مصطفى قماس
أفريقيا برس – المغرب. ستفضي احتجاجات “جيل زد” بالمغرب إلى رفع سقف التوقعات حول الوظائف التي ستخصصها الحكومة لقطاع الصحة بهدف تحسين الخدمات التي توفرها المستشفيات للمرضى ونظام الرعاية الصحية.
وتأتي أزمة الموارد البشرية وغلاء العلاج وضعف الخدمات التي تواجه القطاع الصحي، رغم رفع الحكومة موازنته إلى 3.3 مليارات دولار في موازنة العام الحالي، أي بنحو الضعف مقارنة بعام 2020.
وسلطت احتجاجات “جيل زد” بالمغرب، التي تواصلت لليوم الرابع، على حجم الخصاص (النقص) على مستوى قطاع الصحة، ما يرفع الضغط على الحكومة من أجل تحسين خدمات ذلك القطاع، خاصة عبر سد الخصاص على مستوى الموارد البشرية. وتوالت الاحتجاجات في الفترة الأخيرة لعدة أسباب اقتصادية ومعيشية، ومنها ضعف الخدمات الصحية وعدم كفاية عدد الأطباء والممرضين العاملين رغم الاستثمارات التي ضخت لإحداث مستشفيات جامعية ومراكز صحية.
وبالإضافة إلى مظاهرات “جيل زد” المتواصلة، كانت هناك وقفة احتجاجية نظمت قبل أيام أمام مستشفى بمدينة أكاير بسبب تراجع الخدمات فيه وعدم توفر ما يكفي من الأطباء، دفعت وزير الصحة إلى الحلول بذلك المستشفى والإعلان عن تدابير لتطويق الوضع.
ولم يتردد عدد من الموظفين في الشكوى من تراجع الخدمات في المستشفيات العمومية، غير أنه جرى التشديد أكثر على ضعف عدد الأطباء الذين يتكفلون بالمرضى، ما قد يضطر بعض الأشخاص إلى اللجوء للقطاع الخاص.
غير أن احتجاجات “جيل زد” على مدى الأيام الأربعة الأخيرة أعادت وضعية قطاع الصحة إلى الواجهة، وهو ما حدا بقادة الائتلاف الحكومي، المجتمعين أمس، إلى التعبير عن استعداد الحكومة للحوار.
ودفع هذا الوضع رئيس لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب إلى الإعلان عن اجتماع، أمس الأربعاء، بطلب من الفرق البرلمانية مع وزير الصحة والحماية الاجتماعية لمناقشة “الوضعية الراهنة للمنظومة الصحية والتدابير المتخذة من أجل تسريع تنزيل إصلاحها لضمان حق المواطنين في العلاج والرعاية الصحية”.
نقص الموارد البشرية
يؤكد خبراء أن الأزمة الصحية كشفت، في المغرب كما في بلدان أخرى، عن نقص كبير في الموارد البشرية في قطاعات حيوية، مثل الصحة والخدمات المرتبطة بها، ما دفع السلطات العمومية إلى تحسين ذلك القطاع، خاصة عبر تكوين (تدريب) الأطباء والممرضين وجذب الكفاءات المغربية في الخارج.
ودأبت الحكومة عند التطرق لحصيلتها على التذكير بإحداث المجموعات الصحية الترابية، والخطوات التي اتخذتها الحكومة لتخفيض أسعار الأدوية والتوجه نحو تعميم التغطية الصحية، غير أن مواطنين لم يكفوا عن الشكوى من صعوبات الولوج إلى المستشفيات الحكومية وتلقي العلاجات.
وتؤكد الحكومة على رفع موازنة الصحة من 1.8 مليار دولار في 2020 إلى ثلاثة مليارات دولار في العام الماضي و3.3 مليارات دولار في موازنة العام الحالي.
غير أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لاحظ في تقريره حول نظام الحماية الصحية عدم كفاية العرض الصحي، ما يدفع المرضى للتوجه إلى المستشفيات الخاصة التي تكلف خمسة أضعاف ما يتحمله المرضى في المستشفيات الحكومية. ونبه المجلس الذي يعتبر مؤسسة دستورية، في العام الماضي، إلى أن 8.5 ملايين مغربي ما زالوا غير مستفيدين من نظام التغطية الصحية الإجبارية.
الإنفاق والمحاسبة
أكد الخبير الاقتصادي مصطفى ملغو، أنه يفترض في الحكومة تقديم كشف حصيلتها خلال السنوات الأربع الأخيرة، وعدم الاكتفاء بالتصريحات، بدل التشديد على أن إصلاح قطاع الصحة يحتاج إلى وقت كي يعطي نتائجه، وشدد على أنه يفترض عوض إيراد ما يتم إنفاقه على الأمور الصحية عبر موازنة الدولة، العمل على ربط المسؤولية بالمحاسبة، بعد توفير الوسائل التي توفر رعاية صحية في مستوى الانتظارات.
ويذهب ملغو إلى أنه يتوجب بعد الأحداث الأخيرة الوقوف على مدى ملاءمة السياسات المتبعة في مجال مثل الصحة للحاجيات، مع العمل على ترحيل بعض الإيردات الموازنية لتمويل الاستثمار في الصحة والتعليم، خاصة أن الضغط الجبائي وصل إلى مستويات مرتفعة.
ولم تكف الحكومة عن التشديد على السعي لتحسين وضعية الموظفين في القطاع، خاصة الأطباء والممرضين، عبر زيادة الأجور وتسريع الترقيات ورفع التعويضات عن الأخطار المهنية، غير أن ذلك لم يفض إلى سد النقص على مستوى الأطباء والممرضين، الأمر الذي نجم عنه عدم كفاية عملية التكفل بالمرضى.
توسيع مجال التوظيف
ويعتبر خبراء أن المشاريع التي أعلنت عنها الدولة بهدف ترجمة الحماية الاجتماعية على أرض الواقع، كانت تقتضي توفير موظفين، من أطباء وممرضين وفنيين، ما يعني توسيع مجال التوظيف، بما يقتضي ذلك من حوافز مالية لجذب الكفاءات.
غير أن التدابير التي اتخذتها الحكومة لم تفض إلى معالجة اختلال التوازن على مستوى الموارد البشرية بين المدن والأرياف وبين الجهات، حيث يتركز 25% من مهنيي الصحة في جهتي الدار البيضاء سطاتت والرباط سلا القنيطرة، كما يسجل خصاص على مستوى مهنيي الصحة بوجود 2.05 مهني لكل 1000 من السكان.
وما زال النقص يضغط على وزارة الصحة رغم خلق 5500 وظيفة في قطاع الصحة منذ 2021، بل إن الدولة عمدت عبر موازنة العام الحالي إلى فتح الباب أمام خلق 6500 وظيفة.
وجرى تبرير الزيادة في عدد الوظائف بالرغبة في الاستجابة للحاجات على مستوى الموارد البشرية، وخاصة في ظل الرغبة في سد النقص على مستوى الأطر الطبية وشبه الطبية.
ويتوفر المغرب على أكثر من 94 ألف مهني ممارس في قطاع الصحة، من بينهم 77 ألف مهني في المستشفيات الحكومية وأكثر من 17 ألفاً في القطاع الخاص. ويتجلى أنه من أجل بلوغ أهداف التنمية المستدامة، يفترض، حسب تقديرات وزارة الصحة، توفير 96 ألف مهني، موزعين بين 32 ألف طبيب و64 ألف ممرض. وتراهن الحكومة على بلوغ 23 موظفاً في الصحة لكل عشرة آلاف مواطن في أفق 2025، و45 طبياً لكل عشرة آلاف مواطن في أفق 2030، كما يوصي بذلك تقرير النموذج التنموي الجديد.
المصدر: العربي الجديد
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس