هل يتكرر سيناريو الحرب السوفييتية الأمريكية في أفغانستان في أفريقيا

6
هل يتكرر سيناريو الحرب السوفييتية الأمريكية في أفغانستان في أفريقيا
هل يتكرر سيناريو الحرب السوفييتية الأمريكية في أفغانستان في أفريقيا

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – المغرب. في اليوم الموالي للانقلاب الذي قام به الجيش في بوركينا فاسو في يناير 2022، خرج أنصار النظام الجديد إلى الشوارع وهم يلوحون بالأعلام الروسية… أثنى المتظاهرون على تحركات الكرملين في القارة. وتحدثوا باستحسان عن نشر روسيا للمرتزقة في ليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى لمحاربة المتمردين الإسلاميين. وقال أحد المؤيدين: “لقد حصل الروس على نتائج جيدة في بلدان أفريقية أخرى””.

يلخّص هذا المشهد، الذي افتتحت به دورية فورين بورليسي دراسة لها حول التمدد الروسي في أفريقيا، إلى أي مدى نجحت موسكو في تعزيز تأثيرها في القارة الأفريقية متحدّية عقوبات الغرب وتحذيرات الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحلف شمال الأطلسي وتأثير تداعيات تدخلاتها العسكرية في سوريا وبشكل رئيسي في أوكرانيا.

دبلوماسية متعددة الأبعاد

شأنها شأن قوى أخرى كالصين، تنشط روسيا منذ عقود في أفريقيا، خاصة في غرب القارة، إلا أن تدخلها الواضح والمباشر بدأ يظهر في ليبيا ثم مالي عبر مقاتلي مجموعة فاغنر الخاصة. وإلى جانب تول تحول المنطقة الأفريقية إلى سوقا رائجة للسلاح الروسي، تكثف موسكو العمل على توسيع دائرة تمركزها العسكري من خلال بناء قواعد عسكرية وزيادة أعداد قواتها النظامية وغير النظامية في خطوة يقول خبراء إن هدفها بناء قوة عسكرية في شكل “أفريكوم روسي” يزاحم الأفريكوم الأميركي، وفي ذات السياق يمكن تنزيل ما يروج مؤخّرا عن تشكيل فريق عسكري يحمل اسم “فيلق أفريقيا”.

بالتوازي مع الدور العسكري المباشر وغير المباشر، اتبعت موسكو الدبلوماسية الناعمة متعددة الأبعاد. وسجّلت حضورها في مجال تقديم المساعدات الإنسانية وعلى رأسها التسهيلات في تصدير شحنات القمح إلى دول أفريقية حليفة، والإعلان عن شطب ديون بعض دول القارة خاصة ممن سجلت معهم ارتفاعا في صفقات شراء السلاح.

خلف التمدد العسكري وسياسة الدعم “الاقتصادي” ودعم الانقلابات العسكرية، تنشط دبلوماسية أكثر نعومة وهي الدبلوماسية الثقافية فقد بدا أن هناك حركية في مجال التبادل الثقافي الروسي الأفريقي في استحضار لسياسات الاتحاد السوفييتي.

وفي السنوات الأخيرة حضر الفن الأفريقي بشكل مكثف في المعارض والمتاحف الروسية، فيما شهدت العواصم الأفريقية نشاطا في مجال فتح مراكز لتعلم اللغة الروسية. وكان الرئيس الروسي أعلن خلال قمة سان بطرسبورغ عن تطلع موسكو لفتح جامعات روسية “رائدة” في البلدان الأفريقية وإنشاء اتحادات للتعاون الأكاديمي والبحثي بين روسيا والدول الأفريقية في إطار شبكة الجامعة الروسية الأفريقية.

وفي تحليلهم للسياسة الروسية تجاه أفريقيا، يقول خبراء إن روسيا تسعى لكسر صورة تقليدية عنها كدولة ذات دبلوماسية عسكرية، لذلك أخذ رهانها على أفريقيا أبعادا متنوعة. وانعكس هذا التطور في العلاقات في المنتديات الاقتصادية والقمم السياسية التي جمعت قادة أفارقة والرئيس فلادمير بوتين بمباركة الاتحاد الأفريقي. وانعقدت القمة الروسية الأفريقية الأولى في أكتوبر 2019 في منتجع سوتشي. واستضافت مدينة سانت بطرسبرغ القمة الثانية في يوليو 2023.

وفي قد جاء في البيان الختامي لهذه القمة: “في 27-28 يوليو 2023 في سانت بطرسبرغ. للمرة الثانية تم انعقاد قمة بهذا الحجم، مخصصة لمجموعة واسعة من العلاقات بين روسيا ودول القارة الأفريقية. على الرغم من الضغط غير المسبوق من الغرب، فقد حضرت وفود رسمية من 48 دولة (27 دولة ممثلة على مستوى الأشخاص الأول والثاني) وأكبر خمس مجموعات تكامل في القارة”.

وقال الرئيس الروسي في ختام القمة: “كان هناك تبادل هادف ومهم لوجهات النظر حول مجموعة كاملة من مواضيع التعاون الاستراتيجي بين روسيا والدول الأفريقية. لقد حددنا المجالات الرئيسية لمزيد من العمل المشترك، وحددنا خططا لتعزيز تنسيق السياسة الخارجية، وزيادة تدفقات التجارة والاستثمار، والتعاون الصناعي بين روسيا ودول القارة الأفريقية…”.

قلق غربي

يمثل موضوع التدخل الروسي في أفريقيا مادة خصبة لمراكز التفكير والأبحاث الإستراتيجية الاستخباراتية الغربية. ففي دراسة حملت عنوان “البصمة الروسية المتنامية في أفريقيا” يشير مجلس العلاقات الخارجية الأميركي إلى أن “روسيا تستغل بشكل متزايد المشاعر المعادية للغرب في أفريقيا لتعزيز نفوذها في القارة وسط المنافسة الجيوسياسية بين روسيا والغرب”.

وفي هذا السياق يوضح المحلل السياسي السوري بهاء العوام في تصريح أفريقيا برس: “استغلت روسيا 3 ثغرات في العلاقات الغربية الأفريقية. الأولى هي تجاهل الغرب لطلبات متكررة من دول في القارة لتزويدها بالأسلحة ودعم جيشها في مواجهة الإرهاب. الثانية هي “عقلية المستعمر” التي يستخدمها الغرب أحيانا في العلاقة مع الدول الأفريقية. أما الثالثة فهي ربط المساعدات الغربية لدول أفريقيا بمطالب يصعب تلبيتها، أو إبقاء المساعدات في سياق المعونة التي لا تحقق التنمية على المدى الطويل. من خلال تلك الثغرات الثلاث، نجح الروس في جذب انتباه الدول الأفريقية”.

ويضيف العوام: “ظهرت تيارات مناهضة للنفوذ الغربي في عدد من الدول الأفريقية. بعضها مال كثيرا نحو موسكو، وآخرون استخدموا روسيا كأداة ابتزاز للغرب لتنفيذ مطالب بقيت معلقة لسنوات، أو وسيلة ضغط للدفع نحو تغيير منهج العلاقة بين بلدانهم والغرب باتجاه “المصالح المتبادلة” بدلا من منطق التسول في طلب المساعدة والدعم من الدول الغربية بين الحين والآخر”.

ويشير الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي روبرت إ برلس (Robert E. Berls Jr) في دراسة حول “تعزيز نفوذ روسيا في الشؤون الدولية: السعي إلى اكتساب مكانة القوة العظمى”، إلى أن “الوجود الروسي في أفريقيا توسّع بشكل كبير في ظل إدارة بوتين”.

لكن “على النقيض من الصين، التي تستثمر في مشاريع البنية التحتية في مختلف أنحاء القارة، تعمل روسيا على زيادة نفوذها بطرق أقل تكلفة من خلال إقامة علاقات مع النخب السياسية والعسكرية وتوفير الأسلحة، وتوقيع اتفاقيات التعاون العسكري، الأمر الذي أثار مخاوف خاصة في حلف شمال الأطلسي”.

حرب جهادية في أفريقيا

في ظل تأثر حضور الدور الغربي في أفريقيا، وتشتته بين تحجيم دور روسيا من جهة وقطع الطريق على مخططات الصين من جهة أخرى، يدعو الخبراء إلى استحضار التاريخ وتذكر الحرب الأميركية السوفييتية في أفغانستان وظهور المجاهدين الذين كانوا نواة القاعدة والجماعات الإرهابية لاحقا.

وهنا نستشهد بما كتبه رافييل بارنز، الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية، حيث جاء في دراسة له نشرها المعهد الأميركي على موقعه: “… يبدو سلوك روسيا على نحو متزايد وكأنه منافسة مع الغرب… بل إن روسيا بدأت تبدأ من حيث توقف الغرب في مالي، لتصبح الهدف الجديد للقوات الجهادية هناك… سيتعين على موسكو أن تتعامل مع الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل، التي بدأت مؤخرا في تحويل خطابها المناهض للغرب إلى روسيا”.

ويستبطن متابعون تحذيرا لموسكو من مثل هذا الحديث، لافتين إلى أن الولايات المتحدة لن تتوانى عن اللعب بورقة الإرهاب كما فعلت من قبل في أفغانستان والعراق وحتى في أفريقيا.

دور الكنيسة الأرثوذوكسية

تدعم الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية سياسات الكرملين الخارجية، بل إنها ذهبت إلى اعتبار التدخلات العسكرية الروسية في جزيرة الرقم وأوكرانيا وحتى في سوريا “حربا مقدسة”. وفي أفريقيا تعمل الكنيسة كذراع ناعمة للدولة الروسية.

وفي القمة الروسية الأفريقية في 2023، حضر رئيس الكنيسة، البطريرك كيريل، وتوجه بكلمة للزعماء الأفارقة قائلا: “نحن متحدون من خلال التمسك بالقيم التقليدية، والنظرة المحافظة للطبيعة البشرية، ورفض أيديولوجية التساهل والإفراط في الاستهلاك”.

وعن تأثير هذا الحضور في تأليب الجهاديين ضد الروس في أفريقيا يوضح الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، محمد قواص، لأفريقيا برس، قائلا: “اعتمد بوتين منذ صعوده على الكنيسة والجيش في سعي لتعويم عصبية روسية أرثوذكسية حول حكمه وطموحاته. غير أن بوتين في دغدغة مشاعر المسيحيين الروس لم يدع إلى قيام حكم مسيحي على الرغم من أن أحد منظريه، ألكسندر دوغين، تحدّث كثيرا في كتاباته عن الإمبراطورية الأرثوذكسية الأوراسية”.

ويضيف قواص: “توخا بوتين دائما إظهار دور المقاتلين المسلمين من الشيشان وداغستان في حروبه وصولا إلى تلك الحالية في أوكرانيا. ولموسكو سياسة داخل دول مسلمة ظهرت خصوصا في سوريا وليبيا كما تحاول هذه السياسة استمالة دول الشرق الأوسط مقابل ما تمتلكه الولايات المتحدة من نفوذ. وقد أظهرت موسكو دعما للأطراف المعارضة للإسلام السياسي وعملت مجموعة فاغنر على القتال إلى جانب الخيار المعارض للإسلاميين في دول أفريقيا”.

ولطالما “اعتبر الإسلاميون روسيا عدوا، خصوصا في الدعم الذي قدمته لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا كما دعم قوات المشير خليفة حفتر في ليبيا وما يحكى عن دعم فاغنر لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في السودان”.

ويخلص قواص إلى أن “علاقة الكنيسة ببوتين لم تكن حافزاً دينيا ضد الإسلاميين لكن الموقف من الجهاديين يتناسل مما شكلوه من خطر على موسكو بشنّ حروب في الشيشان وداغستان ناهيك من تجربة الاتحاد السوفيتي السابق الموجعة ضد الجهاديين في أفغانستان”.

من جهته يقول بهاء العوام: “الحضور الروسي في أفريقيا على عكس طبيعته في سوريا، لا يحمل طابعا رسميا في المجال العسكري، وبالتالي التمرد عليه تحت عناوين جهادية لن يؤثر على روسيا التي استفادت من دروس أفغانستان بين 1979 1989. كما أن التواجد الروسي في سوريا قديم، وتوسع بعد عام 2014 بالتوافق مع واشنطن. وهو حتى هذه اللحظة لا يهدد الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، ولا يسبب مشكلات لإسرائيل أو لحلف الناتو”.

رغم توقعات الغرب بأن الحرب في أوكرانيا وتداعياتها قد تؤثّر سلبا على التوسع الروسي في أفريقيا، تبدو موسكو مصممة على المضي قدما في كسب موطئ قدم لها في أفريقيا شأنها شأن تركيا والصين. فالحضور الأفريقي بالنسبة لروسيا لا يعني فقط مكاسب جغرافية في شرق المتوسط والوصول إلى الموانئ البحرية في البحر الأحمر، منافسة النفوذ الغربي، بل أيضا كسب أصوات في المحافل الدولية والأممية وفي مجلس الأمن.

بدأت الولايات المتحدة منذ أكثر من عام في تنفيذ خطط لمحاصرة النفوذ الروسي في أفريقيا، وقيادة الجهود الغربية نحو علاقات جديدة مع دول القارة، تعالج الثغرات الثلاث، التي ذكرها بهاء العوام، لكن لم تتبلور هذه الخطط حتى الآن بشكل جيد، كما أن الرهان على استمرارها إذا عاد دونالد ترامب للبيت الأبيض، قد لا يكون رابحا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس