أفريقيا برس – المغرب. يُعد المغرب من أغنى المواقع الديناصورية في القارة الإفريقية، إذ تحتضن أراضيه اكتشافات تعود إلى أكثر من 160 مليون سنة. فمن السبينوصور والكركردونتوصور في حوض كيم كيم، إلى الأطلسوروس إيملاكي الذي عُثر عليه في أزيلال، جعلت هذه الاكتشافات من المملكة محطة مرجعية عالمية في علم الحفريات.
ورغم ما تزخر به البلاد من كنوز جيولوجية نادرة، فإن عدد المتاحف المخصصة لإحياء هذا الإرث الطبيعي يظل محدودًا. يقول عالم الحفريات موسى مصور: “لدينا حفريات ومواقع مدهشة، لكن الأماكن التي تتيح للجمهور اكتشافها لا تزال قليلة جدًا”.
في مدينة أكادير، بادر الأستاذ المتقاعد من جامعة ابن زهر موسى مصور، رفقة عدد من الجيولوجيين المنتمين إلى الجمعية المغربية للتوجيه والبحث العلمي (AMORS)، إلى إنشاء مشروع متحف صغير في حي أنزا، حيث تم اكتشاف آثار أقدام ديناصورات سنة 2014. وقد أسست الجمعية هناك “فضاء عرض التاريخ الطبيعي في أنزا” — وهو متحف مجتمعي يتيح للزوار استكشاف الماضي السحيق للمنطقة، والتعرف على ديناصوراتها وجيولوجيتها الفريدة.
وجهة مفضلة للأطفال والطلبة
افتُتح هذا الفضاء في نونبر 2022، وكان الهدف منه في البداية حماية موقع آثار أقدام الديناصورات في أنزا والتعريف به. غير أنه سرعان ما تحوّل إلى وجهة مفضلة لتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات في أغادير. ويشرح مصور في حديثه لموقع “يابلادي” قائلاً: “بما أن الموقع لا يمكن زيارته على مدار السنة لأنه يقع على الشاطئ وغالبًا ما تغمره الرمال أو مياه البحر، فقد فكرنا في إنشاء متحف قريب يتيح للزوار مواصلة تجربة الاكتشاف حتى عندما يختفي الموقع تحت الماء”.
يضم المتحف، المعروف اختصارًا باسم “متحف أنزا”، مجموعة غنية من العينات، تشمل حفريات وأسنانًا وعظامًا ديناصورية، إلى جانب نماذج جيولوجية من مناطق مختلفة داخل المغرب وخارجه. ويضيف مصور: “يشغل المتحف مكتبًا حيًا قديمًا وفره لنا المجلس البلدي السابق لأغادير. قمنا بترميمه وتحويله إلى فضاء علمي يضم مجموعة من الحفريات التي جمعتها على مدى 36 عامًا من العمل الميداني”.
يُفتح متحف أنزا أبوابه مجانًا للزوار خلال عطلات نهاية الأسبوع فقط، وقد أصبح اليوم محطة لا غنى عنها للزيارات المدرسية في جهة سوس ماسة. ففي عام 2024 وحده، استقبل المتحف أكثر من 1500 تلميذ، إلى جانب مجموعات جامعية وسياح مهتمين بالجيولوجيا وعصور ما قبل التاريخ.
غير أن إدارة المتحف تواجه عدة تحديات، أبرزها محدودية الموارد البشرية. يقول موسى مصور: “لا يمكننا فتح المتحف طوال الأسبوع لأن أغلب أعضاء جمعيتنا يشتغلون في وظائف بدوام كامل”. ويضيف: “من أجل تجاوز هذا المشكل، قدمنا مقترحًا إلى بلدية أغادير لمساعدتنا على فتح المتحف خمسة أيام على الأقل في الأسبوع”. وتأمل الجمعية المغربية للتوجيه والبحث العلمي أن يُعيَّن موظف دائم ومدرَّب لاستقبال الزوار وتيسير أنشطة المتحف.
ورغم هذه الصعوبات، تحرص الجمعية على تنظيم زيارات موجهة خلال الأسبوع بناءً على موعد مسبق. ويوضح مصور: “استقبلنا الأسبوع الماضي مجموعة مدرسية تقدمت بطلب رسمي وحددت موعدًا للزيارة، وقد قمت شخصيًا بتأطير الجولة والإجابة على أسئلة التلاميذ”.
تبدأ الزيارة النموذجية عادةً من موقع آثار أقدام الديناصورات في أنزا، إذا كانت ظاهرة للعيان، قبل الانتقال إلى جولة داخل المتحف. وهناك، تُنظَّم أحيانًا أنشطة تفاعلية للأطفال، تسمح لهم باكتشاف عالم الديناصورات عن قرب. وبين أروقة هذا الفضاء المتواضع، يمكن للزوار الصغار أن يشاهدوا حفريات نادرة، منها عظام ديناصورات عاشبة وأسنان سبينوصور من حوض كيم كيم، تعود إلى ما بين 94 و100 مليون سنة.
يقول موسى مصور بحماس لافت: “نحن نعرض أيضًا نسخًا مقلدة لديناصورات نادرة مثل البتروصورات، وهي زواحف طائرة عاشت قبل ملايين السنين. هذه النماذج الستة صُنعت في ألمانيا، لكننا حرصنا على إدراجها في المتحف لأن آثار البتروصورات اكتُشفت في درارگا، بالقرب من أغادير، مما يمنح العرض بُعدًا محليًا ويخلق صلة علمية مباشرة بالموقع”.
ويضيف مبتسمًا: “الأطفال والزوار الصغار يُبدون شغفًا كبيرًا بعالم الديناصورات، وغالبًا ما يفاجئوننا بمعرفتهم الدقيقة لأسمائها”. ويؤكد أن المفضل لديهم هو بلا شك التيرانوصور ريكس، قائلاً: “في متحفنا، أعدنا تصميم رأس التيرانوصور ريكس المغربي، وهو الكركردونتوصور الذي اكتُشف في حوض كيم كيم. وعندما يراه الأطفال، يصرخون بحماس: “تيرانوصور ريكس! تيرانوصور ريكس!””.
ويتابع مصور: “نُنظّم أيضًا أنشطة تربوية تفاعلية، حيث يصنع الأطفال نماذج صغيرة للحفريات بأنفسهم، ثم يأخذونها معهم إلى منازلهم. هذه التجربة العملية تجعل التعلم ممتعًا وراسخًا في الذاكرة”.
متحف أزيلال.. موطن عملاق الأطلس
غير أن فضاء العرض في أنزا، على أهميته التربوية، لا يُعدّ متحفًا بالمعنى الكامل للكلمة. فبحسب عالم الحفريات موسى مصور، “المتحف الحقيقي الوحيد المخصص للديناصورات في المغرب” يوجد في أزيلال، بعمق الأطلس المتوسط. ورغم أنه لا يقتصر على الديناصورات وحدها، فإن متحف أزيلال يُغطي مجالات متعددة تشمل الجيولوجيا، وعلم الحفريات، والآثار، والتراث الطبيعي، ليجسّد غنى جيوبارك مكون، وهو الجيوبارك الوحيد في المغرب المعترف به من طرف منظمة اليونسكو.
ويحتضن المتحف كنزه الأبرز: الأطلسوروس إيملاكي، أو ما يُعرف بـ”عملاق الأطلس”، وهو هيكل عظمي شبه كامل لديناصور اكتشفه الجيولوجي السويسري ميشيل مونبارون سنة 1979 بالقرب من تيلوغويت. يبلغ طول هذا العملاق أكثر من 18 مترًا، وارتفاعه نحو 6 أمتار، مع أطراف أمامية وخلفية يصل طول كل منها إلى 3.5 أمتار، في مشهد يختزل عظمة الكائنات التي جابت أراضي الأطلس قبل ملايين السنين.
غير أن العظام المعروضة في متحف أزيلال ليست أصلية، كما يوضح موسى مصور: “العظام الحقيقية محفوظة في أماكن آمنة، إذ تُعرض في المتاحف عادةً نسخ مقلدة لأغراض تعليمية وتوعوية، بينما تُخزَّن العينات الأصلية لحمايتها من التلف أو السرقة”.
ويؤكد الأستاذ، الذي شغل سابقًا عضوية اللجنة العلمية لمتحف أزيلال، على أهمية حماية الحفريات من مختلف الأخطار الطبيعية والبشرية، مثل الزلازل والحرائق أو محاولات الاتجار غير المشروع.
افتُتح متحف أزيلال للتاريخ الطبيعي والجيولوجي سنة 2023، ليقدّم للزوار تجربة تعليمية وتفاعلية تأخذهم في رحلة عبر الزمن الجيولوجي للمغرب، من الانفجار العظيم إلى انقراض العصر الطباشيري. ويمتد المتحف على مساحة تبلغ 1,720 مترًا مربعًا، ويضم أقسامًا موضوعية غنية بالمعروضات العلمية والقطع الأثرية الثقافية، تتوسطها نسخة بالحجم الطبيعي لهيكل الأطلسوروس إيملاكي، أو “عملاق الأطلس”.
ويفتح المتحف أبوابه أمام الزوار يوميًا باستثناء الثلاثاء، مع رسوم دخول رمزية، ويوفر أيامًا محددة للدخول المجاني تشجيعًا للزيارات العائلية والمدرسية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس





