أزمة المغرب والبرلمان الأوروبي.. المد المتطرف يحاصر مصالح أوروبا

6
أزمة المغرب والبرلمان الأوروبي.. المد المتطرف يحاصر مصالح أوروبا
أزمة المغرب والبرلمان الأوروبي.. المد المتطرف يحاصر مصالح أوروبا

أفريقيا برس – المغرب. شكل تصويت البرلمان الاوربي، مؤخرا، ضد المغرب بخصوصا حرية التعبير والاعلام والمطالبة بإطلاق صحفيين بالسجون، أهم حدث شكل عناوين كبرى لجرائد دولية، كما اعقبته حملة مؤيدة للمغرب وسياسته القضائية والتنموية، من دول وحكومات وكذلك منظمات، مما جعل البرلمان الاوروبي في موقف حرج، من خلال هذا التحرك لليمين المتطرف المكون لهذا البرلمان.

وكان المغرب قد عبر بشكل رسمي عن استنكاره من قرار البرلمان الاوروبي، معتبرا أن ذلك يعد تدخل سافر في استقلالية القضاء ( النيابة العامة) أن تلك القضايا مرتبطة بالحق العام وليس مرتبطة بقضايا الصحافة والنشر وحرية التعبير.

لكن تصرف البرلمان الاوروبي لم يكن وليد هذه الواقعة، بل أن ذلك له مرجعية في مكونات البرلمان الاوروبي نفسه، حيث شكلت سنة 2019 صعود احزاب لليمين المتطرف الذي يشكل اليوم احد أكبر مكونات هذه المؤسسة الاوروبية بحوالي 16 حزب اوروبي يميني.

– ما هو اليمين المتطرف

هو مصطلح سياسي يطلق على التيارات والأحزاب السياسية لوصف موقعها ضمن محيطها السياسي

، ويطلق المراقبون السياسيون هذا المصطلح على الكتل والأحزاب السياسية التي لا يمكن اعتبارها من ضمن جماعات اليمين السياسية التقليدية التي تدعو إلى حماية التقاليد والأعراف داخل المجتمع، ويكمن الاختلاف الوحيد بين جماعات اليمين التقليدية أو المعتدلة وبين المتطرفة أن الأخيرة تدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف واستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم، ولذلك عادة ما ترفض تلك التيارات هذا النعت لأنها تزعم أنها تمثل الاتجاه العام وتنقل صوت الأغلبية.

– عوامل انتشار اليمين المتطرف بأوروبا

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات من القرن الماضي ، ظهرت من صلبه مجموعة من الدويلات التفتت إلى أصولها العرقية، وأيضا اندماج الدول الأوروبية في الاتحاد الأوروبي وهذا الأمر أشعل اهتمام الأوروبيين بأصولهم القومية كل دولة على حدة، كما أن انتشار البطالة في أوروبا والركود الاقتصادي الذي تعرفه بين الفينة والأخرى إضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية جعلت الأوروبيين ينظرون بعين الريبة إلى الأجانب الذين يرون فيهم مزاحمين على الوظائف وخاصة المسلمين منهم، وانطلاقا من هنا ظهرت دعوات إلى كبح جماح الهجرة والتضييق على المهاجرين، بل أصبحت ردود الأفعال العدائية تجاه العرب برنامجا انتخابيا لدى بعض الأحزاب اليمينية الأوروبية.

– اليمين المتطرف في أوروبا

في عام 2008 أعلنت أحزاب من اليمين المتطرف من دول أوروبية في مدينة أنفير البلجيكية تأسيس منظمة جديدة تهدف إلى مكافحة ما أسمته بـ«الأسلمة» في أوروبا. وقدمت المنظمة الجديدة واسمها «المدن ضد الأسلمة» للصحافيين، رئيس حزب «المصلحة الفلامنكية» فيليب ديوينتر ورئيس حزب «إف. بي. أو» النمساوي هاينز كريستيان ستراسي ورئيس حركة «الزاس ابور» الإقليمية الفرنسية روبرت سبيلر. وشارك أيضًا في إطلاق المنظمة ممثلون للحزب اليميني الألماني «داي ريبوبليكانر» والحزب الوطني البريطاني ولأحزاب إيطالية ودنماركية. وقال المسئول في حزب «المصلحة الفلامنكية» برت ديبي: «يجب وقف افتتاح مساجد في مدن مثل أنفير. يجب وقف وصول مسلمين وعلى المتاجر الإسلامية أن تحترم القانون في كل بلد اوروبي.

– اليمين المتطرف في فرنسا

هو توجه سياسي فرنسي ممثل بحزب الجبهة الوطنية ذو الإتجاه المعادي للمهاجرين وكل ما لا يدعم الثقافة العامة الفرنسية. شكل الحزب قائدة السابق جان ماري لوبان وهو الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات الفرنسية في عهد الرئيس السابق جاك شيراك وبعدها اكتساح في عهد الرئيس الحالي ” ايمانويل ماكرون” و يترأس الحزب في الفترة الحالية مارين لوبان خلفا لوالدها مؤسس الحزب، وهي تقود لواء حزبها وكل المنظمات «مثال: النازيين الجدد» الداعية لعداء الاجانب والمنحدرين من الثقافات الإسلامية والشرق أوسطية.

– اليمين المتطرف في إيطاليا

اتجاه سياسي ورث النظريات الفاشية للفاشيين القدامى بزعامة موسوليني لم يسجل له أي تدخل في الشؤون السياسية لإيطاليا.

– اليمين المتطرف في هولندا

سبق لليميني المتطرف «خيرت فيلدرز» – رئيس حزب الحرية اليميني الهولندي، الحكومات الأوروبية بحصر عدد المسلمين في أوروبا، وأعلن أن التزايد السريع في أعداد المسلمين في «هولندا» ودول الاتحاد الأوروبي يبعث على القلق الكبير. وقدم مذكرة بذلك إلى الحكومات الأوروبية بوصفه عضوًا في البرلمان الأوروبي مطالبًا بسرعة وضرورة الاستجابة. وطالبت هذه المذكرة الحكومات الأوروبية بالإفصاح عن العدد الحقيقي للمسلمين في الوقت الحاضر، وكذلك إعطاء التوقعات المتعلقة بالسنوات القادمة، وتساءل عن الاحتياطات التي تفكر الحكومات في اتخاذها في مواجهة زيادة عدد السكان المسلمين.

– اليمين المتطرف في الدنمارك

في عام 2020، وتحت عنوان «وقف الأسلمة»، حاول حزب الشعب الدنماركي المتطرف الدفع بـ14 مقترحاً بشأن مسلمي البلد. للمصادقة عليها، بحجة «الكفاح للحفاظ على مسيحية البلد». وفي المقترحات المثيرة للجدل التي طرحها رئيس الحزب، كريستيان ثولسن دال، والقيادية فيه، ماريا كاروب، يتم تحضير قضية «صهر المسلمين في المسيحية الدنماركية»، كعنوان رئيس لتبني هذا الحزب نهجاً أكثر تشدداً ومحاولته للظهور كـ«حارس للقيم والثقافة المسيحية»، في بلد لا يقيم وزناً في الأصل للمسائل الدينية في السياسة. تطرّف حزب «الشعب» في مواقفه، وصل به إلى اقتراح قضايا تتجاوز سياسات وخطاب أقصى اليمين المتطرّف في دول أوروبية أخرى. ومن بين أكثر المقترحات إثارة للجدل، «لا تحلم أن تحصل على جنسية دنماركية إذا لم تتزوج دنماركي.

أيضاً زعيم حزب هارد لاين اليميني المتطرف راسموس بالودان والذي أسَّسهُ عام 2017، أعربَ في وقتٍ ما عن رغبته في حظر الإسلام في الدنمارك، وترحيل جميع المسلمين من البلاد من أجل الحفاظ على مجتمعهم العرقي .

– علاقة المغرب مع البرلمان الاوروبي

كان المغرب دائما أهم شريك لاوروبا، ومن خلال برلمانه الاوروبي الذي كان يدعم المغرب في حماية مصالحه الاستراتيجية خصوصا من أحزاب الوسط، ونوعا ما على الأحزاب اليسارية، غير أن اكتساح اليمين المتطرف لنتائج الانتخابات سنة 2019 شكل تهديداً حقيقيا للدبلوماسية المغربية”.

لكن هناك دول أوروبية ورغم وجود يمين متطرف لديها، مثلا اسبانية فإن علاقاتها مع المملكة المغربية، تتنمى بشكل ملحوظ، مؤخرا، رغم وجود يمين متطرف تقوى الاستحقاقات السابقة بإسبانيا، لكنه بعيد عن التأثير في القوانين، لأنه لا يملك الأغلبية، ويمكن تمرير المشاريع الأوروبية بدون الحاجة إليه”.

مراقبون للشأن السياسي في اوروبا، سبق وأن حذروا مما اطلقوا عليه ب “المدّ الشعبوي الزاحف على أوروبا، بعد وصول أحزاب اليمين المتطرف، وسقوط كل الأحزاب اليمينية التقليدية في ̕امتحان̔ أوروبي كرّس هذهِ المرة زحْفَ المجموعات الشعبوية، والمعادية لفكرة الاتحاد على المشهدِ العامِ في القارة ̕العجوز̔، بعد تصدرها معظم نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت في 28 بلداً عضوا في الاتحاد الأوروبي”سنة 2019.

– هل يؤثر قرار البرلمان الاوروبي على علاقة المغرب مع دول الاتحاد؟؟

فور صدور القرار الأوروبي بشأن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب،استنفرت الخارجية المغربية مصالحها الحيوية داخل الاتحاد الأوروبي من أجل تجاوز تبعاته واحتواء كرة الثلج التي باتت تتدحرج أكثر لتمس جوانب الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبروكسيل.

وأدانت غالبية الأصوات في البرلمان الأوروبي خلال جلسة عامة الوضع الحقوقي في المملكة، داعية إلى إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث الاجتماعية والصحافيين المعتقلين.

ورد المغرب بشكل رسمي على ما تم ترويجه خلال الأسابيع الماضية بشأن وجود شبهات فساد داخل أروقة البرلمان الأوروبي، حيث أكد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبروكسيل تتعرض لمضايقات وتحرشات إعلامية وبرلمانية.

وبشأن تأثير تقرير البرلمان الأوروبي على الشراكة الاستراتيجية والاتفاقات البنيوية الموقعة بين الرباط وبروكسيل، كشفت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي، نبيلة مصرالي، الى وسائل اعلام مغربية ، إن “البرلمان الأوروبي مؤسسة مستقلة؛ قراراتها هي نتيجة المداولات بين مختلف المجموعات السياسية التي تشكلها وتعبر عن تصويت أغلبيتها”.

وأضافت الناطقة الرسمية باسم الاتحاد الأوروبي، في نفس تصريحها أن “الممثل الأعلى، جوزيف بوريل، أعرب بوضوح عن موقفه من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب خلال زيارته الأخيرة إلى الرباط”، مذكرة بأنها “شراكة قوية واستراتيجية“.

وكشفت المسؤولة الأوروبية أنه “تمت مناقشة العديد من الاجتماعات المهمة التي ستعقدها المنظمة الأوروبية مع المغرب خلال اللقاء الذي دار بين بوريطة وممثل الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، مثل اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب”.

وتابعت بأن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية أكد خلال المؤتمر الصحافي مع بوريطة أن الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، “يجب أن تؤسس على القيم، وبالتالي فإننا نولي أهمية كبيرة لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية الصحافة والتعبير”.

وقالت: “لقد عملنا مع المغرب في هذه الموضوعات (حقوق الإنسان والحريات الأساسية) لفترة طويلة في إطار اتفاقية الشراكة بيننا”.

“كما أعرب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية عن قلقه إزاء مزاعم الفساد ضد أعضاء البرلمان الأوروبي، التي ترددت صداها في الصحافة”، تضيف المتحدثة الرسمية باسم الاتحاد الأوروبي.

واعتبرت أن “هذه الاتهامات خطيرة، وموقف الاتحاد الأوروبي واضح جدا: لا يمكن أن يكون هناك إفلات من العقاب على الفساد – عدم التسامح مطلقا. يجب أن ننتظر نتيجة التحقيقات الجارية من قبل الجهات القضائية التي ستلقي الضوء على هذه الأحداث، ونتوقع التعاون الكامل من الجميع في هذا التحقيق“.

ويرى مراقبون لشأن السياسي في البرلمان الاوروبي، أن الأزمة الحالية بين الرباط وبروكسيل، لن تنصهر في الوقت القريب، بل أن تداعياتها السلبية ستنعكس على البلدان الأوروبية وعلاقاتها المتميزة لعقود مع المغرب ودول شمال افريقيا، وان الوضع مفتوح على واجهتين، الواجهة الأولى أن المغرب سيعيد تقييم علاقاته الاستراتيجية مع بلدان الاتحاد، ويمكن لهذا التقييم ان يخلق صدام بين الدول الأوروبية نفسها بخصوص تأثير أحزاب اليمين المتطرف على مصالح اقتصادية لشعوبها، الواجهة الثانية هو التواجد الروسي وتقاربه مع المغرب، والذي قد ينعكس سلبا على البلدان الأوروبية، واحتمال ان تشتغل بلدان أوروبية بشكل منعزل في سياستها وعلاقاتها مع المغرب في معزل عن توجه البرلمان الاوروبي، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الاستراتيجي التاريخي للمملكة، قد زاد من دعمه لسياسة المغرب ودوره في افريقيا، مقابل تراجع دور فرنسا الشريك التقليدي للمملكة، والذي اصبحت العلاقة بين البلدين منكمشة، مؤخرا، وصل صداها الى دول افريقية تحاول فك الارتباط واملاءات قصر فيرساي على البلدان الإفريقية .

بدورها البلدان الإسلامية واغلبها الدول النامية والتي يتواجد مهاجريها بالبلدان الاوروبية، والذين يتعرضون لموجة تمييز خطيرة بسبب سياسة أحزاب اليمين المتطرف، كما أن واقعة حرق القرآن الكريم من طرف متطرفيين يميينيبن، سيزيد من عزل أوروبا اقتصاديا عن محيطها الخارجي من بلدان عربية واسلامية في اسيا، مما سيزيد من شد الخناق على اليمين المتطرف ويستدعي من أحزاب تقليدية ويسارية وليبرالية التحرك لانقاذ اوروبا من عزلتها المرتقبة قبل فوات الاوان.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس