزرق، ومنها ما كتبه الإعلامي المتخصص في المجال الثقافي والفني بوشعيب الضبار، الذي قال إن «المشهد الثقافي والفني في حداد»، وأضاف أن الراحل «كان كاتبا كبيرا، وإنسانا عزيزا، وعاشقا للحياة، ومبدعا ترك بصمته واضحة في مجال القصة القصيرة، وأدب الرحلة، والمقالة الصحافية، والنقد الفني الموسوعي في التشكيل والمسرح والسينما والموسيقى، وكل التعبيرات الفنية». وختم الضبار تدوينته، بالقول «سيفتقده كل الأصدقاء، سيفتقدون مرحه وجلساته وضحكاته وتعليقاته وطرائفه. سيفتقده القراء، وسوف يعودون دون شك إلى كتاباته المتميزة بمفرداته وعوالمه الجميلة».

تدوينة أخرى من بين سيل التدوينات الكثيرة، قال فيها الشاعر المغربي أحمد المسيح «غادرنا الكاتب الاستثنائي أبا إدريس الخوري».

الحقيقة أن ليلة الاثنين صبيحة الثلاثاء كانت ليلة بيضاء لجميع المثقفين المغاربة، ولم يغمض جفنهم إلا في ساعات متقدمة من الصباح، فالرجل كان شامخا في مسيرته، وكان إنسانا حقيقيا في علاقاته وصداقاته، ومتمكنا من الكلمة التي جعلته يجلس فوق ربوة التميز، بالفعل كان إدريس الخوري نموذجا للعصامي الذي صنع نفسه بنفسه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس