أفريقيا برس – المغرب. حوارأعاد قرار المغرب بفتح سفارته في العاصمة السورية دمشق الزخم للعلاقات المغربية السورية، بعد قطيعة استمرت لأكثر من عقد. الخطوة التي أعلن عنها الملك محمد السادس خلال القمة العربية الـ34 المنعقدة قبل أسابيع في العاصمة العراقية بغداد، وجدت صدى إيجابيا لدى القيادة السورية الجديدة، حيث بادر الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، ووزير خارجيته أسعد الشيباني، إلى إغلاق جميع مقار ميليشيات البوليساريو على الأراضي السورية، كإشارة واضحة على تحول موقف دمشق تجاه قضية الصحراء المغربية.
ويأتي قرار إعادة فتح السفارة المغربية في العاصمة السورية دمشق إلى الدينامية التي أصبح يحبل بها المغرب داخل محيطه الإقليمي والعربي، هذا فضلا عن المكانة الدبلوماسية التي بات يحققها، سواء داخل الدول الإفريقية أو نظيرتها الأوروبية. لذلك فإنّ إعادة فتح السفارة المُغلقة منذ سنة 2012 بعدما طرد المغرب السفير السوري بالرباط بسبب ما كان يُقبل عليه نظامه من قتل وتهجير في حقّ الشعب السوري، من شأنها أنْ تفتح أفقاً جديداً للعلاقات بين البلدين وتضُخ دماء جديدة في شرايينها.
حول دلالات هذا التحول، وآفاق العلاقات المغربية السورية في المرحلة المقبلة، أجرى موقع Le360 حوارا خاصا مع السفير المغربي السابق في سوريا عبد الوهاب البلوقي، الذي تولّى المنصب بين عامي 2003 و2008، فضلا عن تقلّده للعديد من المناصب الدبلوماسية منذ عام 1996 كسفير في العراق والنرويج ووفنلندا وهولندا.
ـ باعتبارك سفيراً سابقاً في سوريا، كيف ترى وتُقيّم طبيعة العلاقة بين البلدين قديماً وحديثاً؟
العلاقات بين المغرب وسوريا تعود إلى القرن 12 على الخصوص. وفي القرن الماضي، مرت العلاقات بمراحل المد والجزر وبمطبات كثيرة. ولقد ظهرت بوادر الانفراج بين المغرب وسوريا عندما قرر الملك الحسن الثاني، رحمه الله، المشاركة في حرب أكتوبر 1973 دفاعا عن الأراضي السورية. لكن اعتراف سوريا بالبوليساريو سنة 1980 (ثاني بلد عربي يقوم بالاعتراف)، أيام ما كان يسمى جبهة الصمود والتصدي (والجزائر كانت عضوا فيها). إذن هذا الاعتراف قد دشن فترة صعبة في العلاقات الثنائية خلال الثمانينات.
ومع وفاة حافظ الأسد وتنصيب ابنه رئيسا لسوريا، بزغ امل في الانفراج. ولقد زار الأسد المغرب وزار جلالة الملك سوريا. وكان هناك تبادل زيارات بين البلدين على مستوى الوزراء ومسؤولين سامين.
أود أن أؤكد أن الشعب السوري يكن احتراما كبيرا للمغرب، بفضل مشاركته في حرب أكتوبر في 1973. ولقد عاينت هذه المشاعر أثناء عملي في سوريا. وأول نشاط قمت به هو الترحم على روح الشهداء المغاربة في مقبرة الشهداء بدمشق.
للتذكير، سوريا حافظ الأسد، كانت قد قطعت العلاقات مع المغرب في الثمانينات من القرن الماضي. واستأنفت في بداية التسعينات.
بعد اندلاع الحرب الأهلية، سنة 2011، انقطعت العلاقات بين البلدين. ولقد ندد المغرب، بمعية كثير من الدول، بسلوكيات النظام السوري البائد وقمعه الممنهج للشعب السوري الشقيق.
في 2012 استضاف المغرب المؤتمر الرابع لأصدقاء الشعب السوري بمدينة مراكش، بهدف ايجاد حل للازمة السورية وإنهاء الحرب الأهلية. حضرت 114 دولة، وكذلك تحالف المعارضة السورية وممثلو المنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات غير الحكومية. ولقد وجه الملك محمد السادس رسالة الى المؤتمر أكد فيها على ضرورة تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري، في الديمقراطية والحرية، واحترام سيادة سوريا والحفاظ على وحدتها الوطنية والترابية.
وعبر الملك عن اقتناعه الراسخ بعدالة المطالب المشروعة للشعب السوري. كما أكد على ضرورة دعم مسلسل انتقال السلطة في سوريا في أفق ترسيخ نظام ديموقراطي تعددي، يجمع كل الحساسيات ومكونات الشعب السوري، يحول دون توسيع دائرة النزاع ويحد من مضاعفاته الإقليمية وانعكاساته المدمرة على مستوى دول الجوار والمنطقة برمتها.
كما أشار جلالة الملك الى ضرورة إنضاج وصياغة المقاربات الملائمة والخطط الفاعلة الكفيلة بمساعدة سوريا على تجاوز الازمة العميقة التي تمر بها وعلى تحقيق الانتقال الديمقراطي المأمول، بما يحفظ لسوريا سيادتها ويصون وحدتها الوطنية والترابية.
وفي إطار الدعم الإنساني للشعب السوري، أنشا المغرب بتعليمات ملكية مستشفى ميداني في مخيم الزعتري بالأردن لفائدة اللاجئين السوريين. ولقد قام الملك بزيارة هذا المستشفى في 2012.
ـ ماذا عن المرحلة الراهنة؟
على إثر تنصيب احمد الشرع رئيس سوريا الانتقالي، بعث له الملك رسالة تهنئة.
وفي بداية يناير 2025، أجرى وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، اتصالا هاتفيا مع أسعد الشيباني، وزير خارجية سوريا، جدد من خلاله دعم المغرب للشعب السوري وسيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، مشيرا الى ضرورة تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بما يخدم مصالحهما المشتركة. كما التقى الوزيران في مناسبات أخرى.
«إن الدعم الذي قدمه المغرب لسوريا، سياسيا وإنسانيا، منذ 2011، يمكن أن يكون أساسا لإقامة شراكة استراتيجية بين البلدين، قد تشمل إعادة إعمار البلاد والتعاون في المجال الاقتصادي والزراعي والتجاري والثقافي»
— الدبلوماسي عبد الوهاب البلوقيإن الدعم الذي قدمه المغرب لسوريا، سياسيا وإنسانيا، منذ 2011، يمكن أن يكون أساسا لإقامة شراكة استراتيجية بين البلدين، قد تشمل إعادة إعمار البلاد والتعاون في المجال الاقتصادي والزراعي والتجاري والثقافي.
بعد أربعة أيام من تهنئة الملك محمد السادس للشرع، بمناسبة تنصيبه رئيسا لسوريا، زار وزير خارجية الجزائر سوريا يوم 8 فبراير، حيث سارع عطاف إلى دمشق ليس شعورا بالخطأ تجاه سوريا والشعب السوري، بل غالبا في إطار التنافس السياسي مع المغرب.
النظام البائد كان يحظى بدعم الجزائر القوي، الشيء الذي جعل هذا البلد من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقاتها مع سوريا الاسد، ولم تسحب سفيرها رغم قرار جامعة الدول العربية الذي دعا إلى سحب السفراء العرب من سوريا.
وقامت بجهود حثيثة، لم تفلح، لدعوة الأسد الى القمة العربية 22 بالجزائر. وتحدثت أخبار كثيرة عن تواجد ومشاركة عناصر من مرتزقة البوليساريو، بمعية ضباط جزائريين، في قتل السوريين الأبرياء.
الجزائر تريد استعادة ضباطها وجنودها المتواجدين في سوريا بمعية مقاتلين من البوليساريو واستقبلت ضباط وجنود سوريين على أراضيها. وتم اعتقال بعض الضباط والمستشارين الجزائريين.
المغرب لم ينخرط في أجندة خفية ضد سوريا. فهد المصري (وزير سابق وعضو في مجلس الشعب، رئيس جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا) بعث برسالة الى الشعب السوري يقول فيها ان دبلوماسي جزائري سابق يؤكد تورط جيش بلاده في قمع الشعب السوري. وتحدث عن استعانة الأسد بمسلحي البوليساريو الذين دربهم الحرس الثوري الإيراني وتولى جلبهم الى سوريا.
ـ قرر المغرب إعادة فتح سفارته بمدينة دمشق منذ إغلاقها عام 2012 بعدما تجلت للمغرب الفظاعات التي كان يرتكبها النظام السوري في حق أفراد شعبه. إلى أيّ حد تستطيع عملية إعادة فتح السفارة، أنْ تفتح أفقاً دبلوماسياً واقتصادياً لعلاقة المغرب بهذا البلد؟
إن إعادة فتح سفارة بلادنا بدمشق بتعليمات ملكية سامية، وكذا اعادة فتح السفارة السورية بالرباط سوف تفتح فرصا كثيرة وآفاق واعدة للعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين الشقيقين، في إطار جديد يحفز الطرفين، حكومة وقطاع خاص وفاعلين ثقافيين، على استكشاف مجالات التعاون والشراكة وتوسيعها لما فيه مصلحة البلدين.
إقرأ أيضا: بحضور ممثلين عن المغرب.. السلطات السورية تؤكد إغلاق المقرات التي كان يشغلها انفصاليو «البوليساريو» بدمشق
أعتقد ان هناك ضرورة اعادة النظر في كل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين وتكييفها مع الوضع الجديد، وعلى أساس مجالات العلاقات الواعدة بين البلدين. ثمّة الكثير من المشتركات الثقافية والفنية بين المغرب وسوريأ. ذلك إنّ المغرب كان دائماً سبّاقاً إلى الإنتاج الثقافي السوري خلال مراحل مختلفة من تاريخه الراهن.
ـ هل تعتقد أنّ تأصيل العلاقة من جديد بين البلدين، سينعكس بشكل تلقائي على المستوى الثقافي؟
العلاقات الثقافية من أهم مجالات التعاون بين البلدين والشعبين الشقيقين. أظن أن الدبلوماسية الثقافية سوف تعمل بحيوية لتدارك ما فات من فرص ثمينة لتعزيز العلاقات الثقافية. من مجالاتها تصوير عدد كبير من الأفلام والمسلسلات السورية في المغرب، وكل من شارك فيها كان يبدي إعجابه ببلادنا وبالتسهيلات المتوفرة.
كذلك، هناك مشاركة ممثلات وممثلين من بلادنا بحرفية عالية في هذه الأعمال الفنية وفي تظاهرات ثقافية أخرى، كمهرجان دمشق الدولي للسينما، الذي كرم كثيرا من الممثلين والممثلات المغاربة.
كما شارك مطربون ومطربات مغاربة في مهرجانات غنائية في سوريا. وأستحضر هنا الاحترام والإعجاب الذي كان يكنه المرحوم الاستاذ صباح فخري، للمغرب والمطربين المغاربة.
ـ من ضمن المبادرات التي شجّعت المغرب على إعادة فتح سفارته في دمشق هو أنّ الحكومة السورية قامت بإغلاق جميع مقرّات مليشيات البوليساريو، اقتناعا منها بمغربية الصحراء. ما رأيك في هذه الخطوة؟ وكيف ستنعكس إيجاباً على مصير البلدين داخل محيطهما الإقليمي والعربي؟
إن القرار الرسمي السوري الواضح بغلق مقر الانفصاليين بحضور وفد مغربي له دلالات عميقة. أولا، القرار اتسم بالشفافية والوضوح والخروج من ضبابية موقف النظام السابق بخصوص وحدتنا الترابية. وهو التزام لا غبار عليه للمضي قدما في تعزيز العلاقات مع المغرب واعتباره شريكا له مصداقية، يمكن لسوريا الجديدة الاستفادة من طاقاته وقدراته وكفاءاته في كل المجالات ومن بينها إعادة إعمار سوريا.
وأذكر هنا بما قاله الملك محمد السادس في خطابه السامي بتاريخ 20 غشت 2022: أن «ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب الى العالم وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس