المعارضة المغربية تقترح ضريبة على الثروة لتعزيز العدالة

1
المعارضة المغربية تقترح ضريبة على الثروة لتعزيز العدالة
المعارضة المغربية تقترح ضريبة على الثروة لتعزيز العدالة

أفريقيا برس – المغرب. كشف مقترح تعديل تقدمت به أحزاب المعارضة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 عن تقاطع لافت بين ثلاثة مسارات مختلفة الشكل، لكنها تتلاقى في جوهرها حول مسألة العدالة في توزيع الثروة. يتمثل المسار الأول في مقترح المعارضة بفرض الضريبة على الثروة ضمن مشروع قانون المالية لعام 2026، والمسار الثاني في مشروع قانون الإثراء غير المشروع الذي سحبتْه حكومة أخنوش من البرلمان أواخر 2021، أما المسار الثالث فيتعلق بفتوى “المجلس العلمي الأعلى” حول الزكاة على الرواتب.

وأفادت مصادر بأن فرق أحزاب المعارضة في مجلس النواب توحّدت حول هذا الاقتراح، حيث قدم حزب “العدالة والتنمية” 122 تعديلاً على مشروع الموازنة، من بينها مقترح “ضريبة سنوية على الثروة”. كما قدم “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” 73 تعديلاً، بينها ضريبة على الثروة العقارية، فيما ضم اقتراح “التقدم والاشتراكية” 38 تعديلاً، بينها فرض ضريبة على الثروة.

وفي المقابل، حدد الفريق النيابي لحزب “الحركة الشعبية” تفاصيل فرض الضريبة على الأشخاص الطبيعيين المقيمين في المغرب في فاتح كل سنة، مع تحديد سقف صافي الثروة، بينما اقترح الفريق الاشتراكي (المعارضة الاتحادية) ضريبة على الممتلكات العقارية، بما يشمل الأراضي والمباني والحقوق العقارية المرتبطة بها، مع استثناءات مثل الأراضي الزراعية المستغلة مباشرة والأصول المهنية والممتلكات الثقافية.

وأعلنت الحكومة تحفظها على فرض الضريبة على الثروة، معتبرة أن الأمر يحتاج إلى “دراسات معمّقة” لتحديد الفئات المستهدفة وآليات التقييم. ويرى مراقبون أن مشروع قانون الإثراء غير المشروع ومقترح ضريبة الثروة ينتميان إلى أطر قانونية مختلفة، لكن الترابط السياسي والموضوعي بينهما واضح، إذ يعالجان مسألة تراكم الثروة في غياب العدالة أو الشفافية.

ويبدو أن المعارضة استخدمت ضريبة الثروة كأداة رمزية لتحقيق العدالة الجبائية، في مواجهة ما اعتبرته تراجعًا للحكومة عن العدالة في تدبير المال العام، بينما تسعى الحكومة إلى تفادي ملفات حساسة قد تثير توترًا داخل التحالف أو في أوساط المال والأعمال. وكان مشروع قانون الإثراء غير المشروع يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال إلزام المسؤولين بالتصريح بممتلكاتهم ومتابعة أي تضخم غير مبرر في ثرواتهم، لكن الحكومة قررت سحبه بدعوى الحاجة إلى “مراجعة الصياغة” و”ضمان التوازن بين المحاسبة والحقوق الدستورية للأفراد”، ما أثار انتقادات المعارضة واعتُبر تراجعًا عن مسار مكافحة الفساد وترسيخ الثقة في المؤسسات.

وبررت أحزاب المعارضة مقترحها بإحداث ضريبة سنوية على الثروة، باعتبارها وسيلة لتحقيق العدالة الجبائية وتوسيع الوعاء الضريبي ليشمل الفئات الأكثر ثراء. أما فتوى الزكاة على الرواتب، فقد اعتبرها البعض أداة للتركيز على الطبقة المتوسطة وإغفال الأغنياء، ورغم كونها طوعية، فإن دورها في التكافل الاجتماعي يظل قائمًا ويمكن أن يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.

وبين الفتوى والاجتهاد الفقهي غير الملزم قانونيًا، ومشروع الإثراء غير المشروع ذي الطابع القضائي والزجري، جاء مقترح المعارضة للضريبة على الثروة كنوع من الرد الرمزي والسياسي على سحب الحكومة للمشروع القضائي، وكمحاولة لإبقاء نقاش العدالة في توزيع الثروة مفتوحًا، ولو عبر البوابة الجبائية عوض القضائية.

وقالت الباحثة في قانون المال والأعمال سارة غانمي إن العدالة الضريبية تُعد مفهومًا محوريًا في أي نظام ضريبي، إذ تهدف إلى ضمان دفع كل فرد حصته العادلة من الضرائب وفق قدرته المالية، معتبرة أن فرض الضريبة على الثروة خطوة نحو تحقيق العدالة وتقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية. وأضافت عضو المكتب التنفيذي لمنظمة “فضاء المواطنة والتضامن” أن الضريبة على الثروة تعتبر أداة لتقليل الفجوة الاقتصادية وتحميل الأغنياء جزءًا من المسؤولية تجاه المجتمع، حيث تُستخدم الإيرادات في تمويل الخدمات العامة والمشاريع التنموية، وبالتالي تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات.

وأوضحت غانمي أن تطبيق الضريبة على الثروة يواجه تحديات عدة، أبرزها صعوبة تقييم الأصول غير السائلة والمعقدة، واحتمال نقل الأثرياء لأموالهم إلى دول ذات نظم ضريبية ملائمة، ما قد يؤدي إلى فقدان الإيرادات وتآكل القاعدة الضريبية الوطنية. لكنها أشارت إلى أن تطوير آليات تقييم دقيقة وشفافة، وتعزيز التعاون الدولي، وزيادة وعي المجتمع بأهمية العدالة الضريبية يمكن أن يعالج هذه التحديات.

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي والنقابي الحسين اليماني أن الضريبة السنوية على الثروة تمثل آلية لتقريب الهوة بين طبقات المجتمع، خصوصًا الأغنياء والفقراء، وتعد الشكل الحقيقي لتوزيع الثروة، حتى يضمن الفقراء نصيبهم من التنمية. وأوضح أن الدستور ينص على مساهمة المواطن وفق ممتلكاته ومداخيله، مؤكداً أن معظم الضرائب الحالية تفرض على الدخل وليس الممتلكات، بينما الثروات المتراكمة لدى الأثرياء لا تزال خارج دائرة العدالة الضريبية، ما يجعل مقترح الضريبة أداة حيوية لضمان مساهمة الأغنياء في التنمية وتقليص الفوارق.

وشدد اليماني على أن فرض ضريبة على الثروة المتراكمة يضمن إعادة التوازن ويدخلها ضمن “رادار” العدالة الجبائية، ليصبح للأغنياء نصيبهم في تمويل الخدمات والمشاريع التنموية بما يحقق المساواة الاجتماعية.

ويخلص الخبراء إلى أن الضريبة على الثروة، في حالة إحكام تطبيقها، يمكن أن تصبح أداة فعالة لتقليص التفاوت الاقتصادي، وتعزيز التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بما ينسجم مع مبادئ الدولة الاجتماعية، مما يجعل هذا المقترح، سواء اعتمد أم لم يعتمد، بمثابة تذكير للحكومة بأهمية العدالة الضريبية كرافعة أساسية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية المتوازنة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس