دول إفريقية تسعى للسيادة المعدنية بفضل الذهب

2
دول إفريقية تسعى للسيادة المعدنية بفضل الذهب
دول إفريقية تسعى للسيادة المعدنية بفضل الذهب

أفريقيا برس – المغرب. يبلغ سعر الذهب مستويات تاريخية، حيث اقترب في أحيانا من 4000 دولار للأوقية في عام 2025، وفقا لمعطيات مجلس الذهب العالمي. بسبب التوترات الجيوسياسية والتضخم العالمي وعمليات الشراء الكبيرة من البنوك المركزية، يعود هذا المعدن النفيس ليصبح من جديد رهانا اقتصاديا حيويا للعديد من الدول الإفريقية. ففي إفريقيا، أصبح هذا المعدن النفيس الآن ركيزة أساسية للميزانية والدبلوماسية. ومع ذلك، ورغم امتلاكها 30% من احتياطيات الذهب العالمية ومواجهتها بعض تحديات الحكامة، تسعى القارة جاهدة إلى تحقيق السيادة المعدنية.

وفقا لمجلس الذهب العالمي، تنتج إفريقيا ما يقرب من ربع إنتاج الذهب العالمي. ومع ذلك، ورغم هذه الوفرة، لا تزال القارة لا تستحوذ إلا على حصة محدودة من القيمة الناتجة هذا المورد. وهذه المفارقة ليست بجديدة. ولكن في الوقت الذي تسعى فيه الدول الإفريقية جاهدة لتحقيق سيادة اقتصادية أكبر، وتبشر فيه منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بسوق مندمجة، ويسعى الاتحاد الإفريقي جاهدا نحو التصنيع المحلي للمعادن، يطرح السؤال بإلحاح بالغ: هل يمكن لإفريقيا تحويل ذهبها إلى محرك حقيقي للتنمية، بدلا من أن يكون موردا غير مستغل أو لعنة جيوسياسية؟

تكمن إحدى المفاجآت الأولى في التناقض بين ثراء الأرض الإفريقية واحتياطيات الذهب التي تحتفظ بها بنوكها المركزية رسميا. ووفقا لإحصاءات جمعتها «Trading Economics» وصندوق النقد الدولي في عام 2025، فإن عددا قليلا فقط من الدول يمتلك مخزونات كبيرة: الجزائر (174 طنا)، وليبيا (147 طنا)، ومصر (129 طنا)، وجنوب إفريقيا (125 طنا). أما غانا، فعلى الرغم من كونها أكبر منتج للذهب في إفريقيا منذ عام 2018، فإنها لا تحتفظ إلا بحوالي 33 طنا في خزائنها. أما المغرب، ذو التاريخ العريق في تجميع الذهب، فيتوفر على 22 طنا.

تبدو هذه الأرقام هزيلة على المستوى العالمي: فوفقا لمعطيات مجلس الذهب العالمي، تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 8000 طن، وألمانيا أكثر من 3300 طن. وتشير المنظمة إلى أن «القارة الإفريقية لا تمتلك سوى 3% من احتياطيات الذهب العالمية». ويمثل هذا ضعفا استراتيجيا في وقت تعزز فيه البنوك المركزية حول العالم احتياطياتها لحماية نفسها من التقلبات المالية.

ومع ذلك، هناك تطور حديث جدير بالاهتمام. فوفقا لمجلس الذهب العالمي، أطلقت العديد من البنوك المركزية الأفريقية برامج ضخمة لشراء الذهب في السنوات الأخيرة: فقد ضاعفت غانا، على وجه الخصوص، احتياطياتها بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2022 بفضل برنامج «الذهب مقابل النفط»، الذي يشجع على شراء الذهب المحلي بدلا من استخدام العملة الصعبة. وتدرس نيجيريا وتنزانيا وبوركينا فاسو مبادرات مماثلة. وبحسب الصحافة الغانية، تهدف هذه الاستراتيجية إلى «استقرار الاحتياطيات الوطنية» مع تقليل الاعتماد على الدولار.

وإلى جانب احتياطيات البنوك المركزية، يظل الذهب موردا حيويا للعديد من الاقتصادات الإفريقية. في أكبر عشر دول منتجة، مثل الذهب في المتوسط «45% من إجمالي الصادرات ونحو 15% من الناتج الداخلي الخام في عام 2022»، وفقا لما ذكره مجلس الذهب العالمي في تقريره الجهوي. في مالي وبوركينا فاسو وتنزانيا، أصبح المعدن النفيس المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية. أما في السودان، فقد حل محل النفط كمصدر رئيسي للصادرات، بعد فقدان حقول جنوب السودان عام 2011.

قد يكون هذا الاعتماد على النفط خطِرا. فالارتفاع الحاد في الأسعار، كما حدث في الفترة 2023-2024، يحسن الميزان التجاري ومداخيل الضرائب واحتياطيات النقد الأجنبي، «لكنه قد يسهل ارتفاع سعر الصرف ويضعف قطاعات التصدير الأخرى»، كما يؤكد البنك الدولي، في إشارة إلى الخطر التقليدي المعروف باسم «الداء الهولندي». في المقابل، قد يؤدي انخفاض الأسعار إلى انهيار مالي في الدول الأكثر تأثرا.

ومع ذلك، لا يزال الذهب يمثل «عازلا اقتصاديا كليا» قيما في قارة تعاني من دورات من الديون وضغوط على العملات. ووفقا لمجلس الذهب العالمي، فإن «زيادة سعر الذهب بنسبة 10% تحسن فورا قيمة الصادرات الإفريقية وتعزز القدرة التمويلية» للدول.

في حين أن الإمكانات الاقتصادية للذهب الإفريقي هائلة، إلا أن جزءً كبيرا منها يتبخر خارج نطاق سيطرة الدولة. وقد كشف عن ذلك في تقرير صدر عام 2024 عن المنظمة غير الحكومية سويس إيد «Swissaid»، والذي انتشر بسرعة هائلة منذ ذلك الحين، حيث قدر أن «ما لا يقل عن 435 طنا من الذهب غادر إفريقيا بشكل غير قانوني في عام 2022»، أي أكثر من طن واحد يوميا. وتلاحظ المنظمة غير الحكومية أن «التهريب تضاعف في عشر سنوات» وأن «ما يصل إلى 80% من الذهب الحرفي المنتج في إفريقيا جنوب الصحراء لا يمر عبر أي قنوات قانونية».

Production d’or en Afrique de l’Ouest provenant des principaux marchés (milliers d’onces), 2020-2030.

وأصبحت طرق التهريب معروفة جيدا الآن. ويمر جزء كبير من الذهب غير المصرح به عبر شبكات غير رسمية في منطقة الساحل وجمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج.

تمثل هذه التسريبات خسارة ضريبية كبيرة للدول. كما أنها تغذي اقتصادا رمادي «يمول الجماعات المسلحة»، وفقا للمنظمة السويسرية، كما هو الحال في مالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تسيطر الميليشيات على بعض رواسبها. وتحذر المنظمة غير الحكومية من أن «الذهب في هذه المناطق أصبح مصدرا للعنف».

يعاني قطاع الذهب الإفريقي أيضا من تجزئة القوانين، والفساد، وضعف الرقابة. ولا يزال الاستغلال الحرفي، الذي يوظّف ملايين الأشخاص، غير رسمي إلى حد كبير. ومع ذلك، وكما تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يشكل الاستغلال الحرفي للمعادن «أرضا خصبة للاستغلال، والضرائب غير الشفافة، والمحسوبية، والشبكات الإجرامية». كما يسهل غياب إمكانية التتبع تدفق «ذهب الصراعات»، الذي لوحظ بالفعل في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة الساحل.

حتى عندما تتبنى الدول الإصلاحات التي أوصى بها المجتمع الدولي، غالبا ما يكون تنفيذها غير متكافئ. انضمت معظم الدول الإفريقية المنتجة إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، لكن التقارير لا تزال غير كاملة، لا سيما في ما يتعلق بالنشاط الحرفي.

في عام 2009، وضع الاتحاد الإفريقي مسارا طموحا باعتماده الرؤية الإفريقية للتعدين، التي تدعو إلى «استغلال شفاف وعادل وأمثل للموارد المعدنية». ووفقا للجنة الاقتصادية لإفريقيا، لا تزال هذه الرؤية «مطبقة جزئيا» بسبب نقص الوسائل التقنية والمالية. ورغم تحديث قوانين التعدين الإفريقية، إلا أن اعتماد الإدارات الحكومية على الشركات الخاصة أو الجهات المانحة الخارجية يحد من قدرتها الفعلية على الرقابة.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن إفريقيا لا تعالج إلا القليل جدا من الذهب الذي تستخرجه. وتشير الأونكتاد إلى أن «جميع الذهب الإفريقي تقريبا يصدر الخام دون تكرير محلي». وهذا يمثل خسارة صافية: إذ تُحول أرباح تكرير وتصنيع المجوهرات والعملات المعدنية أو السبائك ذات الجودة العالمية إلى الخارج.

يشكل غياب الصناعة المحلية مفارقة لطالما ندد بها الاتحاد الإفريقي: فالدول الإفريقية تصدر الذهب الخام ثم تستورد منتجات الذهب المصنعة بأسعار مرتفعة. ومع ذلك، بدأت بعض الدول في مواجهة هذا التحدي. وبحسب السلطات الغانية، افتتحت أكرا واحدة من أولى مصافيها الحديثة -مصفاة رويال غولد غانا- في عامي 2021 و2022.

في بوركينا فاسو، بدأت مصفاة مملوكة للدولة عملياتها عام 2024. وفي مالي، من المقرر إطلاق مشروع مماثل عام 2026. إلا أن غينيا شهدت أبرز مبادرة: بناء «أكبر مصفاة في إفريقيا»، وفقا لسلطات كوناكري، وهي مصفاة نيمبا للذهب، القادرة على معالجة «مئات الأطنان سنويا». وإذا ما أُنجز المشروع، فقد يغير المشهد في إفريقيا.

مع ذلك، تبقى هذه المبادرات استثنائية في الوقت الحالي. إذ لا تزال القارة تعتمد على مصافي في سويسرا وتركيا والهند، وخاصةً الإمارات العربية المتحدة.

أمام قوة السوق غير المهيكل، اختارت عدة حكومات نموذجا مستوحى من الآليات الاستعمارية القديمة: مصاهر ومراكز تجارية تديرها الدولة، مكلفة بشراء الذهب الحرفي مباشرة من المنتجين بأسعار تنافسية، من أجل سحب البساط من تحت أقدام شبكات التهريب.

الحالة الأبرز هي حالة غانا، التي أنشأت في عام 2023 مجلس غانا للذهب -الذي أُعيدت تسميته إلى غولدبود- والذي منحته الدولة احتكارا لشراء وتصدير الذهب الحرفي ابتدءا من ماي 2025. ووفقا لوزارة المعادن الغانية، يهدف هذا القرار إلى «استعادة السيطرة من المشترين الأجانب» وضمان «تمويل الذهب الغاني لغانا، وليس الشبكات غير المهيكلة».

في الكاميرون، كلفت شركة سونامينز، التي أُنشئت في عام 2020، بالمهمة نفسها. وبحسب الصحافة الكاميرونية، تخطط الشركة لشراء 6 أطنان من الذهب سنويا لبناء «احتياطيات استراتيجية» يحتفظ بها بنك دول وسط إفريقيا. في عام 2023، تم إيداع أول شحنة مكررة -500 كلغ- رسميا في خزائن البنك المركزي، وهي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.

ويبدو أن هذه الاستراتيجيات تكتسب شعبية في المنطقة. تدرس نيجيريا نظاما مشابها، بينما تستكشف مالي آلية للمشتريات العامة. المنطق بسيط: إذا أصبحت الدولة المشتري الأكثر موثوقية والأسرع، فسيكون بإمكانها الحد من التهريب.

يهيمن سؤال واحد الآن على النقاشات الاقتصادية الإفريقية: وماذا لو أنشأت إفريقيا سوقا مندمجة للذهب قادرة على المنافسة –ولو جزئيا على الأقل- مع الأسواق العالمية الرئيسية؟

هناك بالفعل عدة سبل لتحقيق ذلك. يشجع الاتحاد الإفريقي على إنشاء سلاسل قيمة إقليمية للمعادن الاستراتيجية منذ عدة سنوات. ويمكن لاتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2021، أن تسهل تدفقات الذهب بين البلدان الإفريقية، التي تعيقها حاليا أنظمة ضريبية متباينة وغياب معايير موحدة. وتعد فكرة إنشاء بورصة للذهب في غرب أفريقيا، تضم غانا ومالي وبوركينا فاسو وساحل العاج، دائمة الحضور في النقاشات.

وقد أنشأ بنك أفريكسيمبانك، وهو بنك تجاري إفريقي، نظاما إفريقيا للدفع والتسوية يمكن من إجراء المعاملات التجارية دون استخدام الدولار. وستكون هذه أداة أساسيةً في حال ظهور سوق ذهب على المستوى الجهوي.

والأهم من ذلك، مقترحات إنشاء احتياطيات ذهب جهوية. وقد أثار كل من البنك المركزي لدول وسط إفريقيا والبنك المركزي لدول غرب أفريقيا مؤخرا إمكانية شراء الذهب المنتج محليا مباشرة لتعزيز أصولهما. وأكد البنك المركزي لدول وسط أفريقيا في تقرير داخلي نشرته مضامينه الصحافة: «الذهب أداة للاستقرار».

هذه الطموحات ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية بامتياز. فمن خلال تنويع احتياطياتها، والتحكم في سلسلة القيمة، ومكافحة الاتجار غير المشروع الذي يمول الصراعات، تسعى الدول الأفريقية إلى استعادة نفوذها من الشركات الأجنبية والوسطاء غير المهيكلين ومراكز التكرير الدولية.

سباق مع الزمن

ومع ذلك، لا تزال العقبات هائلة. يتطلب تمويل المصافي مئات الملايين من الدولارات. ويظل الفساد مرضا مزمنا. وتستفيد شبكات التهريب من امتداد ترابي، وسرعة في الاستجابة، ومرونة لا تمتلكها الدول نفسها.

والسؤال المطروح هو: هل ستنجح إفريقيا أخيرا في تحويل إمكاناتها إلى واقع ملموس؟ في بعض النواحي، تبدو المؤشرات مشجعة: «هناك وعي سياسي»، كما يشير مستشار من البنك الأفريقي للتنمية. يخطو الاتحاد الإفريقي، والمجموعات الجهوية، والبنوك المركزية، والعديد من الدول -بتردد ولكن بحزم- نحو استعادة السيطرة على القطاع.

ولكن لكي يصبح الذهب فرصة لا نقمة، لا بد من تقوية المؤسسات، وتوحيد الضرائب، وتحديث إدارات التعدين، وتأمين مناطق الإنتاج، وإصدار شهادات الذهب الحرفي، وخلق حوافز اقتصادية محلية، والأهم من ذلك كله، الاستثمار بكثافة في التحويل الصناعي.

ولعل هذا هو الشرط الذي سيمكن الذهب الإفريقي، في القرن الحادي والعشرين، من الوفاء بالوعد الذي قطعه على نفسه قبل قرون: تمويل ازدهار داخلي ومستدام ومتحكم فيه.