أفريقيا برس – المغرب. في لحظة من الاحتفال الكروي الكبير، تبدو الرياضة أكثر قدرة من أي وقت مضى على توحيد الناس في إطار التنوع. وخلال كأس الأمم الإفريقية التي تُقام حاليًا في المغرب، يتجلى هذا البعد بشكل أوضح من خلال الحضور اللافت للمجتمعات المهاجرة من بلدان إفريقية أخرى داخل المملكة، وهي مجتمعات أصبحت مستقرة ومتجذرة منذ أكثر من عشرين عامًا.
بين تبادل الحديث بالدارجة المغربية ومشاهد الفرح الجماعي، سواء في الشوارع أو داخل المدرجات، تتهاوى الحواجز لتكشف عن تنوع يعكس العيش المشترك في الحياة اليومية. في هذا الحوار مع “يابلادي”، يحلل أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الدولية بالرباط، والمتخصص في قضايا الهجرة، مهدي عليوة، تجليات هذا الاختلاف وأبعاده.
وتعكس هذه التعبيرات توجهًا مقصودًا لسياسة الهجرة التي اعتمدها المغرب خلال العشر إلى الخمس عشرة سنة الأخيرة. ويبرز الباحث هذا التحول من خلال التفاعلات التي تمت على المدى المتوسط والطويل في بلد انتقل من كونه فضاءً للعبور إلى أرض استقبال دائم واندماج.
لا يمكن الحديث عن بُعد التنوع في الواقع الهجري بالمغرب، في سياق كأس الأمم الإفريقية 2025، دون التوقف عند الحدث ذاته. فكيف يمكن تقديم قراءة سوسيولوجية لقوة هذا الحدث في توحيد الشعوب؟
للمسألة بُعدين أساسيين. فوفقًا لعلماء الاجتماع ومؤسسي هذا الحقل، مثل إميل دوركايم، يشكل الاحتفال في المجتمع دعوة للتفاعل بين الأفراد. وفي الدول القومية، يبدو هذا الأمر تلقائيًا، لكنه في جوهره تواصل طقوسي، إذ يُنتظر من الجميع نمط محدد للاحتفال وللحضور، وإلا قد يواجهون نوعًا من العقاب الرمزي، كما أشار إلى ذلك مارسيل موس.
وحتى وإن لم يكن الطقس مشفرًا بالكامل كما في المجتمعات التقليدية، فإنه لم يختفِ. ومن هذا المنظور، لا تشذ كأس الأمم الإفريقية، شأنها شأن جميع التظاهرات الرياضية الكبرى، عن هذه القاعدة. فهي تحمل طقوسها الخاصة التي تتجلى في انخراط المشجعين، وأحيانًا المتعصبين، وفي مختلف الأنشطة المرافقة للمباريات التي تتطلب استعدادًا مسبقًا، مثل “التيفو”، والمكياج، وارتداء ألوان الفرق، والأزياء التنكرية.
علاوة على ذلك، كانت هذه النسخة من البطولة منتظرة بشدة، وتحظى بتغطية إعلامية واسعة على الصعيد الدولي. ويعرض المغرب نفسه من خلالها، كما هو الحال في جميع التظاهرات الكبرى، حيث تنطلق المنافسة بطقوس احتفالية، أبرزها مراسم الافتتاح، التي تحمل بدورها بعدًا طقوسيًا. ويتجاوز الأمر كرة القدم ليصبح احتفالًا اجتماعيًا بامتياز، مع مسحة من وهم التلقائية.
وتتعلق المسألة، في جوهرها، بفعل الأشياء معًا، وإسقاط الانتماءات الضيقة في إطار كوني نجده في مختلف الحضارات، القريبة منها والبعيدة. وهي عناصر تُبرز أن هذه البطولة الإفريقية تشكل محفزًا للوعي بالتحولات الاجتماعية التي يشهدها المغرب، من خلال تخفيف حدة الانتماءات لصالح لحظة احتفال جماعي.
في هذا السياق، برز حضور متنوع للمجتمعات المهاجرة، التي وُلد بعض أفرادها في المغرب أو نشأوا فيه، ويتقنون الدارجة والعربية. فهل يُعد ذلك مؤشرًا على تطور الواقع الهجري؟
إتقان لغة البلد يُعد، حيثما كان، أولى خطوات الاندماج. وفي المغرب، يحتل إتقان الدارجة مكانة خاصة، رغم أن المسألة تبقى أقل تعقيدًا مقارنة بدول أخرى، نظرًا لكون المغرب بلدًا متعدد اللغات وملتقى حقيقيًا للهجرة.
وبعيدًا عن هذه الفكرة التي يدافع عنها الباحث، والتي سبق أن طرحها قبل 15 عامًا، يظل المغرب فعلًا أرض التقاء. فهو بلد تتعايش فيه ديانات متعددة، ومقاربات مختلفة للإسلام واليهودية، ولغات تتيح للجميع التواصل. فرغم أن اللغتين الرسميتين هما العربية والأمازيغية، إلا أن المغاربة يتحدثون أشكالًا متعددة منهما، وتبرز الدارجة مثالًا واضحًا على ذلك، إلى جانب الحسانية، والفرنسية، والإسبانية.
ويضاف إلى ذلك البعد الهجري للمغاربة المقيمين بالخارج، الذين يبلغ عددهم نحو خمسة ملايين، ويتحدثون لغات متنوعة، ومع ذلك يشكلون جزءًا لا يتجزأ من الأمة المغربية.
محليًا، تُعد الدارجة بوابة للاندماج، غير أن عدم إتقانها لا يُعد عاملًا للإقصاء. فعلى عكس دول أخرى يُعتبر فيها العامل اللغوي حاسمًا، يتسم المجتمع المغربي بقدرة كبيرة على التفاعل بلغات متعددة مع الأجانب.
واليوم، يلاحظ أن عددًا من الأطفال والشباب يتقنون الدارجة بطلاقة، لأنهم نشأوا في المغرب، سواء وُلدوا فيه أو قدموا إليه في سن مبكرة. وقد تفاعل هؤلاء اجتماعيًا مع أطفال مغاربة، خاصة في الأحياء الشعبية، كما بيّنت أبحاث عليوة منذ عام 2003. ويشكل هذا التعايش مرحلة، سواء بالنسبة لمن اختاروا الاستقرار أو لمن حاولوا العبور نحو أوروبا.
وخلال هذه المرحلة، تتم التفاعلات اليومية في الغالب باللغة المحلية، حيث يلعب الأطفال معًا، وتتشكل علاقات الجوار، وتُكتسب اللغة في هذا السياق، بما في ذلك النبرات والإيماءات، ما يُسهم في بناء تواصل اجتماعي أولي ثم ثانوي.
هل يمكن القول إذًا إن هناك فجوة بين هذه الحقائق الراسخة على مر السنين وحقيقة أنها لا تزال غير ممثلة بشكل كافٍ، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي حيث تكون التصريحات أقل توازنًا وتحمل أحيانًا رسائل تمييزية؟
الخطابات الكارهة للأجانب، والعنصرية، والكراهية على الإنترنت لا تمثل بدقة الحقائق التي هي أكثر توازنًا، رغم أن هذه القضايا موجودة في المغرب. ما نراه عبر الشاشات ليس انعكاسًا بلا تصفية للواقع الاجتماعي اليومي. صحيح أن بعض المغاربة يتبنون خطابات تمييزية في الأماكن العامة وهذا لا يمر دون ردود أفعال، لكنهم لا يمثلون سوى جزء، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو أنهم كثيرون.
ويجب أن نعلم أن جزءًا كبيرًا من الناس الذين يفرغون كراهيتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعيشون حتى في المغرب. هناك من بينهم مغاربة يعيشون هنا، وآخرون في الخارج لا يتحدثون حتى الدارجة، يعبرون عن عنصريتهم باللغة الفرنسية أو غيرها. سيكون من المثير للاهتمام النظر في ذلك، لكن ما هو مؤكد هو أن ذلك لا يسمح بالقول إن مجتمعنا عنصري. العنصرية وكراهية الأجانب تزدادان ونجد صعوبة في قياسها علميًا، لكن يجب الحذر من المرآة المشوهة لوسائل التواصل الاجتماعي.
في سياق احتفال طقسي مثل كأس الأمم الأفريقية، نتذكر بشكل خاص لحظة تسقط فيها الانتماءات الاجتماعية والإثنية، لتفسح المجال لانتماءات جديدة تتشكل حول هذا الاحتفال. إن دعم فريق ما والتعبير عن ذلك من خلال الاحتفال يعزز هذا الجانب.





