أفريقيا برس – المغرب. المتأمل للمشهد السياسي المغربي خلال سنة 2025، سيلاحظ دون عناء كبير أن المعارك الكلامية كانت سمتها الأبرز، حيث جمعت أطرافا من الأغلبية وأخرى من المعارضة، بل وكادت في بعض اللحظات النادرة، تحيد عن الموضوعية وتدخل فيما هو ذاتي وشخصي.
الأمر ليس غريبا؛ فسنة 2025 تعدّ آخر سنة كاملة قبل انتخابات 2026، وفي مثل هذا التوقيت من العام المقبل ستكون الخريطة السياسية قد تغيرت، وهو ما يكاد يجمع عليه المراقبون استنادا إلى معطيات الواقع. غير أن الأسئلة الجوهرية تبقى معلقة: بأي شكل سيتم هذا التغيير؟ وبأي تحالفات؟ ومن سيقود الحكومة المقبلة التي اصطلح على تسميتها بـ “حكومة المونديال”، لتزامن ولايتها مع تنظيم المغرب لنهائيات كأس العالم لكرة القدم بشكل مشترك مع إسبانيا والبرتغال، سنة 2030.
هذه الأسئلة وغيرها فتحت الباب على مصراعيه أمام جدل محتدم، ما جعل 2025 تتسم بتصاعد ملحوظ في حدة السجالات الكلامية بين الفاعلين السياسيين بالمغرب، حيث تحوّل الخطاب السياسي إلى ساحة مواجهة مفتوحة، تختلط فيها الحسابات الحزبية بالتوتر الاجتماعي، وتستعمل فيها اللغة كأداة للضغط، أو للتعبئة، أو لإعادة التموضع. وقد تجسدت هذه المعارك في نماذج متعددة، أبرزها تلك التي جمعت قيادات معروفة بخطابها الصدامي أو الجدلي.
وبرز اسم عبد الإله بن كيران، الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية” المعارض، على رأس القيادات التي مارست خطابا صداميا خلال هذه السنة، إذ خصص حيّزا وافيا من مداخلاته لانتقاد حزب “التجمع الوطني للأحرار” ورئيسه عزيز أخنوش، باعتباره قائد الحكومة، ولكن أيضا بحكم التوتر الذي يطبع العلاقة بين الرجلين منذ إعفاء بن كيران من تشكيل الحكومة سنة 2017، واختيار سعد الدين العثماني بدلا منه، على خلفية ما عرف حينها بـ “البلوكاج” (العرقلة) الذي يتهم بن كيران أخنوش بلعب دور أساسي فيه.
القيادي الإسلامي كان، إذن، حاضرا بقوة من خلال لغة مباشرة وحادة في مواجهة أخنوش، محمّلا الحكومة مسؤولية ما سماه “الاختناق الاجتماعي”، ومؤكدا في أكثر من تجمع حزبي أن “الحكومة لا تحس بالمغاربة لأنها بعيدة عنهم”، مضيفًا أن “الذي يملك المال ويدبر الحكومة في الوقت نفسه لا يمكن أن يشعر بمعاناة البسطاء”.
ولم يتوقف بن كيران وقياديون من حزبه عن الحديث المتكرر عن “تضارب المصالح”، بل ذهب بعضهم إلى وصف الحكومة بأنها “حكومة المال والأعمال”، مستحضرين نماذج يعتبرها حزب “العدالة والتنمية” تجسيدا لهذا التضارب، من قبيل صفقات تحلية مياه البحر وغيرها، والتي يرى الحزب أنها ساهمت، وفق تصوره، في تفاقم الوضع الاجتماعي وارتفاع الأسعار وانتشار المضاربات في السوق والمواد الأساسية.
في المقابل، لم يصدر عن عزيز أخنوش رد مباشر على هذه الاتهامات، واكتفى في مناسبات قليلة بتلميحات خفيفة. غير أن محيطه الحزبي كان أكثر حدة، حيث جرى التشكيك في مصداقية خطاب “العدالة والتنمية” وزعيمه، واعتباره “هروبا إلى الأمام”. وصرّح قياديون في حزب “التجمع الوطني للأحرار” بأن “من يتحدث اليوم عن غلاء المعيشة هو نفسه من قاد الحكومة لعشر سنوات وترك البلاد مثقلة بالأعطاب”، ويتجاهلون أن أخنوش وقياديين آخرين من الحزب نفسه كانوا في مناصب المسؤولية الوزارية خلال الولايتين الحكوميتين المذكورتين.
وكادت انتقادات المعارضة تتخذ طابعا مؤسساتيا استثنائيا عبر مبادرة “ملتمس الرقابة”، التي أعلنت المعارضة عزمها تقديمها سعيا إلى الإطاحة بحكومة أخنوش، غير أن الخلاف دبّ سريعا بين مكوناتها، خاصة بعد انسحاب حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، ما أدى إلى توتر بينه وبين حزب “الحركة الشعبية”، بقيادة محمد أوزين. فقد صرّح هذا الأخير بأن “المعارضة لا تدار بالمفاجآت الإعلامية، بل بالتشاور والمسؤولية”، فيما رد الأمين العام لحزب “الاتحاد الاشتراكي”، إدريس لشكر، بشكل غير مباشر معتبرا أن “رفض استعمال الآليات الدستورية يساهم في إضعاف المعارضة وخدمة الحكومة”. وتحول النقاش إلى تبادل للاتهامات حول مسؤولية فشل المبادرة، بما يعكس صراعا على الزعامة داخل المعارضة.
أما رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، فقد استغل مشاركته في تجمع خطابي لحزبه “التجمع الوطني للأحرار”، ليوجه نقدا لاذعا إلى محمد نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض، بالقول إن هذا الأخير “لم يتمكن يوما من الفوز في الانتخابات، ومع ذلك ينصّب نفسه وصيا على المشهد السياسي”.
ولم يتأخر رد بنعبد الله، ففي حوار صحافي معه انتشر بالصوت والصورة، واجه الطالبي العلمي بعدة اتهامات كـ “التلاعب بشيكات” و”الاستحواذ على ملك الغير” و”ممارسات فاسدة في إحدى شركاته، راح ضحيتها سكان يوجدون بدائرته الانتخابية”. وأضاف القيادي الاشتراكي أن المسؤول في حزب رئيس الحكومة يتهجم عليه كذبا بالقول إن بنعبد الله لم ينجح يوما في مسلسل انتخابي، وتابع: “أنا نجحت في عدة محطات، وحتى إذا لم أنجح في محطات أخرى فلأنني لا أستعمل مثل الأساليب التي يستعملها”.





