قطاع مصبرات الأسماك في المغرب يمر بأزمة غير مسبوقة

44

من: مصطفى واعراب

أفريقيا برسالمغرب. يعتبر المغرب أكبر منتج والمصدر الأول للسردين المعلب في العالم، حيث يعد تصنيع الأسماك المعلبة من الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية التي يرسخ فيها المغرب مكانته بقوة على الصعيد العالمي. فخلال العام الماضي، مثلاً، صدَّرت المملكة إلى دول العالم ما يربو على 185ألف طن من الأسماك المعلبة المختلفة، بحجم مبيعات يقدر بـ 6 مليارات درهم (حوالي 660 مليون دولار). كما يوظف هذا القطاع الهام ما يزيد عن 100 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر.

لكن هذا القطاع الصناعي التحويلي البالغ الأهمية وللاقتصاد المغربي وللمستهلكين عبر العالم، يمر في السنين الأخيرة بأزمة خانقة وغير مسبوقة، دفعت المهنيين إلى دق ناقوس الخطر منذ أيام.

لقد ساهم هذا القطاع منذ سنة 2009 بما يصل إلى 11 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي الوطني، وبنسبة1,2% من القيمة المضافة للإنتاج الوطني. وتمكن من الرفع من مساهمته في الاقتصاد المغربي من خلال “رفع قيمة الصادرات إلى ما يزيد على 11% من مجموع صادرات المملكة من الزراعات الغذائية”، بحسب بيان صادر عن الاتحاد الوطني لصناعات مصبرات الأسماك بالمغرب، اطلع عليه موقع “أفريقيا برس”. وبذلك أصبحت صناعة مصبرات الأسماك أحد “المساهمين الرئيسيين في الحد من البطالة، حيث توفر ما يقرب من 30 ألف فرصة عمل مباشر وأكثر من 80 ألف فرصة عمل غير مباشر على مستوى التراب الوطني”.

أزمة غير مسبوقة

لكن في تشخصيه للأزمة، يكشف الاتحاد الوطني لصناعات مصبرات الأسماك، بأن قطاعه يواجه “أزمة غير مسبوقة يجد معها الأداء الاقتصادي لهذا المسلك نفسه في وضع صعب، بينما كان يطمح إلى استخدام الموارد السمكية بطريقة مستدامة وزيادة قيمتها، من خلال تحويل القطاع إلى محرك رئيسي للنمو الاقتصادي”.

ويسجل الاتحاد في بلاغ حصل موقع “أفريقيا بريس” على نسخة منه، إلى تعثر وحدات الإنتاج، التي لم تعد تشتغل بالوتيرة العادية ولم تعد تستطيع الوفاء بالعقود المبرمة مع زبائنها. وهو ما ينعكس سلبا على الموقع الاستراتيجي للمغرب، ويقلل من كميات الصادرات من مصبرات الأسماك، التي تبلغ حاليا 25 في المائة فقط من حيث الحجم مقارنة بسنة 2020، بحيث يتوقع أن تصل إلى 40 في المائة بحلول نهاية العام الحالي.

وينبه الاتحاد إلى “انخفاض حجم تصدير المصبرات، وتأثر جزء كبير من السوق تأثرا حادا من حيث القيمة. وهو ما أدى إلى انخفاض الأسعار، ونشوء مخاوف لدى الزبائن من حدوث أزمة هيكلية. وذلك بسبب تناقص الأحجام كما يتم التخلي بشكل متزايد عن الأسواق، بسبب عدم توفر المادة الأولية وهو ما يحرم الدولة، من مبالغ مهمة من العملات الصعبة ومن أيام العمل”.

واشتكى الاتحاد من التأثيرات السيئة جدا لأزمة كورونا، التي جعلت قطاعهم “في حالة اضطراب يواجه معها، حاليا، العديد من المخاطر والتحديات، التي تؤثر في القدرة التنافسية للمقاولات، ناهيك عن الخلل الحاصل في سلاسل التموين، والضغط الحاصل على المادة الأولية، التي يتأثر الولوج إليها بشكل حاد بالمنافسة بين مسالك القطاع، والنقص الهيكلي في الموارد، وهو وضع نتج عنه الضغط الحاصل منذ سنوات على مخزون السردين في المغرب”.

إلى جانب النقص الهيكلي في الموارد السمكية، يشتكي مصدرو المصبرات مما أسموه “الارتفاع الهائل في تكاليف المدخلات الصناعية، ومشاكل التموين، حيث يسجل منذ أشهر ارتفاعا صاروخيا في أسعار تكلفة إنتاج المصبرات، وهو ما يضطر وحدات المسلك إلى قبول زيادات كبيرة في الأسعار، تؤثر سلبا على هوامش ربحها وتكاليف إنتاجها”. وإلى جانب ذلك، يسجل الاتحاد بأن صناعة تعليب الأسماك تواجه ضغوطات أخرى تؤثر على أدائها، من قبيل ارتفاع أسعار المكونات الأخرى.

ويقدم المهنيون كأمثلة كلا من أسعار الزيوت النباتية أساسا “زيت الصوجا وزيت عباد الشمس وزيت الزيتون”، التي سجلت بدورها ارتفاعات هائلة تجاوزت نِسبها أحيانا 100 في المائة. كما شهدت بدورها أسعار العبوات المعدنية التي تصبر فيها الأسماك، وأسعار ورق التلفيف المقوى “ارتفاعات متتالية دورية وغير مسبوقة وغير مخطط لها، على مدى أشهر، تولد عنها اضطراب عام، ليس وسط المصنّعين فحسب، بل أيضا في أوساط الزبائن”.

استنزاف المخزون السمكي

وبصدد أسباب تراجع المخزون السمكي في سواحل المغرب، التي تشتهر بكونها من بين الأكثر غنى بالأسماك في العالم، تختلف التقديرات بين الصيادين ومهنيي قطاع التصبير والعلماء. فهؤلاء الأخيرين يتهمون عوامل متداخلة، بينها الاستنزاف غير العقلاني للمخزون بعدة أشكال، والتلوث، والتغير المناخي. بينما يتهم بحارة الصيد الساحلي سفن الصيد في أعالي البحار بإفراغ المصايد من خلال الصيد الصناعي خارج أية مراقبة. ويتهم الصيادون بعضهم بعضا بـ “الصيد غير العقلاني”، المتسم بعدم احترام فترات “الراحة البيولوجية” المخصصة لتوالد الأسماك، وأيضا بصيد كميات تفوق المسموح لهم.

وبرأي ربان مركب صيد وناشط نقابي، فإن “تحديد الكوطا (النسبة المحددة من السمك لكل قارب صيد) السنوية للأسماك السطحية الصغيرة (خصوصا السردين) بالشكل المعمول به حاليا يعد من الأخطاء القاتلة. فهو يؤدي أوتوماتيكيا إلى تحايل مركب الصيد وممارستها لتهريب السمك وبيعه خارج أية مراقبة. فخلال شهر أكتوبر من كل عام، مثلا، عندما يكون مركب ما قد صاد 90% من الحصة السنوية المسموح له بها، وبقي أمامه شهران على نهاية السنة، يعمد المركب (المجهز والربان) إلى تهريب ما يصيده من السمك [بيعه خارج القانون]، والتصريح بكمية قليلة جدا حتى يتمكن من مواصلة صيد الـ 10% حتى نهاية السنة”.

ويرى المصدر نفسه بأن الحل يكمن في منح كوطا موسمية وليس سنوية “للقطع مع هذه الممارسات المنحطة. فمثلا موسم صيد السردين ينبغي أن تدوم مدته 10 أشهر، سواء أكمل المركب الكوطا المخصصة له أم لم يكملها. وذلك إسوة بمواسم صيد الأخطبوط، مع فرض راحة بيولوجية خلالها، يغتنمها المهنيون لإصلاح مراكبهم وتغتنمها وحدات التصبير والتجميد لصيانة معداتها”.

من جانب آخر، يكشف الناشط النقابي البحري جانبا من استنزاف مراكب الصيد للمخزون السمكي بالقول: “إن ربابنة صيد السردين يتحملون مسؤولية جسيمة فيما آلت إليه الأوضاع، بسبب تعمدهم استهداف الأسماك التي لم تبلغ قياسها التجاري”. ويضيف قائلا: “منذ أن تم اعتماد الصناديق البلاستيكية في جمع السمك، سقط جل ربابنة مراكب الصيد مرارا وتكرارا في المحظور. فمثلا، عندما يتم صيد كميات أكبر مما تسعه الصناديق، يقوم الصيادون بالتخلص من الباقي من الأسماك ميتا برميه في البحر بكل بساطة. ويمكن أن تصل هذه المرميات إلى 20 طنا أو أكثر من السمك الطري الجيد”.

على طاولة الحكومة

المغرب: أخنوش يستأنف المفاوضات مع الأحزاب ومراقبون يتوقعون عدم وجود عراقيل في تشكيل الحكومة

هكذا وفي أول أيام “حكومة أخنوش”، خرج مصبرو السمك السردين ليقرعوا جرس الإنذار، محذرين من أن “السكين وصل للعظم”. سيما وأن رئيس الحكومة الذي سبق أن تولى حقيبة الفلاحة والصيد البحري طيلة العقد الماضي، يعرف جيدا مشاكل القطاع.

وبعد تشريح الأزمة والوقوف عند مسبباتها، يطالب المهنيون بوضع “مخطط للحفاظ على القطاع بالنظر إلى أهميته الاجتماعية والاقتصادية”، يشمل حزمة “إجراءات عاجلة” يرونها كفيلة بتخفيف آثارها الوخيمة على القطاع. وهكذا يدعو مهنيو القطاع، ​السلطات العمومية المغربية إلى تطبيق الحلول وتوصيات العلماء على وجه السرعة بغية الحفاظ على المخزون السمكي. وفرض حق الرقابة من لدن الدولة على عمليات الاحتكار والحد من الزيادات في أسعار المواد الأولية التي قد لا يكون لها أي مبرّر.

وفي مقدمة مطالب أصحاب القطاع إلى حكومة أخنوش، يشدد الاتحاد الوطني لصناعات مصبرات الأسماك بالمغرب، على أن مطلب منح الأولوية للولوج إلى المورد “أمر طبيعي ومشروع من أجل قيمة مضافة كبيرة، وتحديد موقع استراتيجي للمٌنتج المغربي، واستدامة المساهمة الاجتماعية، والاقتصادية”. ومبررا مطلبه هذا بكن الوضع الراهن “انعكس بشكل خطير على تنافسية المصبّرات المغربية، من خلال تقييد وصولها إلى أسواق تصدير عالية القيمة”. بينما سيرفض آخرون كثيرون هذا الطلب كونه “غير مقبول”، لأنه سوف يكون على حساب حق المستهلكين في وفرة السردين الطري في الأسواق، بسعر مناسب (يباع بسعر متوسط لا يزيد عن 10 دراهم [حوالي دولار أمريكي للكيلوغرام]، كما كان دائما.

كما يطالب الاتحاد الوطني لصناعات مصبرات الأسماك بالمغرب من جهة ثانية بتقديم الدعم المالي للمسلك، “الذي لا يستفيد من أي دعم رغم أهميته الاقتصادية ومساهمته التاريخية في الاستثمار، وخلق فرص الشغل”.

للإشارة، فإن برنامج الحكومة الجديدة يشتمل على مخططات وإجراءات متعددة، غايتها دعم القطاعات والمقاولات التي تضررت بسبب جائحة كورونا، ومواكبة جهودها للخروج من الأزمة والاقلاع من جديد.