أفريقيا برس – المغرب. بصفتك معتقلة سياسية سابقة في المغرب خلال السبعينيات، كيف كانت تجربتك في إعداد هذا الفيلم الوثائقي ثم عرضه في مهرجان الفيلم الدولي بمراكش 2025؟
أعتبر هذه التجربة فرصة لإسماع صوت النساء على المستوى الدولي، وتسليط الضوء على قضية تهمني بشدة: الحياة داخل السجون. كما أنها مناسبة لنسج روابط جديدة وتبادل وجهات النظر حول ما يقوم به المجتمع المدني المغربي اليوم.
من خلال عرض الفيلم، نتواصل مع الجمهور ونتحدث كثيرا مع الشباب، وهذا بالنسبة لي أمر بالغ الأهمية، لأنه يساعد على زيادة الوعي. فالمجال السجني يجب ألا يُهمل عند النظر إلى المجتمع ودينامياته ككل. فالسجن، مثل المدرسة، مؤسسة عمومية لها دور أساسي، ونعمل على التعاون معها لتفكيك الصور النمطية المسبقة عنها. نحاول تغيير النظرة المنحازة والأفكار المسبقة حول الأشخاص المحرومين من الحرية.
كنتِ واحدة من هؤلاء الأشخاص. هل كانت العودة إلى السجن صعبة في البداية، أم أنها جزء من مسارك نحو الصمود بعد الاعتقال؟
نعم، إنها مسيرة. وبالنظر إلى التجربة التي مررت بها، أشعر بقرب شديد من هذا الفضاء، وأرى نفسي أكثر قدرة على الدفاع عن هذه القضية والارتقاء بها إلى مستوى المناصرة مع المؤسسات وصناع القرار، بهدف إنسانية السجون.
الدفاع عنها، أو إدراجها ضمن المذكرات القانونية، أو في إطار تحسين تطبيق القانون وتطوير العقليات حول الحرمان من الحرية والجنوح وتعليم الشباب… كلها مواضيع أساسية للمنظومة، ويشرفني أن أساهم فيها وأن أجمع حولها الأشخاص ذوي الخبرة.
إنها مسيرة طويلة المدى، وعمل بناء يتصل بنهج جديد في النضال من أجل حقوق الإنسان، لتبديد الشكوك في الاقتراب من هذا المجال الصعب. كما نهدف أيضا إلى الوصول إلى المؤسسات التعليمية والمدارس.
أرى كذلك أننا بدأنا نلمس ثمار التقدم في علاقاتنا مع القطاع السجني، خصوصا مع اعتماد العقوبات البديلة. إنها إنجازات لا تتحقق بين عشية وضحاها، لكنها تُراكم على مدى سنوات، وتنسجم مع مسار نضالنا منذ أن انفتحت السجون على المجتمع المدني والعالم الخارجي.
لقد كان ذلك نقطة تحول مهمة، ووجودي في مهرجان الفيلم الدولي بمراكش دليل على ذلك. الفيلم يروي جزءا من هذه المشاركة، ويسعدنا أن نرى صداه يتوسع لدى جمهور أوسع.
بالنسبة للشباب الذين يعرفون أقل عن السياق السياسي في السبعينيات بالمغرب، كيف أثرت تجربة الاعتقال عليكِ؟
لقد أثرت فيَّ بعمق. وإنّ كونني أواصل النضال اليوم من أجل تطوير مقارباتنا تجاه عالم السجون بعد خروجي منه، يمثل عنصرا إيجابيا جدا في حياتي. أقول دائما: السجن مدرسة لا نتمنى أن يرتادها أحد، لكنه يعلمنا الكثير عن أنفسنا وعن العالم.
في الاعتقال، نواجه يوميا أسئلة حول كيفية الصمود، وكيفية مقاومة الحرمان من الحرية، وكيف نحافظ على توازننا النفسي في فضاء مغلق. إنها معركة يومية، خاصة بالنسبة للنساء، اللواتي يبتكرن وسائل مقاومة تستحق أن تُدرس وتُسلط عليها الأضواء. إنشاء مساحات تمكّن النساء من النمو واستعادة الثقة من خلال العلاج بالفن والعمل التضامني والأخوة النسائية أمر يهمني جدا. أسعد بتوثيقه كتابة ورؤيته مصوَّرا، وسرده لنشر الأمل.
أنا واحدة ممن خضن هذه التجربة. وقد تمكنت من تجاوزها عبر الكتابة، من خلال شهادتي التي تحولت إلى كتاب «امرأة اسمها رشيد» (دار الفينيق، 2002). واليوم ألهم هذا الكتاب الفيلم الوثائقي «فاطنة، امرأة اسمها رشيد» للمخرجة هيلين هاردر. الكتاب والفيلم يتيحان لي التحقق من مدى قدرتي على تجاوز التجربة المرة التي مررت بها.
التحدي الأكبر اليوم هو كيفية تعليم الشباب عدم الاستسلام داخل السجون، مهما كانت أسباب وجودهم هناك، لأن الحياة بين أربعة جدران وخلف القضبان صعبة وثقيلة.
خاصة عندما يتم سلب أنوثتك عبر تسميتكِ “رشيد” لسنوات… وهو مصدر عنوان الكتاب والفيلم.
نعم، وهذا الجانب صعب جدا ويصعب سرده. فعندما يُسلب منك اسمك وتُمنح اسما آخر، خصوصا من جنس آخر، فإنك تُدفع نحو الاختفاء. يتم محو وجودك وتقليصك إلى العدم. كنا، أنا وزميلاتي المعتقلات السياسيات، في حكم المفقودات.
في هذا الوضع، تعلمت أيضا شجاعة النساء. اكتشفنا قدرة مذهلة على مقاومة هذا النوع من العدم. وجدنا ملاذا في الكتابة، وإن لم تتوفر الأدوات، كنا نروي القصص لبعضنا البعض لمقاومة الفراغ والظلام وإضاءة حيواتنا بالكلمات.
هكذا بدأت تتعزز لدي القناعة بأن الكتابة سلاح حيوي، نحتاجه لنبقى على قيد الأمل، ولرواية تجاربنا ونقل تاريخ النضال النسائي لكل من كسر الصمت المفروض على النساء والرجال.
وفي الواقع، كثير من النساء اللواتي أنشأن هذه المراكز الاستشارية هن متطوعات اكتسبن خبراتهن بالممارسة، واستلهمن تجارب أخرى أو شجعن أنفسهن على كسر الصمت. هذه الديناميات كانت وراء تغيرات قانونية ودفع مبادرات مدنية ومؤسساتية إلى الأمام.
لكن لا يزال هناك الكثير لتغييره في المناطق المهمشة، خصوصا في ما يتعلق بالتعليم ومناهضة زواج الفتيات القاصرات. وهذه كلها أبعاد مجتمعية نجد درجات منها أيضا داخل السجون.
الفيلم وُلد من الأرشيف واللقاءات ومسيرتك الشخصية، جامعا بين الوثائقي والإلهام. هل سيتم عرضه في الأوساط التعليمية، بالنظر إلى عملك التربوي؟
بكل تأكيد، يمكن عرضه في المدارس ودور الشباب، وهناك بالفعل العديد من الطلبات. بعض المشاهد مهمة جدًا للشباب ويمكن أن تشكل داعمًا للتفاعل والتبادل والنقاش والإنصات، خصوصًا في إطار الوقاية. ويتعلق الأمر أيضًا بإبراز هؤلاء الشباب الذين يصنعون أفلامًا داخل السجن ويروون تجاربهم مع الحرمان من الحرية.
في هذا السياق، ننظم الدورة السادسة من مهرجان فيلم أوكاشا من 16 إلى 19 دجنبر2025. إلى جانب العروض، ستكون هناك عروض حية يشارك فيها شباب معتقلون يسردون قصص حياتهم قبل السجن. فهذه الأيام هي ثمرة ثلاثة أشهر من العمل، ينشغل فيها الشباب بكتابة قصصهم وروايتها والتعبير عنها بمواكبة صناع أفلام ومخرجين متطوعين، لتلقينهم أساسيات كتابة السيناريو والتصوير.





