أفريقيا برس – المغرب. أفاد تقرير حديث لمنظمة “مراسلون بلا حدود” بأن مؤشر حرية الصحافة لعام 2024 شهد تحسنًا ملحوظًا في المغرب، إذ كسب 15 نقطة ليصل إلى المركز 129 بعد أن كان في المرتبة 144 العام المنصرم.
وأرجع التقرير هذا التحسن إلى عدم وجود اعتقالات جديدة خلال السنة الجارية، لكن ذلك، حسب المنظمة المذكورة، “لا يمكن أن يقلل من حجم دوامة الضغط الجاثم على صدور الفاعلين الإعلاميين، الذي يتخذ شكل ملاحقات قضائية. وأضاف أن الصحافيين المستقلين في المغرب يتعرضون لضغوط مستمرة، حيث تحاول السلطات توظيف وسائل الإعلام لخدمتها. وقد عززت الحكومة الحالية، بقيادة رجل الأعمال النافذ عزيز أخنوش، سيطرتها على هذا القطاع.
واعتبر التقرير المنشور في الموقع الرسمي لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، أن “تعددية وسائل الإعلام المغربية مجرد واجهة، ولا تعكس هذه الوسائل تنوع الآراء السياسية في البلاد”، مشيرة إلى أنه “يتم سحق الحق في الحصول على المعلومات بواسطة آلة دعائية قوية تستخدم التزييف لدعم الأجندة السياسية للسلطة وحلفائها المقربين”.
ويضمن الدستور المغربي حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات، كما يحظر الرقابة المسبقة، وينصّ على وجود “الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري” لضمان احترام التعددية. ورغم أن قانون الصحافة الجديد، الذي اعتمد في تموز/ يوليو 2016، قد ألغى عقوبات السجن على الجرائم الصحافية، فإن المحتويات الإعلامية التي تعتبر ناقدة قد تؤدي إلى ملاحقات قضائية استنادًا إلى القانون الجنائي. ومن ثم، يلجأ الصحافيون غالبًا إلى فرض الرقابة الذاتية على أنفسهم، بسبب غياب الضمانات القانونية لحرية التعبير والصحافة، وضعف استقلال القضاء، وتكرار المتابعات القضائية للإعلاميين؛ وفق ما ورد في تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”.
من جهة أخرى، يرى التقرير أن البيئة الاقتصادية غير مواتية، وأن وسائل الإعلام لا تجذب عددًا كافيًا من المعلنين. وبذلك تعاني وسائل الإعلام المستقلة التي أصبحت نادرة، من صعوبات في بناء قاعدة مالية مستقرة تمكنها من التطور، أما وسائل الإعلام التي تدعم الحكومة فتحظى بموارد مالية أكثر توفرًا.
وأشار إلى أن محتويات الإعلام المستقل تتوجه إلى المجتمع المغربي، دون أن يكون هذا الأخير على استعداد للدفاع عنها. ويتفاقم انتشار المعلومات المضللة بفضل الشغف بالصحافة المثيرة التي لا تحترم الحياة الخاصة، وكثيرًا ما تسيء إلى صورة النساء.
ولاحظت المنظمة العالمية أن اعتقال الصحافيين يكون غالبًا دون مذكرة قضائية، ويوضعون رهن الاحتجاز الاحتياطي لفترات طويلة. وذكرت أنه في السنوات الأخيرة، استخدمت “قضايا أخلاقية ملفّقة”، مثل الاغتصاب والاتجار بالبشر والزنا والإجهاض غير القانوني، ضد الصحافيين المستقلين، كما أن المحاكمات تصاحبها حملات تشهير تقف وراءها وسائل الإعلام الموالية للحكومة. وذكر التقرير بالعريضة المشتركة التي وقعها 110 صحافيين مطالبين المجلس الوطني للصحافة ـ الهيئة التنظيمية المخولة بمعاقبة وسائل الإعلام المخالفة لقانون الصحافة ـ بفرض “عقوبات تأديبية” على الصحافة التشهيرية. لكن استبدال “المجلس الوطني للصحافة” بـ”اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر” في عام 2023 يشكّل ـ حسب المنظمة المذكورة ـ “خطوة تراجعية في مجال التنظيم الذاتي للإعلام”.
على صعيد آخر، عاد الخلاف بين “الفدرالية المغربية لناشري الصحف” من جهة، و”اللجنة المؤقتة” ووزارة الشباب والثقافة والتواصل من جهة أخرى، ليطفو مجددًا على الساحة الإعلامية، ففي بيان وُصف بأنه “قوي”، نادت الفيدرالية بتحرك فوري لمواجهة ما وصفته بـ “التفاهة” و”انهيار القطاع”، محمّلة الحكومة مسؤولية الوضع الحالي.
وتعود جذور الخلاف إلى ما تعتبره الفدرالية “فشلاً” في تسيير القطاع من قبل “اللجنة المؤقتة” التي تأسست بعد تأجيل انتخابات “المجلس الوطني للصحافة” في ظل ظروف وُصفت بأنها “غير جاهزة” لإجراء الانتخابات. وكان الهدف من اللجنة المؤقتة تسيير الأمور بشكل مؤقت لمدة سنتين، إلا أن الفدرالية ترى أن استمرارها يتنافى مع الدستور، وتحديدًا المادة 28، التي تنص على التنظيم الذاتي للصحافة.
وأعربت الفدرالية في بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه، عن “أسفها” لما آل إليه القطاع الصحافي في المغرب، مشيرة إلى أن الوزارة الوصية على القطاع “فشلت” في فتح حوار مع المنظمات المهنية الحقيقية، وهو ما أدى إلى ما وصفته بـ”التشرذم” غير المسبوق في تاريخ المهنة. كما اتهمت الفدرالية الوزارة بخرق القوانين، معتبرة أن “اللجنة المؤقتة” لا تفي بالغرض وتخالف المبدأ الدستوري القائم على استقلالية الإعلام.
بالإضافة إلى ذلك، ركزت الفدرالية على “نظام الدعم العمومي” الذي أقرته الحكومة بدون تشاور مسبق مع الجهات المعنية. وتعتبر الفدرالية أن هذا النظام، الذي يتجه لدعم الصحف والمواقع الإلكترونية، يجب أن يستند إلى مبدأ الشفافية والتعددية، ويخدم المصالح العادلة لمقاولات الصحافة الصغيرة والمتوسطة، وليس لتعزيز الاحتكار.
وجددت الفدرالية نداءها إلى الوزارة والجهات الحكومية بضرورة فتح حوار صادق مع المهنيين، مع التأكيد على أهمية التعاون لإنقاذ القطاع الصحافي في المغرب. وفي ظل التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد على المستوى الوطني والدولي، ترى الفدرالية أن الصحافة المهنية الرصينة ضرورية لدعم الديمقراطية والتنمية.
كما دعت الفدرالية البرلمان لتحمل مسؤوليته في متابعة تطبيق القانون الذي أقر بخصوص “اللجنة المؤقتة”، والعمل على حماية التعددية والاستقلالية في الإعلام. ووجهت دعوة مفتوحة للتعاون مع جميع الأطراف المعنية للوصول إلى حل يضمن مستقبل المهنة.
في نهاية البيان، وصفت الفدرالية الوضع الراهن في القطاع بالمتدهور، مشيرة إلى “التفاهة” و”الرداءة” التي أصبحت تسيطر على المحتوى الإعلامي نتيجة غياب الشفافية والتسيير الصحيح. واختتمت الفدرالية بيانها بالتأكيد على أن الصحافة الوطنية تحتاج إلى إصلاح حقيقي يضمن استقلاليتها ومهنيتها، في ظل التحديات التي يواجهها المغرب على جميع الأصعدة.
وكان مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) قد صادق على مشروع قانون يتعلق بإحداث “لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر” تحل محل أجهزة “المجلس الوطني للصحافة”، وذلك بعد مصادقة مجلس الحكومة عليه، وتحدد مدة انتداب اللجنة في سنتين ابتداء من تاريخ تعيين أعضائها ما لم يتم انتخاب أعضاء جدد خلال هذه المدة.
قرار الحكومة ومصادقة البرلمان استنكرته هيئات مهنية ومنها “الفدرالية المغربية لناشري الصحف”، و”الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال”، من خلال بيان مشترك تم خلاله وصف الخطوة بـ”محاولة السطو على المجلس الوطني للصحافة”، وأن مشروع القانون المذكور “غير دستوري”، و”مسيء لصورة المملكة الحقوقية، ويعد تراجعاً خطيراً على استقلالية الصحافة، من خلال تدخل الجهاز التنفيذي في التنظيم الذاتي للمهنة”. ووجهت حينها الدعوة إلى رئيس الحكومة بـ “تجميد هذا المشروع، والعودة إلى المنظمات المهنية، والاحتكام إلى الدستور والقانون، والسلطات المكلفة بالتواصل، وإلى الخروج من وضعية الطرف في هذا الموضوع، والتحلي بالجدية في التعاطي مع قضايا الشأن المهني العام، والكف عن نكث العهود والالتزامات التي تقدمها للشركاء”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس